لقد كان في قصصهم عبرة [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله معز المؤمنين، ومذل الطغاة والمتجبرين، أحمده سبحانه حمداً يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأثني عليه الخير كله، نشكره ولا نكفره، ونخلع ونترك من يفجره، هو الذي أنشأنا من العدم، وهدانا إلى الإسلام، ومنَّ علينا بالتوحيد، وفضلنا على كثيرٍ من الأمم تفضيلاً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: اتقوا الله تعالى حق التقوى، أنتم اليوم في يوم مبارك من شهر الله المحرم، وهذا الشهر من الأشهر المخصوصة بالفضائل التي امتنَّ الله بها على أمة محمد صلى الله عليه وسلم؛ حيث أضاف الله هذا الشهر إلى نفسه، يقول صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل) فأضافه على نفسه بقوله: (شهر الله المحرم) وهذه الإضافة لا تكون إلا لخاصة مخلوقات الله لشرفها وعلو منزلتها، فهذا الشهر مفتاح السنة، وفيه نصر الله نبيه وكليمه موسى عليه السلام على إمام الكفر وقائد الإلحاد فرعون الذي طغى وعلا في الأرض، وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعـات:24] والذي تجبر وأدبر وتولى عن آيات الله وحجج الأنبياء، يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [القصص:4] وما أكثر الفراعنة في هذا الزمان!

وكان الذي يحمله على تعذيب بني إسرائيل وإهلاكهم، واستحياء -أي: استبقاء- نسائهم، وإهلاك الذكور منهم هو علمه بأنه سيخرج من ذرية إبراهيم عليه السلام غلامٌ سيكون هلاك مُلْك مصر ومَلِكِها على يديه، وشاع هذا وانتشر بين القبط، وتحدث به بنو إسرائيل، وعند ذلك فزع فرعون، وطاش ذعراً وخوفاً، وأمر بقتل أبناء بني إسرائيل حذراً من وجود هذا الغلام بينهم، وأنى له ذلك، ولن يغني حذرٌ من قدر.

لما حملت أم موسى به خافت أن يعلم بحملها، ولم تكن تظهر عليها علامات الحمل، فيا عجباً من آيات الله ومعجزاته، ولكن أكثر الناس عن تدبر آيات الله غافلون، علامةٌ عجيبةٌ لا يظهر عليها علامات الحمل، فلما ولدت به ضاقت به ذرعاً، فألهمها الله أن تتخذ له تابوتاً، وكانت دارها على نهر النيل، وكانت ترضع ابنها، فإذا خشيت من أحد وضعته في التابوت فأرسلته إلى البحر، وفي التابوت حبل تمسكه به، فأرسلته ذات يوم، وقضت إرادة الله أن يذهب التابوت ولا يعود، وذهب فيه ولدها مع النيل، فمر على دار فرعون، فالتقطه آل فرعون، الذين يذبحون الأبناء، التقطه الذين يقتلون كل ذكر من أبناء بني إسرائيل، فلما جاءوا به ووضعوه بين يدي امرأة فرعون، وفتحت هذا التابوت، رأت وجهاً يتلألأ نوراً، فوقع حبه في قلبها.

فلما جاء فرعون ورآه أمر بذبحه، وقال: اذبحوه، أو اقتلوه، فدافعت عنه تلك المرأة، فقالت: قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا [القصص:9] ولقد نفع الله زوجة فرعون به، وحقق الله ما رجته من النفع، فهداها الله به وأسكنها جنته بسببه.

فلما أرادوا الغذاء لهذا الرضيع والوليد، وقد حرم الله عليه المراضع من قبل، وجدوه لا يقبل ثدياً، فحاروا في أمره حيرةً عظيمةً، فأرسلوه إلى السوق يبحثون له عن مرضعة يقبل ثديها، فرأته أخته ولم تظهر أنها تعرفه، بل قالت: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ [القصص:12] فذهبوا به إلى منـزلهم، فأخذته أمه، فلما أرضعته التقم ثديها، وأقبل على درها، ففرحوا بذلك فرحاً شديداً، وأجروا لها أجرة من النفقة والكسوة، وجمع الله شملها بولدها بقوله جل وعلا: فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [القصص:13].

ثم نشأ موسى عليه السلام في كنف الله ورعايته في بيت فرعون يتغذى أحسن الغذاء، ويلبس أطيب اللباس، ولما بلغ أشده واستوى، آتاه الله النبوة، وقدر أنه رأى ذات يوم رجلين أحدهما من شيعته والآخر من أعدائه القبط، فاستغاث الذي هو من بني إسرائيل بموسى، فنصره على عدوه بضربة مات القبطي على إثرها، وعند ذلك أدرك موسى أنه أساء، فاستغفر ربه، فغفر له، ثم خاف من فرعون وملئه بعد حادثة القبطي هذه، فخرج من مصر إلى مدين ، فوصل إليها وتزوج فيها، ثم سار بأهله إلى أرض مصر ، وبينما هو في الطريق أكرمه الله برسالته، وبعثه إلى فرعون، فبلغه رسالة ربه، ولكنه عصى وتكبر وعاند، فأقام موسى عليه الحجج والبراهين، ولكنه لم يقبل شيئاً من ذلك، بل أنكر واستنكر قائلاً: وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:23] وقال لأهل مصر: مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي [القصص:38]، وقال: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24].

فرار موسى ومن معه

بعد أن عدل فرعون إلى استعمال القوة لصد الدعوة، وصد صوت الحق، أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يخرج بمن معه من المسلمين إلى بلاد الشام، فخرج بهم ليلاً، فلما علم فرعون بخروجهم، غضب وجمع جنوده، وسار في طلبهم، فأدركهم عند طلوع الشمس، وقد انتهوا إلى البحر: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] لأن العدو خلفهم والبحر أمامهم، والجبال عن يمينهم وشمالهم وهي شاهقة عالية، فقال لهم موسى عليه السلام، قال لهم الرسول الصادق: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] وتقدم إلى البحر وأمواجه تتلاطم، وهو يقول: هاهنا أمرت، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر، فلما ضربه انفلق وصار اثني عشر طريقاً، فانفلق وصار كل فرق كالطود العظيم، على عدد أسباط بني إسرائيل، وصار البحر يبساً لا ماء فيه، فسلكه موسى بمن معه، فلما جاوزوه وخرج آخر رجل من رجال موسى دخله فرعون وجنوده، وعندما تكاملوا أوحى الله إلى هذه الأمواج أن تتلاطم، وإلى هذا الماء أن يعلو، وإلى ذلك اليابس أن يتفتت سائلاً، فأطبق الله عليهم البحر بما فيه، وأغرقهم أجمعين، وبنو إسرائيل ينظرون إليهم، هكذا نصر الله رسوله وكليمه ومن معه من المؤمنين، وأهلك فرعون ومن معه من الكافرين، هذا حدث عظيم من أعظم أحداث التاريخ التي ثبتت وجاءت في شرعنا، ونقلت إلينا نقلاً صحيحاً، لم يتعرضها تحريف ولا تبديل، فيها العجب والعبرة والذكرى، ولكن أين المعتبرون؟!

سنة الله فيمن ينصره

عباد الله: تأملوا هذه الواقعة العظيمة، وتأملوا هذه المعجزة الإلهية الكريمة؛ يوم أن تخلفت أسباب الحياة وامتنعت الأمور المادية أجرى الله خوارق العادات، وقلب القوانين على رأسها لتسخر لهذا النبي وأتباعه، وإنها سنة الله جل وعلا الذي شرع الشريعة وأرسل الرسول، وأنزل الكتاب، وأمر بالدين الحنيف، إن الله هو الذي خلق هذا الكون، وهو الذي أوجد ما فيه من اليابسات والكائنات، والسائلات والجمادات، فهو الذي يصرفها لعباده المؤمنين، وهو الذي خلقهم وأمرهم بالجهاد، فسخر لهم هذه الأمور.

إن الذي جعل النار المحرقة برداً وسلاماً على إبراهيم هو الذي جعل هذا الماء يابساً لموسى، فاعتبروا من ذلك يا عباد الله، واعلموا أن الله جل وعلا لا يعجزه شيء، وأن نصره لا يتخلف عن جنوده المؤمنين، فالله جل وعلا وعدهم بالنصر بقوله: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160].. إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].

بعد أن عدل فرعون إلى استعمال القوة لصد الدعوة، وصد صوت الحق، أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يخرج بمن معه من المسلمين إلى بلاد الشام، فخرج بهم ليلاً، فلما علم فرعون بخروجهم، غضب وجمع جنوده، وسار في طلبهم، فأدركهم عند طلوع الشمس، وقد انتهوا إلى البحر: فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] لأن العدو خلفهم والبحر أمامهم، والجبال عن يمينهم وشمالهم وهي شاهقة عالية، فقال لهم موسى عليه السلام، قال لهم الرسول الصادق: كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] وتقدم إلى البحر وأمواجه تتلاطم، وهو يقول: هاهنا أمرت، فأوحى الله إليه أن اضرب بعصاك البحر، فلما ضربه انفلق وصار اثني عشر طريقاً، فانفلق وصار كل فرق كالطود العظيم، على عدد أسباط بني إسرائيل، وصار البحر يبساً لا ماء فيه، فسلكه موسى بمن معه، فلما جاوزوه وخرج آخر رجل من رجال موسى دخله فرعون وجنوده، وعندما تكاملوا أوحى الله إلى هذه الأمواج أن تتلاطم، وإلى هذا الماء أن يعلو، وإلى ذلك اليابس أن يتفتت سائلاً، فأطبق الله عليهم البحر بما فيه، وأغرقهم أجمعين، وبنو إسرائيل ينظرون إليهم، هكذا نصر الله رسوله وكليمه ومن معه من المؤمنين، وأهلك فرعون ومن معه من الكافرين، هذا حدث عظيم من أعظم أحداث التاريخ التي ثبتت وجاءت في شرعنا، ونقلت إلينا نقلاً صحيحاً، لم يتعرضها تحريف ولا تبديل، فيها العجب والعبرة والذكرى، ولكن أين المعتبرون؟!

عباد الله: تأملوا هذه الواقعة العظيمة، وتأملوا هذه المعجزة الإلهية الكريمة؛ يوم أن تخلفت أسباب الحياة وامتنعت الأمور المادية أجرى الله خوارق العادات، وقلب القوانين على رأسها لتسخر لهذا النبي وأتباعه، وإنها سنة الله جل وعلا الذي شرع الشريعة وأرسل الرسول، وأنزل الكتاب، وأمر بالدين الحنيف، إن الله هو الذي خلق هذا الكون، وهو الذي أوجد ما فيه من اليابسات والكائنات، والسائلات والجمادات، فهو الذي يصرفها لعباده المؤمنين، وهو الذي خلقهم وأمرهم بالجهاد، فسخر لهم هذه الأمور.

إن الذي جعل النار المحرقة برداً وسلاماً على إبراهيم هو الذي جعل هذا الماء يابساً لموسى، فاعتبروا من ذلك يا عباد الله، واعلموا أن الله جل وعلا لا يعجزه شيء، وأن نصره لا يتخلف عن جنوده المؤمنين، فالله جل وعلا وعدهم بالنصر بقوله: إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ [آل عمران:160].. إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7].




استمع المزيد من الشيخ الدكتور سعد البريك - عنوان الحلقة اسٌتمع
لقد كان في قصصهم عبرة [1] 1957 استماع
لقد كان في قصصهم عبرة [3] 1851 استماع