شرح سنن أبي داود [200]


الحلقة مفرغة

شرح حديث ( ما يكون عندي من خبر فلن أدخره عنكم... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستعفاف.

حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم، حتى إذا نفد ما عنده قال: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى الله أحداً من عطاء أوسع من الصبر) ].

قال الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى: باب في الاستعفاف، والاستعفاف مأخوذ من العفة، وهو أن يستغنى عما في أيدي الناس، فلا يسأل إلا إذا كان مضطراً كما جاءت بذلك الأحاديث التي مر ذكر شيء منها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن ناساً من الأنصار جاءوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فسألوه فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفذ ما عنده، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم) يعني: لا أختص به، ولا أبقيه دون أن يصل إليكم شيء منه، وإنما يعطيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه كما هو معلوم من حاله، فهو أجود الناس عليه الصلاة والسلام كما جاء في حديث ابن عباس : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس) فكان ينفق ما يقع في يده في سبيل الله عز وجل، بل إنه عليه الصلاة والسلام كان يأخذ قوت أهل بيته من خيبر ومن فدك فيبذله وينفقه، فينتهي في وقت قريب قوت سنة، وهذا قاله بعدما فرغ ما عنده، ثم إنه صلى الله عليه وسلم أرشد إلى الاستغناء والاستعفاف فقال: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطى الله أحداً من عطاء أوسع من الصبر)؛ لأن الإنسان إذا صبر استعف واستغنى ولم يحصل منه السؤال والإلحاف في المسألة، فهذا من النبي صلى الله عليه وسلم حث على الاستغناء والاستعفاف، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)، وفيه دليل على عظم شأن الصبر وأهميته، وأن من بذل الأسباب وحرص على الصبر فإن الله تعالى يوفقه لتحصيله، ويجعله يتصف به.

ثم أرشد إلى عظيم شأن الصبر قال: (وما أعطى الله أحداً من عطاء أوسع من الصبر)، وهذا يدلنا على عظم شأن الصبر، وأن من صبر حصل له الاستعفاف والاستغناء؛ لأن الغنى هو غنى القلب، فإذا كان القلب غنياً فإن اليد تتبعه، وإذا كان القلب غير غني، واليد فيها شح فإن الكثير الذي فيها تعتبره قليلاً، وتراه يبحث عن المزيد، فيكون شأنه الأخذ وليس الإعطاء، وهذه صفة ذميمة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله ينهاكم عن ثلاث: عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات)، فقوله: (ومنع وهات) أي: أنه يطلب ولا يعطي، فيكون جموعاً منوعاً.

تراجم رجال إسناد حديث ( ما يكون عندي من خبر فلن أدخره عنكم... )

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ] .

عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور المحدث الفقيه، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عطاء بن يزيد الليثي ].

عطاء بن يزيد الليثي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سعيد الخدري ].

أبو سعيد الخدري هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشهور بنسبته وكنيته، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهم: أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس وجابر وأم المؤمنين عائشة ، فهم ستة رجال وامرأة واحدة، رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم.

شرح حديث ( من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا عبد الله بن داود ح وحدثنا عبد الملك بن حبيب حدثنا ابن المبارك وهذا حديثه عن بشير بن سلمان عن سيار أبي حمزة عن طارق عن ابن مسعود رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته، ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى: إما بموت عاجل، أو غنى عاجل) ].

أورد أبو داود حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نزلت به فاقة فأنزلها بالناس لم تسد فاقته) أي: إذا اعتمد على الناس وعول عليهم، وغفل عن الله عز وجل فإنها لا تسد فاقته.

والفاقة: هي الفقر وشدة الحاجة، فإذا عول الإنسان على الناس فإنه لا يحصل له ما يريد؛ لأنه إذا اعتمد على الناس تُرك على الناس، وأما إذا اعتمد على الله فإن الله تعالى يهيئ له الرزق من حيث لا يحتسب كما قال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:2-3]، أي: كافيه.

قوله: (ومن أنزلها بالله أوشك الله له بالغنى: إما بموت عاجل) أي: بأن يموت قريب له عنده مال فيرثه، فيصير إليه المال من جهة لم يفكر فيها، ولم تقع له على بال، بل ساقه الله إليه من حيث لم يحتسب.

(أو بغنى عاجل) أي: بأن يهيئ الله له الخير، ويهيئ له الأسباب التي توصله إلى الغنى فيحصل له الغنى.

تراجم رجال إسناد حديث ( من أصابته فاقة فأنزلها بالناس لم تسدّ فاقته .. )

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا عبد الله بن داود ].

عبد الله بن داود وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ ح وحدثنا عبد الملك بن حبيب ] .

عبد الملك بن حبيب أبو مروان وهو مقبول، أخرج حديثه أبو داود .

[ حدثنا ابن المبارك ].

ابن المبارك هو: عبد الله بن المبارك المروزي ثقة، قال عنه الحافظ ابن حجر بعد أن ذكر كثيراً من صفاته الحسنة: جمعت فيه خصال الخير.

[ وهذا حديثه ].

أي: حديث ابن المبارك صاحب الطريقة الثانية.

[ عن بشير بن سلمان ].

بشير بن سلمان ثقة يغرب، أخرج له البخاري في (الأدب المفرد) ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن سيار أبو حمزة ].

سيار أبي حمزة مقبول، أخرج له البخاري في الأدب المفرد وأبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن طارق ].

طارق بن شهاب ، وقد ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم. ولم يسمع منه، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن مسعود ].

عبد الله بن مسعود الهذلي صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

وهذا الحديث صححه الشيخ الألباني ، وفيه هذا الرجل المقبول، فلعل له شواهد.

شرح حديث ( إن كنت سائلاً لابد فاسأل الصالحين )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد قال: حدثنا الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن بكر بن سوادة عن مسلم بن مخشي عن ابن الفراسي : (أن الفراسي قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أسأل يا رسول الله؟! فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: لا، وإن كنت سائلاً لابد فاسأل الصالحين) ].

أورد أبو داود حديث الفراسي رضي الله عنه أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أسأل يا رسول الله! يستأذنه في أن يسأل والأصل: أأسأل؟ فحذفت همزة الاستفهام.

قوله: (فقال: لا) أي: لا تسأل، وإن كنت بحاجة إلى السؤال فاسأل الصالحين؛ لأن سؤال أهل الصلاح فيه منافع من ذلك أنّ مال أهل الصلاح جاء من طريق حلال، وهذا بخلاف الفاسق، وربما إذا سأله استذله.

وفي إسناد هذا الحديث من هو متكلم فيه، وهو مسلم بن مخشي ، وقد ضعف هذا الحديث الشيخ الألباني ، ولكن لا شك أن الإنسان إذا كان سائلاً فليسأل أهل الخير والصلاح والاستقامة، وهذا أولى من أن يسأل أهل الفسق، والحديث كما قلنا لم يثبت من حيث الإسناد.

تراجم رجال إسناد حديث ( إن كنت سائلاً لابد فاسأل الصالحين )

قوله: [ حديثا قتيبة بن سعيد ].

قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الليث بن سعد ].

ثقة فقيه أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن جعفر بن ربيعة ] .

جعفر بن ربيعة المصري وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بكر بن سوادة ].

بكر بن سوادة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن مسلم بن مخشي ].

مسلم بن مخشي مقبول أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.

[ عن ابن الفراسي ].

ابن الفراسي قال الحافظ : لا يُعرف اسمه، قلت: هذه الجهالة في معرفة اسمه وليست في الحكم عليه فقد يكون صحابياً لا يعرف اسمه، وهنا روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعضه أنه روى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم.

أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن أبيه ].

أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة.

شرح حديث ( إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو الوليد الطيالسي حدثنا الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن ابن الساعدي رضي الله عنه قال: (استعملني عمر رضي الله عنه على الصدقة، فلما فرغت منها وأديتها إليه أمر لي بعمالة فقلت: إنما عملت لله وأجري على الله، قال: خذ ما أعطيت، فإني قد عملت على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعملني، فقلت مثل قولك، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق) ].

أورد أبو داود حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وذلك أن عمر استعمل ابن الساعدي على الصدقة، أي: عاملاً على جبايتها؛ ولما فرغ أعطاه العمالة، وهي ما يقابل عمله، فقال: إني إنما عملت لوجه الله عز وجل ولا أريد شيئاً، فقال: خذه فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعملني على الصدقة فقلت ما قلت، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا أعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق.

فالحديث يدل على بعث العمال على الصدقة، وإعطائهم مقابل عملهم، وقد جاء في القرآن أن العاملين عليها من أهل مصارف الزكاة، وأنهم يعطون ولو كانوا أغنياء، وفيه أن الإنسان إذا عمل لوجه الله عز وجل ثم حصل له شيء فإن ذلك لا يؤثر في قصده، فله أن يأخذه، ويكون هذا من الثواب الذي يعجله الله عز وجل له في الدنيا قبل الآخرة، فهذا الرجل وقبله عمر ذكر أنه عمل ذلك لوجه الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (خذ) أي: كل وتصدق، واستفد وأفد، وأنفق على نفسك وعلى غيرك.

وفي هذا أن الإنسان إذا عمل عملاً لوجه الله تعالى ثم أعطي عطاء على ذلك فإنه يأخذ، ويكون له الأجر والثواب عند الله عز وجل، ومعلوم أنه يجوز للمرء أن يدخل في العمل كجباية الزكاة وهو يريد الأجر على ذلك، فلا مانع من ذلك، وقد جاء في قصة الفضل بن عباس ورفيقه اللذين جاءا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبان منه أن يوليهما على الصدقة ليحصل لهما شيء يتزوجان به، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الزكاة لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)، ثم أمر العباس بأن يزوج ابنه، وأمر بمقدار من المال لتزوجيهما، فدل ذلك على أن الإنسان إذا عمل عملاً ووجد أجراً على ذلك فلا بأس به، وإذا عمل عملاً يستحق عليه أجراً فترك الأجر لوجه الله، فأعطي مع ذلك فلا مانع منه، ويكون ذلك من الثواب المعجل الذي يعجله الله للإنسان في الدنيا قبل الآخرة.

وأما تعليم القرآن وأخذ الأجرة عليه ففيه خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال بعدم أخذ الأجرة عليه، وإنما يؤخذ الجُعل، وكذلك ما يكون في الأوقاف، أو من بيت المال، فلا بأس بذلك.

وأما المؤاجرة على ذلك، وكون الإنسان في أعمال الخير كتعليم القرآن، وإمامة المساجد، والأذان وغير ذلك من القرب ويعتبر نفسه أجيراً، أو أنه مثل أصحاب المهن والحرف، فليس مثلهم، ولكنه إذا جُعل له شيء من بيت المال، أو خُصص لمن يتفرغ لهذه المهمة، أو إذا كانت هناك أوقاف أوقفت على وجوه الخير كأئمة المساجد، والمؤذنين، ومعلمي القرآن، فإنهم يأخذون ذلك ولهم ثوابهم عند الله عز وجل، ويكون هذا من الثواب المعجل الذي يحصله الإنسان في الدنيا قبل الآخرة، وإنما المحذور في هذا هو يُعلِّم القرآن أو أن يكون إماماً ويصلي بالناس ولا يفعل ذلك إلا بأجرة، ويتفق معهم على أجرة، وقد ذكر الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمة الله عليه في (آداب المشي إلى الصلاة) أن الإمام أحمد سئل عن رجل يقول: أصلي بكم رمضان بكذا وكذا درهماً، فقال: أسأل الله العافية، ومن يصلي خلف هذا؟

لكن لو صلى ولم يطلب منهم شيئاً فأعطوه أو جمعوا له شيئاً، أو كانت هناك أوقاف فأعطي منها فلا بأس بذلك، ويكون هذا من الثواب المعجل.

تراجم رجال إسناد حديث (إذا أُعطيت شيئاً من غير أن تسأله فكل وتصدق)

[ حدثنا أبو الوليد الطيالسي ].

أبو الوليد الطيالسي هو هشام بن عبد الملك الطيالسي ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الليث عن بكير بن عبد الله بن الأشج ].

بكير بن عبد الله بن الأشج المصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن بسر بن سعيد ].

بسر بن سعيد ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن الساعدي ].

ابن الساعدي وقيل: ابن السعدي : عبد الله بن السعدي صحابي أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي .

[ عن عمر ].

عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أمير المؤمنين وثاني الخلفاء الراشدين الهادين المهديين صاحب المناقب الجمة، والفضائل الكثيرة، رضي الله عنه وأرضاه.

قوله: (قال: فلما فررت منها وأديتها أمر لي بعمالة) أي: أمر له بمبلغ من المال مقابل العمل.

وقوله: (عملني) أي: أعطاني العمالة.

شرح حديث (اليد العليا خير من اليد السفلى ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وهو على المنبر وهو يذكر الصدقة والتعفف منها والمسألة: اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا المنفقة والسفلى السائلة) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة) ، وهذا الحديث يدل على فضل الإعطاء، وعلى ذم السؤال، وعلى تمييز من يعطي على من يأخذ، ووصف يد المعطي بأنها العليا، ووصف اليد الآخذ بأنها السفلى، وقال: إن اليد العليا خير من اليد السفلى، مع أن الوصف بالعلو والوصف بالسفل كافٍ لمعرفة أن هذا خير من هذا؛ لأن ما يوصف بالعلو خير مما يوصف بالسفل، ولكنه نص على الخيرية زيادة في الإيضاح والبيان على عظم شأن الإنفاق، وكون المنفق يده عليا وخيّرة، والسائل أو الآخذ يده سفلى، وهو دون ذلك المعطي، ثم فسر اليد العليا بأنها المنفقة، والسفلى بأنها الآخذة، وهذا يدلنا على فضل الإعطاء والبذل، وعلى ذم السؤال إلا إذا كان لحاجة.

تراجم رجال إسناد حديث (اليد العليا خير من اليد السفلى ..)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن نافع ]

نافع هو مولى ابن عمر ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

و ابن عمر هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل، أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

[ قال أبو داود اختلف على أيوب عن نافع في في هذا الحديث، قال عبد الوارث : اليد العليا المتعففة، وقال أكثرهم عن حماد بن زيد عن أيوب : اليد العليا المنفقة، وقال واحد عن حماد : المتعففة ].

ثم ذكر أبو داود اختلاف الرواة في بيان اليد العليا، فذكر أولاً أنها المنفقة، وذكر في طريق أخرى أنها المتعففة، أي: أن المتعفف الذي لا يسأل هو على خير، وهو محمود، وهو ليس كالسائل، بل قد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: (ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغنِ يغنه الله) ، إلا أن الرواية المحفوظة هي رواية: المنفقة، وقد رجح الخطابي رواية: المتعففة على غيرها، وقال: إن هذا علو معنوي، وأما الشيخ الألباني فيقول عن المتعففة هذه بأنها شاذة، وأن المحفوظة هي رواية المنفقة.

[ قال أبو داود : اختلف على أيوب ].

أيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن نافع في هذا الحديث، فقال عبد الوارث ].

عبد الوارث بن سعيد العنبري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وقال أكثرهم عن حماد بن زيد ].

حماد بن زيد هو حماد بن زيد البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وقال واحد عن حماد ].

هذا الواحد هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي ، وله أيضاً متابع، وهو أبو الربيع الزهراني سليمان بن داود .

شرح حديث (الأيدي ثلاث فيد الله العليا...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا عبيدة بن حميد التيمي حدثني أبو الزعراء عن أبي الأحوص عن أبيه مالك بن نضلة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (الأيدي ثلاث: فيد الله العليا، ويد المعطي التي تليها، ويد السائل السفلى، فأعط الفضل، ولا تعجز عن نفسك) ].

أورد أبو داود حديث مالك بن نضلة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الأيدي ثلاث: يد الله العليا، والتي تليها يد المعطي، ويد السائل هي السفلى) ، فيد الله هي العليا؛ لأن الله تعالى هو المعطي على الحقيقة، وإعطاء الإنسان إنما هو تابع لإعطاء الله عز وجل، قال الله عز وجل: وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [التكوير:29]، وقال عليه الصلاة والسلام: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء إلا قد كتبه الله لك، ولو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف) ، وكما جاء أيضاً عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا قاسم والله يعطي) . وكما في حديث معاوية : (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي) .

فالمعطي على الحقيقة هو الله عز وجل، وقد جُعل الإنسان سبباً في وصول هذه النعمة، ولكن حقيقة الإعطاء هي من الله عز وجل، وهذا وإن كان معطياً إلا أن الله تعالى هو الذي جعله معطياً، وهو الذي جعله سبباً في وصول ذلك الخير إلى الغير.

وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا قاسم والله يعطي) فيه إشارة إلى هذه الأيدي الثلاث؛ لأن الله تعالى هو المعطي، والنبي صلى الله عليه وسلم هو القاسم، فيعطي كما أمره الله وأرشده، والمعطى هو السائل، أو الذي يعطى من غير سؤال.

قوله: (فأعط الفضل) يعني: الشيء الزائد عن حاجت


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2891 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2845 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2837 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2732 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2704 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2695 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2689 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2681 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2656 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2652 استماع