الصبر عند المصيبة [2]


الحلقة مفرغة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب:70-71].

معاشر المؤمنين: كلنا يعلم أن الصبر دواء ناجع، وعلاج نافع في تخفيف آثار كل بلية أو مصيبة تقع بالعبد، في نفسه أو أهله أو ماله، وليس للعبد إلا أن يصبر لا محالة، فمن لم يصبر في أول المصيبة رضا واختيارا، فمرده على الصبر عليها قهراً واضطراراً، قال الشاعر:

أرى الصبر محموداً وعنه مذاهب     فيكف إذا ما لم يكن عنه مذهب

وقال الآخر:

اصبر ففي الصبر خير لو علمت به     لكنت باركت شكراً صاحب النعم

واعلم بأنك إن لم تصطبر كرماً     صبرت قهراً على ما خط في القلم

ولقد مر معنا ذكر طرف من الآيات في فضل الصبر ومدح الصابرين، ولنتأمل اليوم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك حيث يقول: (عجباً لأمر المؤمن كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له) رواه مسلم .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ومن يتصبر يصبره الله، فما أعطي أحد عطاءً خيراً من الصبر) متفق عليه.

فمن ذلك نعلم أن الخير كل الخير للعبد: أن يصبر في جميع أموره؛ لأن المسلم يعلم أن البلاء مهما عظم أمره، أو صغر قدره فإن الله قد جعله سبباً لتكفير ذنوبه، فعن أبي هريرة وأبي سعيد رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما يصيب المؤمن من نصبٍ، ولا وصبٍ ولاهمٍ، ولا حزنٍ ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه) متفق عليه.

عِظَم الجزاء لمن رضي بالبلاء

فإذا تيقن المسلم هذا، انفتح له باب الرضا بالقضاء، والتلذذ بالصبر حين البلية، لماذا؟ لأنه علم من كلام نبيه صلى الله عليه وسلم، أن أصغر بلية حتى الشوكة، فإنها تكفر عنه الذنوب والخطايا، فإذا تأمل العبد وعلم قول نبيه صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه، حتى يوافى به يوم القيامة) إذاً فلا خسارة في الصبر، بل الخير والسعة فيه صغرت المصيبة أو كبرت، قال صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وجاء في حديث آخر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فما يبرح البلاء في العبد، حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، فمن ذا الذي يسخط ويجزع ولا يصبر، وهو يوقن بهذه النعم الجزيلة في رفعة الدرجات وتكفير السيئات، حينما تنزل به البلية، أو تحل به المصيبة.

جاء في الحديث عن أبي سعيد: (أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك على قطيفة، فوضع يده فوق القطيفة، فقال: ما أشد حماك يا رسول الله! قال: إنا كذلك يشدد علينا البلاء، ويضاعف لنا الأجر، ثم قال: يا رسول الله! من أشد الناس بلاءً؟ قال: الأنبياء، قال: ثم من؟ قال: العلماء، قال: ثم من؟ قال: الصالحون، كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله، ويبتلى أحدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها، ولأحدهم كان أشد فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء) رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا واللفظ له، وقال: صحيح على شرط مسلم .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره، حتى يبلغه إياها) وفي رواية أخرى: (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، فلم يبلغها بعمل، ابتلاه الله في جسده، أو ماله أو ولده، ثم صبر على ذلك، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل) رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط .

فمن كان مؤمناً حق الإيمان بربه ولطف رحمة خالقه، ومن كان مؤمناً حق الإيمان بنبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهل يجزع أو يتضجر من مصيبة حلت به؟! وقد علم أن الخير كل الخير فيها، لا والله، بل موقف المؤمنين الرضا بتدبير الله واختياره لهم، والقناعة بقسمة الله فيما قدر وقسم، ولا يدفع المؤمن ما حل به إلى البعد عن طاعة الله، بل يحدوه ويدفعه إلى مزيد الطاعة والعبادة والمحافظة على ما فرض الله، وتجنب ما يسخطه.

المصائب والمحن تدفع إلى محاسبة النفس

أيها الإخوة: إن المصائب والمحن مدارس تفتح للعبد مع نفسه كتاب المحاسبة والمناقشة، إذ لو تأملنا في كثير من أحوالنا، وما يحل بنا من المصائب والآلام، لوجدناه بسبب أنفسنا وبما جرحته أيدينا، ومع ذلك يثيبنا الله على الصبر والرضا به، يقول الله جل وعلا: وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ [الشورى:30] فمن حلت به المصيبة وحاسب نفسه، لا بد أنه سيجد تفريطاً وتقصيراً في جنب الله، قد يستوجب مصيبة أو بلية توقظ من الغفلة في سبات المعصية، وتكون سبباً في التوبة والرجوع، والقصد والإنابة إلى الله جل وعلا، وما أكثر الغافلين السادرين في لهوهم وغفلتهم، يسمعون الوعظ والخطب والآيات والأحاديث، فلا تحدث في قلوبهم أي شعور بالندم، أو أي عزم على التوبة، ولكنهم تابوا وأنابوا واستيقظوا بمصيبة قدرها الله على الواحد منهم، فكانت كالهزة العنيفة الموقظة لسكير الغفلة والشهوة.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:165].

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العلي العظيم الجليل الكريم لي ولكم، فاستغفروه من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

فإذا تيقن المسلم هذا، انفتح له باب الرضا بالقضاء، والتلذذ بالصبر حين البلية، لماذا؟ لأنه علم من كلام نبيه صلى الله عليه وسلم، أن أصغر بلية حتى الشوكة، فإنها تكفر عنه الذنوب والخطايا، فإذا تأمل العبد وعلم قول نبيه صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه، حتى يوافى به يوم القيامة) إذاً فلا خسارة في الصبر، بل الخير والسعة فيه صغرت المصيبة أو كبرت، قال صلى الله عليه وسلم: (إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط) رواه الترمذي وقال: حديث حسن.

ويقول صلى الله عليه وسلم: (ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة، في نفسه وولده وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

وجاء في حديث آخر قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فما يبرح البلاء في العبد، حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا والترمذي وقال: حديث حسن صحيح، فمن ذا الذي يسخط ويجزع ولا يصبر، وهو يوقن بهذه النعم الجزيلة في رفعة الدرجات وتكفير السيئات، حينما تنزل به البلية، أو تحل به المصيبة.

جاء في الحديث عن أبي سعيد: (أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو موعوك على قطيفة، فوضع يده فوق القطيفة، فقال: ما أشد حماك يا رسول الله! قال: إنا كذلك يشدد علينا البلاء، ويضاعف لنا الأجر، ثم قال: يا رسول الله! من أشد الناس بلاءً؟ قال: الأنبياء، قال: ثم من؟ قال: العلماء، قال: ثم من؟ قال: الصالحون، كان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله، ويبتلى أحدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها، ولأحدهم كان أشد فرحاً بالبلاء من أحدكم بالعطاء) رواه ابن ماجة وابن أبي الدنيا واللفظ له، وقال: صحيح على شرط مسلم .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن العبد ليكون له عند الله المنزلة، فما يبلغها بعمل، فما يزال الله يبتليه بما يكره، حتى يبلغه إياها) وفي رواية أخرى: (إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة، فلم يبلغها بعمل، ابتلاه الله في جسده، أو ماله أو ولده، ثم صبر على ذلك، حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله عز وجل) رواه أحمد وأبو داود وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط .

فمن كان مؤمناً حق الإيمان بربه ولطف رحمة خالقه، ومن كان مؤمناً حق الإيمان بنبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم فهل يجزع أو يتضجر من مصيبة حلت به؟! وقد علم أن الخير كل الخير فيها، لا والله، بل موقف المؤمنين الرضا بتدبير الله واختياره لهم، والقناعة بقسمة الله فيما قدر وقسم، ولا يدفع المؤمن ما حل به إلى البعد عن طاعة الله، بل يحدوه ويدفعه إلى مزيد الطاعة والعبادة والمحافظة على ما فرض الله، وتجنب ما يسخطه.