شرح سنن أبي داود [381]


الحلقة مفرغة

شرح حديث ( أن رجلاً قام يوم الفتح فقال يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن رجلاً قام يوم الفتح فقال: يا رسول الله! إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: صل ههنا، ثم أعاد عليه، فقال: صل ههنا، ثم أعاد عليه، فقال: شأنك إذاً) ].

أورد أبو داود [ باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس ]، إذا نذر أن يصلي في بيت المقدس فله أن يصلي فيما هو أفضل منه، كمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الحرام، وأما نذر الصلاة في مسجد آخر غير المساجد الثلاثة ويحتاج الأمر إلى شد رحل فلا يجوز له ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)، وإذا نذر أن يصلي في المسجد الأقصى، فإنه يفي بنذره إذا صلى في المسجد الحرام، أو في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما أفضل منه، وإن شد الرحل إليه وصلى فيه، ولم يصل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في المسجد الحرام فله ذلك.

وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي ركعتين في بيت المقدس، فقال: صل ههنا، فأعاد عليه، فقال: صل ههنا، فأعاد عليه، فقال: شأنك إذاً) أي: اذهب إذا شئت، وما دمت عازماً على هذا فلك ذلك، أي: أنه لا يلزمه أن يصلي هنا، ولكن الذي أرشده رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه يكفيه ويغنيه عن أن يصلي في بيت المقدس، لكن إن أراد أن يذهب فله أن يذهب؛ لأنه قال: (شأنك إذاً) أي: إذا كان الأمر كذلك فكما تريد.

فالذي أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إليه يغني عنه، ويريحه من التعب؛ لأنه سيصلي في المكان الفاضل، فيكفيه عن المفضول، لكن لو نذر وهو في بيت المقدس أن يصلي في المسجد النبوي، أو في المسجد الحرام، فلا يجزيه أن يصلي هناك؛ لأنه نذر أن يذهب إلى مكان فاضل، والمسجد الأقصى دون المسجدين: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.

فمن نذر أن يذهب إلى المسجد الأقصى ويصلي فيه إذا لم يستطع ولم يتمكن فله أن يصلي في المسجد الحرام أو المسجد النبوي إذا أمكنه ذلك، وإن لم يرد أن يصلي في المسجد الحرام، أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويريد أن يذهب إلى المسجد الأقصى فله ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث ( أن رجلاً قام يوم الفتح فقال يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ... )

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ].

موسى بن إسماعيل مر ذكره، وحماد هو ابن سلمة، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ أخبرنا حبيب المعلم ].

حبيب المعلم صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عطاء بن أبي رباح ].

عطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر بن عبد الله ].

جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ قال أبو داود : روي نحوه عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم ].

أي: نحو حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ( أن رجلاً قام يوم الفتح ...) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد حدثنا أبو عاصم (ح) وحدثنا عباس العنبري المعنى حدثنا روح عن ابن جريج أخبرني يوسف بن الحكم بن أبي سفيان أنه سمع حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف وعمرو -وقال عباس : ابن حنة- أخبراه عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر، زاد: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي بعث محمداً بالحق! لو صليت ههنا لأجزأ عنك صلاة في بيت المقدس) ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مثل الذي قبله، أي: في قصة الرجل الذي نذر أن يصلي في المسجد الأقصى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صل ههنا) وأنه راجعه مرتين, وفي الثالثة قال: (شأنك إذاً) أي: افعل ما شئت، ولكنه زاد هنا: (والذي بعث محمداً بالحق لو صليت ههنا لأجزأ عنك صلاة في بيت المقدس)، فهذا تأكيد لما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إليه مرتين، وهو يقول له: صل ههنا... صل ههنا، وفي الثالثة قال: شأنك إذاً، فأكد له بأن هذا الذي أرشده إليه أولى له من أن يذهب، ولذا قال: (لو صليت ههنا لأجزأك)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (صل ههنا) واضح في أن هذا يجزئه.

والحديث في إسناده عدد من الرواة مقبولون، وقد ضعفه الألباني، ولكن في الحقيقة هذا الحديث يختلف عن الذي قبله؛ وإنما هو بمعنى الذي قبله، لأن قوله: (والذي بعث محمداً بالحق! لو صليت ههنا) مطابق لقوله: (صل ههنا)، فيعتبر شاهداً للذي قبله، أو مثل الذي قبله وليس فيه شيء جديد، وإنما هو تأكيد للشيء الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم له مرتين.

تراجم رجال إسناد حديث (أن رجلاً قام يوم الفتح ...) من طريق ثانية

قوله: [ حدثنا مخلد بن خالد ].

مخلد بن خالد ثقة أخرج له مسلم وأبو داود .

[ حدثنا أبو عاصم ].

هو الضحاك بن مخلد أبو عاصم النبيل، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ (ح) وحدثنا عباس العنبري ].

(ح) هي للتحول من إسناد إلى إسناد، وعباس العنبري هو عباس بن عبد العظيم العنبري، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ حدثنا روح ].

هو روح بن عبادة، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج، وقد مر ذكره.

[ أخبرني يوسف بن الحكم بن أبي سفيان ].

يوسف بن الحكم لم يحكم عليه الحافظ، ولكنه روى عنه اثنان فأكثر، ولم يذكر فيه جرح ولا تعديل فهو مجهول الحال، كما ذكر ذلك بعض المحققين للتقريب.

[ أنه سمع حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ].

حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف مقبول أخرج له أبو داود .

[ وعمرو وقال عباس : ابن حنة ].

أي: أن الشيخ الأول الذي هو مخلد بن خالد قال: عمرو، ولم يقل: ابن حنة ، وأما عباس الذي هو الشيخ الثاني فأضاف نسبته وقال: ابن حنة.

وعمرو بن حنة هذا مقبول، أخرج له أبو داود .

[ عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف ].

عمر بن عبد الرحمن بن عوف مقبول، أخرج له أبو داود .

[ عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر ].

أي: بهذا الخبر المتقدم وفيه الزيادة هذه، وإبهام الصحابي أو الصحابة لا يؤثر، وقد ذكر أبو داود بعد ذلك في طريق أخرى أن منهم عبد الرحمن بن عوف .

شرح حديث (أن رجلاً قام يوم الفتح ...) من طريق ثالثة وتراجم رجاله

[ قال أبو داود : رواه الأنصاري عن ابن جريج فقال: جعفر بن عمر ، وقال: عمرو بن حية ، وقال: أخبراه عن عبد الرحمن بن عوف، وعن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ].

ذكر من هؤلاء الرجال عبد الرحمن بن عوف، وذكر أنه روي عن رجال آخرين من هذه الطريق التي هي طريق الأنصاري، والأنصاري هو محمد بن عبد الله الأنصاري، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وقوله: [ عن ابن جريج فقال: جعفر بن عمر ].

أي: أن ابن جريج قال: جعفر بن عمر بدل حفص بن عمر.

[ وقال: عمرو بن حية ].

أي: أنه نسبه، وقال بدل حنة بالنون: حية بالياء.

[ وقال: أخبراه عن عبد الرحمن بن عوف ، وعن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ].

أي: فيه ذكر أو تسمية واحد من هؤلاء الرجال الذين أبهموا في الطريق التي أوردها أولاً، وهو عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه.

ولم يذكر الحافظ شيئاً عن جعفر بن عمر ، فإما أن يكون تصحيفاً، أو أن يكون شخصاً آخر، لكن ليس من رجال الكتب الستة؛ لأنه لم يذكر له ترجمة في التقريب.

حكم من ترك النذر وفعل أفضل منه

ولو فعل أمراً أفضل من الذي نذره فإنه يجزئه، فمثلاً: من نذر أن يتصدق بفضة، فأخرج ذهباً فلا باس؛ لأنه أتى بالمقصود، ولو نذر أن يذبح شاة، وذبح بقرة، أو ذبح بدنة فإنه يجزئه بلا شك.

من نذر صيام شهر لا يجزئه صيام رمضان

ومن نذر أن يصوم شهراً مطلقاً فلا يجزئه أن يصوم رمضان لكونه أفضل الشهور؛ لأن هذا واجب بحكم الشرع على المسلمين جميعاً، وهو أوجب على نفسه شيئاً يخصه، فيصوم غير رمضان.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا حبيب المعلم عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: (أن رجلاً قام يوم الفتح فقال: يا رسول الله! إني نذرت لله إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، قال: صل ههنا، ثم أعاد عليه، فقال: صل ههنا، ثم أعاد عليه، فقال: شأنك إذاً) ].

أورد أبو داود [ باب من نذر أن يصلي في بيت المقدس ]، إذا نذر أن يصلي في بيت المقدس فله أن يصلي فيما هو أفضل منه، كمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسجد الحرام، وأما نذر الصلاة في مسجد آخر غير المساجد الثلاثة ويحتاج الأمر إلى شد رحل فلا يجوز له ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)، وإذا نذر أن يصلي في المسجد الأقصى، فإنه يفي بنذره إذا صلى في المسجد الحرام، أو في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنهما أفضل منه، وإن شد الرحل إليه وصلى فيه، ولم يصل في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو في المسجد الحرام فله ذلك.

وقد أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه: (أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي ركعتين في بيت المقدس، فقال: صل ههنا، فأعاد عليه، فقال: صل ههنا، فأعاد عليه، فقال: شأنك إذاً) أي: اذهب إذا شئت، وما دمت عازماً على هذا فلك ذلك، أي: أنه لا يلزمه أن يصلي هنا، ولكن الذي أرشده رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه يكفيه ويغنيه عن أن يصلي في بيت المقدس، لكن إن أراد أن يذهب فله أن يذهب؛ لأنه قال: (شأنك إذاً) أي: إذا كان الأمر كذلك فكما تريد.

فالذي أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إليه يغني عنه، ويريحه من التعب؛ لأنه سيصلي في المكان الفاضل، فيكفيه عن المفضول، لكن لو نذر وهو في بيت المقدس أن يصلي في المسجد النبوي، أو في المسجد الحرام، فلا يجزيه أن يصلي هناك؛ لأنه نذر أن يذهب إلى مكان فاضل، والمسجد الأقصى دون المسجدين: المسجد الحرام ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم.

فمن نذر أن يذهب إلى المسجد الأقصى ويصلي فيه إذا لم يستطع ولم يتمكن فله أن يصلي في المسجد الحرام أو المسجد النبوي إذا أمكنه ذلك، وإن لم يرد أن يصلي في المسجد الحرام، أو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ويريد أن يذهب إلى المسجد الأقصى فله ذلك.

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد ].

موسى بن إسماعيل مر ذكره، وحماد هو ابن سلمة، وهو ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ أخبرنا حبيب المعلم ].

حبيب المعلم صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عطاء بن أبي رباح ].

عطاء بن أبي رباح ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جابر بن عبد الله ].

جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما صحابي، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ قال أبو داود : روي نحوه عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم ].

أي: نحو حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مخلد بن خالد حدثنا أبو عاصم (ح) وحدثنا عباس العنبري المعنى حدثنا روح عن ابن جريج أخبرني يوسف بن الحكم بن أبي سفيان أنه سمع حفص بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف وعمرو -وقال عباس : ابن حنة- أخبراه عن عمر بن عبد الرحمن بن عوف عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر، زاد: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (والذي بعث محمداً بالحق! لو صليت ههنا لأجزأ عنك صلاة في بيت المقدس) ].

أورد أبو داود هذا الحديث عن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مثل الذي قبله، أي: في قصة الرجل الذي نذر أن يصلي في المسجد الأقصى، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (صل ههنا) وأنه راجعه مرتين, وفي الثالثة قال: (شأنك إذاً) أي: افعل ما شئت، ولكنه زاد هنا: (والذي بعث محمداً بالحق لو صليت ههنا لأجزأ عنك صلاة في بيت المقدس)، فهذا تأكيد لما أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إليه مرتين، وهو يقول له: صل ههنا... صل ههنا، وفي الثالثة قال: شأنك إذاً، فأكد له بأن هذا الذي أرشده إليه أولى له من أن يذهب، ولذا قال: (لو صليت ههنا لأجزأك)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (صل ههنا) واضح في أن هذا يجزئه.

والحديث في إسناده عدد من الرواة مقبولون، وقد ضعفه الألباني، ولكن في الحقيقة هذا الحديث يختلف عن الذي قبله؛ وإنما هو بمعنى الذي قبله، لأن قوله: (والذي بعث محمداً بالحق! لو صليت ههنا) مطابق لقوله: (صل ههنا)، فيعتبر شاهداً للذي قبله، أو مثل الذي قبله وليس فيه شيء جديد، وإنما هو تأكيد للشيء الذي ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم له مرتين.