شرح سنن أبي داود [046]


الحلقة مفرغة

شرح حديث: (المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر.

حدثنا محمد بن جعفر بن زياد قال، وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي والوضوء عند كل صلاة) قال أبو داود : زاد عثمان : (وتصوم وتصلي) ].

هذا باب من قال إن المستحاضة تغتسل من طهر إلى طهر يعني: أنها تغتسل غسلاً واحداً، وهو الغسل الذي تتطهر به من الحيضة، وتقبل على الطهر الذي هو استحاضة بدون حيض؛ لأن المستحاضة عندما يأتيها الحيض يجتمع دم الاستحاضة ودم الحيض، وإذا انتهى زمن الحيض بقي دم الاستحاضة فقط، وهو دم الفساد الذي يخرج منها باستمرار، وهو لا يمنعها من الصلاة والصيام وسائر الأعمال التي تفعلها الطاهرات، هذا هو المقصود بالترجمة.

قوله: (تغتسل من طهر إلى طهر) يعني: أنه لا يجب عليها إلا غسل واحد، وهو الاغتسال الذي يكون عند إدبار حيضها، فإنها تغتسل لانتهاء الحيض منها، هذا هو الواجب، والأغسال الأخرى التي تكون عند كل صلاة وغيرها مندوبة مستحبة، وأما الغسل المتعين الواجب اللازم الذي لا بد منه فهو غسل الحيض، وهو الذي يكون عند إدبار حيضها، وانقطاع الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة، ثم بقاء ذلك الدم الذي هو دم الاستحاضة والذي هو دم عرق وفساد.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها) يعني: أيام حيضها، فإذا كانت مميزة فعلامته إقبال الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة، فإذا انتهى ذلك الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة تغتسل من الحيض، وإذا كانت غير مميزة ولكنها تعرف عادتها قبل أن تأتيها الاستحاضة، كأن كانت تعرف أنها تأتيها خمسة أيام -مثلاً- من أول الشهر؛ فإنها تجلس خمسة أيام من أول الشهر، يعني: نفس الأيام التي كانت تجلسها، فإذا انتهت الأيام اغتسلت غسل الحيض، وما عدا ذلك من الأغسال عند كل صلاة أو غير ذلك ليس بواجب.

وقوله: (ثم تغتسل وتصلي) هذا هو محل الشاهد للترجمة، فهو يدل على الغسل من طهر إلى طهر يعني: إذا طهرت اغتسلت وجوباً، ولا يجب عليها أن تغتسل إلا بعد مجيء الطهر الآخر، لكن لو جامعها زوجها فإنه يجب عليها أن تغتسل، ولو احتلمت فيجب عليها أن تغتسل؛ لأن هذا غسل وجد سببه، لكن حيث لا يوجد سبب يوجب الغسل كالجماع أو الاحتلام فإن الذي عليها إنما هو غسل الحيض.

وقوله: (والوضوء عند كل صلاة) أي: أنها عند كل صلاة تتوضأ لزوماً، ولكن الغسل ليس لازماً، ولكنه مندوب إليه ومستحب.

[ قال أبو داود زاد عثمان : (وتصوم وتصلي) ] يعني: أنها في تلك المدة تصلي وتصوم، فزاد فيه الصيام، والأول قال: (تغتسل وتصلي)، ومن المعلوم أن كل الأعمال التي هي مطلوبة من الطاهرات يسوغ لها أن تفعلها، فالطاهرات يصلين ويصمن ويحججن ويقرأن القرآن، ويجامعهن أزواجهن، ويمسسن المصاحف، وما إلى ذلك من الأمور التي هي سائغة في حق الطاهرات، وكذلك يسوغ للمستحاضة ذلك، وهذا مرض ودم فساد، وأما الدم الذي يكون منه المنع فهو دم الطبيعة الذي هو دم الحيض.

تراجم رجال إسناد حديث: (المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها)

قوله: [ حدثنا محمد بن جعفر بن زياد ].

محمد بن جعفر بن زياد ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

[ وعثمان ].

عثمان بن أبي شيبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن شريك ].

شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيرا،ً وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي اليقظان ].

وهو عثمان بن عمير ، وهو ضعيف اختلط أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن عدي بن ثابت ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

ثابت الأنصاري ، وهو مجهول أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن جده ].

قيل: إنه دينار ، وقيل: إنه جده لأمه عبد الله بن يزيد ، وقيل غير ذلك، وهو مختلف فيه.

الحديث فيه شريك القاضي وهو يخطئ كثيراً، وفيه ذلك الضعيف الذي هو أبو اليقظان ، ولكن معناه جاء في روايات صحيحة وثابتة، ومنها الوضوء عند كل صلاة، وقد ذكر الحافظ في بلوغ المرام أن في راوية البخاري : (وتوضئي عند كل صلاة)، فالوضوء عند كل صلاة ثابت، وهذا الحديث قد جاء من طرق، والشيخ الألباني صحح الحديث بالشواهد، وإلا فإنه من حيث الإسناد فيه أبو اليقظان وهو مجهول، وفيه شريك النخعي الكوفي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً، والأشد أن فيه ذلك المجهول.

شرح حديث: (توضئي لكل صلاة وصلي)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر خبرها وقال: ثم اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة وصلي) ] .

ذكر المصنف حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها وفيه قصتها التي تكررت وجاءت مراراً، وهي أنها كانت تستحاض، وأنها سألت الرسول أو سأله غيرها لها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأن تغتسل وتصلي عند إدبار الحيض، وتتوضأ لكل صلاة، وهذا مثل ما أشرت إليه في الحديث السابق من أن الوضوء لكل صلاة جاء في روايات متعددة وفي أحاديث متعددة.

تراجم رجال إسناد حديث: (توضئي لكل صلاة وصلي)

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع ].

وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

وهو سليمان بن مهران الكاهلي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حبيب بن أبي ثابت ].

وهو ثقة كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عروة ].

عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أنزل الله تعالى في براءتها مما رميت به من الإفك آيات تتلى في سورة النور، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم:

أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة.

شرح حديث: (المستحاضة تغتسل مرة واحدة)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي حدثنا يزيد عن أيوب بن أبي مسكين عن الحجاج عن أم كلثوم عن عائشة رضي الله عنها في المستحاضة تغتسل -يعني: مرة واحدة- ثم توضأ إلى أيام أقرائها ].

أورد أبو داود الأثر عن عائشة رضي الله عنها أن المستحاضة تغتسل مرة واحدة، يعني: عند انتهاء الحيض أو عند إدبار الحيض، وتتوضأ إلى أيام أقرائها يعني: أنها تتوضأ عند كل صلاة إلى أن يأتيها الحيض مرة أخرى.

تراجم رجال إسناد حديث: (المستحاضة تغتسل مرة واحدة)

قوله: [ حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ حدثنا يزيد ].

يزيد بن هارون الواسطي ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب بن أبي مسكين ].

أيوب بن أبي مسكين أبو العلاء الواسطي ، وهو صدوق له أوهام، أخرج حديثه أبو داود والترمذي والنسائي .

[عن الحجاج ].

الحجاج بن أرطأة وهو صدوق كثير الخطأ والتدليس، وحديثه أخرجه البخاري في الأدب المفرد، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أم كلثوم ].

أم كلثوم الليثية المكية ولم يذكر الحافظ عنها شيئاً، أخرج حديثها أبو داود والترمذي والنسائي في عمل اليوم والليلة .

وهذا الأثر عن عائشة مطابق للروايات الأخرى الثابتة الصحيحة في أن المرأة المستحاضة تغتسل عند إدبار حيضها، وأنها تتوضأ لكل صلاة، والاغتسال مستحب لها وليس بواجب.

ذكر حديث (المستحاضة تغتسل مرة واحدة) من طريق ثانية

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن سنان القطان الواسطي حدثنا يزيد عن أيوب أبي العلاء عن ابن شبرمة عن امرأة مسروق عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ].

أورد المصنف الحديث من طريق أخرى عن عائشة ، وهو مرفوع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، وقال: مثله، أي: مثل ذلك الذي مرّ موقوفاً على عائشة .

الخلاف في إثبات الوضوء لكل صلاة في حديث المستحاضة

[ قال أبو داود : وحديث عدي بن ثابت ، والأعمش عن حبيب ، وأيوب عن أبي العلاء كلها ضعيفة لا تصح ].

أبو داود رحمه الله بعدما ذكر تلك الأحاديث المرفوعة قال: إنها كلها ضعيفة لا تصح، ثم بين الوجه في ذلك وهو أنه اختلف على عدي بن ثابت في رفعها وفي وقفها، وقال: إن الذي صح عنده أنها موقوفة، وليست مرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قوله: [ وحديث عدي بن ثابت ].

عدي بن ثابت هو الأول.

[ والأعمش عن حبيب ] هو الثاني.

[ وأيوب أبي العلاء ].

وأيوب أبو العلاء وهو الأخير، فرواه أحمد بن سنان القطان ، عن يزيد بن هارون ، عن أيوب أبي العلاء ، يعني: فهذه الثلاثة المرفوعة كلها يضعفها أبو داود ، وبعض أهل العلم يصححها، ويجعل بعضها يشهد لبعض، فإن الوضوء لكل صلاة جاء في غيرها.

قوله: [ كلها ضعيفة لا تصح، ودل على ضعف حديث الأعمش عن حبيب هذا: الحديث أوقفه حفص بن غياث عن الأعمش . وأنكر حفص بن غياث أن يكون حديث حبيب مرفوعاً ].

يعني: حتى ابن غياث أنكر أن يكون مرفوعاً، وهو أحد رواته، وحفص بن غياث ثقة أخرج له أصحاب الكتب.

قوله: [ وأوقفه أيضاً أسباط ].

أسباط هو ابن محمد بن عبد الرحمن ، وهو ثقة، ضعف في الثوري ، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

قوله: [ وأوقفه أيضاً أسباط عن الأعمش موقوف عن عائشة ].

وهذا أيضاً وجه آخر لتضعيفه، وهو: أنه موقوف.

[ قال أبو داود : ورواه ابن داود عن الأعمش مرفوعاً أوله، وأنكر أن يكون فيه الوضوء عند كل صلاة ].

أوله هو أن تدع الصلاة أيام أقرائها، وآخره هو الوضوء عند كل صلاة، فجاء أوله مرفوعاً من طريق ابن داود ، وهو عبد الله بن داود القريبي ، وهو ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن، يروي عن الأعمش .

وفي الحديث: أنها تترك الصلاة، وتغتسل وتصلي، وتتوضأ لكل صلاة، وعقب الراوي بقوله: ليس فيه تتوضأ لكل صلاة.

إذاً: الرواية التي ذكرها عن طريق ابن داود فيها أول الحديث مرفوعاً، وأنكر أن يكون فيه (تتوضأ لكل صلاة) الذي هو آخر الحديث.

قوله: [ ودل على ضعف حديث حبيب هذا: أن رواية الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (قد كانت تغتسل لكل صلاة في حديث المستحاضة) ].

يعني ما ذكرت الوضوء عند كل صلاة، وإنما ذكرت الغسل عند كل صلاة.

ذكر من روى أن المستحاضة تغتسل كل يوم مرة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ورواية داود وعاصم ، عن الشعبي ، عن قمير ، عن عائشة رضي الله عنها: (تغتسل كل يوم مرة) ].

داود هو ابن أبي هند ، وهو ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

وعاصم هو ابن سليمان الأحول ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عن الشعبي ، عن قمير ، عن عائشة ].

وقد مر ذكرهم.

[ تغتسل كل يوم مرة ] يعني: هذا فيه أن الاغتسال كل يوم مرة.

[ وروى هشام بن عروة ، عن أبيه: (المستحاضة تتوضأ لكل صلاة) ].

يعني: هذا أثر عن عروة .

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وهذه الأحاديث كلها ضعيفة، إلا حديث قمير ، وحديث عمار مولى بني هاشم ، وحديث هشام بن عروة عن أبيه، والمعروف عن ابن عباس الغسل ].

هذه المستثناة آثار وليست أحاديث، لكن قضية الوضوء عند كل صلاة ثابت، وقد جاء في صحيح البخاري ، وجاء في غيره، وهذه الأحاديث التي ضعفها أبو داود قد صححها غيره، واعتبروا مجموع تلك الأحاديث يؤدي إلى شيء واحد، وهو: أن الوضوء لكل صلاة لابد منه.

عبد الملك بن أبي سليمان ، هو ابن ميسرة وابن أبي سليمان ، ابن ميسرة هو أبو سليمان ؛ لأن الأول اسم أبيه، والثاني كنية أبيه.

ويوجد راو آخر هو: عبد الملك بن ميسرة الهلالي ، أبو زيد العامري الكوفي الزراج ، ثقة من الرابعة، يروي عن الشعبي ، والأول أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن، وعلى كل النتيجة واحدة، سواء كان هذا أو هذا، لكن هذا لا شك أنه أقوى.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من قال: تغتسل من طهر إلى طهر.

حدثنا محمد بن جعفر بن زياد قال، وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا شريك عن أبي اليقظان عن عدي بن ثابت عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم: (في المستحاضة تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتصلي والوضوء عند كل صلاة) قال أبو داود : زاد عثمان : (وتصوم وتصلي) ].

هذا باب من قال إن المستحاضة تغتسل من طهر إلى طهر يعني: أنها تغتسل غسلاً واحداً، وهو الغسل الذي تتطهر به من الحيضة، وتقبل على الطهر الذي هو استحاضة بدون حيض؛ لأن المستحاضة عندما يأتيها الحيض يجتمع دم الاستحاضة ودم الحيض، وإذا انتهى زمن الحيض بقي دم الاستحاضة فقط، وهو دم الفساد الذي يخرج منها باستمرار، وهو لا يمنعها من الصلاة والصيام وسائر الأعمال التي تفعلها الطاهرات، هذا هو المقصود بالترجمة.

قوله: (تغتسل من طهر إلى طهر) يعني: أنه لا يجب عليها إلا غسل واحد، وهو الاغتسال الذي يكون عند إدبار حيضها، فإنها تغتسل لانتهاء الحيض منها، هذا هو الواجب، والأغسال الأخرى التي تكون عند كل صلاة وغيرها مندوبة مستحبة، وأما الغسل المتعين الواجب اللازم الذي لا بد منه فهو غسل الحيض، وهو الذي يكون عند إدبار حيضها، وانقطاع الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة، ثم بقاء ذلك الدم الذي هو دم الاستحاضة والذي هو دم عرق وفساد.

وقد أورد أبو داود رحمه الله حديث عدي بن ثابت عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المستحاضة: (تدع الصلاة أيام أقرائها) يعني: أيام حيضها، فإذا كانت مميزة فعلامته إقبال الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة، فإذا انتهى ذلك الدم الأسود الغليظ الذي له رائحة خاصة تغتسل من الحيض، وإذا كانت غير مميزة ولكنها تعرف عادتها قبل أن تأتيها الاستحاضة، كأن كانت تعرف أنها تأتيها خمسة أيام -مثلاً- من أول الشهر؛ فإنها تجلس خمسة أيام من أول الشهر، يعني: نفس الأيام التي كانت تجلسها، فإذا انتهت الأيام اغتسلت غسل الحيض، وما عدا ذلك من الأغسال عند كل صلاة أو غير ذلك ليس بواجب.

وقوله: (ثم تغتسل وتصلي) هذا هو محل الشاهد للترجمة، فهو يدل على الغسل من طهر إلى طهر يعني: إذا طهرت اغتسلت وجوباً، ولا يجب عليها أن تغتسل إلا بعد مجيء الطهر الآخر، لكن لو جامعها زوجها فإنه يجب عليها أن تغتسل، ولو احتلمت فيجب عليها أن تغتسل؛ لأن هذا غسل وجد سببه، لكن حيث لا يوجد سبب يوجب الغسل كالجماع أو الاحتلام فإن الذي عليها إنما هو غسل الحيض.

وقوله: (والوضوء عند كل صلاة) أي: أنها عند كل صلاة تتوضأ لزوماً، ولكن الغسل ليس لازماً، ولكنه مندوب إليه ومستحب.

[ قال أبو داود زاد عثمان : (وتصوم وتصلي) ] يعني: أنها في تلك المدة تصلي وتصوم، فزاد فيه الصيام، والأول قال: (تغتسل وتصلي)، ومن المعلوم أن كل الأعمال التي هي مطلوبة من الطاهرات يسوغ لها أن تفعلها، فالطاهرات يصلين ويصمن ويحججن ويقرأن القرآن، ويجامعهن أزواجهن، ويمسسن المصاحف، وما إلى ذلك من الأمور التي هي سائغة في حق الطاهرات، وكذلك يسوغ للمستحاضة ذلك، وهذا مرض ودم فساد، وأما الدم الذي يكون منه المنع فهو دم الطبيعة الذي هو دم الحيض.

قوله: [ حدثنا محمد بن جعفر بن زياد ].

محمد بن جعفر بن زياد ثقة أخرج حديثه مسلم وأبو داود والنسائي .

[ وعثمان ].

عثمان بن أبي شيبة ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن شريك ].

شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي، وهو صدوق يخطئ كثيرا،ً وحديثه أخرجه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن أبي اليقظان ].

وهو عثمان بن عمير ، وهو ضعيف اختلط أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن عدي بن ثابت ].

وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبيه ].

ثابت الأنصاري ، وهو مجهول أخرج حديثه أبو داود والترمذي وابن ماجة .

[ عن جده ].

قيل: إنه دينار ، وقيل: إنه جده لأمه عبد الله بن يزيد ، وقيل غير ذلك، وهو مختلف فيه.

الحديث فيه شريك القاضي وهو يخطئ كثيراً، وفيه ذلك الضعيف الذي هو أبو اليقظان ، ولكن معناه جاء في روايات صحيحة وثابتة، ومنها الوضوء عند كل صلاة، وقد ذكر الحافظ في بلوغ المرام أن في راوية البخاري : (وتوضئي عند كل صلاة)، فالوضوء عند كل صلاة ثابت، وهذا الحديث قد جاء من طرق، والشيخ الألباني صحح الحديث بالشواهد، وإلا فإنه من حيث الإسناد فيه أبو اليقظان وهو مجهول، وفيه شريك النخعي الكوفي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيراً، والأشد أن فيه ذلك المجهول.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (جاءت فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر خبرها وقال: ثم اغتسلي ثم توضئي لكل صلاة وصلي) ] .

ذكر المصنف حديث فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها وفيه قصتها التي تكررت وجاءت مراراً، وهي أنها كانت تستحاض، وأنها سألت الرسول أو سأله غيرها لها، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أفتاها بأن تغتسل وتصلي عند إدبار الحيض، وتتوضأ لكل صلاة، وهذا مثل ما أشرت إليه في الحديث السابق من أن الوضوء لكل صلاة جاء في روايات متعددة وفي أحاديث متعددة.

قوله: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا وكيع ].

وكيع بن الجراح الرؤاسي الكوفي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الأعمش ].

وهو سليمان بن مهران الكاهلي وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن حبيب بن أبي ثابت ].

وهو ثقة كثير التدليس والإرسال، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عروة ].

عروة بن الزبير بن العوام ، وهو ثقة فقيه، من فقهاء المدينة السبعة في عصر التابعين، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ عن عائشة ].

عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها الصديقة بنت الصديق ، التي حفظ الله تعالى بها الكثير من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتي أنزل الله تعالى في براءتها مما رميت به من الإفك آيات تتلى في سورة النور، وهي واحدة من سبعة أشخاص عرفوا بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهم:

أبو هريرة وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله الأنصاري وأم المؤمنين عائشة ، ستة رجال وامرأة واحدة.


استمع المزيد من الشيخ عبد المحسن العباد - عنوان الحلقة اسٌتمع
شرح سنن أبي داود [139] 2890 استماع
شرح سنن أبي داود [462] 2842 استماع
شرح سنن أبي داود [106] 2835 استماع
شرح سنن أبي داود [032] 2731 استماع
شرح سنن أبي داود [482] 2702 استماع
شرح سنن أبي داود [529] 2693 استماع
شرح سنن أبي داود [555] 2686 استماع
شرح سنن أبي داود [177] 2679 استماع
شرح سنن أبي داود [097] 2654 استماع
شرح سنن أبي داود [273] 2650 استماع