شرح سنن أبي داود [208]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: ( وقت النبي لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قَرَن ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المواقيت.

حدثنا القعنبي عن مالك ح وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (وقّت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، وبلغني أنه وقت لأهل اليمن يلملم) ].

قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في المواقيت، أي: المواقيت المكانية التي إذا جاء الإنسان إلى مكة ماراً بها يريد الحج أو العمرة فإنه لا يتجاوزها حتى يحرم من هذه المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، وقرن المنازل لأهل نجد، ويلملم لأهل اليمن، وذات عرق لأهل العراق.

هذه هي المواقيت التي جاءت بها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي لا يجوز للإنسان أن يتجاوزها إلا وقد أحرم، ويمكن للإنسان وهو في المدينة أن يتهيأ للإحرام وهو في منزله، فيغتسل ويتنظف ويتهيأ ويلبس الإزار والرداء، وإذا جاء الميقات فإنه ينوي ويلبي، فيكون استعداده وتهيئه قبل ذلك في المدينة.

وإذا جاء الميقات فإن نزل وجاء إلى المسجد وصلى فيه، ثم أحرم بعد ذلك، فلا بأس، وإن أراد أن يحرم دون أن ينزل فعندما تكون السيارة في محاذاة مسجد ذي الحليفة، فإنه ينوي ويلبي ولو لم تقف السيارة، ولو لم تنزل إلى المكان الذي فيه المسجد، وإنما يستعد قبل ذلك، ولكن ينوي من الميقات، ويلبي من الميقات.

وكذلك الحال في حق من يريد السفر بالطائرة من المدينة، فإنه يتهيأ وهو في منزله، ويلبس إزاره ورداءه، وإذا وصل إلى المطار وركب الطائرة فإذا تحركت الطائرة للإقلاع فإنه ينوي ويلبي؛ لأنها إذا أقلعت تسير بسرعة، فقد تتجاوز الميقات الذي هو على مقربة من المدينة.

فالحاصل: أن الإحرام والنية تكون من الميقات، الاستعداد يكون قبل ذلك، وكذلك بالنسبة لمن يأتي في الطائرات فإنه يتهيأ ويغتسل ويلبس إزاره ورداءه وهو في بلده، ثم يركب الطائرة وعليه الإزار والرداء، وإذا أقبلت الطائرة على الميقات فإنه ينوي ويلبي، وإذا شك أو خاف أنه لا يعرف أو لا ينبه للميقات ويخشى أن يفوته دون أن يحرم فله أن يحرم قبل ذلك بمسافة ولا بأس بذلك، فالإحرام قبل الميقات يصح، ويصح أيضاً بعد الميقات ولكن فيه مخالفة، فيكون مرتكباً لذنب.

فإذا أحرم قبله صح إحرامه، وصحت نيته، ويلزمه أن يستمر على الإحرام، لكن السنة أن يكون ذلك من الميقات، والمواقيت هي المذكورة في هذه الأحاديث، وهذه المواقيت هي لأهل تلك البلاد ولمن مر على تلك البلاد من غير أهلها.

فمثلاً من كان من أهل اليمن ووصل إلى المدينة وأراد أن يحرم بالحج أو العمرة فإنه يحرم من ميقات المدينة، فمن يريد دخول مكة للحج أو العمرة فإنه يحرم من الميقات الذي مر به، ولو لم يكن من أهل ذلك البلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن).

والذي يلزمه الإحرام هو من يريد الحج والعمرة، وأما من لا يريد حجاً ولا عمرة، ويريد أن يذهب إلى مكة للتجارة أو للزيارة فإنه لا يلزمه الإحرام وإن مرّ بالميقات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ) أي: من مر عليهن مريداً حجاً وعمرة، فهذا هو الذي يلزمه الإحرام منها ولا يتجاوزها إلا محرماً.

قوله: (ومن كان دون ذلك) أي: دون المواقيت، وذلك مثل أهل جدة، فإنهم يحرمون من جدة، ومثل أهل وداي فاطمة، فإنهم يحرمون من وداي فاطمة، وكذلك الأماكن التي تكون بين الميقات وبين مكة، فإن أهلها يحرمون منها، ولا يتجاوزونها غير محرمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ).

وكذلك لو أن إنساناً ذهب من المدينة لا يريد حجاً ولا عمرة، وعندما كان في الطريق طرأ عليه قصد وإرادة الحج أو العمرة، فيحرم من المكان الذي طرأت فيه تلك الرغبة، وما دام أنه مر بالميقات ولم يكن يرد حجاً ولا عمرة فمروره صحيح، ولكنه لابد أن يحرم من حيث قصد ونوى الحج والعمرة.

ويحرم أهل مكة للحج من مكة، وأما بالنسبة للعمرة فإنهم يخرجون إلى الحل ليحرموا منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلبت منه عائشة أن تحرم بعمرة، أمرها أن تخرج إلى أدنى الحل، فخرجت وأحرمت، فيجمع في عمرته بين الحل والحرم، كما أن الحج يجمع فيه بين الحل والحرم.

تراجم رجال إسناد حديث: ( وقت النبي لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قَرَن ... )

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح وحدثنا أحمد بن يونس ].

أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا مالك عن نافع ].

نافع مولى ابن عمر وهو ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمر ].

هو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود.

وما جاء في آخر الحديث من قول ابن عمر : (وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل اليمن يلملم) أي: أنه يروي ذلك بواسطة، ولم يسمعه مباشرة، وقد جاء ذلك صريحاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث، وذلك كما في حديث ابن عباس الذي بعد هذا، وقول ابن عمر : بلغني لا يؤثر؛ لأنه إنما يأخذ عن الصحابة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في المواقيت.

حدثنا القعنبي عن مالك ح وحدثنا أحمد بن يونس حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: (وقّت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن، وبلغني أنه وقت لأهل اليمن يلملم) ].

قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في المواقيت، أي: المواقيت المكانية التي إذا جاء الإنسان إلى مكة ماراً بها يريد الحج أو العمرة فإنه لا يتجاوزها حتى يحرم من هذه المواقيت التي وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي ذو الحليفة لأهل المدينة، والجحفة لأهل الشام، وقرن المنازل لأهل نجد، ويلملم لأهل اليمن، وذات عرق لأهل العراق.

هذه هي المواقيت التي جاءت بها الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي لا يجوز للإنسان أن يتجاوزها إلا وقد أحرم، ويمكن للإنسان وهو في المدينة أن يتهيأ للإحرام وهو في منزله، فيغتسل ويتنظف ويتهيأ ويلبس الإزار والرداء، وإذا جاء الميقات فإنه ينوي ويلبي، فيكون استعداده وتهيئه قبل ذلك في المدينة.

وإذا جاء الميقات فإن نزل وجاء إلى المسجد وصلى فيه، ثم أحرم بعد ذلك، فلا بأس، وإن أراد أن يحرم دون أن ينزل فعندما تكون السيارة في محاذاة مسجد ذي الحليفة، فإنه ينوي ويلبي ولو لم تقف السيارة، ولو لم تنزل إلى المكان الذي فيه المسجد، وإنما يستعد قبل ذلك، ولكن ينوي من الميقات، ويلبي من الميقات.

وكذلك الحال في حق من يريد السفر بالطائرة من المدينة، فإنه يتهيأ وهو في منزله، ويلبس إزاره ورداءه، وإذا وصل إلى المطار وركب الطائرة فإذا تحركت الطائرة للإقلاع فإنه ينوي ويلبي؛ لأنها إذا أقلعت تسير بسرعة، فقد تتجاوز الميقات الذي هو على مقربة من المدينة.

فالحاصل: أن الإحرام والنية تكون من الميقات، الاستعداد يكون قبل ذلك، وكذلك بالنسبة لمن يأتي في الطائرات فإنه يتهيأ ويغتسل ويلبس إزاره ورداءه وهو في بلده، ثم يركب الطائرة وعليه الإزار والرداء، وإذا أقبلت الطائرة على الميقات فإنه ينوي ويلبي، وإذا شك أو خاف أنه لا يعرف أو لا ينبه للميقات ويخشى أن يفوته دون أن يحرم فله أن يحرم قبل ذلك بمسافة ولا بأس بذلك، فالإحرام قبل الميقات يصح، ويصح أيضاً بعد الميقات ولكن فيه مخالفة، فيكون مرتكباً لذنب.

فإذا أحرم قبله صح إحرامه، وصحت نيته، ويلزمه أن يستمر على الإحرام، لكن السنة أن يكون ذلك من الميقات، والمواقيت هي المذكورة في هذه الأحاديث، وهذه المواقيت هي لأهل تلك البلاد ولمن مر على تلك البلاد من غير أهلها.

فمثلاً من كان من أهل اليمن ووصل إلى المدينة وأراد أن يحرم بالحج أو العمرة فإنه يحرم من ميقات المدينة، فمن يريد دخول مكة للحج أو العمرة فإنه يحرم من الميقات الذي مر به، ولو لم يكن من أهل ذلك البلد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن).

والذي يلزمه الإحرام هو من يريد الحج والعمرة، وأما من لا يريد حجاً ولا عمرة، ويريد أن يذهب إلى مكة للتجارة أو للزيارة فإنه لا يلزمه الإحرام وإن مرّ بالميقات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هن لهن، ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ) أي: من مر عليهن مريداً حجاً وعمرة، فهذا هو الذي يلزمه الإحرام منها ولا يتجاوزها إلا محرماً.

قوله: (ومن كان دون ذلك) أي: دون المواقيت، وذلك مثل أهل جدة، فإنهم يحرمون من جدة، ومثل أهل وداي فاطمة، فإنهم يحرمون من وداي فاطمة، وكذلك الأماكن التي تكون بين الميقات وبين مكة، فإن أهلها يحرمون منها، ولا يتجاوزونها غير محرمين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ).

وكذلك لو أن إنساناً ذهب من المدينة لا يريد حجاً ولا عمرة، وعندما كان في الطريق طرأ عليه قصد وإرادة الحج أو العمرة، فيحرم من المكان الذي طرأت فيه تلك الرغبة، وما دام أنه مر بالميقات ولم يكن يرد حجاً ولا عمرة فمروره صحيح، ولكنه لابد أن يحرم من حيث قصد ونوى الحج والعمرة.

ويحرم أهل مكة للحج من مكة، وأما بالنسبة للعمرة فإنهم يخرجون إلى الحل ليحرموا منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما طلبت منه عائشة أن تحرم بعمرة، أمرها أن تخرج إلى أدنى الحل، فخرجت وأحرمت، فيجمع في عمرته بين الحل والحرم، كما أن الحج يجمع فيه بين الحل والحرم.

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

القعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح وحدثنا أحمد بن يونس ].

أحمد بن يونس هو أحمد بن عبد الله بن يونس الكوفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا مالك عن نافع ].

نافع مولى ابن عمر وهو ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمر ].

هو الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد رباعي، وهو من أعلى الأسانيد عند أبي داود.

وما جاء في آخر الحديث من قول ابن عمر : (وبلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل اليمن يلملم) أي: أنه يروي ذلك بواسطة، ولم يسمعه مباشرة، وقد جاء ذلك صريحاً من قول النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث، وذلك كما في حديث ابن عباس الذي بعد هذا، وقول ابن عمر : بلغني لا يؤثر؛ لأنه إنما يأخذ عن الصحابة.

حكم الإحرام من جدة لمن جاء من المغرب أو السودان

السؤال: ما حكم الإحرام من جدة لمن جاء من المغرب أو من السودان؟

الجواب: جدة ليست من المواقيت، وإنما هي داخل المواقيت، فمن أتى على جدة فإنه يحرم من البحر أو من الجو قبل أن يصل إليها، فإن كان أقرب ما يكون من الجنوب فإنه يحرم بمحاذاة يلملم، وإن كان أقرب إلى الجحفة -وهو ميقات أهل الشام- فإنه يحرم بمحاذاته، ولا يؤخر الإحرام إلى جدة؛ لأن جدة داخل المواقيت.

حكم النزول في وادي العقيق

السؤال: بالنسبة لميقات أهل المدينة، نحن نعلم الآن أنه يجوز للمحرم أن ينزل، ويجوز له أن يمضي دون النزول إلى الميقات، لكن هذا الميقات ورد دليل على أنه وادٍ مبارك، فما حكم النزول هناك؟

الجواب: لا بأس بذلك، وهو ليس بلازم، فالإنسان إذا أراد أن يواصل المسير فله أن يواصل، وإن أراد أن ينزل ويصلي في هذا الوادي المبارك فله ذلك، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتاني آت فقال: صل في هذا الواده المبارك)، فهذا أمر مستحب وليس بلازم.

السؤال: ما حكم الإحرام من جدة لمن جاء من المغرب أو من السودان؟

الجواب: جدة ليست من المواقيت، وإنما هي داخل المواقيت، فمن أتى على جدة فإنه يحرم من البحر أو من الجو قبل أن يصل إليها، فإن كان أقرب ما يكون من الجنوب فإنه يحرم بمحاذاة يلملم، وإن كان أقرب إلى الجحفة -وهو ميقات أهل الشام- فإنه يحرم بمحاذاته، ولا يؤخر الإحرام إلى جدة؛ لأن جدة داخل المواقيت.

السؤال: بالنسبة لميقات أهل المدينة، نحن نعلم الآن أنه يجوز للمحرم أن ينزل، ويجوز له أن يمضي دون النزول إلى الميقات، لكن هذا الميقات ورد دليل على أنه وادٍ مبارك، فما حكم النزول هناك؟

الجواب: لا بأس بذلك، وهو ليس بلازم، فالإنسان إذا أراد أن يواصل المسير فله أن يواصل، وإن أراد أن ينزل ويصلي في هذا الوادي المبارك فله ذلك، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أتاني آت فقال: صل في هذا الواده المبارك)، فهذا أمر مستحب وليس بلازم.

شرح حديث ابن عباس في المواقيت

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد عن عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما، وعن ابن طاوس عن أبيه قالا: وقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمعناه، وقال أحدهما: (ولأهل اليمن ألملم) ].

أورد المصنف حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وهو بمعنى حديث ابن عمر ، وفي بعض طرقه أنه قال: (ولأهل اليمن يلملم) أي: وقت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن يلملم، وفي هذا التنصيص على توقيت النبي صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن يلملم، كما وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل الشام الجحفة.

قوله: [ وقال أحدهما: ألملم ].

أي: بدل يلملم، فذكر بدل الياء همزة.

قال: (فهن لهن، ولمن أتى عليهن من أهلهن، ممن كان يريد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك -قال ابن طاوس: فمن حيث أنشأ، قال: وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها) ].

وهذا قد مر الكلام عليه.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عباس في المواقيت

قوله: [ حدثنا سليمان بن حرب ].

سليمان بن حرب ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

هو حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمرو بن دينار ].

عمرو بن دينار ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن طاوس ].

طاوس بن كيسان ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن عباس ].

عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ وعن ابن طاوس عن أبيه ].

أي: رواه ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس ، فقد رواه عمرو بن دينار عن طاوس ورواه عبد الله بن طاوس عن أبيه، وأبوه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن طاوس ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (أن رسول الله وقت لأهل العراق ذات عرق)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن بهرام المدائني حدثنا المعافى بن عمران عن أفلح - يعني ابن حميد - عن القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق)، وهذا هو الميقات الخامس، وقد جاء في أحاديث خاصة، بخلاف الأربعة الأولى فإنها جاءت مجتمعة، وأما هذا فقد جاء في بعض الأحاديث.

وهذا الحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد وقت لأهل العراق ذات عرق مع أن العراق لم تفتح بعد، فهو بهذا التوقيت وغيره من الأدلة يخبر بأنها ستفتح، وقد فتحت بعد ذلك كما أخبر، ووقت أيضاً لأهل الشام مع أن الشام لم تفتح بعد، ثم فتحت بعد ذلك، وقد أخبر بأنها ستفتحان، وأن كنوز كسرى وقيصر ستنفق في سبيل الله، وقد فتحتا، وأنفقت كنوزهما في سبيل الله في عهد الفاروق رضي الله عنه وأرضاه.

تراجم رجال إسناد حديث: (أن رسول الله وقت لأهل العراق ذات عرق)

قوله: [ حدثنا هشام بن بهرام المدائني ].

هشام بن بهرام المدائني ثقة، أخرج له أبو داود والنسائي

[ حدثنا المعافى بن عمران ].

المعافى بن عمران الموصلي ، وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .

[ عن أفلح - يعني ابن حميد - ].

أفلح بن حميد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن القاسم بن محمد ].

القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وهو ثقة فقيه، أحد فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها وأرضاها، وهي عمته، وهي الصديقة بنت الصديق ، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن يزيد بن أبي زياد عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (وقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل المشرق العقيق) ].

أورد أبو داود حديث ابن عباس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لأهل المشرق العقيق)، والعقيق مكان آخر غير ذات عرق، والذي ثبتت به الأحاديث هو ذات عرق، كما مر في الحديث السابق وغيره من الأحاديث، وأما العقيق فإنه لم يثبت به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي إسناده انقطاع، وأحد رواته متكلم فيه، كما سيأتي.

تراجم رجال إسناد حديث: (وقّت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل المشرق العقيق)

قوله: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ].

أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا وكيع ].

وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ، ثقة فقيه، وصف بأنه أمير المؤمنين في الحديث، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

[ عن يزيد بن أبي زياد ].

يزيد بن أبي زياد ضعيف، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن محمد بن علي بن عبد الله ].

محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وهو ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن عبد الله بن عباس ].

وهو جده، والمعروف روايته عن أبيه عن جده، وأما روايته عن جده فقد قال الحافظ في التقريب: إنها لم تثبت، وعلى هذا ففي هذا الحديث علة، وهي عدم الاتصال، وكذلك فيه يزيد بن أبي زياد .

شرح حديث: (من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن أبي فديك عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي عن جدته حكيمة عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (من أهلّ بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، أو وجبت له الجنة)، شك عبد الله أيتهما.

قال أبو داود : يرحم الله وكيعاً ! أحرم من بيت المقدس، يعني: إلى مكة ].

أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أهل بحجة أو عمرة)، وهذا للتنويع، أي: هذه أو هذه، (من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تأخر من ذنبه وما تأخر أو وجبت له الجنة)، شك عبد الله بن عبد الرحمن بن المثنى ، أيتهما قال، هل قال: (غفر له ما تقدم وما تأخر من ذنوبه أو وجبت له الجنة).

والحديث غير صحيح فلا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن فيه بعض المجاهيل، والإحرام إنما يكون من المواقيت، والإحرام قبل المواقيت خلاف السنة، ولكنه لو وقع صح، ويلزم الإنسان أن يمضي فيه، ولكن السنة هي الإحرام من المواقيت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقت تلك المواقيت، وأحرم صلى الله عليه وسلم من الميقات من ذي الحليفة.

تراجم رجال إسناد حديث: (من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى)

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

أحمد بن صالح المصري ثقة ، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا ابن أبي فديك ].

ابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك وهو صدوق، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس ].

عبد الله بن عبد الرحمن بن يحنس أخرج له مسلم وأبو داود .

[ عن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي ].

يحيى بن أبي سفيان الأخنسي مستور، وهذا بمعنى مجهول الحال، أخرج حديثه أبو داود وابن ماجة .

[ عن جدته حكيمة ].

جدته حكيمة مقبولة، أخرج حديثها أبو داود وابن ماجة .

[ عن أم سلمة ].

أم سلمة هي أم المؤمنين هند بنت أبي أمية رضي الله عنها وأرضاها، وحديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ قال أبو داود : يرحم الله وكيعاً أحرم من بيت المقدس، يعني إلى مكة ].

أي: أن أبا داود يخبر أن وكيعاً فعل هذا، فهو يدعو له بأن الله تعالى يرحمه، ولكن عمله خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والإحرام من بيت المقدس أو من أي مكان بعيد أنه خلاف السنة؛ فإن فيه مشقة على الإنسان، وهذا كان فيما مضى، وأما الآن فالمشقة قليلة لوجود الطائرات، فيقطع ذلك في فترة وجيزة، وأما في الماضي فقد كان من المدينة إلى مكة تسع مراحل، وذلك في تسعة أيام، ولا يصل إلى مكة إلا وقد أصيب بالعرق والوسخ، وطول المدة تؤثر في لباس الإحرام، وفيه مشقة على الإنسان، فينبغي الوقوف على ما جاءت به السنن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولو صح الحديث في فضل الإحرام من بيت المقدس لكان مستحباً، ولكن الحديث لا يصح، فوجوده مثل عدمه.

شرح حديث الحارث بن عمرو في توقيت النبي ذات عرق لأهل العراق

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج حدثنا عبد الوارث حدثنا عتبة بن عبد الملك السهمي حدثني زرارة بن كريم أن الحارث بن عمرو السهمي رضي الله عنه حدثه قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بمنى أو بعرفات، وقد أطاف به الناس، قال: فتجيء الأعراب فإذا رأوا وجهه قالوا: هذا وجه مبارك، قال: ووقّت ذات عرق لأهل العراق) ].

أورد أبو داود حديث الحارث بن عمرو السهمي رضي الله عنه: (أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بمنى وكانت تطيف به الأعراب، ويحيط به الناس، فيسألونه، ويأخذون منه السنن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: خذوا عني مناسككم، فلعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا).

فكان المسلمون يحرصون على معرفة أعماله وأقواله صلى الله عليه وسلم؛ ليسيروا في حجهم طبقاً لما يثبت عنه من السنن صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، فكان الناس يأتون إليه وفيهم من لا يعرفه، فإذا رأوه قالوا: هذا وجه مبارك، فبمجرد أن يروا وجه النبي صلى الله عليه وسلم يسروا وتنشرح صدورهم، فوقت لأهل العراق ذات عرق، أي: جعلها ميقاتاً لهم.

تراجم رجال إسناد حديث الحارث بن عمرو في توقيت النبي ذات عرق لأهل العراق

قوله: [ حدثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ].

أبو معمر عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد الوارث ].

عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عتبة بن عبد الملك السهمي ].

عتبة بن عبد الملك السهمي مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود .

[ حدثني زرارة بن كريم ].

زرارة بن كريم قيل: له رؤية، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي .

[ عن الحارث بن عمرو السهمي ]

الحارث بن عمرو السهمي رضي الله عنه صحابي، أخرج حديثه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي .

وهذا الحديث وإن كان فيه مقبول إلا أنه قد جاءت أحاديث أخرى بمعناه كما سبق في حديث عائشة .


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2650 استماع