خطب ومحاضرات
الدقائق الغالية
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أستسمحكم عذراً عن التأخير؛ حيث أن المنطقة بعيدة، وكلكم يعلم هذا، وهذه الدقائق التي مضت من الدقائق الغالية التي سوف نتكلم عنها.
العنوان مبهم يُبْهِم الموضوع، والبعض منكم يدور في باله الآن (الدقائق الغالية) لعلها الدقائق التي قبل الموت.
والبعض يظنها دقائق الهداية.
والبعض يظنها الدقائق التي يساق فيها الإنسان إلى الجنة.
والبعض كذا.. كل منكم يدور في ذهنه شيء.
والحقيقة -أيها الإخوة- أن الدقائق التي سوف أذكرها هي دقائق الحياة كلها، الدقائق التي تمر دقيقة بعد دقيقة هي في الحقيقة غالية؛ ولكن لا نحس بها، ولهذا قال ابن هبيرة:
والوقت أنفس ما عنيتَ بحفظه وأراه أسهل ما عليك يضيع |
أما الحياة فهي كلها مركبة من ماذا؟ من دقائق.. دقيقة بعد دقيقة.. دقيقة بعد دقيقة، ثم تفنى الحياة، ولهذا قيل:
دقات قلب المرء قائلة له إن الحياة دقائق وثوان |
الحياة كلها مركبة من دقائق، والعجب العجاب من شخص لا يبالي بدقيقة.. تلو دقيقة.. تلو دقيقة، حتى تفنى الحياة وهو لا يشعر بِها.
إذا بُعث الناس عند الله جل وعلا سألهم، فيقول لهم جل وعلا: كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ [المؤمنون:112]؟ فيجيب بعضهم فيقولون: لَبِثْنَا يَوْماً [الكهف:19] يوم واحد.
يستدرك البعض فيقولون: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ [البقرة:259] حتى يوماً ما عشنا في الدنيا يا رب.. إنما هي عشية أو ضحاها، ساعات كانت قليلة.
يقولون بعدها يؤكدون: فاسْأَلِ الْعَادِّينَ [المؤمنون:113].
فيقول الله مجيباً لهم: قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً [المؤمنون:114].
الآن فكر! كم سنة مضت من حياتك؟! عشرون؟! بعضكم خمس عشرة سنة؟! بعضكم ثلاثون سنة؟! كيف مرَّت؟! كلمح البصر، بل هو أقرب، ذهَبَت ووَلَّت كَحُلُم.
الحكمة من الحياة ودقائقها الغالية
وهنا يأتي السؤال: إذا كان الله عز وجل لم يخلقنا عبثاً، وخلقنا للغاية التي تعرفونها.. كيف نقضي هذه الحياة؟! بل كيف نعيش فيها؟! وتعجب كل العجب من ملتزم مُلْتَحٍ يعرف ربه وأوامر ربه جل وعلا! يقول: كيف أقضي فراغي؟! سبحان الله! وهو يحفظ قوله جل وعلا: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8] ويسمع حديث رسوله عليه الصلاة والسلام: (اغتنم خمساً قبل خمس).. (لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة)، وقال في الحديث الآخر: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ).
ثلاث ساعات في العصر، تسأل شاباً ملتزماً:
ماذا فعلت فيها؟
الحمد لله! استغليت الوقت.
فيم؟
قرأت القرآن.
كم قرأت القرآن؟
نصف ساعة.
مغبون وأنت لا تدري، تقول: قرأت القرآن في وقت العصر نصف ساعة، وأضعت ثلاث ساعات، كمن يشتري سلعة بألف دينار ويبيعها بخمسمائة ريال، حصل على خمسمائة؛ لكنه مغبون خاسر، خسر خمسمائة دينار، وهكذا خسر هذا الرجل، (مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ).
أهمية استشعار نعمتي: الصحة والفراغ
انظر إلى الشرط العسير على أمه التي صبرت عليه تسعة أشهر، وأرضعته عامين وتعبت حتى كبر، والآن يشترط عليها ثلاثين دقيقة، يقول: فأتيتها بعد ثلاثين دقيقة، فضرب الهون مرة واحدة، ولم تخرج، فذهب وتركها، وأسرع في الطريق، فلم يمضِ قليلاً إلا وانقلبت به السيارة، الشيخ الذي زاره يقول: رأيته على هذه الحال سنوات، يقول: لا يستطيع أن يحرك في جسمه إلا رأسه فقط، لا يد ولا رجل، سنوات على هذه الحال.. أصيب بالشلل، عافانا الله وإياكم.
ماذا يتمنى هذا الرجل؟
زُر بعضهم، عشر سنوات على ظهره وهو لا يتحرك إنما يُحمل، حتى قضاء الحاجة لا يستطيعها.
أخي الكريم! ماذا يتمنى هذا لو خرج.. لو عوفي؟
يتمنى لو طاف حول البيت.. يتمنى لو حضر هذه الحلقات.. يتمنى لو صلى في بيوت الله.. يتمنى لو حج إلى بيت الله، يتمنى لو جاهد في سبيل الله.. يتمنى لو أمر بمعروف أو نهى عن منكر.. يتمنى كل هذا، لكن أنى له؟! (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ).
وإليك -أخي الكريم- بعض ما نستغل به أوقاتنا في هذه العطلة، ولعل الواحد منا بعض الأحيان يشتكي لك من كثرة الأعمال، ولو فتَّشْتَ في وقته لرأيتَ الفراغ الكبير، وهو لا يدري، بل جاءني بعض الشباب فقال لي: مشغولٌ مشغولٌ مشغول! قلت: وما شغلك؟! فأعطاني بعض الأعمال، في العصر عمل، والمغرب عمل، والعشاء عمل، قلت له: الظهر، تضيِّع ثلاث ساعات على وجبة غداء، وتقول لي: مشغول؟! ثمان ساعات في الصباح تضيع عليك على مراجعة في مكان واحد وترجع، وتقول لي: مشغول؟! الليل تجلس وتضحك وتلعب حتى منتصف الليل، وتقول لي: مشغول؟! مشغولٌ بِمَ يا عبد الله؟! بعض الناس يضحك على نفسه وهو لا يشعر، بل بعض الناس خاسرٌ أشد الخسارة، وإن رأيتَه يقول: الحمد لله! أنا أستغل وقتي وأستفيد منه.
قال سبحانه: قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً [المؤمنون:114-115] أتظن -أخي الكريم- أن الله خلق هذه الدنيا كلها؛ السماوات، والأرض، والبحار، والجبال، وخلقك فيها، وجعل لك العينين، والسمع، واللسان، والشفتين، والعقل، واليدين، عبثاً؟! تقول: حتى تركب سيارةً، أو تلعب الكرة وقت اللعب، أو تأكل، وتشرب، وتشبع، أو تنكح وترضي الفرج؟! أتظن أن الحياة لهذا خُلِقَت؟! أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً [المؤمنون:115] فيكون شأننا والحيوانات سواء! إذاً بِمَ ميزنا الله عز وجل؟! أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115].
وهنا يأتي السؤال: إذا كان الله عز وجل لم يخلقنا عبثاً، وخلقنا للغاية التي تعرفونها.. كيف نقضي هذه الحياة؟! بل كيف نعيش فيها؟! وتعجب كل العجب من ملتزم مُلْتَحٍ يعرف ربه وأوامر ربه جل وعلا! يقول: كيف أقضي فراغي؟! سبحان الله! وهو يحفظ قوله جل وعلا: فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ [الشرح:7-8] ويسمع حديث رسوله عليه الصلاة والسلام: (اغتنم خمساً قبل خمس).. (لن تزول قدما عبدٍ يوم القيامة)، وقال في الحديث الآخر: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ).
ثلاث ساعات في العصر، تسأل شاباً ملتزماً:
ماذا فعلت فيها؟
الحمد لله! استغليت الوقت.
فيم؟
قرأت القرآن.
كم قرأت القرآن؟
نصف ساعة.
مغبون وأنت لا تدري، تقول: قرأت القرآن في وقت العصر نصف ساعة، وأضعت ثلاث ساعات، كمن يشتري سلعة بألف دينار ويبيعها بخمسمائة ريال، حصل على خمسمائة؛ لكنه مغبون خاسر، خسر خمسمائة دينار، وهكذا خسر هذا الرجل، (مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ).
أنت الآن لا تشعر بالصحة زر أحد مستشفيات.. يخبر أحد المشايخ عن شاب.. اسمعوا إلى نعمة الصحة التي لا نشعر بها الآن، يقول هذا الشاب عن نفسه: دخلت على أمي يوماً فقالت لي: يا بني! اذهب بي إلى جارتنا.. إلى فلانة بالسيارة، قال: لا أستطيع، قالت: يا بني! إن لها علي حقاً، قال: لن أذهب بك -أين طاعة الوالدين؟- فألحت عليه، فقال لها: بشرط -يشترط على أمه، تباً له- أن آتيك بعد ثلاثين دقيقة بالضبط، وأضرب الهون مرة واحدة، فإن لم تخرجي تركتكِ، قالت: حسناً!
انظر إلى الشرط العسير على أمه التي صبرت عليه تسعة أشهر، وأرضعته عامين وتعبت حتى كبر، والآن يشترط عليها ثلاثين دقيقة، يقول: فأتيتها بعد ثلاثين دقيقة، فضرب الهون مرة واحدة، ولم تخرج، فذهب وتركها، وأسرع في الطريق، فلم يمضِ قليلاً إلا وانقلبت به السيارة، الشيخ الذي زاره يقول: رأيته على هذه الحال سنوات، يقول: لا يستطيع أن يحرك في جسمه إلا رأسه فقط، لا يد ولا رجل، سنوات على هذه الحال.. أصيب بالشلل، عافانا الله وإياكم.
ماذا يتمنى هذا الرجل؟
زُر بعضهم، عشر سنوات على ظهره وهو لا يتحرك إنما يُحمل، حتى قضاء الحاجة لا يستطيعها.
أخي الكريم! ماذا يتمنى هذا لو خرج.. لو عوفي؟
يتمنى لو طاف حول البيت.. يتمنى لو حضر هذه الحلقات.. يتمنى لو صلى في بيوت الله.. يتمنى لو حج إلى بيت الله، يتمنى لو جاهد في سبيل الله.. يتمنى لو أمر بمعروف أو نهى عن منكر.. يتمنى كل هذا، لكن أنى له؟! (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة، والفراغ).
وإليك -أخي الكريم- بعض ما نستغل به أوقاتنا في هذه العطلة، ولعل الواحد منا بعض الأحيان يشتكي لك من كثرة الأعمال، ولو فتَّشْتَ في وقته لرأيتَ الفراغ الكبير، وهو لا يدري، بل جاءني بعض الشباب فقال لي: مشغولٌ مشغولٌ مشغول! قلت: وما شغلك؟! فأعطاني بعض الأعمال، في العصر عمل، والمغرب عمل، والعشاء عمل، قلت له: الظهر، تضيِّع ثلاث ساعات على وجبة غداء، وتقول لي: مشغول؟! ثمان ساعات في الصباح تضيع عليك على مراجعة في مكان واحد وترجع، وتقول لي: مشغول؟! الليل تجلس وتضحك وتلعب حتى منتصف الليل، وتقول لي: مشغول؟! مشغولٌ بِمَ يا عبد الله؟! بعض الناس يضحك على نفسه وهو لا يشعر، بل بعض الناس خاسرٌ أشد الخسارة، وإن رأيتَه يقول: الحمد لله! أنا أستغل وقتي وأستفيد منه.
اسمع -أخي الكريم- إلى بعض أحوال سلفنا، وكيف كان الواحد منهم يستغل وقته.. اسمع واعتبر! وأريد منك بعد هذا المجلس أن تعمل مثل الساعة، وأن توقف نفسك لله جل وعلا، لأن هذا العمر قصير، فتستغل فيه كل دقيقة غالية إن شعرت أنها غالية، واعلم أن الله عز وجل قد عظم الوقت في آيات كثيرة، فأقسم به، قال سبحانه:وَالضُّحَى [الضحى:1]، وقال: وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا [الشمس:1]، وقال: وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى [الليل:1]، وقال: وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى [الليل:2]، وأقسم وقال: وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ [العصر:1-2] أقسم بالوقت في آيات كثيرة لبيان أهميته.
فاسمع -أخي الكريم- إلى بعض أحوال سلفنا، قبل البداية أقص لك قصة خمسة أطفال.
النموذج الأول: البخاري
فقال له المؤدب: كم كتبت اليوم؟ فقال: اثنين، ولم يقل: حديثين إنما قال: اثنين، الإمام البخاري رحمه الله كان صبياً صغيراً، فضحك منه الناس، مجلسٌ لا يكتب فيه إلا حديثين، صبي صغير يعني: بالغصب يكتب له حديثاً أو حديثين، فقال لهم رجل: لا تضحكوا عليه، فلربما يضحك عليكم يوماً ما، وضحك البخاري عليهم يوماً ما، وتعجبوا من أمره، وما ذُكر أحد منهم في التاريخ، وما سُمي، وما اعتبر لأحد منهم، أما هو فالعلماء كلهم عالة على علمه.
البخاري رحمه الله جالس وهو صبي عند شيخ يحدِّث، أخذ يقرأ الأحاديث، فقال: حدثني فلان، عن فلان، وأخذ يحدِّث، فلما قال حديثاً عَلِم محمد بن إسماعيل هذا الصبي الصغير أن الشيخ قد أخطأ، فراجعه فرد الشيخ مرة ثانية، فراجعه فرد الشيخ مرة ثالثة، فراجعه محمد بن إسماعيل، وهو صبيٌ صغير، فقال الشيخ: مَن هذا؟ قالوا: هذا ابن إسماعيل، فنظر في نفسه وراجع، فقال: صدق، خذوا منه، إن هذا يكون يوماً من الأيام رجلاً، صبي صغير لا يفارق مجالس أهل العلم.. أتعرف كم حفظ؟ أكثر من سبعين ألف حديث وهو صبي صغير.. أين أولو الهمم العالية؟! تعجب من بعض الإخوة يقول: ليس عندي وقت! فتِّش في وقته؛ يشرب شاي وقهوة، سوالِفٌ وضحك، يَفِرُّ بالسيارة، يجلس في البيت يفكر! ماذا أفعل؟ ثم يذهب النهار كله وهو يقلب كفاً على كف، يقول: ما أدري ماذا أفعل! يحفظ سبعون ألف حديث وهو صغير.
النموذج الثاني: ابن تيمية
يقول: فنظر إليه فأوقفه، قال: أنت ابن تيمية؟ قال: نعم، قال أعطني اللوح، فأعطاه، وكتب له ثلاثة عشر حديثاً من حِفْظِه، قال: اقرأ، فقرأ، ثم أخذ منه اللوح، قال: اقرأها علَي، فقرأ الثلاثة عشر حديثاً وما أخطأ فيها، فتعجب منه، فكتب للأحاديث أسانيد: حدثني فلان عن فلان، وكتب له أسانيد كثيرة، قال: اقرأها، فقرأها مرة واحدة، كلها، فقال: إن هذا الصبي لم يُعرف في عصره مثله، وسوف يكون له شأن، فصار شيخ الإسلام وشيخ هذا الدين ابن تيمية عليه رحمة الله، انظر وهو صغير ماذا يفعل!
النموذج الثالث: النووي
النموذج الرابع: أبو يوسف
قال أبو يوسف: فمرت الأيام -انظروا الهمة العالية كيف يستغل الإنسان وقته- يقول: فكان أبو حنيفة يعطيني من ماله ولا يترك حاجة إلا أعطاني إياها، ومكث ينفق علي حتى فتح الله علي في العلم، وصرت قاضياً، وكنت أدارس هارون الرشيد الخليفة، فأجلس معه على مائدة واحدة، وفي يوم من الأيام قال لي هارون الرشيد: تقدم يا يعقوب وكل من هذا الطعام؛ فإنه لا يكون لنا في غير هذا اليوم مثله، فقال: وما هذا الطعام؟ فقال هارون الرشيد: هذا فالوذج بدهن الفستق، قال أبو يوسف: فضحكت، فقال لي الخليفة: وما أضحكك؟ فقلت: قصة حدثت، قال: فألح علي حتى أخبرته الخبر، فقال هارون الرشيد وكان رشيداً: إن هذا العلم والله لينفع في الدنيا والدين رحم الله أبا حنيفة كان ينظر بعين عقله ما لا ينظر بعين رأسه، فأكل الفالوذج بدهن الفستق، صبي صغير يهرب من أمه.. إلى أين يا غلام؟ إلى حلقة من حلقات العلماء والمشايخ يجلس ويكتب ويحفظ العلم ثم يرحل في سبيله.
النموذج الخامس
هذا الصبي ذََكَرَ الله وعمره ثلاث سنوات، وهذا طبيعي فإن كثيراً من الصبية الآن عمره ثلاث سنوات يتكلم، فمنا من يحفِّظه الكلمات والأغاني، وبعضنا يحفظه: الله، ولا إله إلا الله، الله أكبر.. سبحان الله، ورأيت صغاراً يحفظونها، وصام وعمره خمس سنوات، بدأ بصيام رمضان إلى أن مات، وحفظ القرآن وعمره ست سنوات، وسافر في طلب العلم وعمره تسع سنوات. هؤلاء الصبية الخمسة، وغيرهم كثير.
فهذا الإمام أحمد كان صغيراً، وكانت أمه لا تتركه يخرج من البيت، تخاف عليه من صغر سنه وكان يذهب للعلم رحمه الله.
وعمر بن عبد العزيز كان في صغره يذهب إلى المدينة وطلب من أبيه هذا أن يجلس مع الفقهاء ويتعلم منهم.
ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه كانت تربيته في الصغر تربية رجال.. مَن ربته؟ إنها أمه هند بنت عتبة، هذه المرأة هي التي ربت معاوية حتى كان إذا اعتزى كان يقول: أنا ابن هند، قال لها رجل يوماً من الأيام: هذا معاوية سوف يسود قومه، فقالت: ثَكِلْتُه إذاً -أي: أموت إذا كان يسود قومه فقط- إذا كنت لم أربه ليسود الأقوام كلهم.
الطفل الأول: اسمه محمد بن إسماعيل: وُلِد في بخارى، والعلماء -الآن- كلهم عالة على هذا الصبي، كان صغيراً في السن، يأتي إلى مجالس أهل العلم -واسمع إلى هذه القصص وصدق أو لا تصدق- فيجلس بينهم، فيسأله المؤدب -يسمونه: المؤدب- لأن العالِم ليس فقط يحفِّظهم؛ بل يؤدبهم، وكان الشيخ هو المربي، وكان الذي يحفَظ العلم يتعلم مع العلم الأدب، كان الإمام أحمد يجلسُ قليل من الطلبة حوله يأخذون منه العلم، أما الألوف المؤلفة فكانوا يأخذون من أدبه وحسن سمته.
فقال له المؤدب: كم كتبت اليوم؟ فقال: اثنين، ولم يقل: حديثين إنما قال: اثنين، الإمام البخاري رحمه الله كان صبياً صغيراً، فضحك منه الناس، مجلسٌ لا يكتب فيه إلا حديثين، صبي صغير يعني: بالغصب يكتب له حديثاً أو حديثين، فقال لهم رجل: لا تضحكوا عليه، فلربما يضحك عليكم يوماً ما، وضحك البخاري عليهم يوماً ما، وتعجبوا من أمره، وما ذُكر أحد منهم في التاريخ، وما سُمي، وما اعتبر لأحد منهم، أما هو فالعلماء كلهم عالة على علمه.
البخاري رحمه الله جالس وهو صبي عند شيخ يحدِّث، أخذ يقرأ الأحاديث، فقال: حدثني فلان، عن فلان، وأخذ يحدِّث، فلما قال حديثاً عَلِم محمد بن إسماعيل هذا الصبي الصغير أن الشيخ قد أخطأ، فراجعه فرد الشيخ مرة ثانية، فراجعه فرد الشيخ مرة ثالثة، فراجعه محمد بن إسماعيل، وهو صبيٌ صغير، فقال الشيخ: مَن هذا؟ قالوا: هذا ابن إسماعيل، فنظر في نفسه وراجع، فقال: صدق، خذوا منه، إن هذا يكون يوماً من الأيام رجلاً، صبي صغير لا يفارق مجالس أهل العلم.. أتعرف كم حفظ؟ أكثر من سبعين ألف حديث وهو صبي صغير.. أين أولو الهمم العالية؟! تعجب من بعض الإخوة يقول: ليس عندي وقت! فتِّش في وقته؛ يشرب شاي وقهوة، سوالِفٌ وضحك، يَفِرُّ بالسيارة، يجلس في البيت يفكر! ماذا أفعل؟ ثم يذهب النهار كله وهو يقلب كفاً على كف، يقول: ما أدري ماذا أفعل! يحفظ سبعون ألف حديث وهو صغير.
الطفل الثاني: يُسمى ابن تيمية، هذا الصبي الصغير سمع به أحد الشيوخ من دمشق، فأتى إلى بلده يسأل عنه، قال: سمعت أن شاباً يقال له: ابن تيمية، له حافظة قوية.. أين هو؟ فقال له أحد الناس: اجلس.. اجلس، فهو يمر في هذا الطريق إلى الكُتَّاب إلى الدرس، فجلس ينتظر حتى جاء ومعه لوح كبير، وهو صبي صغير، واللوح ربما كان أكبر منه، يحمل اللوح وتَخَيَّلْ هذا المنظر! يا ليتنا ننظر إلى هذه المناظر، شاب يحمل كتابه أو قلمه أو دفاتره وهو صغير في السن، يأتي إلى مجلس أهل العلم ليحفظ ولو كان في مجلس الشيوخ أو العلماء، ويكتب ويحفظ، لقد افتقدنا هذه المناظر منذ زمن ونراها اليوم تبذر هذه البذور الجديدة لبعض الشبيبة؛ لكن تتخطفهم الشهوات والأهواء، وأنى لهم أن يصبروا وهذه الشهوات قد امتلأت من كل مكان، إلا من ثبته الله جل وعلا.
يقول: فنظر إليه فأوقفه، قال: أنت ابن تيمية؟ قال: نعم، قال أعطني اللوح، فأعطاه، وكتب له ثلاثة عشر حديثاً من حِفْظِه، قال: اقرأ، فقرأ، ثم أخذ منه اللوح، قال: اقرأها علَي، فقرأ الثلاثة عشر حديثاً وما أخطأ فيها، فتعجب منه، فكتب للأحاديث أسانيد: حدثني فلان عن فلان، وكتب له أسانيد كثيرة، قال: اقرأها، فقرأها مرة واحدة، كلها، فقال: إن هذا الصبي لم يُعرف في عصره مثله، وسوف يكون له شأن، فصار شيخ الإسلام وشيخ هذا الدين ابن تيمية عليه رحمة الله، انظر وهو صغير ماذا يفعل!
استمع المزيد من الشيخ نبيل العوضي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
رسالة إلى كل من ابتلي بمس أو سحر أو عين | 2683 استماع |
فرصة للتوبة | 2630 استماع |
فصة برصيصا | 2597 استماع |
التوحيد | 2594 استماع |
قصة الفاروق الحلقة السادسة | 2528 استماع |
العبادة في رمضان | 2486 استماع |
الوقت وأهميته | 2467 استماع |
دعاة الفساد | 2460 استماع |
لنخرج العباد من عبادة العباد | 2456 استماع |
لقاء مع الشيخ المغامسي | 2438 استماع |