شرح سنن أبي داود [128]


الحلقة مفرغة

شرح حديث ذي اليدين من طريق مالك

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أيوب عن محمد بإسناده -وحديث حماد أتم- قال: (ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: بنا، ولم يقل: فأومئوا، قال: فقال الناس: نعم، قال: ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع)، وتم حديثه لم يذكر ما بعده، ولم يذكر فأومئوا إلا حماد بن زيد.

قال أبو داود : وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فكبر، ولا ذكر رجع ].

مر الكلام على حديث أبي هريرة من طريق حماد بن زيد عن أيوب ، ثم أورده أبو داود من طريق مالك عن أيوب ، وذكر أن هناك فروقاً بين رواية مالك ورواية حماد بن زيد ولم يسق لفظ مالك، ولكنه قال: لفظ حماد بن زيد أتم، وأشار إلى شيء من الفروق التي وقعت بين رواية مالك ورواية حماد بن زيد منها أنه قال: (صلى رسول الله، ولم يقل: صلى بنا)، يعني: أن في رواية مالك: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر) ولم يذكر لفظ: (بنا) كما ذكره حماد .

قوله: (ولم يقل: فأومئوا) .

أي: أما في رواية حماد بن زيد فقد ذكر: (فأومئوا: أي نعم) ومعناه أنهم ما تكلموا، وإنما حصل منهم إيماء يدل على الجواب بنعم، ولهذا قال: أي نعم، أي أن إيمائهم معناه: نعم، وأما رواية مالك فليس فيها أنهم أومئوا وإنما فيها أنهم قالوا: نعم، تكلماً.

ويمكن الجمع بينهما بأنهم أومئوا وقالوا نعم، فيكون حماد بن زيد ذكر الإيماء، ومالك ذكر نعم.

قوله: [ (قال: ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع) ].

أي: ثم ذكر في رواية مالك شيئاً يتعلق بسجود السهو، وهو الذي كان بعد السلام، فـمالك ذكره باختصار، فإنه ما ذكر التكبير إلا مرة واحدة، وأشار إلى السجدة الأولى دون أن يشير إلى التكبير لها والسجود، وإنما ذكر الرفع، ثم قال: (ثم كبر فسجد ثم رفع) ولم يقل: وكبر، وهذا فيه اختصار.

ورواية حماد بن زيد المتقدمة فيها الجمع بين التكبير والسجود والرفع، وأنه يكبر لسجود السهو أربع مرات وأنه يرفع من كل سجدة ويكبر، ورواية مالك ليس فيها ذكر السجود ولا ذكر التكبير عند السجود في السجدة الأولى، وإنما فيها ذكر الرفع دون التكبير.

ثم في السجدة الثانية ذكر التكبير والسجود، وعند الرفع منها فيها الرفع بدون ذكر التكبير، وهذا فيه اختصار؛ ولهذا يقول صاحب عون المعبود: إن رواية الإمام مالك في الموطأ توضح الإطلاق الذي جاء في رواية أبي داود ؛ لأن رواية أبي داود أنه قال: (ثم رفع)، ولم يذكر ما قبل ذلك من السجود والتكبير، ثم قال: (ثم كبر وسجد ثم رفع) ] ولم يذكر التكبير، وفي رواية مالك في الموطأ : (أنه كبر ثم سجد) يعني: للسجدة الأولى، ثم قال: (ثم رفع) ولم يقل: (وكبر) كما جاء هنا ذكر الرفع بدون تكبير، ثم قال: (ثم كبر وسجد) كما هنا أيضاً، ثم قال: (ثم رفع) ولم يذكر التكبير عند الرفع من السجود.

وهذا فيه اختصار، ولاشك أن تكبير السهو مثل تكبير الصلاة، فيها سجدتان فيهما أربع تكبيرات وجلوس بين السجدتين كالحكم في السجدتين اللتين في الصلاة.

وعلى هذا فرواية مالك التي في الموطأ فيها ما يوضح الإجمال أو الاختصار الذي في رواية أبي داود هنا.

قوله: (ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع)، وأتم حديثه لم يذكر ما بعده.

أي: وتم حديثه ولم يذكر ما بعده من كونه سلم وكون محمد بن سيرين قيل له: هل سلم؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، والحديث سيأتي عن عمران بن حصين وفيه ذكر التسليم.

قوله: (قال: ولم يذكر (فأومئوا) إلا حماد بن زيد ).

يعني أن حماد بن زيد في الرواية السابقة هو الذي قال: (أومئوا) وغيره لم يذكرها، وإنما ذكروا أنهم قالوا: نعم.

[ قال أبو داود : وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فكبر ولا ذكر رجع ].

أي: أن كل من ذكر حديث أبي هريرة ، لم يذكر: فكبر، ولا ذكر أنه رجع إلى مكانه الذي صلى فيه بعد أن قام إلى خشبة معروضة، ووضع عليها يديه إحداهما على الأخرى، ولما قال له ذو اليدين ما قال استفسر من الناس، فأجابوه بما أجابه ذو اليدين ، ورجع إلى مقامه ودخل في صلاته.

قوله: (لم يقل: فكبر) مشى صاحب عون المعبود على أن المقصود بها أنه كبر عند سجوده للسهو تكبيرة إحرام غير تكبيرة السجود، كما سيأتي في رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أنه قال: (كبر ثم كبر) أي: أنه كبر تكبيرة إحرام لسجود السهو، والمعنى أنه بعدما سلم دخل في السجدتين بتكبيرة إحرام.

ويحتمل أن يكون المقصود من ذلك غير هذا الذي ذكره صاحب عون المعبود، وأن المقصود أنهم ما قالوا: فكبر عندما دخل في الركعة الثالثة وإنما دخل فيها بدون تكبير، حيث إنه رجع إلى مقامه فصلى الركعتين.

لكن التكبير كما سبق أن أشرت وقع ضمن الركعة الثالثة؛ لأن المصلي عندما يجلس للتشهد يقوم مكبراً ويدخل في الركعة الثالثة، فيكون التكبير داخلاً فيها؛ لأن الركعة الثالثة أولها التكبير؛ لأنه قال: (قام فصلى الركعتين الباقيتين)، معناه أنه كبر تكبيرة الانتقال من الجلوس للتشهد الأول إلى الركعتين الباقيتين عند الدخول في الثالثة.

وهذا يختلف فيما لو سها فجلس في الركعة الثالثة وقد نسي الركعة الرابعة، فإذا قام للركعة الرابعة فإنه يدخل بها بدون تكبير؛ لأن التكبير قد وجد عند القيام من السجود.

فصاحب عون المعبود مشى على أن المراد به أنه كبر لسجود السهو تكبيرة إحرام، وهو الذي سيأتي قريباً من رواية هشام بن حسان ، وهي رواية شاذة؛ لأنها مخالفة للروايات الأخرى التي ما ذكرت هذا التكبير، وكل من ذكر السجدتين أنه كبر للسجود، ما قالوا: كبر للإحرام ثم كبر للسجود، إلا ما جاء في رواية هشام .

تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق مالك

قوله: ( حدثنا عبد الله بن مسلمة ).

هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

( عن مالك ).

هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة الإمام المشهور، وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

( عن أيوب ).

هو أيوب بن أبي تميمة السختياني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( عن محمد ).

هو محمد بن سيرين وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ بإسناده ].

أي إسناد محمد بن سيرين عن أبي هريرة إلى آخره.

شرح حديث ذي اليدين من طريق سلمة بن علقمة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا بشر -يعني ابن المفضل -حدثنا سلمة -يعني ابن علقمة - عن محمد عن أبي هريرة قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى حماد كله إلى آخر قوله: نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، قال: قلت: فالتشهد؟ قال: لم أسمع في التشهد وأحب إلي أن يتشهد).

ولم يذكر: (كان يسميه ذا اليدين )، ولا ذكر: فأومئوا، ولا ذكر الغضب، وحديث حماد عن أيوب أتم ].

أورد أبو داود طريقاً أخرى لحديث أبي هريرة رضي الله عنه وهي من رواية سلمة بن علقمة عن محمد بن سيرين ، وهي مثل رواية حماد بن زيد إلى آخر قوله: [ (نبئت أن عمران قال: ثم سلم) ].

قوله: (قلت: فالتشهد؟).

هذا قول سلمة بن علقمة لـمحمد بن سيرين ، يعني: هل تشهد بعد أن سجد للسهو؟ وذلك لأن حديث أبي هريرة ليس فيه ذكر السلام وإنما ذكره محمد عن عمران .

قوله (قال: لم أسمع في التشهد وأحب ألي أن يتشهد)، هذا من قول محمد بن سيرين ، وكأنه فهم أن المعهود في التسليم أن يسبقه تشهد، لكن هذا كما هو معلوم فيه تطويل، وقد جاء التشهد في بعض الأحاديث التي فيها كلام، والأحاديث الكثيرة جاءت من حديث عمران بن حصين ومن حديث غيره، ولم يذكروا التشهد.

قوله: [ ولم يذكر كان يسميه ذا اليدين ].

أي: ولم يذكر في هذه الرواية أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمي الرجل الذي قال: (يا رسول الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟) ذا اليدين .

قوله: (ولا ذكر: فأومئوا ولا ذكر الغضب).

أي: ولا ذكر فأومئوا التي مرت في حديث حماد بن زيد ، ولا ذكر أنه كان مغضباً لما قام إلى الخشبة كما مر في رواية حماد .

قوله: (وحديث حماد عن أيوب أتم).

أي: وحديث حماد عن أيوب أتم من حديث سلمة بن علقمة عن محمد .

تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق سلمة بن علقمة

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري وهو ثقة، أخرج له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

( حدثنا بشر - يعني ابن المفضل - ).

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( حدثنا سلمة -يعني ابن علقمة -).

وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

( عن محمد عن أبي هريرة ).

وقد مر ذكرهما.

شرح حديث ذي اليدين مع ذكر زيادة في التكبير عن هشام

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن نصر بن علي حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن أيوب وهشام ويحيى بن عتيق وابن عون عن محمد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة ذي اليدين : (أنه كبر وسجد، وقال هشام -يعني ابن حسان -: (كبر ثم كبر وسجد) .

قال أبو داود : روى هذا الحديث أيضاً حبيب بن الشهيد وحميد ويونس وعاصم الأحول عن محمد عن أبي هريرة لم يذكر أحد منهم ما ذكر حماد بن زيد عن هشام : (أنه كبر ثم كبر وسجد) .

وروى حماد بن سلمة وأبو بكر بن عياش هذا الحديث عن هشام لم يذكرا عنه هذا الذي ذكره حماد بن زيد : (أنه كبر ثم كبر) ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة وذكر جماعة رووه عن محمد بن سيرين ، وأن في الذين رووه عن محمد بن سيرين هشام بن حسان ، وهشام بن حسان لما ذكر سجود السهو بعد السلام، قال: (كبر ثم كبر) ، يعني: كبر تكبيرة إحرام للسجدتين، ثم كبر للسجدة الأولى من السجدتين.

وذكر أبو داود أن كل الذين رووه ما ذكروا (أنه كبر ثم كبر) إلا هشام بن حسان .

وعلى هذا فيكون ذكر التكبير للإحرام فيه شذوذ؛ لأنه إنما جاء من طريق هشام بن حسان ، وكل الذين رووه وهم كثيرون، وقد سردهم المصنف ومر منهم جماعة في الحديث الأول والذي بعده، لم يذكروا أنه كبر للإحرام ثم كبر للسجود.

وعلى هذا فإن الإنسان عندما يسلم ثم يسجد بعد السلام، فإنه يكبر تكبير السجود ولا يكبر تكبيرتين: تكبيرة للإحرام، وتكبيرة للسجود.

تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين مع ذكر زيادة في التكبير عن هشام

قوله: ( حدثنا علي بن نصر بن علي ).

هو علي بن نصر بن علي بن نصر بن علي الجهضمي ، وأبوه نصر بن علي كثيراً ما يأتي ذكره في الأحاديث، يروي عنه أبو داود مباشرة، وهنا روى عن ابنه علي بن نصر وهو ثقة، أخرج له مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي .

( حدثنا سليمان بن حرب ).

هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( حدثنا حماد بن زيد ).

هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( عن أيوب ).

مر ذكره.

( وهشام ).

هو هشام بن حسان وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( ويحيى بن عتيق ).

ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأبو داود والنسائي .

( وابن عون ).

هو عبد الله بن عون وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( عن محمد عن أبي هريرة ).

محمد هو ابن سيرين ، عن أبي هريرة ، وقد مر ذكرهما.

( قال أبو داود : روى هذا الحديث أيضاً حبيب بن الشهيد ).

حبيب بن الشهيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( وحميد ).

هو حميد بن أبي حميد الطويل وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( ويونس ).

هو يونس بن عبيد وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( وعاصم الأحول ).

هو عاصم بن سليمان الأحول وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( عن محمد عن أبي هريرة لم يذكر أحد منهم ما ذكر حماد بن زيد عن هشام ).

يعني فهؤلاء الذين تقدموا والذين ذكرهم بعد ذلك؛ كل هؤلاء رووه من هذا الطريق الذي رواه هشام بن حسان ، ومع ذلك ما قالوا: (كبر ثم كبر).

( وروى حماد بن سلمة وأبو بكر بن عياش هذا الحديث عن هشام لم يذكرا عنه هذا الذي ذكره حماد بن زيد : (أنه كبر ثم كبر) ).

ومعناه: أن هشام بن حسان في بعض الروايات عنه ما قال: (كبر ثم كبر)، وإنما جاءت الزيادة من طريق حماد بن زيد عنه.

وعلى هذا فـهشام جاء عنه شيء يوافق الجماعة وشيء يخالف الجماعة، فروايته التي توافق الجماعة هي الأولى، ويمكن أن يكون الخطأ من حماد ويحتمل أن يكون منه.

شرح حديث ذي اليدين من طريق الأوزاعي عن الزهري

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة وعبيد الله بن عبد الله عن أبي هريرة بهذه القصة قال: (ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقَّنه الله ذلك) ].

أورد المصنف حديث أبي هريرة من طريق أخرى بهذه القصة وفيها أنه قال: (ولم يسجد سجدتي السهو حتى يقنه الله ذلك) أي: حتى يقنه أنه قد سها، لكن هذا التيقين الذي حصل له من الله، هل هو بوحي؟ أو أنه ذكر فتذكر؟

الأحاديث جاءت في أنه قال له ذو اليدين ما قال، وأنه قال للناس: (أكما يقول: ذو اليدين)، ولما قيل له: إنك قد نسيت قام، يحتمل أنه حصل له وحي من الله عز وجل، وأن الصحابة أخبروه قبل ذلك، ويحتمل أنه لم يحصل له وحي، ولكنه حصل له اليقين بوجود هذا الجمع الكثير الذين صلوا وراءه، وأخبروه بأنه قد نسي.

تراجم رجال إسناد حديث ذي اليدين من طريق الأوزاعي عن الزهري

قوله: ( حدثنا محمد بن يحيى بن فارس ).

محمد بن يحيى بن فارس هو الذهلي وهو ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

( عن محمد بن كثير ).

هو ابن أبي عطاء الثقفي ، وهو صدوق كثير الغلط، أخرج له أبو داود والترمذي والنسائي .

وقد سبق أن مر بنا أن أبا داود يروي عن محمد بن كثير كثيراً، وهو محمد بن كثير العبدي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وهنا يروي عن محمد بن كثير بواسطة، ومعنى هذا أن الذي روى عنه بواسطة هو محمد بن كثير الثقفي ، وليس محمد بن كثير العبدي ، فإذا جاء في طبقة شيوخه محمد بن كثير فهو العبدي ، وإذا جاء في طبقة شيوخ شيوخه محمد بن كثير فهو الثقفي .

( عن الأوزاعي ).

هو عبد الرحمن بن عمرو أبو عمرو الأوزاعي وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( عن الزهري ).

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

( عن سعيد بن المسيب ).

هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة.

( وأبي سلمة ).

هو أبو سلمة بن عبد الرحمن وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة على أحد الأقوال الثلاثة في السابع منهم.

( وعبيد الله بن عبد الله ).

هو عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد فقهاء المدينة السبعة.

فهذا الإسناد فيه اثنان من الفقهاء السبعة باتفاق وواحد منهم على اختلاف فيه، وهو أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف .

( عن أبي هريرة ).

قد مر ذكره.

شرح حديث ذي اليدين من طريق أبي بكر بن سليمان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حجاج بن أبي يعقوب حدثنا

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة عن مالك عن أيوب عن محمد بإسناده -وحديث حماد أتم- قال: (ثم صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل: بنا، ولم يقل: فأومئوا، قال: فقال الناس: نعم، قال: ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع)، وتم حديثه لم يذكر ما بعده، ولم يذكر فأومئوا إلا حماد بن زيد.

قال أبو داود : وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فكبر، ولا ذكر رجع ].

مر الكلام على حديث أبي هريرة من طريق حماد بن زيد عن أيوب ، ثم أورده أبو داود من طريق مالك عن أيوب ، وذكر أن هناك فروقاً بين رواية مالك ورواية حماد بن زيد ولم يسق لفظ مالك، ولكنه قال: لفظ حماد بن زيد أتم، وأشار إلى شيء من الفروق التي وقعت بين رواية مالك ورواية حماد بن زيد منها أنه قال: (صلى رسول الله، ولم يقل: صلى بنا)، يعني: أن في رواية مالك: (صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إحدى صلاتي العشي الظهر أو العصر) ولم يذكر لفظ: (بنا) كما ذكره حماد .

قوله: (ولم يقل: فأومئوا) .

أي: أما في رواية حماد بن زيد فقد ذكر: (فأومئوا: أي نعم) ومعناه أنهم ما تكلموا، وإنما حصل منهم إيماء يدل على الجواب بنعم، ولهذا قال: أي نعم، أي أن إيمائهم معناه: نعم، وأما رواية مالك فليس فيها أنهم أومئوا وإنما فيها أنهم قالوا: نعم، تكلماً.

ويمكن الجمع بينهما بأنهم أومئوا وقالوا نعم، فيكون حماد بن زيد ذكر الإيماء، ومالك ذكر نعم.

قوله: [ (قال: ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع) ].

أي: ثم ذكر في رواية مالك شيئاً يتعلق بسجود السهو، وهو الذي كان بعد السلام، فـمالك ذكره باختصار، فإنه ما ذكر التكبير إلا مرة واحدة، وأشار إلى السجدة الأولى دون أن يشير إلى التكبير لها والسجود، وإنما ذكر الرفع، ثم قال: (ثم كبر فسجد ثم رفع) ولم يقل: وكبر، وهذا فيه اختصار.

ورواية حماد بن زيد المتقدمة فيها الجمع بين التكبير والسجود والرفع، وأنه يكبر لسجود السهو أربع مرات وأنه يرفع من كل سجدة ويكبر، ورواية مالك ليس فيها ذكر السجود ولا ذكر التكبير عند السجود في السجدة الأولى، وإنما فيها ذكر الرفع دون التكبير.

ثم في السجدة الثانية ذكر التكبير والسجود، وعند الرفع منها فيها الرفع بدون ذكر التكبير، وهذا فيه اختصار؛ ولهذا يقول صاحب عون المعبود: إن رواية الإمام مالك في الموطأ توضح الإطلاق الذي جاء في رواية أبي داود ؛ لأن رواية أبي داود أنه قال: (ثم رفع)، ولم يذكر ما قبل ذلك من السجود والتكبير، ثم قال: (ثم كبر وسجد ثم رفع) ] ولم يذكر التكبير، وفي رواية مالك في الموطأ : (أنه كبر ثم سجد) يعني: للسجدة الأولى، ثم قال: (ثم رفع) ولم يقل: (وكبر) كما جاء هنا ذكر الرفع بدون تكبير، ثم قال: (ثم كبر وسجد) كما هنا أيضاً، ثم قال: (ثم رفع) ولم يذكر التكبير عند الرفع من السجود.

وهذا فيه اختصار، ولاشك أن تكبير السهو مثل تكبير الصلاة، فيها سجدتان فيهما أربع تكبيرات وجلوس بين السجدتين كالحكم في السجدتين اللتين في الصلاة.

وعلى هذا فرواية مالك التي في الموطأ فيها ما يوضح الإجمال أو الاختصار الذي في رواية أبي داود هنا.

قوله: (ثم رفع ولم يقل: وكبر، ثم كبر وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع)، وأتم حديثه لم يذكر ما بعده.

أي: وتم حديثه ولم يذكر ما بعده من كونه سلم وكون محمد بن سيرين قيل له: هل سلم؟ فقال: لم أحفظه عن أبي هريرة ولكن نبئت أن عمران بن حصين قال: ثم سلم، والحديث سيأتي عن عمران بن حصين وفيه ذكر التسليم.

قوله: (قال: ولم يذكر (فأومئوا) إلا حماد بن زيد ).

يعني أن حماد بن زيد في الرواية السابقة هو الذي قال: (أومئوا) وغيره لم يذكرها، وإنما ذكروا أنهم قالوا: نعم.

[ قال أبو داود : وكل من روى هذا الحديث لم يقل: فكبر ولا ذكر رجع ].

أي: أن كل من ذكر حديث أبي هريرة ، لم يذكر: فكبر، ولا ذكر أنه رجع إلى مكانه الذي صلى فيه بعد أن قام إلى خشبة معروضة، ووضع عليها يديه إحداهما على الأخرى، ولما قال له ذو اليدين ما قال استفسر من الناس، فأجابوه بما أجابه ذو اليدين ، ورجع إلى مقامه ودخل في صلاته.

قوله: (لم يقل: فكبر) مشى صاحب عون المعبود على أن المقصود بها أنه كبر عند سجوده للسهو تكبيرة إحرام غير تكبيرة السجود، كما سيأتي في رواية هشام بن حسان عن محمد بن سيرين أنه قال: (كبر ثم كبر) أي: أنه كبر تكبيرة إحرام لسجود السهو، والمعنى أنه بعدما سلم دخل في السجدتين بتكبيرة إحرام.

ويحتمل أن يكون المقصود من ذلك غير هذا الذي ذكره صاحب عون المعبود، وأن المقصود أنهم ما قالوا: فكبر عندما دخل في الركعة الثالثة وإنما دخل فيها بدون تكبير، حيث إنه رجع إلى مقامه فصلى الركعتين.

لكن التكبير كما سبق أن أشرت وقع ضمن الركعة الثالثة؛ لأن المصلي عندما يجلس للتشهد يقوم مكبراً ويدخل في الركعة الثالثة، فيكون التكبير داخلاً فيها؛ لأن الركعة الثالثة أولها التكبير؛ لأنه قال: (قام فصلى الركعتين الباقيتين)، معناه أنه كبر تكبيرة الانتقال من الجلوس للتشهد الأول إلى الركعتين الباقيتين عند الدخول في الثالثة.

وهذا يختلف فيما لو سها فجلس في الركعة الثالثة وقد نسي الركعة الرابعة، فإذا قام للركعة الرابعة فإنه يدخل بها بدون تكبير؛ لأن التكبير قد وجد عند القيام من السجود.

فصاحب عون المعبود مشى على أن المراد به أنه كبر لسجود السهو تكبيرة إحرام، وهو الذي سيأتي قريباً من رواية هشام بن حسان ، وهي رواية شاذة؛ لأنها مخالفة للروايات الأخرى التي ما ذكرت هذا التكبير، وكل من ذكر السجدتين أنه كبر للسجود، ما قالوا: كبر للإحرام ثم كبر للسجود، إلا ما جاء في رواية هشام .