الشباب والقرآن


الحلقة مفرغة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد:

فكم يفرح الإنسان عندما يلتقي بهذه الوجوه، ويجلس مع هذه الجموع، في حين أن كثيراً من الشباب في هذا السن وفي هذه الأوقات الله أعلم بحالهم، الخيِّر فيهم من ينام الآن في هذه اللحظات، ومنهم من يسهر أمام التلفاز، ومنهم من يلعب في النوادي والمراكز التي لا تهتم إلا باللعب، ومنهم من يفعل بعض المحرمات، قلما تجد إنساناً في هذا العمر يجلس في بيت من بيوت الله، ولعل الله عز وجل يكتب فيكم ممن قال فيهم: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ [النور:36-37].

أي: يمكن أن يكون عمرك صغيراً لكنك في الحقيقة رجل كما قال الله عز وجل، لا يربط الإنسان في هذا المسجد إلا إذا كان رجلاً، قال تعالى: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ [النور:37] ما الذي جعلهم يجلسون؟ قال: يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ [النور:37].

اسمع إلى قصص في مرحلة قبل الشباب يمر بها الإنسان وهي مرحلة المراهقة.. مرحلة الصبا والصغر يمر بها كل إنسان، انظر إلى أسلافنا ثم تذكر حال الشباب في هذا الزمن.. أصحابك في الفصل.. أصحابك في الشارع.. أقربائك.. جيرانك، اعرف حال السابقين وحال الناس في هذا الزمن ثم قارن، وأدع لك الحكم لتقارن بين السابق والحاضر.

قصة شاب حفظ القرآن وعمره ست سنوات

هذا شاب يقال له: سهل، من الشباب السابقين، لما أكمل من العمر ثلاث سنوات -أي: ما دخل الروضة- يقول: أول ما تكلم علموه كيف يذكر الله جل وعلا وعمره ثلاث سنوات.

لما أكمل من العمر خمس سنوات، أتعرف ماذا حصل؟ صام رمضان كله، واستمر في الصيام إلى أن مات، ولما وصل عمره إلى ست سنوات، ختم القرآن كله، هل منا من يبلغ من العمر ست سنوات؟ أظن أنكم قد تعديتم هذه المرحلة وتجاوزتموها منذ زمن بعيد، عمره ست سنوات ويختم القرآن كله، ولما أصبح عمره تسع سنوات سافر من بلده يطلب العلم.. يطلب الحديث.. يحضر الدروس وعمره قد لا يتجاوز التسع سنوات.

الإمام الشافعي في سن الشباب

هذا الشافعي الذي ينتسب إليه مذهب الشافعية.. الإمام الجليل، حفظ القرآن وعمره سبع سنوات، من منا الآن ختم القرآن وعمره خمسة عشر سنة؟

لا تجد أحداً! أفضل واحد فينا ختم ثلاثة، أو أربعة أجزاء، أما من ختم عشرة أجزاء فهذا ما شاء الله فهو أفضلنا، وإذا سمعت له تجد أنه لا تفوت عليه صفحه أو صفحتين إلا ويخطئ، ما السبب وما الفرق بيننا وبينهم؟ ما الذي يجري؟ عقول مثل العقول، وأجسام مثل الأجسام، ولحم ودم وشحم.. الأجساد واحدة.. ما الفرق؟

الفرق أنهم كانوا منذ الصغر الواحد منهم إذا لعب نصف ساعة جلس الساعات الطويلة يحفظ ويقرأ ويردد ويكتب على الشيخ.

الواحد منا الآن إذا حفظ ساعة أو ساعتين لعب باقي الساعات، وهم يلعبون ساعة ويحفظون باقي الساعات، ولهذا وفقهم الله عز وجل وحفظ أوقاتهم.

ابن تيمية وطلبه للعلم

شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، هذا الشيخ كان صغيراً، وكان يحمل ألواحاً كبيرة، تخيل كيف كان يمشي مسافات بعيدة على رجليه! ما عنده دفاتر ولا ألواح خشب يحملها من أجل أن يكتب عليها الدرس، في يوم من الأيام رآه شيخ سمع أن هذا الولد نابغة -أي: عقلية جبارة، تقول له الجملة مباشرة يحفظها، هل هذا موجود فينا؟ إذا عملت اختباراً يتبين من النابغة؟

أما شيخ الإسلام فهو نابغة من نوع ثاني- جاء إليه هذا الشيخ فقال له: أنت ابن تيمية؟ قال: نعم. أنا ابن تيمية وكان صبياً صغيراً، قال: أعطني اللوح؟ قال: تفضل، فكتب عليه ثلاثة عشر حديثاً، فقال له: اقرأ، فقرأ عليه، يقول: فأخذت اللوح منه، فقلت: أسمعه عليّ، فقرأ الثلاثة عشر حديثاً كلها قراءة واحدة، حفظ الثلاثة عشر حديثاً، الآن لو أقول لكم: رددوا حديثاً واحداً عشر مرات هل تحفظونه؟ هذا قرأ ثلاثة عشر حديثاً حفظها مرة واحدة بقراءة واحدة.

يمكن أن تقول: لا يمكن هذا.. أتعرف ما الفرق؟

نحن عقولنا امتلئت بقصص، وأشعار، وأفلام، ومسلسلات كرتونية، امتلئت بأسماء لاعبين.. بأسماء ممثلين وممثلات.. بأسماء موديلات السيارات.. بأنواع اللعب وبغيرها من الكلمات التافهة التي لو أتيت يوم القيامة قد لا تدخلك النار لكن لا تنفعك لدخول الجنة، لا تغني ولا تسمن من جوع.

إذاً: أخي الكريم! عرفت الفرق بيننا وبينهم؟ ماذا سمى الله عز وجل الذين ذهبوا؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا [الأحزاب:23] رجال! هؤلاء هم الرجال، ليست الرجولة في لعب الكرة، ولا في تمثيل بطولة مسلسل، وليست القضية أن أركب أفخم سيارة وأمشي بين الناس، ليست هذه هي الرجولة! إنما الرجولة في قول الله تعالى: رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [النور:23].

هل عاهدت ربك على حفظ القرآن، فهذا هو الصدق وهنا الرجولة.

بعض الشباب يقول: عاهدت ربي أن أصلي الخمس الصلوات في بيت الله، وأختم القرآن بعد تسع سنوات، هذا عهد بينك وبين الله، احضر مع الشباب الصالحين، المركز إذا كان عندهم مدرسون في المسجد أو الديوان فاحضر معهم في كل المجالس، هذا عهد بينك وبين الله.. من يوفي بهذا العهد؟ الرجل، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ [الأحزاب:23]. من الرجال من قد ذهبوا.. شيخ الإسلام أين هو؟ ذهب، وكلما قلنا: شيخ الإسلام نقول: رحمه الله، ندعو له، لكن إذا قلنا ذلك اللاعب الذي اعتزل قبل خمس سنوات، نقول رحمه الله؟ لا. بل أقصى ما يحصل عليه هذا اللاعب لو صار نجماً من النجوم، ويصفق له عشرون واحداً في المباراة وفي النادي، ثم يصير أكبر لاعب، ما هي جائزته؟ أعلى جائزة يحصل عليها أنهم يعطونه حذاءً ذهبياً! أسمعتم بهذه الجائزة؟ يعطى حذاءً ذهبياً -أي: يكرم بالحذاء- وإذا قلنا: حذاء في المجلس، ماذا نقول؟ نقول: أجلك الله، وكرمك الله.

إذاً: مستواه أن يحصل على حذاء، لأن جدارته وبطولته في جزمته.. في رجله -أجلكم الله- إذاً أيهما الرجلان؟

قبل أيام فتحت الرادو (المذياع) فإذا بي أسمع لشاب عمره أربع عشرة سنة في الخبر، في السعودية، يقرأ القرآن بأحسن ما يكون، وسأله الشيخ الذي يسمع له، قال: كم تحفظ؟ قال: أحفظ القرآن كاملاً، عمره أربع عشرة سنة، بل أزيدك من الشعر بيتاً، قبل أشهر أعطت المغرب جائزة لشاب ختم القرآن كله وكان عمره سبع سنوات، ختم القرآن كله: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37] لا تلهيه الملاعب ولا الشوارع، ولا ألعاب الأتاري والكمبيوتر، ولا النوم على الفرش، ولا صيد الحمام وتربيتها عن ذكر الله، يجعل ساعة للقرآن وساعة للعب.

النووي في صغره

هذا النووي صاحب كتاب رياض الصالحين، الذي يقرأ في المساجد، هذا الكتاب من أشهر الكتب لهذا الرجل، لما كان النووي شاباً صغيراً يأتون أصحابه إليه، ويقولون له: تعال نلعب! تعال نلهو! وهو يقول:لا أريد أن ألعب، فيجرونه فيبكي عليه رحمة الله، تعرف لِمَ؟ لأنه يحفظ القرآن ويقرأ الكتب، وهم يذهبون ليلعبون.

ليس اللعب بحرام، وليس لعب الكرة بحرام، ولكن أخي الكريم أنت -الآن- شاب في مقتبل حياتك، فرق بين شاب منذ الصغر إلى الكبر لا يعرف إلا الكرة، والسيارة والحمام، والمجلات والقصص، وبين شاب يلعب ساعة لكن إذا قلت له: اقرأ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ [الأنفال:1]، مباشرة يقرأ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] يقرأ بسرعة.

تقول له: اقرأ براءة، يقرأ عليك: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [التوبة:1] اقرأ يا فلان قَدْ سَمِعَ اللَّهُ [المجادلة:1] يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ [المجادلة:1] تأتي إلى فلان من الشباب، وقل له: اقرأ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ [النصر:1]؟ يقول لك: هل هذه في القرآن؟ تقول له: نعم. في القرآن اقرأ، فلا يستطيع يقرأ، بل اقرأ الفاتحة؟ يضيع بين آياتها، ما الفرق بين هذا وهذا؟ كلاهما يقرأ في الدنيا.. كلاهما سعيد في الدنيا، هذا يلعب وهذا يلعب، لكن هذا أوقات الفراغ أين قضاها؟

هذا شاب يقال له: سهل، من الشباب السابقين، لما أكمل من العمر ثلاث سنوات -أي: ما دخل الروضة- يقول: أول ما تكلم علموه كيف يذكر الله جل وعلا وعمره ثلاث سنوات.

لما أكمل من العمر خمس سنوات، أتعرف ماذا حصل؟ صام رمضان كله، واستمر في الصيام إلى أن مات، ولما وصل عمره إلى ست سنوات، ختم القرآن كله، هل منا من يبلغ من العمر ست سنوات؟ أظن أنكم قد تعديتم هذه المرحلة وتجاوزتموها منذ زمن بعيد، عمره ست سنوات ويختم القرآن كله، ولما أصبح عمره تسع سنوات سافر من بلده يطلب العلم.. يطلب الحديث.. يحضر الدروس وعمره قد لا يتجاوز التسع سنوات.

هذا الشافعي الذي ينتسب إليه مذهب الشافعية.. الإمام الجليل، حفظ القرآن وعمره سبع سنوات، من منا الآن ختم القرآن وعمره خمسة عشر سنة؟

لا تجد أحداً! أفضل واحد فينا ختم ثلاثة، أو أربعة أجزاء، أما من ختم عشرة أجزاء فهذا ما شاء الله فهو أفضلنا، وإذا سمعت له تجد أنه لا تفوت عليه صفحه أو صفحتين إلا ويخطئ، ما السبب وما الفرق بيننا وبينهم؟ ما الذي يجري؟ عقول مثل العقول، وأجسام مثل الأجسام، ولحم ودم وشحم.. الأجساد واحدة.. ما الفرق؟

الفرق أنهم كانوا منذ الصغر الواحد منهم إذا لعب نصف ساعة جلس الساعات الطويلة يحفظ ويقرأ ويردد ويكتب على الشيخ.

الواحد منا الآن إذا حفظ ساعة أو ساعتين لعب باقي الساعات، وهم يلعبون ساعة ويحفظون باقي الساعات، ولهذا وفقهم الله عز وجل وحفظ أوقاتهم.

شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله، هذا الشيخ كان صغيراً، وكان يحمل ألواحاً كبيرة، تخيل كيف كان يمشي مسافات بعيدة على رجليه! ما عنده دفاتر ولا ألواح خشب يحملها من أجل أن يكتب عليها الدرس، في يوم من الأيام رآه شيخ سمع أن هذا الولد نابغة -أي: عقلية جبارة، تقول له الجملة مباشرة يحفظها، هل هذا موجود فينا؟ إذا عملت اختباراً يتبين من النابغة؟

أما شيخ الإسلام فهو نابغة من نوع ثاني- جاء إليه هذا الشيخ فقال له: أنت ابن تيمية؟ قال: نعم. أنا ابن تيمية وكان صبياً صغيراً، قال: أعطني اللوح؟ قال: تفضل، فكتب عليه ثلاثة عشر حديثاً، فقال له: اقرأ، فقرأ عليه، يقول: فأخذت اللوح منه، فقلت: أسمعه عليّ، فقرأ الثلاثة عشر حديثاً كلها قراءة واحدة، حفظ الثلاثة عشر حديثاً، الآن لو أقول لكم: رددوا حديثاً واحداً عشر مرات هل تحفظونه؟ هذا قرأ ثلاثة عشر حديثاً حفظها مرة واحدة بقراءة واحدة.

يمكن أن تقول: لا يمكن هذا.. أتعرف ما الفرق؟

نحن عقولنا امتلئت بقصص، وأشعار، وأفلام، ومسلسلات كرتونية، امتلئت بأسماء لاعبين.. بأسماء ممثلين وممثلات.. بأسماء موديلات السيارات.. بأنواع اللعب وبغيرها من الكلمات التافهة التي لو أتيت يوم القيامة قد لا تدخلك النار لكن لا تنفعك لدخول الجنة، لا تغني ولا تسمن من جوع.

إذاً: أخي الكريم! عرفت الفرق بيننا وبينهم؟ ماذا سمى الله عز وجل الذين ذهبوا؟ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا [الأحزاب:23] رجال! هؤلاء هم الرجال، ليست الرجولة في لعب الكرة، ولا في تمثيل بطولة مسلسل، وليست القضية أن أركب أفخم سيارة وأمشي بين الناس، ليست هذه هي الرجولة! إنما الرجولة في قول الله تعالى: رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [النور:23].

هل عاهدت ربك على حفظ القرآن، فهذا هو الصدق وهنا الرجولة.

بعض الشباب يقول: عاهدت ربي أن أصلي الخمس الصلوات في بيت الله، وأختم القرآن بعد تسع سنوات، هذا عهد بينك وبين الله، احضر مع الشباب الصالحين، المركز إذا كان عندهم مدرسون في المسجد أو الديوان فاحضر معهم في كل المجالس، هذا عهد بينك وبين الله.. من يوفي بهذا العهد؟ الرجل، مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ [الأحزاب:23]. من الرجال من قد ذهبوا.. شيخ الإسلام أين هو؟ ذهب، وكلما قلنا: شيخ الإسلام نقول: رحمه الله، ندعو له، لكن إذا قلنا ذلك اللاعب الذي اعتزل قبل خمس سنوات، نقول رحمه الله؟ لا. بل أقصى ما يحصل عليه هذا اللاعب لو صار نجماً من النجوم، ويصفق له عشرون واحداً في المباراة وفي النادي، ثم يصير أكبر لاعب، ما هي جائزته؟ أعلى جائزة يحصل عليها أنهم يعطونه حذاءً ذهبياً! أسمعتم بهذه الجائزة؟ يعطى حذاءً ذهبياً -أي: يكرم بالحذاء- وإذا قلنا: حذاء في المجلس، ماذا نقول؟ نقول: أجلك الله، وكرمك الله.

إذاً: مستواه أن يحصل على حذاء، لأن جدارته وبطولته في جزمته.. في رجله -أجلكم الله- إذاً أيهما الرجلان؟

قبل أيام فتحت الرادو (المذياع) فإذا بي أسمع لشاب عمره أربع عشرة سنة في الخبر، في السعودية، يقرأ القرآن بأحسن ما يكون، وسأله الشيخ الذي يسمع له، قال: كم تحفظ؟ قال: أحفظ القرآن كاملاً، عمره أربع عشرة سنة، بل أزيدك من الشعر بيتاً، قبل أشهر أعطت المغرب جائزة لشاب ختم القرآن كله وكان عمره سبع سنوات، ختم القرآن كله: رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ [النور:37] لا تلهيه الملاعب ولا الشوارع، ولا ألعاب الأتاري والكمبيوتر، ولا النوم على الفرش، ولا صيد الحمام وتربيتها عن ذكر الله، يجعل ساعة للقرآن وساعة للعب.

هذا النووي صاحب كتاب رياض الصالحين، الذي يقرأ في المساجد، هذا الكتاب من أشهر الكتب لهذا الرجل، لما كان النووي شاباً صغيراً يأتون أصحابه إليه، ويقولون له: تعال نلعب! تعال نلهو! وهو يقول:لا أريد أن ألعب، فيجرونه فيبكي عليه رحمة الله، تعرف لِمَ؟ لأنه يحفظ القرآن ويقرأ الكتب، وهم يذهبون ليلعبون.

ليس اللعب بحرام، وليس لعب الكرة بحرام، ولكن أخي الكريم أنت -الآن- شاب في مقتبل حياتك، فرق بين شاب منذ الصغر إلى الكبر لا يعرف إلا الكرة، والسيارة والحمام، والمجلات والقصص، وبين شاب يلعب ساعة لكن إذا قلت له: اقرأ يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ [الأنفال:1]، مباشرة يقرأ: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ [الأنفال:1] يقرأ بسرعة.

تقول له: اقرأ براءة، يقرأ عليك: بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [التوبة:1] اقرأ يا فلان قَدْ سَمِعَ اللَّهُ [المجادلة:1] يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ [المجادلة:1] تأتي إلى فلان من الشباب، وقل له: اقرأ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ [النصر:1]؟ يقول لك: هل هذه في القرآن؟ تقول له: نعم. في القرآن اقرأ، فلا يستطيع يقرأ، بل اقرأ الفاتحة؟ يضيع بين آياتها، ما الفرق بين هذا وهذا؟ كلاهما يقرأ في الدنيا.. كلاهما سعيد في الدنيا، هذا يلعب وهذا يلعب، لكن هذا أوقات الفراغ أين قضاها؟

أخي الكريم.. أخي الشاب! لعلك لا تعرفني، ولم تسمعني من قبل، لكن لعلنا نلتقي يوم القيامة في الجنة، تعرف ما صفاتها؟ وماذا داخلها؟

أخي الكريم! ألا تتمنى أن تدخل الجنة؟ الجنة ليس فيها شمس لكن تقول: كيف يرون؟ من أين تأتي الأضواء وليس هناك كهرباء، فمن أين يأتي النور؟

من منكم يجيبني.. لا توجد شمس ولا كهرباء في الجنة، فمن أين يأتي النور؟ الوجوه نيرة! نعم. لكن هناك نور.. كيف؟ الجنة فيها سقف، وجميع الجنان فيها سقف، الآن سقف الدنيا السماء: وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً [الأنبياء:32].

أما في الجنة فهناك سقف هو عرش الرحمن: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] أتعرف ماذا يخرج من السقف؟ أنوار وأضواء تضيء على أهل الجنة.

أهل الجنة هل ينامون؟ ليس هناك نوم.. هل يتغوطون ويتبولون؟ يأكلون الطعام فكيف يخرج هذا الطعام من أجسامهم؟ يخرج منهم عرق، وهل العرق مثل الدنيا رائحته نتنة؟

لا. عرق الجنة مسك، كل ما أكلته يخرج منك بصورة عرق والعرق مسك.

أي: لا تحتاج إلى أن تتطيب في الجنة، كل كلما تحب، يخرج العرق مسكاً، ألا تتمنى أن تدخل هذه الجنة؟ تخيل نهراً يجري من لبن.. نهراً من عسل.. هل رأيت العسل عندما يسكب؟ شكله جميل عندما ينزل، تخيل نهراً كاملاً يجري من عسل! أخي الكريم! تخيل خمراً لكن ليس كخمر الدنيا، تشرب فيما يذهب العقل، خمر لذة للشاربين، أنهار تجري من تحت بدنه، أمر عجيب حصل له!

أخي الكريم! في الجنة وأنت جالس على الأريكة -على الفراش- تشتهي الرمان والفاكهة.. هل تقوم من الفراش لتقطفها؟ لا.

إنما وأنت جالس تشتهي الفاكهة تنزل لك على الفراش، تقطفها وتأكلها.. تشتهي الماء.. تشتهي الشراب، تقوم من الفراش؟ لا. يمر عليك الغلمان المخلدون بالكئوس، اشرب كما تشتهي، يمكن أن تقول: أريد أن أجلس مع أصحابي ألعب! تعلب في الجنان، فيها أشجار كل شجرة ساقها ليس من خشب إنما من ذهب تمشي تحت الظل، وبعض الأشجار تمشي مائة سنة لا تقطع الظل.

قد يقول قائل: هل نجلس مع بعض ونعلب؟ نعم. نجلس ونلهو ونأكل لا يوجد أحد يقول: وراءك دراسة.. وراءك عمل.. وراءك نوم.. وراءك شغل! لا. العب كما تشتهي.

هل هناك صلاة في الجنة؟ لا صلاة، ولا حفظ قرآن، ولا دروس، ولا يأتيك الشيخ فيقول لك: تعال عندنا مركز وتعال وقت الحر، لا يوجد كل هذا، تجلس وتعلب كما تشتهي، وتلهو كما تريد، وتأكل ما تشتهي، مع من؟ هذا هو السؤال المهم! نجلس مع من في الجنة؟ وكيف ندخلها؟ وكيف نحصل على هذه الجنة التي نلعب فيها كما نشتهي؟ اسمع ماذا يقول الله عز وجل مع من تدخلها؟ وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ [الزمر:73].

عبد الله! تعرف الزمرة التي تدخل معك الجنة؟ الذي كان يقرأ معك القرآن في الدنيا ويصلي معك.. الذي كنت تجلس معه، فإذا تكلمت بحرام قال لك: لا يجوز يا فلان، لا تغتاب الناس، إذا سببت وشتمت، قال لك: يا فلان! حرام، لا يجوز، اتق الله! تسأل عن هذه الكلمة يوم القيامة، الذي كان يدق عليك الباب يقول لك: يا فلان! تعال نصلي في المسجد، هذا الذي تدخل معه الجنة.

هناك صنف آخر من الناس، تركوا صحبة الصالحين في الدنيا، كان يقول في الدنيا: لماذا أتعب نفسي؟ ولماذا أتضايق وأجلس في المسجد وأقرأ القرآن، وأحفظ، وأحضر الدروس؟ لماذا هذا التعب كله؟ أتمتع بالدنيا حتى إذا كبرت أتوب وأصلي وأدخل الجنة؟

أتعرف هذا الصنف من الناس أين سوف يكون مصيره؟ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً [الزمر:71].

يأتي يوم القيامة إلى المحشر.. أتعرف كم طول المحشر الذي يقف الناس؟ خمسين ألف سنة، الآن كم عشت الآن؟ أربع عشرة سنة، خمس عشرة سنة، بل قد مل بعض الناس من الدنيا، يقف الواحد خمسين ألف سنة على رجله لا يجلس، بعض الناس يعرق حتى يصل العرق إلى فمه ويلجمه إلجاماً.

أخي الكريم! بعدها يجمع مع أصحاب الدنيا.. أهل اللعب.. أهل الطرب.. أهل الأغاني.. أهل المسلسلات والأفلام.. أهل متابعة النساء، أهل الدخان، هؤلاء كانوا أصحابه في الدنيا، يجمعون يوم القيامة.. هؤلاء الصنف فريق، وهؤلاء فريق، فريق يذهبون إلى الجنة، فانظر إلى صاحبك الذي كان معك يحفظ القرآن وتركته، الذي كان يضرب عليك الباب، يقول: تعال إلى المسجد فلا تسمع له، تنظر إليه يمشي مع أصحابه إلى الجنة، أما أنت يا مسكين فتجتمع مع أصحاب اللعب والطرب والأغاني.. إلى أين؟ إلى جهنم، فهل تعرف ما صفاتها؟

النار تتطاير بشرر.. ترى النار عندما نشعلها يخرج منها شرر لا يؤثر عليك، أتعرف شرار النار كيف حجمه؟ إنه بحجم القصر، أرأيت القصر.. البيت الكبير، هذا هو شرار النار، فكيف بالنار؟!

النار مظلمة، ليس فيها نور، فأول ما يدخل هذا المسكين الشاب جنهم يرى فيها أصحابه من أهل الدنيا، الذين كانوا ينادونه للعب وللهو يقولون: لا. نم. يقول لهم: صلاة، يقولون: ما زلت صغيراً والعمر طويل، والعبادة باقية... إلخ.

قرناء السوء في السعير يتلاعنون

أهل أشرطة الأغاني.. أهل المسلسلات والأفلام.. أهل الدخان.. أهل الكلام في النساء.. أهل المجلات الخليعة، أتعرف هؤلاء ماذا يفعلون في النار؟

أول ما يدخل يلعن صاحبه: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38] يسبهم ويشتمهم، ثم بعد ذلك يقول: لا مرحباً بكم، يردون عليهم: بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا [ص:60] أنت الذي دللتني على هذا المكان.

اسمع إلى هذه القصة! أصحاب النار كانوا في الدنيا أصحاباً فاجتمعوا في النار، قال الله جل وعلا: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38] يجتمعون في النار وكل يقابل صاحبه، الذي كان يمنع على أصحاب المسجد، وعلى أصحاب الدين وأصحاب الخير: حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا [الأعراف:38] ينادون الله، هذا الذي ضحك عليّ في الدنيا، هذا الذي كان يخدعني في الدنيا.. يا رب! هذا، ماذا تريد يا فلان؟ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ [الأعراف:38].

يقول: يا رب! هذا هو الذي ضحك عليّ في الدنيا، هذا الذي خدعني في الدنيا، هذا الذي أعطاني الشريط، هذا الذي قال: اجلس معنا، هذا الذي منعني عن المسجد وعن حلق الذكر.. ماذا تريد يا فلان؟ فيقول: فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ [الأعراف:38] ضاعف له النار، فهو الذي كان السبب، وهو الذي ضيعني فزده عذاباً في النار، فيرد الله عليه فيقول: قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:38] نضاعف لهم أيضاً وأنت نضاعف لك النار.

ما هو السبب؟

لقد كنت مع أهل الصلاح والدين، تحفظ معهم قرآن وتعلب، تحضر معهم المسجد وتلهو، تسمع المسابقات وتحضر حلق العلم والذكر لكنك ما رضيت تركتهم! نضاعف لك العذاب في النار.