الروض المربع - كتاب الصلاة [82]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله، وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله: [ وتكره إمامة اللحان، أي: كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى، فإن أحاله في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا أن يتعمده، ذكره في الشرح، وإن أحاله في غيرها سهواً، أو جهلاً، أو لآفة صحت صلاته، وتكره إمامة الفأفاء ].

عندما تحدث المؤلف عن اللحن في الفاتحة شرع في اللحن في غيرها.

تعريف اللحن

قال المؤلف رحمه الله: (وتكره إمامة اللحان)، اللحن هو: الذي يغير بعض الحروف إلى بعض، أو لا يفصح فيها، أو يغير حالة الإعراب في الكلمة من ضم إلى فتح أو من فتح إلى ضم، بحيث يتغير الفاعل من المفعول.

اللحن في الفاتحة

أما الفاتحة فإننا نقول: إنها لا تصح صلاته إذا كان يحيل المعنى، وأما إذا كان لا يحيل المعنى فتصح ويكون حكمه كحكم الأمي، ولا تصح صلاته إلا بمثله، والصحيح أنه إذا كان اللحن لا يحيل المعنى ولو كانت الفاتحة فإن الصلاة تصح؛ لأن كل من صحت صلاته بنفسه صحت إمامته، والعكس.

اللحن في غير الفاتحة

المسألة الثانية: وهي اللحن في غير الفاتحة، فاللحن في غير الفاتحة ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: إن كان لحناً يحيل المعنى وتعمده الإنسان فإن صلاته لا تصح، هذا قول أكثر أهل العلم، من الحنابلة والشافعية، خلافاً لمتأخري الحنفية وبعض المالكية.

ودليل من أبطل صلاته: قالوا: لأنه إذا قرأ لحناً يحيل المعنى لم يكن قرآنا، وصار كأنه تكلم عمداً في الصلاة، ومن تكلم عمداً في الصلاة في غير مصلحتها بطلت صلاته، وهذا هو الراجح.

القسم الثاني: أن يلحن في صلاته في غير الفاتحة لحناً يحيل المعنى بجهل أو سهو أو عجز، فإن عامة أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم يرون صحة الصلاة، خلافاً لمتقدمي الحنفية، فإنهم في أحد أقوالهم قالوا: لا تصح مطلقاً في الفاتحة ولا في غيرها، والراجح صحة الصلاة لأمور:

الأمر الأول: لأن هذا اللحن لم يكن عن إرادة وتعمد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، والحديث رواه الطبراني و الدارقطني من حديث ابن عباس ، وجود إسناده ابن رجب .

الأمر الثاني: أن الله عفا عن ذلك، كما في صحيح مسلم عندما نزل قول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله: ( قد فعلت ).

الأمر الثالث: ولأن القراءة في غير الفاتحة في الصلاة ليست بواجبة، فإذا كانت ليست بواجبة فدل على أن اللحن فيها من غير تعمد ليس أفضل من عدم القراءة، فدل على أن القراءة مع اللحن من غير عمد أولى من عدمه؛ ولهذا عندما تكلم عن كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى قال: (فإن أحاله في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا أن يتعمده)، فذكر بهذه العبارة النوعين، (فإن تعمده بطلت)، وقلنا: لأنه إذا أحال المعنى مع علمه باللحن لم يكن قرآناً، فصار كالمتكلم عامداً، فإن كان غير متعمد بقوله: (وإن أحاله في غيرها)، يعني: غير الفاتحة (سهواً أو جهلاً، أو لآفة صحت صلاته)، للأحاديث والآيات التي ذكرناها، والله أعلم.

المقصود بالكراهة

قال المؤلف رحمه الله: وأما قوله: (وتكره)، الكراهة بلا شك حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي، والدليل الشرعي في الكراهة يثبت بورود النهي عنها على غير الإلزام؛ لأن الكراهة هو خطاب الله على سبيل المنع من غير إلزام.

وهل يثبت في مخالفة المأمور؟ وإذا جاء النص بفعل ثم خالف الفعل هل يدل على الكراهة؟

الجواب: إن كان المأمور واجباً فيحرم مخالفته، وإن كان المأمور مستحباً فقد اختلف علماء الأصول: هل ترك السنة يستلزم فعل المكروه أم لا؟

الحنابلة -رحمهم الله- حينما قالوا: (وتكره إمامة اللحان)؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في صحيح مسلم من حديث أبي مسعود البدري : ( يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله ) .. الحديث.

قالوا: فهذا خبر بمعنى الأمر، ومخالفة هذا المأمور مكروه، وقد مر معنا كثيراً أن المتأخرين من الحنابلة عندهم في الغالب أن مخالفة السنة يحكمون عليها بالكراهة، وهذا منها.

والقول الثاني: أن مخالفة السنة لا يلزم منها فعل المكروه، فيقال: ترك السنة شيء وفعل المكروه شيء آخر.

ولعل الظاهر والله -تبارك وتعالى أعلى وأعلم-: أن مخالفة السنة، أو ترك السنة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ترك لا يستلزم منه وقوع الإنسان في محظور أو ممنوع، أو غير مشروع، فإذا ترتب على ترك السنة وقوع المرء في مباح، فإن ذلك لا يستلزم الكراهة.

مثال: من المعلوم أن رفع اليدين إلى الصدر أو إلى الأذنين سنة، فإذا ترك الإنسان هذا ولم يرفع، فإنه ترك السنة؛ لكن لا يستلزم بتركه ذاك وقوعه في غير مشروع أو في محظور، أو ممنوع، فيقال هنا: ترك السنة لا يستلزم منه وقوع الإنسان في المكروه، وهذا كثير.

القسم الثاني: ترك السنة يستلزم منه فعل خلاف الأولى أو الممنوع أو المكروه، فيقال: إن ذلك مكروه، مثل ما لو صلى المرء ويلحن في صلاته، واللحن في القراءة غير مشروع، فيستلزم ترك السنة: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، وقوع الإنسان في غير مشروع، فدل ذلك على أن ترك السنة إذا استلزم فعل غير مشروع فيقال: إن ترك السنة مكروه.

ولعل في هذا التقسيم جمعاً بين الأقوال، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (وتكره إمامة اللحان)، اللحن هو: الذي يغير بعض الحروف إلى بعض، أو لا يفصح فيها، أو يغير حالة الإعراب في الكلمة من ضم إلى فتح أو من فتح إلى ضم، بحيث يتغير الفاعل من المفعول.

أما الفاتحة فإننا نقول: إنها لا تصح صلاته إذا كان يحيل المعنى، وأما إذا كان لا يحيل المعنى فتصح ويكون حكمه كحكم الأمي، ولا تصح صلاته إلا بمثله، والصحيح أنه إذا كان اللحن لا يحيل المعنى ولو كانت الفاتحة فإن الصلاة تصح؛ لأن كل من صحت صلاته بنفسه صحت إمامته، والعكس.

المسألة الثانية: وهي اللحن في غير الفاتحة، فاللحن في غير الفاتحة ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: إن كان لحناً يحيل المعنى وتعمده الإنسان فإن صلاته لا تصح، هذا قول أكثر أهل العلم، من الحنابلة والشافعية، خلافاً لمتأخري الحنفية وبعض المالكية.

ودليل من أبطل صلاته: قالوا: لأنه إذا قرأ لحناً يحيل المعنى لم يكن قرآنا، وصار كأنه تكلم عمداً في الصلاة، ومن تكلم عمداً في الصلاة في غير مصلحتها بطلت صلاته، وهذا هو الراجح.

القسم الثاني: أن يلحن في صلاته في غير الفاتحة لحناً يحيل المعنى بجهل أو سهو أو عجز، فإن عامة أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم يرون صحة الصلاة، خلافاً لمتقدمي الحنفية، فإنهم في أحد أقوالهم قالوا: لا تصح مطلقاً في الفاتحة ولا في غيرها، والراجح صحة الصلاة لأمور:

الأمر الأول: لأن هذا اللحن لم يكن عن إرادة وتعمد، وقد قال صلى الله عليه وسلم: ( إن الله تجاوز لأمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه )، والحديث رواه الطبراني و الدارقطني من حديث ابن عباس ، وجود إسناده ابن رجب .

الأمر الثاني: أن الله عفا عن ذلك، كما في صحيح مسلم عندما نزل قول الله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]، قال الله: ( قد فعلت ).

الأمر الثالث: ولأن القراءة في غير الفاتحة في الصلاة ليست بواجبة، فإذا كانت ليست بواجبة فدل على أن اللحن فيها من غير تعمد ليس أفضل من عدم القراءة، فدل على أن القراءة مع اللحن من غير عمد أولى من عدمه؛ ولهذا عندما تكلم عن كثير اللحن الذي لا يحيل المعنى قال: (فإن أحاله في غير الفاتحة لم يمنع صحة إمامته إلا أن يتعمده)، فذكر بهذه العبارة النوعين، (فإن تعمده بطلت)، وقلنا: لأنه إذا أحال المعنى مع علمه باللحن لم يكن قرآناً، فصار كالمتكلم عامداً، فإن كان غير متعمد بقوله: (وإن أحاله في غيرها)، يعني: غير الفاتحة (سهواً أو جهلاً، أو لآفة صحت صلاته)، للأحاديث والآيات التي ذكرناها، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: وأما قوله: (وتكره)، الكراهة بلا شك حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي، والدليل الشرعي في الكراهة يثبت بورود النهي عنها على غير الإلزام؛ لأن الكراهة هو خطاب الله على سبيل المنع من غير إلزام.

وهل يثبت في مخالفة المأمور؟ وإذا جاء النص بفعل ثم خالف الفعل هل يدل على الكراهة؟

الجواب: إن كان المأمور واجباً فيحرم مخالفته، وإن كان المأمور مستحباً فقد اختلف علماء الأصول: هل ترك السنة يستلزم فعل المكروه أم لا؟

الحنابلة -رحمهم الله- حينما قالوا: (وتكره إمامة اللحان)؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في صحيح مسلم من حديث أبي مسعود البدري : ( يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله ) .. الحديث.

قالوا: فهذا خبر بمعنى الأمر، ومخالفة هذا المأمور مكروه، وقد مر معنا كثيراً أن المتأخرين من الحنابلة عندهم في الغالب أن مخالفة السنة يحكمون عليها بالكراهة، وهذا منها.

والقول الثاني: أن مخالفة السنة لا يلزم منها فعل المكروه، فيقال: ترك السنة شيء وفعل المكروه شيء آخر.

ولعل الظاهر والله -تبارك وتعالى أعلى وأعلم-: أن مخالفة السنة، أو ترك السنة تنقسم إلى قسمين:

القسم الأول: ترك لا يستلزم منه وقوع الإنسان في محظور أو ممنوع، أو غير مشروع، فإذا ترتب على ترك السنة وقوع المرء في مباح، فإن ذلك لا يستلزم الكراهة.

مثال: من المعلوم أن رفع اليدين إلى الصدر أو إلى الأذنين سنة، فإذا ترك الإنسان هذا ولم يرفع، فإنه ترك السنة؛ لكن لا يستلزم بتركه ذاك وقوعه في غير مشروع أو في محظور، أو ممنوع، فيقال هنا: ترك السنة لا يستلزم منه وقوع الإنسان في المكروه، وهذا كثير.

القسم الثاني: ترك السنة يستلزم منه فعل خلاف الأولى أو الممنوع أو المكروه، فيقال: إن ذلك مكروه، مثل ما لو صلى المرء ويلحن في صلاته، واللحن في القراءة غير مشروع، فيستلزم ترك السنة: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله )، وقوع الإنسان في غير مشروع، فدل ذلك على أن ترك السنة إذا استلزم فعل غير مشروع فيقال: إن ترك السنة مكروه.

ولعل في هذا التقسيم جمعاً بين الأقوال، والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم.

قال المؤلف رحمه الله: [ وتكره إمامة الفأفاء والتمتام ونحوهما، والفأفاء: الذي يكرر الفاء، والتمتام: من يكرر التاء ].

قول المؤلف رحمه الله: (وتكره إمامة الفأفاء)، وهو الذي يكرر حرف الفاء، أو يصعب عليه نطقها. كذلك التمتام وهو من يكرر التاء، فإذا أراد أن يقول: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ [الملك:1]، يقول: تتتبارك، وهذا نوع من العي، فهذا يقول المؤلف فيه: يكره إمامته، ولم يقل تبطل؛ صحة لإمامته، ولأنه قد فعل الفرض وهو قراءة الفاتحة بغير إحالة معنى؛ فصحت صلاته لأنه أدى الفرض، وأما كراهية تقديمه فلأجل زيادته وتكراره حروفاً ليست من القرآن، فدل ذلك على مخالفة قوله صلى الله عليه وسلم: ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله ).

واعلم أن الفأفاء والتمتام إنما ذكرا على سبيل المثال، وإلا فكل من يعجم عليه بعض الكلمات، أو يغير حرفاً إلى حرف، أو يزيد حرفاً إلى حرف، مثل أن يزيد الألف حينما يقرأ: (تبارك) يقول: آآآتبارك، فهذا ليس تمتاماً ولا فأفاءً، لكن فيه عي بحيث يزيد حرفاً يظنه السامع حرفاً آخر، ولم تبطل صلاته؛ لأنه أدى الفرض.

قال المؤلف رحمه الله: [وتكره إمامة من لا يفصح ببعض الحروف]، فإن بعض الناس ربما لا يفصح حرف الجيم، أو الراء، أو الشين، أو الحاء، فإن الأعجمي من بلاد الغرب ربما يصعب عليه أن يفرق بين الحاء والخاء، فيقول: الرخمن الرحيم، فيعجز أن ينطق؛ لأن الحروف الحلقية إنما هي من لغة الضاد، وإنما لغة اللسان باللسان، واللغة الإنجليزية كل حروفها طرف اللسان؛ ولهذا تجدون أحياناً صاحب العربية يصعب عليه النطق؛ لأن اللسان لا بد أن يميله قليلاً، واللغة العربية ليس فيها إمالة بهذه الصورة؛ ولهذا تجدون في اللغة الإنجليزية أن الحروف التي لا تنطق مثل: (آر)، ما تنطق بإمالة.

على كل حال هذا هو المقصود، وهو من لا يفصح ببعض الحروف.

قال المؤلف رحمه الله: [وتصح إمامته]، أي: الذي لا يفصح.

[أعجمياً كان أو عربياً]؛ لأن عدم الإفصاح ليس مقتصراً على الأعجمي، بل يكون من الأعجمي ومن العربي.

ثم شرع المؤلف ببيان بعض المسائل التي تكررت في السابق.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2631 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2589 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2548 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2545 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2525 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2453 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2388 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2375 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2359 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2357 استماع