الإيمان بين مسلم جديد ومسلم قديم
مدة
قراءة المادة :
4 دقائق
.
الإيمان بين مسلم جديد ومسلم قديمفي كل مرة أقرأ فيها عن تجرِبة اعتناق شخصٍ ما لدين الإسلام، يَنتابني عَجَبٌ كبير، وتتقافز إلى ذهني عشرات الأسئلة التي تدور حول هذه التجربة التي لم أخضْها في يوم من الأيام، إلى درجة تمنَّيت فيها مرة لو كنت من هؤلاء الذين يتعرَّفون على الإسلام من خلال أصدقائهم أو معارفهم، ثم يَدرُسونه ويَستمعون إلى القرآن مرة واثنتَين، ثم يشعرون بالطمأنينة تجتاح صدورَهم؛ ليُعلنوا اعتناق الإسلام بعد ذلك.
لقد تساءلت حقًّا: ما الذي يُمكن أن يعرفه مسلم جديد عن الإسلام إلى الدرجة التي تجعله يشعر بكل هذه الأحاسيس العميقة حين ينطِق بالشهادتَين؟ ولماذا يَشعُر الكثير منا بفتور كبير تُجاه دينهم في مقابل هذه الحماسة؟
بعضهم يُجيبني بأن من عرف غير الإسلام وسار في غير اتجاهه، سيَعرِف قيمته مباشرة بعد عودته إليه، على نحو ما يقول الفاروق رضي الله تعالى عنه وأرضاه: "يَهدِم الإسلامَ لبنةً لبنةً مَن لم يعرف الجاهلية"، وربما كانت هذه وجهة نظر صحيحة، لكنها ليست كافية، فثمة نماذج لأشخاص مُسلمين يعيشون في بلادنا أو في غيرها، داخل العالم الإسلامي أو خارجه، لأبٍ مسلم وأمٍّ مسلمة وفي بيئة مسلمة، تَشعر بحلاوة الإسلام على وجوههم، وتَشعُر به يشعُّ منها، رغم أنه قد لا يبدو عليهم التديُّن، لكنك ترى فيهم حبَّ الله وحب رسوله، وترى فيهم التلذُّذ بالطاعة، والإقبال على الحسَنة، والأُنسَ والانشراح بها، بل والحرص على دعوة الناس إلى دين الله والابتكار في ذلك على نحوٍ لا تراه من بعض المتديِّنين المتبحِّرين في علوم الشرع منا، هذا وهم مسلمون بالفِطرة.
إذًا..
ما الذي يَجري؟
هل يَنبغي على كل منا أن يعيش بعيدًا عن الإسلام ردَحًا من عمره ثم يعود إليه؛ حتى يَشعُر بحلاوته؟!
أم أن ثمَّة مُشكلة ما في مَنظومتنا التعليمية أو التربوية، تدعونا إلى تصحيحها مَظاهرُ النكوص والنِّفاق، وسوء الطوية، والتشدُّد والعصبية، والجفاف الروحي، التي تَفشو في كثيرٍ مِنا؟!
إنها أسئلة حائرة بحق، فكلٌّ مِنا يُريد أن يتذوَّق حلاوة الإيمان التي تحدَّث عنها صلى الله عليه وسلم، وكل منا يُريد أن يَحيا حياة إسلامية، لكن كيف السبيل إلى ذلك إذا كانت علاقتنا بالإسلام علاقة انتماء ثقافي أو هُوية مجرَّدة من الروابط الروحية العميقة؟! كيف السبيل إلى ذلك إذا كنا نَرى في غير المسلمين تلك اللهفة على التعرُّف على الإسلام، ونرى في أنفسِنا الرغبة في التملُّص منه؟! كيف السبيل إلى ذلك إذا كنا نعبد الله على ذات القاعدة التي نُنهِي بها فروضَنا المدرسية؛ قاعِدة (خلص بس)؟! كيف السبيل إلى ذلك ونحن نَعتقِد بأن أبناءنا يُولدون مسلمين بالفِطرة، ويعرفون الله بالفطرة، ويُحبُّونه بالفطرة، حتى أهملنا تنمية أرواحهم بحبه والتعلق به والتقرُّب منه، وفي المقابل زرعنا في رؤوسهم مَشاهد العقاب والنار والحساب الشديد، وجعلنا من العبادات كلها وسائل إلى النجاة من ذلك؛ حتى فقدت هذه العبادات معانيها، وتلاشَت تلك الخصائص الإسلامية التي جعلت من الإسلام نمَطَ حياة، لا مجرَّد شرائع تعبُّدية؟!
أتذكَّر أحد زملائي في المتوسِّطة حين سأل أستاذ التوحيد مرة:
"من اللي اختار ديني يوم طلعت من بطن أمي؟! وليش صرت مسلمًا كذا على طول؟!"، هذا الشاب - ولا شكَّ - لم يَعرف من الإسلام إلا أحكام التحليل والتحريم، أما تلك المَنظومة الروحية السامية، فهو لا يعرفها بالتأكيد، أو لم يشعر بها على الأقل وإن كان قد تعرَّف عليها نظريًّا.
إنه مجرَّد مثال على معاناة روحية يُخفيها خلفه قناع مِن التديُّن الظاهري الذي جاء في كثير من الأحايين بالإكراه، ومن خلال اختيار الأشد تحت شعار (الأحوَط)، وهي ذاتها المُعاناة التي خلَّفت أعدادًا غير مُعلَنة وغير واضحة من الشباب المسلم (السعودي) الذي قرَّر سلوك طريق الإلحاد؛ تهرُّبًا من مسؤولية معالجة الخواء الروحي الذي يَشعُرون به، أعاذنا الله تعالى وإياهم منه.