شرح سنن أبي داود [084]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (... أولكلَّكم ثوبان؟)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب جماع أبواب ما يصلى فيه.

حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الصلاة في ثوب واحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أَوَلكُلَّكُمْ ثوبان؟!) ].

أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب جماع أبواب ما يصلى فيه. يعني: أن هذه الأبواب التي ستأتي تتعلق بالثياب التي يصلى فيها، والمقصود من ذلك ما هو واجب متعين، وما هو أكمل، وما هو أفضل، والواجب المتعين هو ستر العورة، وهي: من السرة إلى الركبة، والكمال يكون في اللباس الذي يكون به الزينة، ويكون به ستر العورة وغير ذلك، وقد قال الله عز وجل: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] ففسر ذلك بأنه عند كل صلاة، وكما ذكرت: المتعين هو ستر العورة، وفي حال السعة والتمكن يأتي الإنسان بما هو أكمل وأتم، من غير إسراف وتجاوز للحد، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في ثوب واحد، فقال: أو لكلكم ثوبان؟!) يعني: أنه لو كانت الصلاة في الثوب الواحد غير سائغة فمن الذي يتمكن من أن يحصل ثوبين؟! ومعنى هذا: أن الصلاة في الثوب الواحد سائغة، وأنه لا بأس بها، ولكن الأكمل هو أن يكون على الإنسان ثوبان، كإزار ورداء، أو سراويل وقميص، أو قطعتان يضم بعضهما إلى بعض فيلتحف بهما، فيتزر ببعضهما في نصفه الأسفل، ويجعل أطرافهما على كتفيه ومنكبيه.

فالصلاة في الثوب الواحد سائغة، والمراد بالثوب: القطعة من القماش، كالإزار والرداء، فإنهما ثوبان، والثوب الواحد: القطعة من القماش التي يلفها الإنسان على وسطه بمثابة الإزار، ويجعل أطرافها على كتفيه، والرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الصلاة في الثوب الواحد قال: (أو لكلكم ثوبان؟!) يعني: لو كان لازماً أن الإنسان لا يصلي إلا في ثوبين فمن الذي يملك ثوبين؟ وهذا يدل على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من قلة ذات اليد، وقلة السعة في المال؛ ولهذا لما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال قال: (أو لكلكم ثوبان؟) يعني: أن الصلاة في الثوب الواحد سائغة، ولكن إذا أمكن أن يصلى في ثوبين فإن هذا هو المتعين، وهذا هو الذي لا بد منه، وأما إذا كان الإنسان لا يستطيع إلا أن يأتزر بإزار فقط يستر به عورته فالله عز وجل يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [ التغابن: 16 ] ويقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

تراجم رجال إسناد حديث: (... أو لكلكم ثوبان؟)

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس ، وهو إمام دار الهجرة، المحدث المشهور الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن المسيب ].

سعيد بن المسيب ، تابعي مشهور، ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو من الستة الذين لا خلاف فيهم؛ لأن الفقهاء السبعة متفق على عد ستة منهم في الفقهاء السبعة، وواحد مختلف فيه، وسعيد بن المسيب من الستة الذين هم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة.

[ عن أبي هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسى ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، فرضي الله تعالى عنه وأرضاه.

شرح حديث: (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصل أحدكم في الثواب الواحد ليس على منكبيه منه شيء) يعني: أنه إذا صلى في ثوب واحد متزراً به فإنه يجعل طرفيه على منكبيه إذا أمكن ذلك، أما إذا كان الثوب لا يكفيه إلا للإتزار فإنه يأتزر به فقط، ولا يجعل على كتفيه منه شيئاً، لكن مع القدرة والسعة ومع إمكان أن يكون على عاتقيه منه شيء، أو على منكبيه منه شيء فإنه يجعل على منكبيه منه شيئاً، وفي حال الضيق وعدم السعة وكون ذلك الثوب لا يكفي إلا إزاراً فإنه يأتزر به، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

وفي حال السعة اختلف العلماء في مقتضى هذا الحديث على قولين:

الأول: قول الجمهور أن هذا ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة، يعني: أنه لو صلى مع القدرة وليس على عاتقيه منه شيء فإن الصلاة صحيحة.

الثاني: ذهب الإمام أحمد وبعض أهل العلم إلى أن الواجب هو أن يُغطى الكتفان مع القدرة، وأن النهي للتحريم وليس للتنزيه، ولكنهم متفقون على صحة الصلاة مع العجز ومع عدم القدرة على استعمال الثوب الواحد الذي لا يكفي أن يجعل منه على العاتقين أو على الكتفين شيء، فإن ذلك سائغ، وهذا الشيء هو المقدور عليه، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ويقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286].

تراجم رجال إٍسناد حديث: (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء)

قوله: [ حدثنا مسدد ].

هو مسدد بن مسرهد البصري ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .

[ حدثنا سفيان ].

هو سفيان بن عيينه المكي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي الزناد ].

هو عبد الله بن ذكوان المدني وكنيته: أبو عبد الرحمن ولقبه: أبو الزناد ، وهو لقب على صيغة الكنية وليس كنية، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعرج ].

هو: عبد الرحمن بن هرمز المدني ، وهو ثقة، اشتهر بلقبه الأعرج وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ]

أبو هريرة رضي الله عنه قد مر ذكره.

شرح حديث: (إذا صلى أحدكم في ثوب فليخالف بطرفيه على عاتقيه)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ح وحدثنا مسدد حدثنا إسماعيل المعنى عن هشام بن أبي عبد الله عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم في ثوب فليخالف بطرفيه على عاتقيه) ].

أورد أبو داود حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، وهو مثل الذي قبله: (إذا صلى أحدكم في ثوب- يعني: واحد- فليخالف بطرفيه على عاتقيه) يعني: يأتزر به، ويجعل أطرافه على عاتقيه، بحيث يكون أسفله وأعلاه كل منهما مستور؛ لأن هذا هو الأكمل والأفضل، وهو واجب عند بعض أهل العلم مع القدرة على ذلك، وغير واجب مع العجز؛ لأن العجز يسقط الوجوب.

قوله: [ (فليخالف بطرفيه على عاتقيه) ].

يعني: يجعل الذي يأتي من الجهة اليمنى يذهب إلى اليسرى والذي يكون في الجهة اليسرى يذهب إلى اليمنى هذه هي المخالفة.

تراجم رجال إسناد حديث: (إذا صلى أحدكم في ثوب فليخالف بطرفيه على عاتقيه)

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا يحيى ].

مسدد مر ذكره.

ويحيى هو ابن سعيد القطان البصري ، هو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ ح وحدثنا مسدد حدثنا إسماعيل ].

(ح) وهي للتحول من إسناد إلى إسناد، ومسدد يروي عن إسماعيل ، وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ المعنى ].

وهذه كلمة يستعملها أبو داود رحمه الله عندما يذكر طريقين فيذكر بعدها هذه الكلمة (المعنى) يعني: أن هاتين الطريقين متفقتان في المعنى مختلفتان في الألفاظ، فالمعنى واحد والألفاظ مختلفة، فهذا هو معنى هذه الكلمة أي: أن الطريق الأولى والطريق الثانية معناهما واحد ولكن ألفاظهما مختلفة.

[ عن هشام بن أبي عبد الله ].

هو هشام بن أبي عبد الله الدستوائي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن أبي كثير ].

هو يحيى بن أبي كثير اليمامي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عكرمة ].

هو عكرمة مولى ابن عباس ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي هريرة ].

أبو هريرة قد مر ذكره.

حكم ستر أحد العاتقين

وجاءت رواية بالإفراد (على عاتقه) لكن لا يعني ذلك: أنه لا يجب إلا ستر عاتق واحد؛ فإن الإمام أحمد يرى وجوب ستر العاتقين، ولا يكفي ستر العاتق الواحد، وأما بالنسبة لصلاة المضطبع فهي صحيحة عند الإمام أحمد لأن أحد العاتقين مستور.

شرح حديث: (رأيت رسول الله يصلي في ثوب واحد ملتحفاً ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا الليث عن يحيى بن سعيد عن أبي أمامة بن سهل عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد ملتحفاً مخالفاً بين طرفيه على منكبيه) ].

أورد أبو داود حديث عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه أنه قال: (رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في ثوب واحد ملتحفاً) يعني: ملتفاً به (مخالفاً بين طرفيه على منكبيه) يعني: طرفي الثوب؛ لأنه متزر ببعضه، والطرفان قد خالف بينهما على منكبيه، وهو مثل حديث أبي هريرة المتقدم الذي فيه: (إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه على منكبيه) فهو بمعنى الحديث المتقدم.

تراجم رجال إسناد حديث: (رأيت رسول الله يصلي في ثوب واحد ملتحفاً ..)

قوله: [ حدثنا قتيبة بن سعيد ].

هو قتيبة بن سعيد بن جميل بن طريف البغلاني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا الليث ].

هو الليث بن سعد المصري ، وهو ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن يحيى بن سعيد ].

هو يحيى بن سعيد الأنصاري المدني ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي أمامة بن سهل ].

هو أبو أمامة بن سهل بن حنيف ، واسمه: أسعد ، وهو معدود في الصحابة؛ لأن له رؤية، ولكن ليس له رواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمر بن أبي سلمة ].

عمر بن أبي سلمة ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه ابن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صحابي صغير، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث: (... أوكلكم يجد ثوبين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي حدثنا عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه رضي الله عنه قال: (قدمنا على نبي الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال: يا نبي الله! ما ترى في الصلاة في الثوب الواحد؟ قال: فأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إزاره طارق به رداءه فاشتمل بهما، ثم قام فصلى بنا نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما أن قضى الصلاة قال: أوكلُّكم يجد ثوبين؟) ].

أورد أبو داود حديث طلق بن علي اليمامي رضي الله عنه قال: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله رجل: هل يصلي الرجل في ثوب واحد، فأطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إزاره فطارق به على ردائه، يعني: جعلهما مع بعض كأنهما ثوب واحد، قوله: [فاشتمل بهما] يعني: بالاثنين، وهذا معناه: أنه جعلهما بمثابة الثوب الواحد، بمعنى: أنه جعل هذا ملتصقاً بهذا أو مطبقاً على هذا، يعني: هما ثوبان ولكن كأنهما ثوب واحد من جهة وضع بعضهما على بعض، فلم يجعل واحداً إزاراً والآخر رداءً، وإنما طرق هذا على هذا ثم اشتمل بهما وقال: (أوكلكم يجد ثوبين؟)، يعني: ليس كل شخص يجد ثوبين، ولو كانت الصلاة بالثوب الواحد لا تجوز فمن منكم يجد ثوبين؟ وذلك لقلة ما بأيديهم رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وهذا معناه: أن الإنسان إذا كان عنده ثوبان فيستعملهم، وإذا كان لا يوجد عنده إلا ثوب واحد فيكفيه؛ قال تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] وإن كان الثوب الواحد لا يكفي إلا لستر عورته فيستر به عورته، وإن كان يكفي لستر العورة وزاد ما يلفه على الكتفين أو على أحد منهما فعل ذلك.

تراجم رجال إسناد حديث: (... أو كلكم يجد ثوبين)

قوله: [ حدثنا مسدد حدثنا ملازم بن عمرو الحنفي ].

مسدد مر ذكره، وملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر الحنفي صدوق، أخرج حديثه أصحاب السنن.

[ حدثنا عبد الله بن بدر ].

هو عبد الله بن بدر الحنفي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن قيس بن طلق ].

هو قيس بن طلق بن علي ، وهو صدوق، أخرج له أصحاب السنن.

[ عن أبيه ].

هو طلق بن علي الحنفي ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أصحاب السنن.

وهذا الإسناد رجاله كلهم حنفيون يماميون إلا شيخ أبي داود وهو مسدد ، وملازم يروي عن جده عبد الله بن بدر ؛ لأن اسمه: ملازم بن عمرو بن عبد الله بن بدر .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب جماع أبواب ما يصلى فيه.

حدثنا القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن الصلاة في ثوب واحد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أَوَلكُلَّكُمْ ثوبان؟!) ].

أورد أبو داود السجستاني رحمه الله تعالى باب جماع أبواب ما يصلى فيه. يعني: أن هذه الأبواب التي ستأتي تتعلق بالثياب التي يصلى فيها، والمقصود من ذلك ما هو واجب متعين، وما هو أكمل، وما هو أفضل، والواجب المتعين هو ستر العورة، وهي: من السرة إلى الركبة، والكمال يكون في اللباس الذي يكون به الزينة، ويكون به ستر العورة وغير ذلك، وقد قال الله عز وجل: يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف:31] ففسر ذلك بأنه عند كل صلاة، وكما ذكرت: المتعين هو ستر العورة، وفي حال السعة والتمكن يأتي الإنسان بما هو أكمل وأتم، من غير إسراف وتجاوز للحد، وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الصلاة في ثوب واحد، فقال: أو لكلكم ثوبان؟!) يعني: أنه لو كانت الصلاة في الثوب الواحد غير سائغة فمن الذي يتمكن من أن يحصل ثوبين؟! ومعنى هذا: أن الصلاة في الثوب الواحد سائغة، وأنه لا بأس بها، ولكن الأكمل هو أن يكون على الإنسان ثوبان، كإزار ورداء، أو سراويل وقميص، أو قطعتان يضم بعضهما إلى بعض فيلتحف بهما، فيتزر ببعضهما في نصفه الأسفل، ويجعل أطرافهما على كتفيه ومنكبيه.

فالصلاة في الثوب الواحد سائغة، والمراد بالثوب: القطعة من القماش، كالإزار والرداء، فإنهما ثوبان، والثوب الواحد: القطعة من القماش التي يلفها الإنسان على وسطه بمثابة الإزار، ويجعل أطرافها على كتفيه، والرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الصلاة في الثوب الواحد قال: (أو لكلكم ثوبان؟!) يعني: لو كان لازماً أن الإنسان لا يصلي إلا في ثوبين فمن الذي يملك ثوبين؟ وهذا يدل على ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم من قلة ذات اليد، وقلة السعة في المال؛ ولهذا لما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال قال: (أو لكلكم ثوبان؟) يعني: أن الصلاة في الثوب الواحد سائغة، ولكن إذا أمكن أن يصلى في ثوبين فإن هذا هو المتعين، وهذا هو الذي لا بد منه، وأما إذا كان الإنسان لا يستطيع إلا أن يأتزر بإزار فقط يستر به عورته فالله عز وجل يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [ التغابن: 16 ] ويقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

قوله: [ حدثنا القعنبي ].

هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب القعنبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ عن مالك ].

هو مالك بن أنس ، وهو إمام دار الهجرة، المحدث المشهور الإمام، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن ابن شهاب ].

هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن سعيد بن المسيب ].

سعيد بن المسيب ، تابعي مشهور، ثقة، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، أخرج له أصحاب الكتب الستة، وهو أحد الفقهاء السبعة، وهو من الستة الذين لا خلاف فيهم؛ لأن الفقهاء السبعة متفق على عد ستة منهم في الفقهاء السبعة، وواحد مختلف فيه، وسعيد بن المسيب من الستة الذين هم متفق على عدهم في الفقهاء السبعة.

[ عن أبي هريرة ].

هو عبد الرحمن بن صخر الدوسى ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو أكثر السبعة حديثاً على الإطلاق، فرضي الله تعالى عنه وأرضاه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد حدثنا سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على منكبيه منه شيء) ].

أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يصل أحدكم في الثواب الواحد ليس على منكبيه منه شيء) يعني: أنه إذا صلى في ثوب واحد متزراً به فإنه يجعل طرفيه على منكبيه إذا أمكن ذلك، أما إذا كان الثوب لا يكفيه إلا للإتزار فإنه يأتزر به فقط، ولا يجعل على كتفيه منه شيئاً، لكن مع القدرة والسعة ومع إمكان أن يكون على عاتقيه منه شيء، أو على منكبيه منه شيء فإنه يجعل على منكبيه منه شيئاً، وفي حال الضيق وعدم السعة وكون ذلك الثوب لا يكفي إلا إزاراً فإنه يأتزر به، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

وفي حال السعة اختلف العلماء في مقتضى هذا الحديث على قولين:

الأول: قول الجمهور أن هذا ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة، يعني: أنه لو صلى مع القدرة وليس على عاتقيه منه شيء فإن الصلاة صحيحة.

الثاني: ذهب الإمام أحمد وبعض أهل العلم إلى أن الواجب هو أن يُغطى الكتفان مع القدرة، وأن النهي للتحريم وليس للتنزيه، ولكنهم متفقون على صحة الصلاة مع العجز ومع عدم القدرة على استعمال الثوب الواحد الذي لا يكفي أن يجعل منه على العاتقين أو على الكتفين شيء، فإن ذلك سائغ، وهذا الشيء هو المقدور عليه، والله تعالى يقول: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16] ويقول: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286].




استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2886 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2830 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2726 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2695 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2687 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2676 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2672 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2651 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2642 استماع