ولمن خاف مقام ربه جنتان


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين ، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

وبعد:

عبد الله! وأنت تجلس في هذا المسجد تخيل أنك قد دخلت الجنة، لأن هذه المجالس هي روضة من رياض الجنة، فلعل الله يجمعنا في مستقر رحمته، في روضة من رياض الجنة. فاسمع -عبد الله- وتخيل، لعل الرجاء يولِّد العمل، ولعل بعد العمل يكون الصبر عليه، ثم الجزاء الجنة.

يأتي العبد الصالح التائب إلى الله، إما أن يدخله الجنة بغير حساب، وإما أن يعرض عليه الأعمال عرضاً، ثم يقول له يذكره بالذنوب: عبدي! أتذكر ذنب كذا؟ أتذكر ذنب كذا؟ وقد تاب منها، ثم يقول الله له: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم. فيعطى كتابه باليمين فلا يصدق نفسه، فيقدم على الناس يقول: هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ [الحاقة:19-20] كنت في الدنيا أسجد وأركع وأصلي طلباً للنجاة من ذلك اليوم: إِنِّي ظَنَنْتُ [الحاقة:19] يعني: علمت أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَةْ [الحاقة:19] ثم يساقون إلى الجنة.

ولنبدأ تلك الرحلة وذلك المشهد.

عبد الله! تخيل واستشعر أنك في تلك الزمرة!

سَوق المتقين إلى الجنة ودخولهم

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا [الزمر:73] أتعرف أن الجنة تتلألأ من بعيد؟ يخرج منها ريح على مسيرة أربعين سنة، يشمون رائحتها، بل هي تقترب إليهم: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء:90] فيجتمعون عند أبوابها الثمانية وقد أغلقت، ينتظرون سيدهم يخرج من بينهم عليه الصلاة والسلام، فيأتي إلى بابها، فيأخذ حلقة من حلقاتها فيطرق الباب، فيسمعه الخادم فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول الملك والناس يتلهفون، انتظاراً وشوقاً، يقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك، فيفتح بابها، فإنها والله نور يتلألأ، وريحانة تهتز، يرى المؤمنون فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قد دخل، وإذا الأنبياء يدخلون، وإذا أول هذه الأمة دخولاً أبو بكر رضي الله عنه، وإذا أول زمرة على صورة القمر يدخلون.

أتعرف أن منهم سبعين ألفاً يدخلون الجنة؛ كل واحد قابض على يد أخيه لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم؟ عبد الله! مصراعي باب الجنة مسيرة أربعين سنة، وإنه ليأتي عليه يوم وإنه لكظيظ -مزدحم- بالناس، أسأل الله تعالى في هذا المكان أن نكون ممن يزدحم في ذلك اليوم في الدخول عليه.

استقبال الملائكة وتسليمها على المؤمنين

إذا دخلت عبد الله أتعلم ماذا ترى؟

تستقبل المؤمنين الملائكة تسلم عليهم عند أبوابها، يدخل معك أولادك إن كانوا صالحين، وزوجتك إن كانت صالحة، ويدخل معك الأب والأم إن كانوا صالحين، وأصحابك في الدنيا إن كانوا صالحين: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [الرعد:23] يدخلون معك.

وتخيل -عبد الله- نفسك تدخل وأبناؤك حولك، وزوجاتك وآباؤك كلهم على سن واحدة أبناء ثلاث وثلاثين سنة، جُرْداً مُرْداً، مكحلين، يدخلون على صورة القمر ليلة البدر، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، أول ما يدخلها المرء تستقبله الملائكة تقول له: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24].

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا [الزمر:73] أتعرف أن الجنة تتلألأ من بعيد؟ يخرج منها ريح على مسيرة أربعين سنة، يشمون رائحتها، بل هي تقترب إليهم: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ [الشعراء:90] فيجتمعون عند أبوابها الثمانية وقد أغلقت، ينتظرون سيدهم يخرج من بينهم عليه الصلاة والسلام، فيأتي إلى بابها، فيأخذ حلقة من حلقاتها فيطرق الباب، فيسمعه الخادم فيقول: من أنت؟ فيقول: أنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول الملك والناس يتلهفون، انتظاراً وشوقاً، يقول: بك أمرت لا أفتح لأحد قبلك، فيفتح بابها، فإنها والله نور يتلألأ، وريحانة تهتز، يرى المؤمنون فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم قد دخل، وإذا الأنبياء يدخلون، وإذا أول هذه الأمة دخولاً أبو بكر رضي الله عنه، وإذا أول زمرة على صورة القمر يدخلون.

أتعرف أن منهم سبعين ألفاً يدخلون الجنة؛ كل واحد قابض على يد أخيه لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم؟ عبد الله! مصراعي باب الجنة مسيرة أربعين سنة، وإنه ليأتي عليه يوم وإنه لكظيظ -مزدحم- بالناس، أسأل الله تعالى في هذا المكان أن نكون ممن يزدحم في ذلك اليوم في الدخول عليه.

إذا دخلت عبد الله أتعلم ماذا ترى؟

تستقبل المؤمنين الملائكة تسلم عليهم عند أبوابها، يدخل معك أولادك إن كانوا صالحين، وزوجتك إن كانت صالحة، ويدخل معك الأب والأم إن كانوا صالحين، وأصحابك في الدنيا إن كانوا صالحين: جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [الرعد:23] يدخلون معك.

وتخيل -عبد الله- نفسك تدخل وأبناؤك حولك، وزوجاتك وآباؤك كلهم على سن واحدة أبناء ثلاث وثلاثين سنة، جُرْداً مُرْداً، مكحلين، يدخلون على صورة القمر ليلة البدر، لا يبولون، ولا يتغوطون، ولا يتفلون، أول ما يدخلها المرء تستقبله الملائكة تقول له: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24].

أول ما يدخلها فإذا الأرض بيضاء: أتعرف ما هي؟

زعفران ولؤلؤ وياقوت، يطؤها برجله، إذا دخل يعرف مسكنه أكثر مما كان يعرف مسكنه في الدنيا، أول ما يدخل الجنة يرى عجباً، اسمع وتخيل واستشعر أنك قد دخلتها!

قصور الجنة وقبابها

يرى القصور لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، وأخرى من فضة، وأخرى من ذهب، وبينهما المسك، يدخلونها يعرفون بيوتهم أكثر مما كانوا يعرفونها في الدنيا: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [الزمر:20] غرفهم يُرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، يَرى في الجنة فإذا قباب اللؤلؤ قد انتثرت له خيمة طولها ستون ميلاً، تخيل أنك فيها.. الله أكبر! أي جمال هذا؟! وأي روعة تلك؟!

أنهار الجنة

عبد الله! يقول الله عز وجل عن صفة أنهارها -هذا ماء مسكوب، والأنهار تجري، وليس في الجنة أخاديد: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً [محمد:15] وتخيل! كيف يجري العسل أم كيف يجري النهر من الخمر واللبن!

عبد الله! تصور كيف تتفجر العيون، ويخرج منها الماء المسكوب فيأتون يشربون، بل تجد منه شربة لا تظمأ بعدها أبداً.

أرض الجنة وسقفها

عبد الله! إن في الجنة أرضاً مرمرة بيضاء من فضة؛ كأنها مرآة يمشي عليها أهل الجنة، عليها الأشجار، ما في الجنة شجرة إلا وساقها ذهب.

أتعرف ما فوقها؟ إنه عرش الرحمن: لا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً [الإنسان:13] لعلك تسأل: كيف يرون أم كيف ينظرون وما في الجنة شمس؟

النور يأتيهم من عرش الرحمن، فتمتلئ الجنة نوراً وتخيل ذلك المنظر وقت شروق الشمس ولم تطلع، والدنيا قد أسفرت، فالجنة أفضل من هذا: وَلا زَمْهَرِيراً [الإنسان:13] فلا يلدغهم البرد.

أشجار الجنة وثمارها

عبد الله! ليس في الجنة شجرة إلا وساقها من ذهب، بل إن في الجنة شجرة يسير الراكب على الجواد المضمَّر في ظلها مائة عام لا يقطع ظلها، فما شكلها؟

أما منظرها: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ [الواقعة:27]* فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ [الواقعة:28] نعم. في الجنة سدر، ونعرف أن في السدر شوكاً فكيف يُدخله الله الجنة؟ كل شوك قد خضد أي: طُمِس، وجُعِل مكانه ثمرة يخرج منها طعام يزيد على اثنين وسبعين لوناً، كل لون يختلف عن الآخر، ألين من الزبد وأحلى من العسل، مكان كل شوكة! فما بالك بالثمرة التي في الجنة أصلاً: وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ * وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة:27-30] وتخيل مائة سنة يمشون تحت الظل لا يقطعونه، فتأتي الريح على الأشجار فتهتز ذوائب الأغصان التي في الأشجار، فإذا اهتزت في الجنة تصدر صوتاً لم يسمعه بشر قط، ليس هناك أحلى من هذا الصوت صوت وأي صوت! أحلى من المعازف والموسيقى، وأحلى من أصوات الدنيا كلها، ينتشر الصوت في الجنة كلها، تخيل ذلك المنظر، وتخيل -عبد الله- ذلك الموقف.

طعام أهل الجنة وشرابهم

عبد الله! في الجنة طعام وشراب فماذا يأكلون؟ أم ماذا يشربون؟

اسمع عبد الله وتخيَّل!

وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ [الواقعة:20] وهو جالس على الفراش يشتهي التفاح ليس كتفاح الدنيا، يشتهي الرمان، يشتهي أي ثمر على شجر الجنة، يأتيه الثمر وهو جالس: وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلالُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً [الإنسان:14] .

إذا أراد أن يشرب يطوف عليه الولدان المخلدون: بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [الواقعة:18] من خمر قد امتلأت الكئوس، ثم ماذا تشتهي؟

وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنْجَبِيلاً * عَيْناً فِيهَا تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً [الإنسان:17-18].

ماذا تشتـهي من الشراب؟ من الطعام؟ من الفاكهة؟

وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:21].

ليس هناك أنعم منها ولا ألذ منها: مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [الزخرف:71].

لباس أهل الجنة

عبد الله! هذا طعامهم، فماذا يلبسون؟

أهل الجنة يلبسون الحرير وأساور الذهب والفضة، لو أن سواراً من الجنة بدا لطمس نور الشمس، ولو أن مما يطل ظفر من الجنة بدا لتزخرفت منه السموات والأرض.

يلبسون الحرير قال الله عز وجل: يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ [الحج:23].

أما الحور العين: عليها سبعون حلة، يَرى مخَّ ساقها من وراء الحلل واللحم، ما أنعمها! وما أرقها! وما أجملها يا عبد الله! تلك هي الحور العين، ويلبس الرجال الحرير، حرموا أنفسهم في الدنيا من الحرير والذهب فجازاهم الله حريراً وذهباً في الجنة.

سوق أهل الجنة وسررهم

يتجمعون كل جمعة في سوقها، وهل في الجنة سوق؟ نعم، يجلسون على كثبان من اللؤلؤ في كل جمعة، فتهب عليهم الريح، فتحثو المسك في وجوههم وعلى ثيابهم ويرجعون إلى أهليهم فيقولون لهم: لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً فيقولون: وأنتم والله لقد ازددتم بعدنا حسناً وجمالاً، فيجلسون على السرر، أتعرف صفتها؟ بارتفاع السماء عن الأرض: فِيهَا سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ * وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ * وَنَمَارِقُ مَصْفُوفَةٌ [الغاشية:13-15] وسائد قد صُفِّفت: وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ [الغاشية:16] البُخْتُ والوسائد قد وزعت في بيته وفي قصره وفي خيمته.

وصف الحور العين في الجنة

إن في الجنة لحوراً؛ اسمع إلى صفاتهن، وتعجب منهن يا عبدَ الله! وما سوف أذكره لك في هذه الجلسة جزء قليل مما ذكره الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

إن في الجنة لحورية ينظر الرجل في وجهها، فيرى وجهه فيها، حور عليها لؤلؤ اللؤلؤة الواحدة خير من الدنيا وما فيها، حور يا عبد الله، لو اطلعت إحداها على الأرض لأضاءت ما بين السماء والأرض ولملأته ريحاً، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، يسلم عليها، فيقول لها: من أنت؟ فتقول: أنا من المزيد الذي أخبر الله عنه، ثم ينظر إليها فإذا عليها التيجان اللؤلؤة فيها تضيء ما بين المشرق والمغرب.

قال تعالى: وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الواقعة:21-24] ينظر إليها، ومن شدة إعجابه بها يعانقها أربعين سنة، لا يملها ولا تمله، ينظر إليها، أتعرف صفتها؟ مَن الذي أنشأها؟

إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً [الواقعة:35] أنشأهن الله: فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً [الواقعة:36] -لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ [الرحمن:56]- عُرُباً أَتْرَاباً [الواقعة:37] متحببات إلى أزواجهن، وفي الآية الأخرى: كَوَاعِبَ أَتْرَاباً [النبأ:33] قد برزت ثُدُيُّهُنَّ، وجَمُلت وجوههن، واللهُ قد سماهن (خيرات حسان) كأنهن اللؤلؤ والياقوت.

عبد الله! تلك هي الحور العين يغنين بأغنيات: نحن الخيرات فلا نبأس، فتأتي تلك المرأة التي قد حسن جمالها على تلك الحور العين فيسألها الرجل: ومن أنت؟ فتقول: أنا من نساء أهل الدنيا، أنا من الصائمات القائمات، ثم ترد تلك الصائمة التي هي من أهل الدنيا وهي أجمل من الحور العين، ترد على الحور العين فتقول لهن: نحن المصليات وما صليتن، نحن الصائمات وما صمتن، نحن المتصدقات وما تصدقتن، نحن الذاكرات وما ذكرتن، فتقول عائشة رضي الله عنها (فغَلَبْنَهُنَّ) نعم والله، فإن نساء أهل الدنيا إن دخلن في الجنة أجمل من الحور العين، يعطى الرجل قوة مائة رجل، يجامع ما شاء، ويتلذذ بما شاء، بل له في الخيمة أهل إن أتى إلى واحدة ما تراه الأخرى، وإن أتى إلى الأخرى ما تراه الثالثة، يجامع في الليلة مائة مرة لا يتعب، يتلذذ معها، ما بالك بمن عانقها! ما بالك بمن جلس معها!

أدنى أهل الجنة منزلة

يا عبد الله! لا تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير!

أتعلم ما هو جزاء أدنى أهل الجنة منـزلة؟

جزاؤه: يدخل الجنة وله مثل ملك الدنيا عشر مرات، فيقول: (أتهزأ بي وأنت رب العالمين؟ فيقول الله له: لك مثله وعشرة أمثاله في الجنة) ذلك أدنى أهل الجنة منزلة، يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم، بيد كل واحد صفحتان، إحداهما من ذهب، والأخرى من فضة، ما بالك بأعلى أهل الجنة منزلة؟ (أولئك الذين أردت، فلم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على قلب بشر).

عبد الله! فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17].

يجتمع أهل الجنة في الجنة أتعرف أين يجتمعون؟

أم على ماذا يجلسون؟

أم من الذي يخدمهم؟

أما ماذا يشربون ويأكلون؟

أم فيم يتحدثون؟

لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً * إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً [الواقعة:25-26].

عبد الله! هل لك أن تتصورها! هل لك أن تشمر إليها! هل لك أن تترك تلك المعاصي والذنوب! فإن الحياة قصيرة.

دقات قلب المرء قائلة له     إن الحياة دقائق وثواني

ما لك يا عبد الله تسمع الأذان فتولي هارباً؟! وترجع نائماً؟! تقرأ القرآن فما أراك تقبل عليه؟! وتذكر الله ولا تخشع؟! وتسمع آيات الله تتلى وأنت معرض عنها؟!

عبد الله! أما سمعت إلى الجزاء؟!

يرى القصور لبنة من فضة، ولبنة من ذهب، وأخرى من فضة، وأخرى من ذهب، وبينهما المسك، يدخلونها يعرفون بيوتهم أكثر مما كانوا يعرفونها في الدنيا: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ [الزمر:20] غرفهم يُرى باطنها من ظاهرها وظاهرها من باطنها، يَرى في الجنة فإذا قباب اللؤلؤ قد انتثرت له خيمة طولها ستون ميلاً، تخيل أنك فيها.. الله أكبر! أي جمال هذا؟! وأي روعة تلك؟!