Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

الله مولانا ولا مولى لهم


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة السلام على سيد المرسلين، وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واستن بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد:

في أحد وبعد أن انتهت المعركة بما انتهت، إذا بـأبي سفيان -قبل إسلامه- ينادي المسلمين، فكان فيما قال: لنا العزى ولا عزى لكم، أي يخاطب المسلمين بعد جراحهم، وبعد أن قتل منهم من قتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (ألا تجيبوه؟! قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا: الله مولانا ولا مولى لكم) ثم قال أبو سفيان: يوم بيوم بدر والحرب سجال، فقال عمر: لا سواء، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار.

الله مولانا ولا مولى لهم، فإنه جل وعلا الذي نصر نوحاً بعد أن تجمع عليه قومه، ولم يبقَ معه إلا القليل من المستضعفين، فسخروا منه، واستهزءوا به، كان معه ضعفاء القوم وأراذلهم، ولكنهم في الإيمان قمم وجبال: قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38] نعم. الله مولانا ولا مولى لهم، فرفع نوح يديه إلى الله عز وجل قال تعالى: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ [القمر:10] فإذا بسنن الكون تتغير، وإذا بالسماء التي لم تكن تمطر ينهمر منها الماء، وإذا الأرض القاحلة، والصحراء التي ليس فيها ماء تتفجر بالعيون: فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ [القمر:10-12].

هود عليه السلام جاء قومه يدعوهم إلى الله عز وجل؛ فأرادوا قتله، فقال وقد توكل على الله عز وجل واستنصر به، قال يا قوم: أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دِونِه * فَكِيدُونِي جَمِيعاً [هود:54-55] أي: تجمعوا عليّ كلكم، قال: فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ [هود:55] أي: لا تؤخروني بل اقتلوني، واصنعوا ما تريدون، أي قوة يملكها هود عليه السلام، إنه يملك أعظم قوة، إنه التوكل على الله عز وجل: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا [هود:56].

الله مولانا ولا مولى لهم ، فإذا بقوم عادٍ مرت عليهم الأيام، فأرسل الله عليهم جنداً من جنوده، ريحاً صرصرا في أيام نحسات، إنها ريحٌ شديدة باردة، تحمل الواحد منهم إلى السماء، ثم تطرحه على الأرض؛ فينفصل رأس أحدهم عن جسده: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ [الفجر:6-8].

كانوا يتحدون ربهم جل وعلا، وكانوا يقولون لهود: ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ [العنكبوت:29] وكانوا يفتخرون أنهم أعظم قوة على وجه الأرض، فكانوا يقولون: مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً [فصلت:15] أي: ليس في الأرض قوة أعظم من قوتنا، وهذا جنون العظمة، الغطرسة، الكبر، العتو، ولكن النهاية: فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ [الحاقة:7-8]

التوكل على الله والثقة به

موسى عليه السلام رجلٌ لا يملك إلا أخاه والعصا، دخل على قصر فرعون الجبار الطاغية، الذي من جبروته في الأرض وغطرسته، ومن جنون عظمته أنه كان يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] ولا يسمح برأيٍ يخالف رأيه، حتى كان يقول للناس: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29].

قتل الأطفال..! ما ذنب الأطفال أيها الظالم الجبار؟ استحيا النساء وقتل الأطفال بغير ذنب، واستعبد الرجال بغير ذنب، لأنه جبار في الأرض، فوصل فرعون وجيشه إلى موسى عليه السلام، وما كان مع موسى إلا شيوخٌ ضعاف، ونساءٌ ضعاف، وأطفال صغار، أمامهم البحر، وخلفهم فرعون وجيشه: قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] أي: تجمع علينا المشركون، قتلونا: قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ [الشعراء:62] ماذا معك يا موسى؟ أسلحة؟ جيوش جرارة؟ موسى لا يملك إلا عصا، وما معه إلا ضعاف القوم، ويستقبلهم طاغية وجيشٌ طاغٍ في الأرض، أسلحة وعتاد؛ لكن موسى عنده سلاحٌ عظيم: قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62].

الله أكبر! إنه اليقين بنصر الله، إنه التوكل على الله، إنه صدق الإيمان بالله، فإذا البحر يأتمر بأمر موسى، فينفلق البحر له، ثم إذا بالبحر يسير فوق فرعون الذي كان يقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51] نعم. أبصروك يا فرعون والماء يجري من فوقك، أبصروك والطين في فمك يضعه جبريل فيه، ذلٌ وأي ذل؟ إنه نصر الله جل وعلا دائماً وأبداً لعباده المؤمنين.

إبراهيم عليه السلام يُلقى في النار فيقول له جبريل: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل، فإذا بالنار: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ [الأنبياء:69-70] الله مولانا ولا مولى لهم.

بكى أبو بكر عندما تجمع المشركون عند الغار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال: يا رسول الله! لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا، قال: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟) إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ [التوبة:40] اثنان يلاحقهما من في الأرض من جيوش وطواغيت، وهما رجلان ضعيفان لكنهما يملكان القوة بالله: إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ [التوبة:40] لمَ لا يحزن؟ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] وهذا هو الفرق، الفرق إن الله عز وجل مع المؤمنين كما قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257].

نصر الله لعباده وتأييده لهم

الله عز وجل مدبر الأمر، مصرف الآيات قال تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] كل ما يحدث في الأرض فبعلم الله، وبقدر الله عز وجل: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:79-80] كل شيء يدبر في السماء بعلم الله وبقدر الله.

في الأحزاب تجمع الناس على رسول الله، فإذا المنافقون الذين يترقبون الأزمات والفتن ليرفعوا رءوسهم يتكلمون، عندما يتجمع المشركون والأعداء على المسلمين ينطق المنافقون، فهذا وقتهم، وهذا زمنهم، وهذه فرصتهم.

فإذا بهم يثبطون المؤمنين، ويثيرون القلاقل، حتى قال أحدهم: لا يقدر أحدنا أن يقضي حاجته، ورسولكم يعدكم ببلاد كسرى والروم، كيف هذا؟ ويقولون: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب:12].

أما المؤمنون الصادقون، لما رأوا المشركين تجمعوا على المدينة، واليهود نقضوا العهود، والمنافقون يثيرون الفتنة بين الصفوف كما قال تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:10-11] ماذا قال المؤمنون: وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب:22] الله مولانا ولا مولى لهم.

كان النبي عليه الصلاة والسلام يقاتل وفي قلبه أن الله عز جل هو مولاه، والله عز وجل ينصره، والله عز وجل يتم كلمته، يقول علي بن أبي طالب يصف النبي عليه الصلاة والسلام وهو أشجع الناس: [لقد رأيتني يوم بدر وإنا لنلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذٍ بأساً] فقد كان أشجع الناس محمداً عليه الصلاة والسلام، ولما ولى المسلمون مدبرين يوم حنين يقول العباس: [[طفق الرسول يركض بغلته نحو الكفار، تراجع المسلمون وبقي النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه لم يتراجع؟ تقدم واستقبل صفوف المشركين وكانت صفوفهم كثيرة، والمشركون يتجمعون عليه وهو يستقبلهم على بغلته وبيده عصا، وكان يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) يقول العباس: أنا آخذٌ بلجام بغلته لئلا يتقدم، والنبي صلى الله عليه وسلم يتقدم، ويقول عليه الصلاة والسلام: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب).

موسى عليه السلام رجلٌ لا يملك إلا أخاه والعصا، دخل على قصر فرعون الجبار الطاغية، الذي من جبروته في الأرض وغطرسته، ومن جنون عظمته أنه كان يقول: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى [النازعات:24] ولا يسمح برأيٍ يخالف رأيه، حتى كان يقول للناس: مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ [غافر:29].

قتل الأطفال..! ما ذنب الأطفال أيها الظالم الجبار؟ استحيا النساء وقتل الأطفال بغير ذنب، واستعبد الرجال بغير ذنب، لأنه جبار في الأرض، فوصل فرعون وجيشه إلى موسى عليه السلام، وما كان مع موسى إلا شيوخٌ ضعاف، ونساءٌ ضعاف، وأطفال صغار، أمامهم البحر، وخلفهم فرعون وجيشه: قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] أي: تجمع علينا المشركون، قتلونا: قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ [الشعراء:62] ماذا معك يا موسى؟ أسلحة؟ جيوش جرارة؟ موسى لا يملك إلا عصا، وما معه إلا ضعاف القوم، ويستقبلهم طاغية وجيشٌ طاغٍ في الأرض، أسلحة وعتاد؛ لكن موسى عنده سلاحٌ عظيم: قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62].

الله أكبر! إنه اليقين بنصر الله، إنه التوكل على الله، إنه صدق الإيمان بالله، فإذا البحر يأتمر بأمر موسى، فينفلق البحر له، ثم إذا بالبحر يسير فوق فرعون الذي كان يقول: أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ [الزخرف:51] نعم. أبصروك يا فرعون والماء يجري من فوقك، أبصروك والطين في فمك يضعه جبريل فيه، ذلٌ وأي ذل؟ إنه نصر الله جل وعلا دائماً وأبداً لعباده المؤمنين.

إبراهيم عليه السلام يُلقى في النار فيقول له جبريل: ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل، فإذا بالنار: قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ [الأنبياء:69-70] الله مولانا ولا مولى لهم.

بكى أبو بكر عندما تجمع المشركون عند الغار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال: يا رسول الله! لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا، قال: يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟) إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ [التوبة:40] اثنان يلاحقهما من في الأرض من جيوش وطواغيت، وهما رجلان ضعيفان لكنهما يملكان القوة بالله: إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ [التوبة:40] لمَ لا يحزن؟ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا [التوبة:40] وهذا هو الفرق، الفرق إن الله عز وجل مع المؤمنين كما قال تعالى: اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ [البقرة:257].

الله عز وجل مدبر الأمر، مصرف الآيات قال تعالى: قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا [التوبة:51] كل ما يحدث في الأرض فبعلم الله، وبقدر الله عز وجل: أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:79-80] كل شيء يدبر في السماء بعلم الله وبقدر الله.

في الأحزاب تجمع الناس على رسول الله، فإذا المنافقون الذين يترقبون الأزمات والفتن ليرفعوا رءوسهم يتكلمون، عندما يتجمع المشركون والأعداء على المسلمين ينطق المنافقون، فهذا وقتهم، وهذا زمنهم، وهذه فرصتهم.

فإذا بهم يثبطون المؤمنين، ويثيرون القلاقل، حتى قال أحدهم: لا يقدر أحدنا أن يقضي حاجته، ورسولكم يعدكم ببلاد كسرى والروم، كيف هذا؟ ويقولون: مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب:12].

أما المؤمنون الصادقون، لما رأوا المشركين تجمعوا على المدينة، واليهود نقضوا العهود، والمنافقون يثيرون الفتنة بين الصفوف كما قال تعالى: إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداً [الأحزاب:10-11] ماذا قال المؤمنون: وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب:22] الله مولانا ولا مولى لهم.

كان النبي عليه الصلاة والسلام يقاتل وفي قلبه أن الله عز جل هو مولاه، والله عز وجل ينصره، والله عز وجل يتم كلمته، يقول علي بن أبي طالب يصف النبي عليه الصلاة والسلام وهو أشجع الناس: [لقد رأيتني يوم بدر وإنا لنلوذ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا إلى العدو، وكان من أشد الناس يومئذٍ بأساً] فقد كان أشجع الناس محمداً عليه الصلاة والسلام، ولما ولى المسلمون مدبرين يوم حنين يقول العباس: [[طفق الرسول يركض بغلته نحو الكفار، تراجع المسلمون وبقي النبي صلى الله عليه وسلم وبعض أصحابه لم يتراجع؟ تقدم واستقبل صفوف المشركين وكانت صفوفهم كثيرة، والمشركون يتجمعون عليه وهو يستقبلهم على بغلته وبيده عصا، وكان يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب) يقول العباس: أنا آخذٌ بلجام بغلته لئلا يتقدم، والنبي صلى الله عليه وسلم يتقدم، ويقول عليه الصلاة والسلام: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب).

قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى [التوبة:111] إنها الصفقة، هل بعت يا عبد الله؟ انظر الثمن وانظر السلعة: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ [التوبة:111] نفسك ومالك تعطيها لله والثمن الجنة، وطريقة البيع: يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [التوبة:111] مدافع، صواريخ، رشاشات، قنابل، أسلحة: يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ [التوبة:111] والضمان من الله: وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111] لما سمع الصحابة هذه الآيات ضحوا بمهجهم، ضحوا بدمائهم، بل بكوا إذ فاتهم الجهاد في سبيل الله.

عمر .. هل يوجد بين المؤمنين أمثال عمر؟! هل جعلنا قدوتنا عمر الفاروق، هادم دولة بني ساسان؟ في عهده زال ملك المجوس، وذهبت إمبراطورية كسرى، يقول رستم عن عمر: أكل عمر كبدي أحرق الله كبده، وكذب قاتله الله، بل أطفأ نارهم، ودمر ملكهم، وهز عرشهم:

يا من يرى عمراً تكسوه بردته     والزيت أدمٌ له والكوخ مأواهُ

يهتز كسرى على كرسيه فرقاً     من خوفه وملوك الروم تخشاه

صور من جهاد الصحابة

علي سيد الشجعان، لما قال مرحب:

قد علمت خيبر أني مرحب     شاكي السلاح بطلٌ مجربُ

إذا الحروب أقبلت تلهبُ

رد عليه علي فقال:

أنا الذي سمتني أمي حيدره     كليث غابات كريه المنظره

أكيلهم بالسيف كيل السندره

إنه علي سيد الشجعان، لما استقبل الكفار هو وحمزة وغيره أنزل الله فيهم: هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ [الحج:19] قضيتهم الإيمان بالله، وعدوهم الكفر بالله، قضيتهم التوكل على الله، وعدوهم التوكل على غير الله، قضيتهم عقيدة وإيمانٌ وتوحيد.

الزبير بن العوام حواري رسول الله، يرى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من المشركين يقتل في المسلمين قتلاً عنيفاً فيقول للزبير: يا زبير قم إليه، فقام إليه حواري رسول الله فصارعه فسقطا من الدابة، فوقعا على الأرض، فإذا بالزبير يضربه ضربة على صدره، فيقتله قتلة ما قام بعدها، يقول علي عن الزبير: يغضب كالنمر، ويثب وثب الأسد، زبير في قلبه قول الله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف:10]* تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الصف:11] بأي شيء نجاهد؟ بكل ما نملك: بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ [الصف:11].

ألم نسمع قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف) الروحة والغدوة في سبيل الله أفضل من الدنيا وما فيها، وموقف ساعة في سبيل الله خير من قيام ليلة القدر عند الحجر الأسود، وهي أعظم ليلة في العام، وأعظم مكانٍ في الأرض لو قامه الإنسان ليلة كاملة .. لكن موقف ساعة في سبيل الله خير من ذلك..

التضحية في سبيل الله

البراء بن مالك يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: (كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له، لو أقسم على الله لأبره منهم البراء بن مالك

).

البراء بن مالك رجلٌ قد باع نفسه لله، رجلٌ بطلٌ شجاع، حتى قال عمر بن الخطاب يخاطب قادة الجيوش: لا تستعملوا البراء على جيش، أي: لا تجعلوه يقود جيشاً، فإنه مهلكة من المهالك، رجلٌ من شجاعته ربما يهلك الجيش كله، في حروب الردة لما قاتل المسلمون مسيلمة وإذا به يتحصن بحصنٍ حصين، لم يستطع أحدٌ من الصحابة اقتحامه، تعلمون ماذا قال البراء؟ قال لأصحابه: احملوني على ترس على أسنة الرماح وألقوني في الحديقة، قالوا: ماذا تقول؟ عملية استشهادية، احتمال النجاة منها (1%) فإذا بهم يرفعونه ويرمونه داخل الحصن، ويدخل الحصن، فيفاجئ المرتدين، فيقاتل هذا، ويدفع هذا، ويرد هذا، هذا يطعنه، وهذا يضربه، حتى يصل إلى الباب، فيفتح باب الحديقة فإذا بالحصن يُفتح، وإذا بالصحابة يقتحمون، وإذا بالمؤمنين ينتصرون، أين الرجال أمثال البراء؟ أين الشجعان أمثال البراء؟! أين المجاهدون المضحون؟ ما الذي يمنعهم؟ إنها الدنيا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ [التوبة:38] اترك الدنيا، تفكيرك بالأولاد، بالزوجات، بالوظائف، بالأموال، بالتجارات؛ يمنعك عن الجهاد في سبيل الله.

جعفر كأنه في الجنة قبل الموت، فلما تكسرت الرماح عليه قال:

يا حبذا الجنة واقترابها     طيبة وباردٌ شرابها

والروم رومٌ قد دنا عذابها     كافرة بعيدة أنسابها

ثم استلم الراية عبد الله بن رواحة فقاتل حتى قتل وهو يخاطب نفسه يقول:

أقسمت يا نفس لتنزلنه     لتنزلن أو لتكرهنه

إن أجلب الناس وشدوا الرنه     ما لي أراك تكرهين الجنه

***

يا أمتي وجب الكفاح     فدعي التشدق والصياح

لغة الكلام تعطلت     إلا التكلم بالرماح

إنا نتوق لألسن     بكمٍ على أيدٍ فصاح

لا بد من صنع الرجال     ومثله صنع السلاح

لا يصنع الأبطال إلا     في مساجدنا الفساح

لا يستوي في منطق الـ     إيمان سكرانٌ وصاح

من همه التقوى وآ     خر همه كأسٌ وراح

شعبٌ بغير عقيدة     ورقٌ تذريه الرياح

من خان حي على الفلاح     يخون حي على الكفاح

نعيم بن مالك وما أدراك ما نعيم بن مالك؟ يقول يوم أحد: يا نبي الله لا تحرمنا الجنة، فو الذي نفسي بيده لأدخلنها، فتعجب النبي وقال: بم ذاك يا نعيم قال: بأني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (صدقت يا نعيم) فقاتل حتى قتل: وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الحديد:19] الشهداء ليسوا في الأرض، الشهداء عند الله عز وجل وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ [الحديد:19].

من جزاء الشهداء عند الله

يقول عبد الله بن عمرو بن حرام ليلة معركة أحد يخاطب ابنه جابراً: يا بني ما أراني إلا مقتولاً في أول من يقتل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رجلٌ يعلم أنه في الصباح سوف يقتل، ثم قال له: يا بني ولا أحدٌ أعز إلي منك إلا رسول الله، ثم وصاه، يقول: فلما أصبح الصباح يقول جابر: فكان أول قتيل في المعركة، يقول: وبعد المعركة كشفت عن وجهه وبكيت، فقام أصحاب النبي ينهونني عن البكاء، وجعلت عمتي تبكي على أبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ابكيه أو لا تبكيه! فما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه) ثم قال لي النبي: (يا جابر ألا أخبرك أن الله كلم أباك كفاحا، فقال: يا عبدي! سلني أعطك، فقال: أسألك أن تردني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانياً، قال: إنه قد سبق مني أنهم إليها لا يرجعون، فقال: يا رب فأبلغ من ورائي) فأنزل الله بعد أحد قوله جل وعلا: وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169].

والشهيد لا يعذب، ولا يتألم، تقول: لقد سحقته الدبابات، وتفجرت به القنابل، وصرع بالرصاصات، وأحرقته تلك القنابل الذرية والنووية، وربما سقطت على رأسه الصواريخ، أقول لك: إنه لا يتألم إلا كما يجد أحدنا ألم قرصة النملة، ومع أول قطرة دم تخرج منه يطهره الله من كل ذنب، الله أكبر! ثم يرى مقعده من الجنة، ألم ترَ بعض الشهداء يموت وهو مبتسم، يدفن وهو مبتسم، تعرف لم؟ لعله رأى مقعده من الجنة وهو في الأرض، ثم إن الشهيد إذا أدخل القبر يجار من عذاب القبر بنعيم أكبر من هذا، نحن نخاف من ظلمة القبر، نخاف من عذاب القبر، نخاف من جحيم القبر، نخاف من الديدان، نخاف من الثعابين.. أما الشهيد فيجار من كل هذا.

ثم إذا بعث عند ربه يأمن من الفزع الأكبر، ويبعث الناس على أعمالهم، هو يبعث والدم ينزف من جسمه؛ اللون لون دم والريح ريح مسك، ثم يُلبس تاج الوقار والكرامة، الياقوتة فيه خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويزوج باثنتين وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين من أهله.

ثم أرأيت الشهيد الذي يُقتل؛ أتعرف أين هو؟ هو في الجنة، في جوف طيرٍ خضر لها قناديل معلقة تحت عرش الرحمن، تسرح في الجنة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل، يطلع عليهم ربهم فيقول: (أتريدون شيئاً؟ أتشتهون شيئاً؟ يقولون: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا؟ حتى يقولون: نريد أن ترد أرواحنا بأجسادنا فنرجع إلى الدنيا فنقتل في سبيلك مرة أخرى، فيقول لهم ربهم: إني كتبُ أنكم إليها لا ترجعون) وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران:169].