شرح سنن أبي داود [188]


الحلقة مفرغة

شرح حديث (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في زكاة السائمة.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتاباً زعم أن أبا بكر رضي الله عنه، كتبه لـأنس رضي الله عنه، وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بعثه مصدقاً وكتب له، فإذا فيه: ( هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين التي أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه: فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين، فإن لم يكن فيها بنت مخاضٍ فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.

فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه، وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليس عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه).

قال أبو داود : ههنا لم أضبطه عن موسى كما أحب: (ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليس عنده إلا حقة فإنها تقبل منه).

قال أبو داود : إلى ههنا ثم أتقنته: (ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلا بنت مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.

وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدِّق، ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.

وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها ) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة وهي (باب في السائمة) والسائمة هي بهيمة الأنعام التي ترعى أكثر الحول ، أي: لا يتعب صاحبها عليها بالعلف، ولا يتكلف لها علفاً، وإنما ترعى في البر وفي المراعي دون أن يحصل عليه كلفة بعلفها.

وهذا يدل على أن صاحب الغنم أو الإبل إذا كان يعلفها أكثر الحول فإنه لا زكاة فيها؛ لأنه قد تعب وخسر عليها، ونماؤها إنما حصل بإنفاقه وبتعبه، فلا زكاة في الأنعام إلا أن تكون سائمة ترعى ولا يتكلف عليها بشيء.

وقد أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه كتاب أبي بكر إليه لما جعله مصدقاً على البحرين -يعني: عاملاً على الصدقات في البحرين- فأعطاه هذا الكتاب الذي عليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان فرائض الصدقة، أي: مقاديرها وتحديدها.

قوله: [ هذه فريضة الصدقة ] يعني: هذا بيان فريضة الصدقة، أي: بيان مقاديرها والنصاب والحد الأدنى والأوقاص التي لا زكاة فيها بين المقدارين من بهيمة الأنعام، ففي ذلك الكتاب بيان ما يستحق عند كل مقدار.

وقوله: [ التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ] المراد بذلك أنه قدرها وبين مقاديرها، ومعلوم أنه جاء في القرآن إيجاب الزكاة دون تحديد وتقدير، وجاء بيان تحديد ذلك وتقديره في السنة، ومعلوم أن البيان الذي حصل من رسول صلى الله عليه وسلم ليس هو من عنده، وإنما هو من عند الله؛ لأن السنة وحي من الله، كما أن القرآن وحي من الله كما قال الله عز وجل وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

قوله: [ والتي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ] يحتمل أن يكون المراد: أمر الله بها رسوله في قوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، ويحتمل أن يكون المراد أن هذا التفصيل من الله: ولا شك أن هذه التفاصيل من الله، وليست من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مبلغٌ عن الله، والسنة هي وحيٌ من الله مبينة وموضحة للقرآن، ودالة على القرآن.

قوله: [ فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ] يعني: على هذا التقدير وعلى هذا البيان الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المفصل لبيان المقادير، فيعطيها إذا سئلها على وجهها، أما إذا سئل أكثر من ذلك فإنه لا يعطي ما لم يجب عليه، وإنما يعطي ما وجب عليه.

وهذا مثل ما جاء في حديث ابن عباس من قصة معاذ بن جبل عندما بعث إلى اليمن فقال: (فإن هم أجابوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم)يعني: لا تأخذ الكرائم النفيسة التي تكبر وتعظم في عيون أهلها، فإن أخذها ظلم، ولذلك قال: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) يعني: عليه أن يخشى أن يدعو عليه من ظلمه بأخذ شيء أكثر مما يجب عليه؛ فتصيبه الدعوة، ويستجيب الله عز وجل دعاءه على هذا الذي ظلمه.

بيان زكاة الإبل وأنصبتها

قوله: [ فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم ]

بدأ ببيان هذه التفاصيل، فبين عليه الصلاة والسلام أن زكاة الإبل تنقسم إلى قسمين: قسم قليل تخرج زكاته من غير نوعه وهو الغنم؛ لأنه لو أخرج من نوعه لكان في ذلك ضرر على أصحاب الأموال، ولو لم يؤخذ منهم شيء مع أن المال فيه خير كثير، وبلغ مبلغ النصاب؛ فإنه يفوت على الفقراء شيء من الحقوق التي يستحقونها في أموال الأغنياء، فجاءت الشريعة ببيان المقادير على وجهٍ ينفع الفقير ولا يضر الغني.

فإذا بلغت الإبل خمساً وعشرين وحال عليها الحول فيبدأ بإخراج الزكاة من جنسها، وإذا كانت أقل من خمس وعشرين فإن الزكاة فيها تكون من الغنم، في كل خمس ذود شاة، يعني أن الخمس من الإبل فيها شاة وقد مر في الحديث (ليس فيما دون خمس ذود صدقة). يعني: ما نقص عن الخمس لا زكاة فيه، والخمس هي أقل مقدار يزكى، ولكن زكاته تكون من غير جنسه أي: من الغنم وليس من الإبل؛ لأنه لو أخرج ناقة من الخمس لصارت الزكاة خُمُس المال، وفي ذلك ضررٌ على صاحب المال.

فإذا بلغت تسعاً فليس فيها إلا شاة، فإذا بلغت عشراً صار فيها شاتان إلى أربع عشرة، فإذا صارت خمس عشرة ففيها ثلاث شياه، وإذا بلغت تسع عشرة فليس فيها إلا ثلاث شياه، فإذا بلغت عشرين صار فيها أربع شياه إلى أربع وعشرين، فإذا بلغت خمساً وعشرين بدأ يخرج من جنسها، وهي ابنة مخاض.

قوله: [ فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم ] أي: الزكاة فيما دون خمس وعشرين -أي: من أربع وعشرين فما دون- الغنم، وبين ذلك بقوله: (في كل خمس ذود شاة) ثم إلى أربع وعشرين فيها أربع شياه، الوقص، وهو ما بين الفريضتين، ولا زكاة فيه، وإنما الزكاة في مقدار الفريضة.

والأربع التي فوق العشرين ليس فيها شيء، فإذا بلغت خمساً وعشرين فيخرج الزكاة من جنسها بنت مخاض.

وبنت المخاض هي التي أكملت من عمرها سنة ودخلت في السنة الثانية، فأمها غالباً تكون قد حملت، فيقال لها: بنت مخاض لأن أمها ذات مخاض، وهذا في الغالب، وقد تكون أمها ما حملت وليس في بطنها حمل، ولكن جرياً على الغالب قيل لها: بنت مخاض.

ففي خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين بنت مخاض، فإذا زادت واحدة وصارت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون، وإذا لم تكن عنده بنت المخاض في المقدار الذي من خمس وعشرين إلى خمس وثلاثين فإنه يخرج ابن لبون ذكر، فالكبر في الذكر مقابل النفاسة التي في الإناث؛ لأن الإناث في الصدقة مفضلة على غيرها؛ لأنها تلد وتنمى، فإذا زاد واحدة عن خمس وثلاثين فصارت ستاً وثلاثين من الإبل ففيها بنت لبون، وهي التي أكملت سنتين من عمرها ودخلت في السنة الثالثة.

وقيل لها: بنت لبون؛ لأن أمها تكون قد ولدت رضيع لبن، لأنها في السنة الأولى صارت ذات حمل، ثم بعد ذلك عندما تبلغ بنتها سنتين تكون قد ولدت، فقيل لها: ابنة لبون، يعني: أمها ذات لبن.

ومن ستة وثلاثين إلى خمس وأربعين فيها ابنة لبون، فإذا زادت واحدة صارت ستةً وأربعين وفيها حقة، والحقة هي التي أكملت ثلاث سنين من عمرها ودخلت في السنة الرابعة.

ومن ست وأربعين إلى ستين ليس فيها إلا حقة، فإذا زادت واحدة وصارت إحدى وستين ففيها جذعة، وهي التي أكملت أربع سنوات من عمرها ودخلت في السنة الخامسة، وهذا هو أعلى مقدار سن يخرج في الزكاة، وبعد ذلك يأتي التضعيف والتكرار.

والأموال التي تخرج في الزكاة ليست مما يحصل به الهدي والأضحية؛ لأن الأضحية والهدي لا يكون إلا بالثني الذي أكمل خمس سنوات، لكن كل الأسنان التي في زكاة الإبل هي دون السن الذي يجزئ في الأضحية والهدي؛ لأن المقصود بذلك أن ينمى، ولا يتجاوز فيه الجذعة، فإذا زاد المال على ذلك فينتقل إلى تضعيف الحقة، وتضعيف بنت اللبون، وأما بنت المخاض والجذعة فلا تضاعفان، وإنما الذي يضاعف هو الوسط: ابنة اللبون والحقة.

فمن واحد وستين إلى خمس وسبعين ليس فيها إلا جذعة، فإذا زادت واحدة وصارت ستة وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا زادت واحدة وصارت إحدى وتسعين ففيها حقتان إلى عشرين ومائة، فإذا زادت ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، فإذا وصلت المائتين حصل التساوي إما بإخراج خمس بنات لبون أو أربع حقاق؛ لأن المائتين هو العدد الذي ينقسم على خمسين وعلى أربعين، وهو الذي يسمى في الحساب: المضاعف المشترك البسيط، وهو أقل عدد ينقسم على عددين بدون باق.

أحكام تباين أسنان الإبل في الزكاة

قوله: [ (فإذا تباينت أسنان الإبل) ] بمعنى: أن الذي بلغت إبله إحدى وستين، وليس عنده جذعة، فإنه يؤخذ منه حقة، ويضاف إلى ذلك شاتين أو عشرين درهماً جبراً للنقص الذي بين الحقة والجذعة.

وقوله: [ (إن استيسرتا له) ] يعني: إن كانتا عنده وتيسرتا له، وهو مخير بين عشرين درهماً أو شاتين.

قوله: [ (ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين) ] هذا عكسه، فتؤخذ منه الجذعة ويعطى الفرق وهو شاتان أو عشرون درهماً.

قوله: [ (ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليس عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه) ] أي: يقال في الحقة مع بنت اللبون مثلما قيل في الجذعة والحقة، فإذا كان عنده الحد الأعلى فإنه يؤخذ منه ويعطى الفرق، وإن لم يكن عنده إلا الحد الأدنى فإنه يؤخذ منه ويعطي هو الفرق.

ولا يخرج من الذكور إلا ابن اللبون.

[ قال أبو داود : من هاهنا لم أضبطه عن موسى كما أحب: (ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليس عنده إلا حقة فإنها تقبل منه) قال أبو داود : إلى هاهنا ثم أتقنته: (ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين) ].

يعني: إن كان عنده السن الأعلى أخذ منه وأعطي الفرق، وإن كان عنده السن الأدنى فإنه يعطي السن الأدنى ويدفع الفرق، وفي ذلك الوقت كانت الشاة الواحدة قيمتها عشرة دراهم.

قوله: [ (ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلا بنت مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء) ] يعني: أن الذكر إذا أخذ مكان بنت المخاض فلا يعطى شيئاً؛ لأن الفرق في سن الذكر الزائد يقابل نقص كونه ليس أنثى.

وإخراج صدقة الإبل نقداً فيه خلاف بين أهل العلم، ومعلوم أن الزكاة كانت تنمى، وكان لها رعاة، وتحصل الاستفادة منها، وهذا لا يتأتى في القيمة، لكن إذا احتيج إلى القيمة، واضطر الناس إلى أن يأخذوها فلا بأس؛ لأن الدولة قد لا تستطيع تنميتها، فيمكن أن تؤخذ القيمة إذا احتيج إلى ذلك، وهذا راجع للمصدق الذي يأخذ الصدقات، فهو الذي يرى المصلحة.

قوله: [ (ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها) ] هذا رجوع إلى ما تقدم وهو (في كل خمس ذود شاة، والأربع ليس فيها شيء؛ لأنها دون النصاب، إلا إذا شاء صاحبها أن يخرج شيئاً تطوعاً فلا بأس بذلك، وأما كونه يؤخذ منه بغير رضاه فلا يجوز، ولكن هذا يرجع إليه، فإن أراد أن يتطوع وقال: أنا أدفع هذا تطوعاً فإنه يؤخذ منه).

بيان زكاة الغنم وأنصبتها

قوله: [ (وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياة إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة) ].

جاء في الحديث ذكر زكاة سائمة الغنم، فليس فيها شيء حتى تبلغ أربعين، فإن كانت تسعاً وثلاثين فليس فيها شيء، فإذا بلغت أربعين بدأ يحسب الحول من حين بلوغها أربعين، فالحد الأدنى الذي يزكى هو أربعين شاة، وفيها شاة واحدة إلى مائة وعشرين، فإذا زادت واحدة على مائة وعشرين وصارت مائة وإحدى وعشرين ففيها شاتان إلى مائتين، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة، فإذا زادت عن ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، وأكبر وقص في زكاة الغنم هو من مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين؛ لأن الثلاث شياه تبدأ من مائتين وواحدة إلى ثلاثمائة وتسع وتسعين، فإذا زادت واحدة وبلغت أربعمائة ففيها أربع شياه، ففي كل مائة شاة، فخمسمائة شاة فيها خمس شياه، وستمائة فيها ست شياه، وألف فيها عشر شياه.. وهكذا.

ما لا يؤخذ في زكاة الغنم

قوله: [ (ولا يؤخذ في الصدقة هرمة) ] وهي الكبيرة التي طعنت في السن وبلغت الهرم؛ لأن لحمها لا يكون طيباً، ولأنها لا يحصل إنتاجها والاستفادة منها كما يستفاد من الصغيرة.

قوله: [ (ولا ذات عوار من الغنم) ] قيل: هي التي فيها نقص، فإن العَوار هو العيب، والعُوار: هو فقد أحد العينين.

قوله: [ (ولا تيس الغنم) ] وهو فحلها.

قوله: [ (إلا أن يشاء المصدق) ] أي: صاحب الغنم؛ لأن صاحب الغنم بحاجة إلى فحله، فلا يؤخذ منه فيتضرر بسبب ذلك، ولكنه إذا شاء أن يخرج الفحل فلا بأس، فقوله: (إلا أن يشاء المصدق) يرجع إلى فحل الغنم.

وأما الهرمة وذات العوار فلا تؤخذ إلا إذا كانت الغنم كلها من هذا القبيل، فإنه يؤخذ واحدة منها، فإذا كانت كلها معيبة فتؤخذ واحدة معيبة، وإذا كانت كلها هرمة فتؤخذ هرمة، ولكن الذي يحتاج إلى مشيئة المالك هو تيس الغنم الذي يحتاج إليه، فأخذه إضرار به، والمصَّدِّق المراد به المالك، وأما العامل فيقال له: المصَدِّق.

والأنثى أنفع للفقير من حيث التنمية في الإبل، وأما بالنسبة للغنم فيجوز أن يخرج ذكراً أو أنثى، وقد يكون الذكر أنفع للفقير؛ لأنه قد يحتاج للفحل من أجل أن ينزو على غنمه.

تحريم الحيل في إخراج الزكاة

قوله: [ (ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة) ].

هذا فيه دليل على أن الخلطة تصير المالين كالمال الواحد إذا اشتركت الغنم في المرعى والراعي والمراح والفحل، فتزكى زكاة مال واحد، وجاء في هذا الحديث أنه لا يفرق بين مجتمع، ولا يجمع بين مفترق خشية الصدقة؛ لأنه أحياناً يكون بجمع المال أو بتفريقه قلة الصدقة أو كثرتها، والخشية قد تكون من العامل وقد تكون من المالك، فالمالك قد يفرق المجتمع أو يجمع المفترق حتى تقل الزكاة، والعامل قد يجمع المتفرق أو يفرق المجتمع من أجل أن تكثر الزكاة.

فمثلاً: إذا كان لثلاثة أشخاص مائة وعشرون شاة، فإذا جمعت تكون الزكاة فيها شاة واحدة، لكن لو كان عند كل رجل منهم أربعون شاة ففيها ثلاث شياه، فكون العامل يجد خلطة في مائة وعشرين فيفرقها على الثلاثة ويقول: آخذ من كل واحد شاة لا يجوز، وهذا قد يكون من العامل من أجل تكثير الصدقة.

ومثال تفريق المجتمع أن يكون لرجلين أربعون شاة، فيفرقانها فيجعلان عند كل واحد منهما عشرين، فيكون ليس فيها زكاة، لكن إذا جمع بينها فتكون أربعين وفيها شاة.

قوله: [ (وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية) ] فإذا كان أحدهما عنده عشرون شاة، والآخر عنده عشرون، وأخذت شاة واحدة منهما، فالذي أخذت شاته يرجع على صاحبه بنصف الشاة؛ لأن الشاة الواحدة هي عن المجموعتين من الغنم، فيتراجعان بينهما بالسوية، بمعنى: أن هذا عليه نصف شاة، وهذا عليه نصف شاة.

قوله: [ (فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها) ] وهذا مثلما مر أن الأربع من الإبل ليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها، وكذلك ما دون الأربعين من الغنم ليس فيها زكاة إلا أن يشاء ربها تطوعاً، لأنها دون النصاب.

زكاة الفضة

قوله: [ (وفي الرقة ربع العشر) ] الرقة هي الفضة، وفيها ربع العشر.

قوله: [ (فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها) ] هنا ذكر أعلى عقد من العقود، وهو مائة وتسعون، ولا يعني ذلك أنه إذا كان المال مائة وتسعة وتسعين يكون فيه شيء، بل ما بين المائة والتسعين والمائة والتسعة والتسعين ليس فيها شيء؛ لأن قوله: (ليس فيما دون خمس أواق صدقة) يدخل فيه مائة وتسعة وتسعون؛ لأن الخمس الأواقي هي مائتا درهم، فإذا نقص درهم واحد عن المائتين فلا زكاة فيها.

تراجم رجال إسناد حديث (هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله...)

قوله: [ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا حماد ].

حماد بن سلمة ثقة أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ قال: أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتاباً ].

ثمامة بن عبد الله بن أنس صدوق أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو يروي عن جده أنس بن مالك رضي الله عنه صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي سنن النسائي إسناد لهذا الحديث فيه أن ثمامة يروي عن أنس .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب في زكاة السائمة.

حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخذت من ثمامة بن عبد الله بن أنس كتاباً زعم أن أبا بكر رضي الله عنه، كتبه لـأنس رضي الله عنه، وعليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين بعثه مصدقاً وكتب له، فإذا فيه: ( هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين التي أمر الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فمن سألها من المسلمين على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقها فلا يعطه: فيما دون خمس وعشرين من الإبل الغنم في كل خمس ذود شاة، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بنت مخاض إلى أن تبلغ خمساً وثلاثين، فإن لم يكن فيها بنت مخاضٍ فابن لبون ذكر، فإذا بلغت ستاً وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين، فإذا بلغت ستاً وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين، فإذا بلغت إحدى وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا بلغت ستاً وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين، فإذا بلغت إحدى وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة.

فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه، وأن يجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده حقة وعنده جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليس عنده حقة وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه).

قال أبو داود : ههنا لم أضبطه عن موسى كما أحب: (ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة بنت لبون وليس عنده إلا حقة فإنها تقبل منه).

قال أبو داود : إلى ههنا ثم أتقنته: (ويعطيه المصدق عشرين درهماً أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليس عنده إلا بنت مخاض فإنها تقبل منه وشاتين أو عشرين درهماً، ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء، ومن لم يكن عنده إلا أربع فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.

وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة، فإذا زادت على عشرين ومائة ففيها شاتان إلى أن تبلغ مائتين، فإذا زادت على مائتين ففيها ثلاث شياه إلى أن تبلغ ثلاثمائة، فإذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة شاة، ولا يؤخذ في الصدقة هرمة، ولا ذات عوار من الغنم، ولا تيس الغنم إلا أن يشاء المصدِّق، ولا يجمع بين مفترق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية، فإن لم تبلغ سائمة الرجل أربعين فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها.

وفي الرقة ربع العشر، فإن لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها ) ].

أورد أبو داود هذه الترجمة وهي (باب في السائمة) والسائمة هي بهيمة الأنعام التي ترعى أكثر الحول ، أي: لا يتعب صاحبها عليها بالعلف، ولا يتكلف لها علفاً، وإنما ترعى في البر وفي المراعي دون أن يحصل عليه كلفة بعلفها.

وهذا يدل على أن صاحب الغنم أو الإبل إذا كان يعلفها أكثر الحول فإنه لا زكاة فيها؛ لأنه قد تعب وخسر عليها، ونماؤها إنما حصل بإنفاقه وبتعبه، فلا زكاة في الأنعام إلا أن تكون سائمة ترعى ولا يتكلف عليها بشيء.

وقد أورد أبو داود حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الذي فيه كتاب أبي بكر إليه لما جعله مصدقاً على البحرين -يعني: عاملاً على الصدقات في البحرين- فأعطاه هذا الكتاب الذي عليه خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه بيان فرائض الصدقة، أي: مقاديرها وتحديدها.

قوله: [ هذه فريضة الصدقة ] يعني: هذا بيان فريضة الصدقة، أي: بيان مقاديرها والنصاب والحد الأدنى والأوقاص التي لا زكاة فيها بين المقدارين من بهيمة الأنعام، ففي ذلك الكتاب بيان ما يستحق عند كل مقدار.

وقوله: [ التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ] المراد بذلك أنه قدرها وبين مقاديرها، ومعلوم أنه جاء في القرآن إيجاب الزكاة دون تحديد وتقدير، وجاء بيان تحديد ذلك وتقديره في السنة، ومعلوم أن البيان الذي حصل من رسول صلى الله عليه وسلم ليس هو من عنده، وإنما هو من عند الله؛ لأن السنة وحي من الله، كما أن القرآن وحي من الله كما قال الله عز وجل وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4].

قوله: [ والتي أمر الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم ] يحتمل أن يكون المراد: أمر الله بها رسوله في قوله: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً [التوبة:103]، ويحتمل أن يكون المراد أن هذا التفصيل من الله: ولا شك أن هذه التفاصيل من الله، وليست من النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه مبلغٌ عن الله، والسنة هي وحيٌ من الله مبينة وموضحة للقرآن، ودالة على القرآن.

قوله: [ فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ] يعني: على هذا التقدير وعلى هذا البيان الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المفصل لبيان المقادير، فيعطيها إذا سئلها على وجهها، أما إذا سئل أكثر من ذلك فإنه لا يعطي ما لم يجب عليه، وإنما يعطي ما وجب عليه.

وهذا مثل ما جاء في حديث ابن عباس من قصة معاذ بن جبل عندما بعث إلى اليمن فقال: (فإن هم أجابوك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم، فإن هم أجابوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم)يعني: لا تأخذ الكرائم النفيسة التي تكبر وتعظم في عيون أهلها، فإن أخذها ظلم، ولذلك قال: (واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب) يعني: عليه أن يخشى أن يدعو عليه من ظلمه بأخذ شيء أكثر مما يجب عليه؛ فتصيبه الدعوة، ويستجيب الله عز وجل دعاءه على هذا الذي ظلمه.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2649 استماع