الروض المربع - كتاب الصلاة [19]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، ولا تجعله ملتبساً علينا فنضل، وبعد:

فقد قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ويكره فيها شد وسطه كزنار، أي: بما يشبه شد الزنار؛ لما فيه من التشبه بأهل الكتاب، وفي الحديث ( من تشبه بقوم فهو منهم )، رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح. ويكره للمرأة شد وسطها في الصلاة مطلقاً، ولا يكره للرجل بما لا يشبه الزنار.

وتحرم الخيلاء في ثوب وغيره في الصلاة وخارجها في غير الحرب؛ لقوله عليه السلام: ( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ) متفق عليه. ويجوز الإسبال من غير الخيلاء للحاجة.

ويحرم التصوير -أي: على صورة حيوان- لحديث الترمذي وصححه: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصورة في البيت وأن تصنع )، وإن أزيل من الصورة ما لا تبقى معه حياة لم يكره، ويحرم استعماله -أي المصور- على الذكر والأنثى في لبس وتعليق وستر جدر، لا افتراشه وجعله مخدة، ويحرم على الذكر].

شد وسط المصلي كزنار

قول المؤلف: (ويكره فيها) أي: في الصلاة، (شد وسطه كزنار، أي: بما يشبه شد الزنار)، من المعلوم أن النصارى في عباداتهم ودخولهم كنائسهم يشدون وسطهم على طريقة معينة يعرفها من رأى الرهبان وأصحاب الكنائس، نسأل الله سبحانه وتعالى ألا يرينا وجوههم، وقد كان الإمام أحمد رحمه الله إذا رأى نصرانياً أغمض عينيه، فقيل له في ذلك، فقال: لا أستطيع أن ترى عيناي رجل يقول: (المسيح ابن الله). وهذه حال تأتي بعض أهل العلم وبعض العباد في مواقف تظهر فيها عظمة الله سبحانه وتعالى في قلوبهم، فيستصغرون فيها بعض الأشياء، وليس هذا بشرع مطلقاً، فإن الصحابة رضي الله عنهم رأوا النصارى، وخاطبوهم ورأوا اليهود وخاطبوهم، لكن هذه أحوال تعتري بعض السلف في مواقف تسجل في كتب التاريخ، وليس هذا موطناً للاقتداء بالجملة، ولكنه موطن تظهر فيه عظمة الخالق عند السلف.

وهذه الحالات لا بد أن نعرفها، فكثير من الناس إذا قرأ كتب السير، وكتب حياة الصفوة: ككتاب صفة الصفوة، أو حلية الأولياء، تمر عليه مواقف أغرب من الخيال، فيتصور أن الإخلاص لا يتأتى إلا بهذه الحالات التي نقلت عن السلف، وكذلك الخوف والرجاء، وليس كذلك، فإنما نحن متعبدون بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الله: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فهو الأسوة وهو القدوة بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، ولهذا تجد أن كل واحد يستطيع أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، سواء من تعود على الشدة أو على غيرها، بخلاف بعض السلف فإنك ربما لا تستطيع أن تقتدي به ثلاثة أيام، مع ثناء الناس عليه، وكثرة ذكر العلماء في زمانه له، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد : ( إن لله قلوباً في سبيله ألين من اللبن، وإن إبراهيم و أبا بكر منهم، وإن لله قلوباً في سبيله أشد من الحجر، وإن نوحاً و عمر منهم ).

فهذا يدل على أن الإنسان له حالات معينة، ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم جمع الله له هاتين الصفتين بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

والمقصود من هذا: أن مشابهة النصارى في أعيادهم أو عباداتهم مكروه.

قال المؤلف رحمه الله: (ويكره) والأولى أن يقال بالتحريم؛ لأن المشابهة في العبادة لغير أهل الإسلام أعظم من المشابهة في الاختصاص؛ لأننا منهيون أن نتشبه بأهل الكتاب فيما اختصوا فيه لأجل التمييز والتميز، فأما مشابهتهم في عباداتهم فهذا أشد لأمرين: لأن هذا مما اختصوا فيه ولأن هذا في عبادة مخالفة لعبادة الشرع، فصار النهي من وجهين، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد و أبو داود و الطحاوي في مشكل الآثار من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل الشاهد فيه: ( ومن تشبه بقوم فهو منهم )، وهذا الحديث تكلم فيه بعض أهل العلم، وصححه العراقي و أبو العباس بن تيمية ، وقال: سنده جيد، والعلم عند الله.

وقال ابن تيمية : أقل أحوال هذا الحديث يفيد التحريم، وإن كان ظاهره يفيد الكفر، وعلى هذا فالذي يظهر أن شد الوسط كهيئة الزنار محرم.

الأمور التي شرع فيها مخالفة أهل الكتاب

اعلم أننا مأمورون بمخالفة أهل الكتاب في الهدي الظاهر لأمور:

أولاً: لأن المشاركة والموافقة في الهدي الظاهر تورث توافقاً وتشاكلاً في الأخلاق والأعمال، يقول ابن تيمية رحمه الله: وهذا أمر محسوس؛ لأن اللابس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمام إليهم، واللابس للباس أهل التصوف يجد انجذاباً إليهم وهكذا.

ثانياً: لأن المخالفة في الهدي الظاهر توجب تنافراً وعدم انسجام مع المخالف، ولهذا تجد أنك لو تخالف صاحبك في ملبسه وفي طريقته لعد ذلك عدم رضاً به، وعدم محبة له، وهذا ما قصد إليه الشارع من مخالفة أهل الكتاب، وقد فطن أهل الكتاب لهذا الأمر، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالك أنه قال: ( إن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يجامعوهن في البيوت، فجاء عباد بن بشر وآخر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه الخبر، فأنزل الله عليه: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ... [البقرة:222]، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح. فعلمت اليهود بهذا فقالوا: ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلا خالفنا فيه )، فاغتاظوا وغضبوا من المخالفة، ولهذا قال عباد بن بشر : ( يا رسول الله! أفلا نجامعهن؟ ) يعني: حتى نكون لهم أشد مخالفة، ( فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ظنا أن قد وجد عليهما، فخرجا فاستقبلهما هدية من لبن إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام، فبعث في آثارهما، فعلما أنه لم يجد عليهما ).

قال المؤلف رحمه الله: (رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح) على هذا فالصحيح أن مشابهة النصارى في ذلك محرمة.

شد الرجل وسطه على هيئة غير الزنار في الصلاة

لكن لا يعني هذا حرمة شد الوسط. فإن شد الوسط على هيئة غير هيئة الزنار لا بأس بها، وقد جاء في الحديث: ( لا يصلي أحدكم إلا وهو محتزم )، والحديث ذكره الإمام أحمد محتجاً بجواز ذلك، وليس الحديث بثابت، ورواه أيضاً أبو عبيد في غريب الحديث، ولعل مثله إذا كان ثوب الإنسان واسعاً كما جاء في الحديث الذي رواه سلمة بن الأكوع : ( أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني أصيد بثوبي وذكر وسعه؟ قال: ازرره ولو بشوكة )، والحديث في سنده ضعف، فإذا احتزم الإنسان في وسطه حتى لا تظهر عورته إذا ركع أو إذا سجد فهذا لا بأس به، إلا إذا كان حزم الثوب يمنع من انتشاره، مثل طريقة معينة بحيث إذا سجد أو إذا ركع لا ينتشر الثوب، فهذا منهي عنه لأجل الكفت، لحديث ابن عباس الذي في الصحيحين: ( وألا نكفت ثوباً ولا شعراً )، وأما إذا لم يكن هذا المقصود فلا بأس، والله أعلم.

شد المرأة وسطها في الصلاة

قال المؤلف رحمه الله: (ويكره للمرأة شد وسطها في الصلاة مطلقاً).

الحنابلة يرون أن شد وسط المرأة بحيث تظهر عجيزتها مكروه في الصلاة مطلقاً؛ لأن المرأة مأمورة بأن تلبس ثياباً فضفاضة، ولهذا كره المالكية أن تلبس المرأة البنطال أو السروال؛ لأن ذلك يظهر تقاطيع جسدها، فلا بد أن تلبس شيئاً واسعاً.

وكذلك كره الحنابلة أن تلبس المرأة ثوباً يظهر فيه تقاطيع جسدها، ولهذا قال: (ويكره للمرأة شد وسطها في الصلاة مطلقاً)، وأما خارج الصلاة فلا بأس، والذي يظهر والله أعلم أن ذلك لا بأس به؛ لأن شد وسط المرأة لا يلزم منه إظهار العجيزة كما يقولون، ثم إنه عهد عند الصحابيات، وصح أن هاجر أم إسماعيل اتخذت منطقاً، وكانت أسماء بنت أبي بكر تسمى ذات النطاقين ، وكان هذا معروفاً متداولاً بين النساء، فإذا كان ذلك خارج الصلاة مع مرورهن على الرجال دل ذلك على أنه في الصلاة لا بأس به، والله أعلم.

قال المؤلف رحمه الله: (ولا يكره للرجل بما لا يشبه الزنار) كما مر معنا.

قول المؤلف: (ويكره فيها) أي: في الصلاة، (شد وسطه كزنار، أي: بما يشبه شد الزنار)، من المعلوم أن النصارى في عباداتهم ودخولهم كنائسهم يشدون وسطهم على طريقة معينة يعرفها من رأى الرهبان وأصحاب الكنائس، نسأل الله سبحانه وتعالى ألا يرينا وجوههم، وقد كان الإمام أحمد رحمه الله إذا رأى نصرانياً أغمض عينيه، فقيل له في ذلك، فقال: لا أستطيع أن ترى عيناي رجل يقول: (المسيح ابن الله). وهذه حال تأتي بعض أهل العلم وبعض العباد في مواقف تظهر فيها عظمة الله سبحانه وتعالى في قلوبهم، فيستصغرون فيها بعض الأشياء، وليس هذا بشرع مطلقاً، فإن الصحابة رضي الله عنهم رأوا النصارى، وخاطبوهم ورأوا اليهود وخاطبوهم، لكن هذه أحوال تعتري بعض السلف في مواقف تسجل في كتب التاريخ، وليس هذا موطناً للاقتداء بالجملة، ولكنه موطن تظهر فيه عظمة الخالق عند السلف.

وهذه الحالات لا بد أن نعرفها، فكثير من الناس إذا قرأ كتب السير، وكتب حياة الصفوة: ككتاب صفة الصفوة، أو حلية الأولياء، تمر عليه مواقف أغرب من الخيال، فيتصور أن الإخلاص لا يتأتى إلا بهذه الحالات التي نقلت عن السلف، وكذلك الخوف والرجاء، وليس كذلك، فإنما نحن متعبدون بقول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال الله: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ [الأحزاب:21]، فهو الأسوة وهو القدوة بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام، ولهذا تجد أن كل واحد يستطيع أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم، سواء من تعود على الشدة أو على غيرها، بخلاف بعض السلف فإنك ربما لا تستطيع أن تقتدي به ثلاثة أيام، مع ثناء الناس عليه، وكثرة ذكر العلماء في زمانه له، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد : ( إن لله قلوباً في سبيله ألين من اللبن، وإن إبراهيم و أبا بكر منهم، وإن لله قلوباً في سبيله أشد من الحجر، وإن نوحاً و عمر منهم ).

فهذا يدل على أن الإنسان له حالات معينة، ولكن محمداً صلى الله عليه وسلم جمع الله له هاتين الصفتين بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

والمقصود من هذا: أن مشابهة النصارى في أعيادهم أو عباداتهم مكروه.

قال المؤلف رحمه الله: (ويكره) والأولى أن يقال بالتحريم؛ لأن المشابهة في العبادة لغير أهل الإسلام أعظم من المشابهة في الاختصاص؛ لأننا منهيون أن نتشبه بأهل الكتاب فيما اختصوا فيه لأجل التمييز والتميز، فأما مشابهتهم في عباداتهم فهذا أشد لأمرين: لأن هذا مما اختصوا فيه ولأن هذا في عبادة مخالفة لعبادة الشرع، فصار النهي من وجهين، ولهذا جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد و أبو داود و الطحاوي في مشكل الآثار من حديث ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث طويل الشاهد فيه: ( ومن تشبه بقوم فهو منهم )، وهذا الحديث تكلم فيه بعض أهل العلم، وصححه العراقي و أبو العباس بن تيمية ، وقال: سنده جيد، والعلم عند الله.

وقال ابن تيمية : أقل أحوال هذا الحديث يفيد التحريم، وإن كان ظاهره يفيد الكفر، وعلى هذا فالذي يظهر أن شد الوسط كهيئة الزنار محرم.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور عبد الله بن ناصر السلمي - عنوان الحلقة اسٌتمع
الروض المربع - كتاب الجنائز [8] 2629 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [78] 2587 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [42] 2546 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [45] 2543 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [34] 2522 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [22] 2451 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [44] 2386 استماع
الروض المربع - كتاب البيع [20] 2373 استماع
الروض المربع - كتاب الطهارة [8] 2357 استماع
الروض المربع - كتاب الصلاة [98] 2355 استماع