خطب ومحاضرات
شرح سنن أبي داود [057]
الحلقة مفرغة
شرح حديث: (... فأجلسه رسول الله في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله)
[ باب: بول الصبي يصيب الثوب.
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب في بول الصبي يصيب الثوب ] يعني: ماذا يصنع فيه؟ وكيف يتم تطهيره من هذا البول الذي وقع عليه؟
وحكم بول الصبي حين يقع على الإنسان أنه يطهر بالرش وبالنضح، ولا يحتاج إلى أن يغسل كما تغسل النجاسات؛ فإنه جاء التخفيف في إزالة هذه النجاسة، وقد جاء في عدة أحاديث، منها حديث أم قيس بنت محصن الأسدية رضي الله تعالى عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) أي أنه رشه رشاً ولم يغسله غسلاً، وهذا فيه تخفيف على الناس في التطهر من بول الغلام، وأنه يكون بهذا الوصف الذي هو الرش والنضح، ولا يلزم فيه أن يغسل وأن يدلك ويعصر كما يفعل بالنجاسات الأخرى، وكما يكون في بول الجارية الصغيرة، فإنها تختلف عن الصبي في ذلك الحكم، كما سيأتي في الأحاديث: (أنه يرش من بول الغلام ويغسل بول الجارية).
وهذه المسألة من المسائل التي يفترق الذكور والإناث فيها، والأصل هو التساوي في الأحكام بين الذكور والإناث إلا فيما جاءت به الشريعة من التفريق بين الذكور والإناث، فإنه عند ذلك يصار إلى التفريق الذي جاء في بعض المسائل، ومن ذلك هذه المسألة، وهي تطهير بول الصبي والصبية، فإن الصبي يرش بوله والصبية يغسل بولها.
ولقد ذكرت جملة من الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى من المسائل التي يفترق فيها الذكور والإناث، ولم أعز هذه المسألة إلى كتاب، وهي المسألة الوحيدة التي لم تعز، وذلك لأنها مسائل مجمعة فيما يتعلق في الفرق بين الذكور والإناث، وليست مأخوذة من كتاب معين، ولكنني جمعتها في أوقات مختلفة وفي مناسبات مختلفة، فجمعت بعضها إلى بعض وأودعتها في ذلك الكتاب غير معزوة إلى كتاب، بخلاف المسائل الأخرى، وهي مسائل عديدة يختلف فيها الرجال عن النساء، أو يختلف فيها الذكور عن الإناث.
رش بول الصبي ونضحه مالم يأكل طعاماً
هذا التقييد بقوله: (لم يأكل الطعام) يفيد أنه صغير، وأنه إذا أكل الطعام يختلف الحكم، ولهذا سيأتي في بعض الأحاديث: (ما لم يطعم) أي: ما لم يأكل الطعام.
إذاً: مادام أنه يتغذى باللبن ولم يتغذ بالطعام فإنه يرش من بوله، وأما إذا أكل الطعام فإنه يغسل، وأما الجارية فإنه يغسل بولها أكلت الطعام أو لم تأكل، كذلك الصبي إذا أكل الطعام فإنه يتساوى حكمه مع الأنثى فيغسل بوله غسلاً ولا ينضح نضحاً.
وقد كان الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم يأتون بأولادهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحنكهم، وذلك بأن يمضغ تمرة ثم يخرجها إذا تفتت وذابت فيجعلها في حنك الصبي ويدلكه بها، فيصل إلى جوفه تلك الحلاوة، وتكون هذه الثمرة مما مسه جسد الرسول صلى الله عليه وسلم ومما اختلط بلعابه صلى الله عليه وسلم، وكانوا يتبركون بلعابه وبتحنيكه للصبيان، ويتبركون بشعره، ويتبركون بفضل وضوئه، ويتبركون ببصاقه ومخاطه صلى الله عليه وسلم، لكن هذا خاص به عليه الصلاة والسلام، فلا يذهب إلى أحد ليحنك من أجل التبرك به، وإنما الرجل يحنك ولده والمرأة تحنك ولدها، ولكن لا يذهب إلى أحد من أجل تحصيل بركة ريقه؛ لأن هذا خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأنهم لم يكونوا بعد ذلك يذهبون إلى أبي بكر أو عمر أو عثمان وعلي ، وهم خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل صنيع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم على أن هذا يخصه، ولا يكون لغيره من الناس، كما كانوا يتبركون بشعره إذا حلق، وكذلك ببصاقه وبمخاطه وبعرقه وبفضل وضوئه صلى الله عليه وسلم، فهذا من خصائصه.
وأما قول الإمام النووي عليه رحمة الله: فيه استحباب التبرك بأهل الفضل فغير صحيح؛ لأن التبرك بشخص النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي ثبت، وأما غيره فلا.
ولهذا ذكر الشاطبي في كتابه (الاعتصام) بأن كون الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم لم يفعلوا ذلك مع أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل على أن هذا العمل إنما هو خاص به صلى الله عليه وسلم، ولا يتعداه إلى غيره؛ لأنه صلى الله عليه وسلم ما مس جسده فهو مبارك، وقد جاء ما يدل عليه، ولم يأت شيء يدل على أن يعامل غيره بهذه المعاملة.
فوائد الحديث
وفيه -أيضاً- ما ترجم له المصنف من أنه يرش من بول الغلام، وأنه لا يحتاج إلى أن يغسل، ولكن هذا في حالة كونه لم يطعم الطعام ولم يتغذ بالطعام، فإذا تغذى بالطعام فإنه يغسل بوله كما يغسل بول غيره، وإنما خص الذكور دون الإناث لكثرة افتتان الرجال بهم، وكونهم يكونون معهم ويصطحبونهم ويحصل منهم ذلك البول على ثيابهم، فخفف التطهير لتلك النجاسة، وليس الرش لبول الغلام لأنه ليس بنجس، بل هو نجس، ولكنه خفف في إزالة تلك النجاسة لكثرة اصطحاب أو احتكاك أو اختلاط أو حمل الرجال للأطفال من الذكور، حيث يحصل منهم وقوع مثل هذه النجاسة، فجاءت الشريعة مخففة لتطهيرها بأن ترش رشاً ولا يحتاج فيها إلى أن تغسل.
تراجم رجال إسناد حديث: (... فأجلسه رسول الله في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله)
عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .
[ عن مالك ].
هو مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن شهاب ].
ابن شهاب هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة فقيه، وهو الذي كلفه عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه بأن يدون السنة وأن يدون الحديث، وهذا التدوين باعتبار التكليف من ولي الأمر، وإلا فإن التدوين بالجهود الفردية والشخصية وعمل الأفراد كان موجوداً في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث كان بعض الصحابة يكتب الحديث، كما جاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه كان يكتب، وغيره كذلك كان يكتب، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: (اكتبوا لـ
ولكن الزهري دون الحديث بتكليف من ولي الأمر عمر بن عبد العزيز رحمة الله، ولهذا يقول السيوطي في الألفية:
أول جامع الحديث والأثر ابن شهاب آمراً له عمر .
يعني: بأمر عمر بن عبد العزيز رحمة الله عليه.
[ عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ].
عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وهم: عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا، وعروة بن الزبير بن العوام ، وخارجة بن زيد بن ثابت ، وسليمان بن يسار ، والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ، وسعيد بن المسيب ، هؤلاء الستة متفق على عدهم في الفقهاء السبعة، والسابع فيه ثلاثة أقوال: قيل: السابع سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب . وقيل: السابع أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف . وقيل: السابع أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام . وهؤلاء الفقهاء السبعة أطلق عليهم هذا اللقب، ولهذا في بعض المسائل التي يتفقون عليها يأتي ذكرهم بهذا اللقب، فيقال: هذه المسألة قال بها الفقهاء السبعة. فبدل أن يقال: فلان وفلان وفلان يؤتى بهذه الكلمة لتغني عن عندهم؛ لأنها لقب لهم، ولهذا في بعض المسائل التي يحصل اتفاق عليها -مسألة زكاة عروض التجارة- يقولون: وهذه المسألة قال بها الأئمة الأربعة والفقهاء السبعة.
فالأئمة الأربعة هم: أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، والفقهاء السبعة هم هؤلاء الذين ذكرتهم، فـعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود هذا هو من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين.
[ عن أم قيس بنت محصن الأسدية ].
هي أخت عكاشة بن محصن الأسدي الصحابي المشهور الذي هو من السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما ذكر السبعين ألفاً الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب قام عكاشة بن محصن فقال: (يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: أنت منهم. فقام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: سبقك بها
و أم قيس بنت محصن الأسدية صحابية أخرج حديثها أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (كان الحسين بن علي في حجر رسول الله فبال عليه ...)
أورد أبو داود رحمه الله حديث لبابة بنت الحارث الهلالية رضي الله تعالى عنها أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الحسين بن علي رضي الله تعالى عنهما، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره -وكان صغيراً- فبال في حجره على إزاره، فقالت: البس ثوباً وأعطني إزارك لأغسله. فقال عليه الصلاة والسلام: (إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر) يعني: الجارية يغسل بولها دائماً وأبداً، وأما الصبي الذكر فإنه ما لم يطعم الطعام فإنه ينضح بوله نضحاً ويرش رشاً ولا يغسل، وهذا فيه تخفيف للتطهير ولإزالة النجاسة من بول الغلام، وهذا فيه التنصيص على التفريق بين الذكر والأنثى؛ لأن الذكر ما لم يطعم الطعام يرش من بوله، وأما الأنثى فإنها دائماً وأبداً أكلت الطعام أو لم تأكل يغسل بولها.
تراجم رجال إسناد حديث: (كان الحسين بن علي في حجر رسول الله فبال عليه ...)
هو مسدد بن مسرهد البصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي .
[ والربيع بن نافع أبو توبة ].
هو الربيع بن نافع أبو توبة الحلبي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .
قوله: [ المعنى ].
يعني: أن الألفاظ مختلفة في رواية مسدد وأبي توبة والمعنى واحد.
[ حدثنا أبو الأحوص ].
أبو الأحوص هو سلام بن سليم الحنفي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن سماك ].
هو سماك بن حرب ، وهو صدوق، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
[ عن قابوس ].
هو قابوس بن مخارق ، لا بأس به، أي: صدوق، أخرج له أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ عن لبابة بنت الحارث ].
هي لبابة بنت الحارث الهلالية أخت ميمونة بنت الحارث الهلالية أم المؤمنين، وهي أم الفضل بن العباس وأم عبد الله بن عباس وزوجة العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنهم وعن الصحابة أجمعين، وهي التي حجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، ولما كان الناس بعرفة وتماروا واختلفوا فقال بعضهم: إن الرسول صلى الله عليه وسلم صائم في ذلك اليوم، ومنهم من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مفطر، قالت لبابة : أنا أبين لكم هل هو صائم أو مفطر، فأخذت قدحاً من لبن، وقالت: ناولوه إياه. وكان على ناقته صلى الله عليه وسلم، فأخذه وشرب والناس يرون، فعرف الناس أنه مفطر وليس بصائم صلى الله عليه وسلم، وهذا من ذكائها وفطنتها، حيث أرادت أن يعلم الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم صائم أو مفطر دون أن يُسأل هل هو صائم أو مفطر.
ولهذا فإن يوم عرفة لا يصومه الحجاج اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما غير الحجاج فإن صيامهم له هو خير التطوع وأفضل صيام التطوع؛ لأنه يكفر السنة الماضية والسنة الآتية، كما جاءت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
و لبابة بنت الحارث الهلالية أم الفضل رضي الله عنها وأرضاها حديثها أخرجه أصحاب الكتب الستة.
شرح حديث: (... يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)
قال عباس : حدثنا يحيى بن الوليد . قال أبو داود : وهو أبو الزعراء . قال هارون بن تميم : عن الحسن قال: الأبوال كلها سواء ].
أورد أبو داود رحمه الله حديث أبي السمح خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي الله تعالى عنه وأرضاه، (أنه كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان إذا أراد أن يغتسل قال: (ولني قفاك) يعني: اصرف عني وجهك وولني قفاك. وذلك ليستره حتى لا يُنظر إليه، وبهذا العمل يكون أبو السمح لا يراه؛ لأنه قد ولاه خلفه وقفاه، وأيضاً يستر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يغتسل صلوات الله وسلامه وبركاته عليه.
قوله: (فجاء حسن أو حسين فبال على صدره ، فجئت أغسله) -يعني: يغسل بول الحسن أو الحسين ، فقال عليه الصلاة والسلام: (يغسل من بول الجارية، ويرش من بول الغلام).
يعني أن بول الغلام لا يحتاج إلى غسل كما يحتاج بول الجارية إلى غسل، ولكنه يكفي فيه الرش والنضح.
تراجم رجال إسناد حديث: (... يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام)
هو مجاهد بن موسى الخوارزمي ، ثقة، أخرج حديثه مسلم وأصحاب السنن.
[ وعباس بن عبد العظيم العنبري ].
هو عباس بن عبد العظيم العنبري البصري ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.
قوله:[ المعنى ].
يعني: أن هذين الشيخين ألفاظهما مختلفة ومعنى روايتهما واحد.
[ قالا: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ].
هو عبد الرحمن بن مهدي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ حدثني يحيى بن الوليد ].
يحيى بن الوليد أبو الزعراء ، لا بأس به، وهي بمعنى صدوق، أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثني محل بن خليفة ].
محل بن خليفة ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والنسائي وابن ماجة .
[ حدثني أبو السمح ].
هو أبو السمح خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة وليس له إلا هذا الحديث الواحد.
قوله: [ قال عباس : حدثنا يحيى بن الوليد ].
يعني أن عباساً شيخ أبي داود الثاني في الإسناد المتقدم لفظه (حدثنا يحيى بن الوليد ) أي أن تعبير عباس يختلف عن تعبير مجاهد بن موسى ؛ لأن مجاهد بن موسى قال: (حدثني) بالإفراد، وأما عباس بن عبد العظيم العنبري فقال: (حدثنا)، فالفرق بين هذا وذاك أن ذاك قال: (حدثني)، وهذا قال: (حدثنا)، فهذا هو وجه التفريق بين صيغة التحمل من عباس بن عبد العظيم العنبري ومن مجاهد بن موسى ، فـمجاهد قال: (حدثني)، يعني أنه سمع من عبد الرحمن بن مهدي وحده؛ لأنه إذا كان سمع وحده يقول: (حدثني)، أما إذا كان حدثه ومعه غيره فإنه يقول: (حدثنا)، هذا هو الفرق بين (حدثني) و(حدثنا)، وقد يأتي يقول الراوي: (حدثنا) وهو مفرد على ما يجري في التخاطب، بأن يقول الواحد عن نفسه: (نحن)، أو يقول: (حدثنا) أو: (أخبرنا) أو: (فعلنا) أو: (تركنا)، لكن الغالب أن (حدثني) تكون للإفراد و(حدثنا) تكون إذا حدثه ومعه غيره.
قوله: [ قال أبو داود : وهو أبو الزعراء ].
أي: يحيى بن الوليد هو أبو الزعراء ، فهذا تعريف به أنه يكنى بـأبي الزعراء .
معنى قول الحسن: الأبوال كلها سواء
يعني أن الأبوال للكبار والصغار والذكور والإناث هي سواء، فإن كان المراد بأنها كلها نجسة فهذا صحيح، وإن كان المراد أن حكمها واحد في الغسل فهذا ليس بصحيح؛ لأن الحديث فرق بين بول الجارية وبول الغلام، بأن الجارية يغسل غسلاً وحول الغلام ينضح نضحاً ويرش رشاً.
وبعض أهل العلم ذهب إلى مقتضى الحديث من حيث التفريق بين الجارية والغلام بأن يرش بول الغلام ويغسل بول الجارية، وبعضهم سوى بين بول الجارية والغلام فذهب إلى أن كليهما يغسل غسلاً، ولكن الأخذ بما دل عليه الحديث والعمل بمقتضى الحديث هو الذي يصار إليه وينفذ؛ لأن التفريق جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فقول الحسن البصري : (الأبوال كلها سواء)، إن كان المقصود به النجاسة فنعم كلها سواء، وإلا فإن أبوال الحيوانات منها ما يكون طاهراً ومنها ما يكون نجساً؛ لأن ما يؤكل لحمه بوله طاهر وليس بنجس، كالإبل والبقر والغنم، فكل ما يؤكل لحمه بوله طاهر ليس بنجس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر العرنيين الذين جاءوا واجتووا المدينة أن يذهبوا إلى إبل الصدقة فيشربون من أبوالها وألبانها، فإذنه لهم بأن يشربوا من أبوالها يدل على أن بول مأكول اللحم طاهر وليس بنجس؛ لأنه لو كان نجساً لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم بشربه؛ لأنه لا يتداوى بحرام كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يتغذى بحرام كما جاء بذلك الكتاب والسنة، إلا ما دعت إليه الضرورة مثل أكل الميتة من أجل إنقاذ النفس عندما يشرف المرء على الهلاك أو يخشى الهلاك وليس هناك إلا الأكل من الميتة، فيأكل بمقدار ما يسد حاجته، فهذا جاء به الكتاب والسنة وجاءت به الشريعة.
وأما الآدميون فأبوالهم نجسة، ولكن فرق بين الغلام والجارية، فالغلام الذي لم يأكل الطعام يكفي في إزالة نجاسة بوله الرش والنضح، وهذا تخفيف وتيسير في إزالة تلك النجاسة، بخلاف غيرها من النجاسات، فإنها تحتاج إلى غسل ولا يكفي فيها الرش، إلا فيما يتعلق بالمذي على الثوب فإنه يرش تخفيفاً.
قوله: [ قال هارون بن تميم عن الحسن ].
هارون بن تميم ما وقفت له على ترجمة.
و الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
شرح أثر علي: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم)
أورد أبو داود رحمه الله هذا الأثر عن علي رضي الله عنه أنه قال: (يغسل من بول الجارية، وينضح من بول الغلام ما لم يطعم) أي: ما لم يعطعم الطعام ينضح من بوله، فإذا طعم الطعام صار بوله مثل بول الجارية يغسل، فبول الجارية يغسل دائماً وأبداً طعمت أو لم تطعم، والغلام ينضح ويرش بوله ما لم يطعم، فإذا طعم صار الحكم الغسل.
تراجم رجال إسناد أثر علي: (يغسل من بول الجارية وينضح من بول الغلام ما لم يطعم)
هو يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن ابن أبي عروبة ].
هو سعيد بن أبي عروبة ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن قتادة ].
هو قتادة بن دعامة السدوسي البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن أبي حرب بن أبي الأسود ].
أبو حرب بن أبي الأسود ثقة، أخرج له مسلم وأصحاب السنن.
[ عن أبيه ].
هو أبو الأسود الديلي ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.
[ عن علي ].
هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، أمير المؤمنين ورابع الخلفاء الراشدين الهادين المهديين، أبو الحسنين وأبو السبطين ، صاحب المناقب الجمة والفضائل الكثيرة رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وهو أفضل من مشى على الأرض بعد أبي بكر وعمر وعبد الله بن مسلمة القعنبي ، عن مالك ، عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن أم قيس بنت محصن رضي الله عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) ].
يقول الإمام أبو داود السجستاني رحمه الله: [ باب في بول الصبي يصيب الثوب ] يعني: ماذا يصنع فيه؟ وكيف يتم تطهيره من هذا البول الذي وقع عليه؟
وحكم بول الصبي حين يقع على الإنسان أنه يطهر بالرش وبالنضح، ولا يحتاج إلى أن يغسل كما تغسل النجاسات؛ فإنه جاء التخفيف في إزالة هذه النجاسة، وقد جاء في عدة أحاديث، منها حديث أم قيس بنت محصن الأسدية رضي الله تعالى عنها: (أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأجلسه النبي صلى الله عليه وسلم في حجره فبال على ثوبه، فدعا بماء فنضحه ولم يغسله) أي أنه رشه رشاً ولم يغسله غسلاً، وهذا فيه تخفيف على الناس في التطهر من بول الغلام، وأنه يكون بهذا الوصف الذي هو الرش والنضح، ولا يلزم فيه أن يغسل وأن يدلك ويعصر كما يفعل بالنجاسات الأخرى، وكما يكون في بول الجارية الصغيرة، فإنها تختلف عن الصبي في ذلك الحكم، كما سيأتي في الأحاديث: (أنه يرش من بول الغلام ويغسل بول الجارية).
وهذه المسألة من المسائل التي يفترق الذكور والإناث فيها، والأصل هو التساوي في الأحكام بين الذكور والإناث إلا فيما جاءت به الشريعة من التفريق بين الذكور والإناث، فإنه عند ذلك يصار إلى التفريق الذي جاء في بعض المسائل، ومن ذلك هذه المسألة، وهي تطهير بول الصبي والصبية، فإن الصبي يرش بوله والصبية يغسل بولها.
ولقد ذكرت جملة من الفوائد المنتقاة من فتح الباري وكتب أخرى من المسائل التي يفترق فيها الذكور والإناث، ولم أعز هذه المسألة إلى كتاب، وهي المسألة الوحيدة التي لم تعز، وذلك لأنها مسائل مجمعة فيما يتعلق في الفرق بين الذكور والإناث، وليست مأخوذة من كتاب معين، ولكنني جمعتها في أوقات مختلفة وفي مناسبات مختلفة، فجمعت بعضها إلى بعض وأودعتها في ذلك الكتاب غير معزوة إلى كتاب، بخلاف المسائل الأخرى، وهي مسائل عديدة يختلف فيها الرجال عن النساء، أو يختلف فيها الذكور عن الإناث.
استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
شرح سنن أبي داود [139] | 2890 استماع |
شرح سنن أبي داود [462] | 2842 استماع |
شرح سنن أبي داود [106] | 2835 استماع |
شرح سنن أبي داود [032] | 2731 استماع |
شرح سنن أبي داود [482] | 2702 استماع |
شرح سنن أبي داود [529] | 2693 استماع |
شرح سنن أبي داود [555] | 2686 استماع |
شرح سنن أبي داود [177] | 2679 استماع |
شرح سنن أبي داود [097] | 2654 استماع |
شرح سنن أبي داود [273] | 2649 استماع |