خطب ومحاضرات
تلخيص مناسك الحج
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ونشرع في تلخيص المناسك -مناسك الحج والعمرة- ونحيل التفاصيل في الفروع الفقهية إلى درس السبت والخميس إن شاء الله.
فالمقصود اليوم تبسيط المناسك بصورة عملية بحيث تسعف من يتعجل للسفر في هذه الأيام.
وأول ما ينبغي الكلام فيه: آداب السفر إلى هذه الفريضة.
آداب التهيؤ للسفر
فأول آداب السفر: أن يشاور الإنسان من يثق بدينه وعلمه وتقواه في أمر سفره، وأيضاً: أن يستخير الله تبارك وتعالى في هذا السفر، وذلك إذا لم يكن السفر فريضة.
من آدابه أيضاً: أن يعزم على التوبة والرجوع عن جميع المعاصي والمخالفات وأن يرد المظالم إلى أصحابها، فإن كان غصب مالاً أو اغتاب رجلاً، أو أخذ أي نوع من المظالم من صاحبها فعليه أن يرد هذه المظالم.
ثم أيضاً: يقضي من ديونه ما أمكنه أو يستأذن صاحب الدين عليه.
أيضاً من هذه الآداب: أن يرد الودائع إن كان عنده ودائع يحفظها للناس فيردها إلى أصحابها، حتى إذا قبض أو مات في سفره لم يطالب بها أمام الله.
أيضاً: يطلب المسامحة خصوصاً ممن كان يكثر مصاحبته ومعاملته من زوجة ووالدين وكذا.
أيضاً: يكتب وصيته إن كان له مال يوصي به ويشهد عليها، بشرط أن لا تزيد على الثلث، وأن يؤديها إلى أقاربه الذين لا يرثون، أو إلى جهة من جهات الخير.
يوكل من يقضي عنه من ديونه ما لم يتمكن من وفائه.
أيضاً: يترك لأهله نفقتهم إلى حين عودته، وأن يجتهد في إرضاء والديه، وتجتهد المرأة إذا سافرت في إرضاء زوجها والتوثق من مسامحته.
من ذلك أيضاً: الاستكثار من الزاد والنفقة بنية مواساة المحتاجين ممن يصحبونه أو يلقاهم في سفره.
منها: ترك المماحكة والمشاجرة والخلاف، وعدم المسامحة في البيع والشراء.
أيضاً من هذه الآداب: أن يختار الصحبة الصالحة كما قال بعض الناس: الرفيق قبل الطريق، فينبغي أن يختار ويتحرى في الصحبة التي تصحبه في الحج، فيختار الرفيق الموافق الذي يؤثر على نفسه ويحرص على راحة من يرافقه، ويا حبذا لو كان من أهل العلم أو ممن عنده علم بحيث يذكره إذا نسي ويعينه إذا ذكر.
من ذلك أيضاً: أن يؤمر القوم عليهم أميراً للسفر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم).
ومنها: أن يحصل وسيلة مواصلات قوية ومريحة.
فقه الحج والعبادات وآداب الرفقة
ومن هذه الآداب: أن يتعلم فقه الحج، وعلى الأقل يتعلم ما يصح به حجه، وما يفسد الحج وكيف يتجنبه وهكذا، فيجب أن يتعلم من الفقه ما يصحح به عبادته ومناسكه، وأيضاً يتعلم من الفقه ما يحصل به النوافل، وما يزيد الحسنات ويضاعف الثواب في مثل هذه التجارة العظيمة وفي مثل هذه المواضع المشرفة، فإن عجز عن ذلك فإنه يستصحب كتاباً شاملاً لمناسك الحج بحيث يدمن ويداوم على مطالعته أثناء سفره ما بين الوقت والآخر حتى يستوثق من أداء المناسك على وجهها، أو يصطحب عالماً يرجع إليه كلما احتاج.
من ذلك أيضاً: أن يجتهد في العبادة والذكر وأن يتفرغ لهما في هذه الرحلة.
من آداب السفر عموماً: أن يسافر يوم الخميس مبكراً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يسافر يوم الخميس، أما مبكراً فلقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها).
ويستحب المشي في السفر ليلاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بليل).
من آداب هذا السفر: التقشف والرق، فيتجنب الإنسان تحصيل الشهوات ولو كانت مباحة كالطعام الزائد والملابس الفخمة والاهتمام بالمظهر، بل ينبغي أن يكون متقشفاً ويتجنب الزينة والتبسط في الطعام والشراب وغير ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه رضي الله عنهم: (أتدرون من الحاج؟ الحاج الشعث التفل) الشعث الذي تفرق شعر رأسه، لأنه لا يهتم بمظهره ولا بهذه الأشياء، والتفل الذي لا يضع طيباً ولا بخوراً ولا مثل هذه الأمور.
أيضاً من آداب السفر: حسن الخلق مع الناس، لقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]
ومنها: تجنب المخاصمة والمخاشنة ومزاحمة الناس، بل ينبغي أن يكون الإنسان منضبطاً، ولا يكون سلوكه في حال إحرامه وفي حال انطلاقه في هذا السفر المبارك مثل سلوكه في دار الإقامة، لأنه صار في حالة تلبس بعبادة من أعظم العبادات ينبغي أن ينزهها عن جميع المخالفات؛ لقوله تبارك وتعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] كما سنبين إن شاء الله، فنهى الله تبارك وتعالى عن الرفث والفسوق والجدال.
والرفث هو النطق بالكلام الذي يتعلق بالجماع، وقيل: هو ذكر أحوال هذا الأمر ما بين الرجل وبين أهله ومواجهة النساء بذلك.
والفسوق هو جميع المعاصي من الخروج عن طاعة الله.
(( وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )) أي: لا مماراة ولا مخاصمات ومجادلات تفضي إلى قسوة القلوب وإلى التفرق والشتات، فينبغي على الإنسان أن يكون.
والتلبس بالمعاصي ينقص ثواب الحج جداً، ويكفي أن التلبس بالمعاصي يحرم الإنسان من الثواب العظيم على الأقل وهو الثواب الذي ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فإذا وقع في الرفث أو الفسوق أو أي شيء من المعاصي فإنه يقدح في استحقاقه لهذا الثواب العظيم، فينبغي لهذا الإنسان أن يكون متيقظاً حذراً من وقوع المخالفات.
بل من العلماء -وهو الإمام ابن حزم رحمه الله- من أبطل حج من رفث أو فسق في حجه، فينبغي الاحتياط الشديد في ذلك.
أذكار السفر وما يتعلق بذلك
من ذلك أيضاً: أن يحافظ على الأذكار؛ سواء الأذكار الموظفة أو الأذكار المطلقة، فإن هناك أذكاراً قيدت بوظيفة معينة ينبغي على الإنسان أن يحافظ عليها، فيستحب للمسافر عموماً أن يواظب على نفس الأذكار التي تستحب للمقيم في الليل والنهار واختلاف الأحوال كالأكل والشرب وعند النوم وعند الاستيقاظ، وعقب الصلاة، وغيرها من الأذكار الموظفة.
أما المسافر فيزيد أذكاراً أخرى منها: أنه يودع حينما يودع من يكونون في وداعه يقول لهم: (أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه) ، وفي بعض روايات الحديث: (أستودعكم الله الذي لا تخيب عنده الودائع) ففي الحديث: (إن الله عز وجل إذا استودع شيئاً حفظه) فلا ينسى الإنسان أن يستودع الله أهله وبنيه وكل من يكونون في وداعه بهذا الدعاء كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول المقيم للمسافر: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك).
أستودع الله: أي أتركها وديعة عند الله، وهي ثلاثة أشياء: دينك وأمانتك وخواتيم عملك.
المقصود بالأمانة هنا أهله ومن يخلفه، وماله الذي يتركه عند أمينه، وذكر الدين هنا، فقال: (أستودع الله دينك) أي: أن يحفظ عليك دينك ويبقى عنده وديعة لا تضيع في السفر؛ لأن السفر مظنة المشقة، فربما كانت هذه المشقة سبباً لإهمال بعض أمور الدين والتفريط فيها، فلذلك خص هذا الأمر قبل كل شيء.
قوله: (وخواتيم) جمع خاتمة، وهي ما يختم به العمل، أي يكون آخره، ودعا له بذلك لأن الأعمال بخواتيمها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم) فلذلك اهتم بهذه الثلاث: دينك وأمانتك وخواتيم عملك.
وحينما يبعد الإنسان ولا يكون تحت رقابة القوم الذين يعرفونه ويعرفهم، ربما كان الشيطان عليه أقوى، فلذلك سمي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن حقيقة أخلاق الشخص وطباعه، فيحتاج إلى توفيق من الله وعصمة حتى لا يتردى مهاوي المخالفات.
أيضاً يقول المودع للمسافر بعد أن يقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك؛ يقول له أيضاً: زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيثما كنت، وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم وهو مسافر: (زودني، فقال: زودك الله التقوى. قال: زدني. قال: وغفر ذنبك. قال: زدني. قال: ويسر لك الخير حيثما كنت) ثم يقول المودع للمسافر: (عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف). الشرف: هو ما علا من الأرض، فهذه أيضاً كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم للمسافر.
وإذا كان سفر حج أو عمرة يقول له المقيم: (ادع الله لنا بخير) (ادع الله لنا بخير) فإذا ولى المسافر وانطلق دعا له المقيم قائلاً: اللهم اطو له البعد وهون عليه السفر؛ لأن السفر قطعة من العذاب كما قال صلى الله عليه وسلم.
فإذا أراد ركوب دابته، أي إذا المسافر أراد أن يركب المواصلات فوضع رجله في الركاب يقول: باسم الله. وإذا كانت سفينة قال: كما قال نوح عليه السلام: بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [هود:41] أي أن مجراها باسم الله ومرساها وهو منتهى سيرها كذلك.
وأيضاً يدعو كما دعا نوح عليه السلام لما ركب الفلك: رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ [المؤمنون:29].
فإذا استوى واستقر على ظهر ما يركبه يقول: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف:13] * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:14] (مقرنين) أي مطيقين أو مقتدرين عليه، فنحن ما كنا نطيق قهر هذه الدابة واستعمالها لولا تسخير الله تعالى إياها لنا.
الإنسان إذا ركب جملاً فقوة الجمل لا تخفى، وإذا غضب الجمل وطاش كانت شدته وصعوبته عظيمة، فمن الذي ذلل الجمل بحيث يقوده طفل صغير؟ إن الذي ذللـه هو الله تبارك وتعالى، فنحمد الله على هذه النعمة، خاصة إذا كانت هناك نعم أعظم وأعظم، كركوب الطائرات أو السيارات أو ما إلى ذلك من الوسائل الحديثة التي وفرت الراحة وهي من نعم الله تبارك وتعالى علينا، فنشكر الله على هذه النعمة وهذا التيسير!
فيقول: الحمد لله، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف:13] * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:14]، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
النبي صلى الله عليه وسلم لما علمهم هذا الدعاء ضحك بعدما قال: (سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فقال له أمير المؤمنين
ويقول أيضاً: (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا بنصحك واقلبنا بذمة، اللهم اذو لنا الأرض وهون علنيا السفر) الذمة: العهد، والذمام العهد والأمان، اللهم اقلبنا: أي: أرجعنا إلى أهلنا (بذمة) أي: بعهد وأمان وضمان منك أن نعود آمنين سالمين.
ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل)، وعثاء السفر شدته ومشقته وتعبه.
(وكآبة المنظر) الكآبة هي الحزن والتغير والانكسار من مشقة السفر، وما يحصل على المسافر من الاهتمام بأموره.
(وسوء المنقلب) سوء الانقلاب إلى أهله بعد السفر، وذلك بأن يرجع مهموماً أو منقوصاً ومهموماً بما يسوءه، فيتعوذ الإنسان من سوء المنقلب.
ويقول أيضاً: (اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال) الحور هو النقصان والرجوع، والكور أو الكون المقصود به الرجوع من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، أي: الرجوع من شيء إلى شيء من الشر، أو الرجوع من الاستقامة والزيادة إلى الاعوجاج والنقص، فهذا معنى الكون في قوله: (أعوذ بك من الحور بعد الكون)، ومن رواه بالراء (أعوذ بك من الحور بعد الكور) فالمقصود به هنا الزيادة، مأخوذ من تكوير العمامة، فكلما كورها زادت، والمقصود التعوذ من الانتقاص بعد الزيادة والاستكمال، ورواية الكون معناها مأخوذ من الاستقرار والثبات، فالمراد التعوذ من النقصان والتغيير بعد الثبات والاستقرار حتى لا يتحول قلبه وينقص في دينه.
وإذا علا الثنايا كبر وإذا هبط سبح: أي: إذا ارتفع فوق جبل يكبر وإذا هبط في الوديان يسبح، فأولى إذا ركب الطيارة أن يكثر من التسبيح، وإذا عثرت دابته، أو تعطلت السيارة أو شيء من هذا يقول: باسم الله.
وإذا نزل منزلاً قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه إذا قال ذلك لن يضره شيء، ولما كان لا يجوز وصف أي شيء من كلام الله بالنقصان تعوذ صلى الله عليه وسلم بكلمات الله التامة؛ لأنها ليس فيها نقصان ولا عيب كما يكون في كلام الآدميين، وقيل: معنى التامات أن ينتفع بها المتعوذ وتحفظه من الآفات.
وإذا أتى عليه السحر وهو الجزء الأخير من الليل قال: (سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا؛ عائذاً بالله من النار) كما كان صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
(سمع سامع): المقصود فليشهد الشاهد، أو ليسمع السامع وليشهد على حمد الله سبحانه وتعالى على نعمه وحسن بلائه.
وقيل معناه: انتشر ذلك وظهر وسمعه السامعون أن نعم الله علينا قد ذاعت وكثرت وترادفت بحيث علم بها الجميع، فسمعها السامعون وشهد الشاهدون.
(وحسن بلائه علينا): المقصود بالبلاء حسن بلاء النعمة، والبلاء الاختبار والامتحان، فالبلاء بالقول ليتبين به الشكر، والابتلاء بالشر ليظهر الصبر.
(ربنا صاحبنا): أي احفظنا؛ لأن من صحبه الله لم يضره شيء.
(عائذاً بالله من النار): تحتمل وجهين: أحدهما أن يريد أنا عائذ بالله من النار. أو يقول: أنا متعوذ بالله من النار.
فعلى المسافر أن يكثر من الدعاء، وهذا من أهم آداب السفر التي يقصر فيها كثير من الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده) جعل منهن صلى الله عليه وسلم دعوة المسافر، فالمسافر ينبغي أن يكثر من الدعاء؛ لأن دعوة المسافر مستجابة.
وعلى المسافر أيضاً أن يكون على دراية بأحكام الطهارة والصلاة وما يحتاج إليه من الرخص أو الفقه الخاص بجمع الصلاة، والمسح على الجورب، وهكذا ما قد يحتاج إليه من الأحكام في سفره.
فهذا فيما يتعلق بآداب السفر.
فأول آداب السفر: أن يشاور الإنسان من يثق بدينه وعلمه وتقواه في أمر سفره، وأيضاً: أن يستخير الله تبارك وتعالى في هذا السفر، وذلك إذا لم يكن السفر فريضة.
من آدابه أيضاً: أن يعزم على التوبة والرجوع عن جميع المعاصي والمخالفات وأن يرد المظالم إلى أصحابها، فإن كان غصب مالاً أو اغتاب رجلاً، أو أخذ أي نوع من المظالم من صاحبها فعليه أن يرد هذه المظالم.
ثم أيضاً: يقضي من ديونه ما أمكنه أو يستأذن صاحب الدين عليه.
أيضاً من هذه الآداب: أن يرد الودائع إن كان عنده ودائع يحفظها للناس فيردها إلى أصحابها، حتى إذا قبض أو مات في سفره لم يطالب بها أمام الله.
أيضاً: يطلب المسامحة خصوصاً ممن كان يكثر مصاحبته ومعاملته من زوجة ووالدين وكذا.
أيضاً: يكتب وصيته إن كان له مال يوصي به ويشهد عليها، بشرط أن لا تزيد على الثلث، وأن يؤديها إلى أقاربه الذين لا يرثون، أو إلى جهة من جهات الخير.
يوكل من يقضي عنه من ديونه ما لم يتمكن من وفائه.
أيضاً: يترك لأهله نفقتهم إلى حين عودته، وأن يجتهد في إرضاء والديه، وتجتهد المرأة إذا سافرت في إرضاء زوجها والتوثق من مسامحته.
من ذلك أيضاً: الاستكثار من الزاد والنفقة بنية مواساة المحتاجين ممن يصحبونه أو يلقاهم في سفره.
منها: ترك المماحكة والمشاجرة والخلاف، وعدم المسامحة في البيع والشراء.
أيضاً من هذه الآداب: أن يختار الصحبة الصالحة كما قال بعض الناس: الرفيق قبل الطريق، فينبغي أن يختار ويتحرى في الصحبة التي تصحبه في الحج، فيختار الرفيق الموافق الذي يؤثر على نفسه ويحرص على راحة من يرافقه، ويا حبذا لو كان من أهل العلم أو ممن عنده علم بحيث يذكره إذا نسي ويعينه إذا ذكر.
من ذلك أيضاً: أن يؤمر القوم عليهم أميراً للسفر، لقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا كانوا ثلاثة في سفر فليؤمروا عليهم أحدهم).
ومنها: أن يحصل وسيلة مواصلات قوية ومريحة.
ومن هذه الآداب: أن يتعلم فقه الحج، وعلى الأقل يتعلم ما يصح به حجه، وما يفسد الحج وكيف يتجنبه وهكذا، فيجب أن يتعلم من الفقه ما يصحح به عبادته ومناسكه، وأيضاً يتعلم من الفقه ما يحصل به النوافل، وما يزيد الحسنات ويضاعف الثواب في مثل هذه التجارة العظيمة وفي مثل هذه المواضع المشرفة، فإن عجز عن ذلك فإنه يستصحب كتاباً شاملاً لمناسك الحج بحيث يدمن ويداوم على مطالعته أثناء سفره ما بين الوقت والآخر حتى يستوثق من أداء المناسك على وجهها، أو يصطحب عالماً يرجع إليه كلما احتاج.
من ذلك أيضاً: أن يجتهد في العبادة والذكر وأن يتفرغ لهما في هذه الرحلة.
من آداب السفر عموماً: أن يسافر يوم الخميس مبكراً؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان أكثر ما يسافر يوم الخميس، أما مبكراً فلقوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بكورها).
ويستحب المشي في السفر ليلاً؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بليل).
من آداب هذا السفر: التقشف والرق، فيتجنب الإنسان تحصيل الشهوات ولو كانت مباحة كالطعام الزائد والملابس الفخمة والاهتمام بالمظهر، بل ينبغي أن يكون متقشفاً ويتجنب الزينة والتبسط في الطعام والشراب وغير ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه رضي الله عنهم: (أتدرون من الحاج؟ الحاج الشعث التفل) الشعث الذي تفرق شعر رأسه، لأنه لا يهتم بمظهره ولا بهذه الأشياء، والتفل الذي لا يضع طيباً ولا بخوراً ولا مثل هذه الأمور.
أيضاً من آداب السفر: حسن الخلق مع الناس، لقوله تعالى: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [البقرة:83]
ومنها: تجنب المخاصمة والمخاشنة ومزاحمة الناس، بل ينبغي أن يكون الإنسان منضبطاً، ولا يكون سلوكه في حال إحرامه وفي حال انطلاقه في هذا السفر المبارك مثل سلوكه في دار الإقامة، لأنه صار في حالة تلبس بعبادة من أعظم العبادات ينبغي أن ينزهها عن جميع المخالفات؛ لقوله تبارك وتعالى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [البقرة:197] كما سنبين إن شاء الله، فنهى الله تبارك وتعالى عن الرفث والفسوق والجدال.
والرفث هو النطق بالكلام الذي يتعلق بالجماع، وقيل: هو ذكر أحوال هذا الأمر ما بين الرجل وبين أهله ومواجهة النساء بذلك.
والفسوق هو جميع المعاصي من الخروج عن طاعة الله.
(( وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ )) أي: لا مماراة ولا مخاصمات ومجادلات تفضي إلى قسوة القلوب وإلى التفرق والشتات، فينبغي على الإنسان أن يكون.
والتلبس بالمعاصي ينقص ثواب الحج جداً، ويكفي أن التلبس بالمعاصي يحرم الإنسان من الثواب العظيم على الأقل وهو الثواب الذي ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فإذا وقع في الرفث أو الفسوق أو أي شيء من المعاصي فإنه يقدح في استحقاقه لهذا الثواب العظيم، فينبغي لهذا الإنسان أن يكون متيقظاً حذراً من وقوع المخالفات.
بل من العلماء -وهو الإمام ابن حزم رحمه الله- من أبطل حج من رفث أو فسق في حجه، فينبغي الاحتياط الشديد في ذلك.
من ذلك أيضاً: أن يحافظ على الأذكار؛ سواء الأذكار الموظفة أو الأذكار المطلقة، فإن هناك أذكاراً قيدت بوظيفة معينة ينبغي على الإنسان أن يحافظ عليها، فيستحب للمسافر عموماً أن يواظب على نفس الأذكار التي تستحب للمقيم في الليل والنهار واختلاف الأحوال كالأكل والشرب وعند النوم وعند الاستيقاظ، وعقب الصلاة، وغيرها من الأذكار الموظفة.
أما المسافر فيزيد أذكاراً أخرى منها: أنه يودع حينما يودع من يكونون في وداعه يقول لهم: (أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه) ، وفي بعض روايات الحديث: (أستودعكم الله الذي لا تخيب عنده الودائع) ففي الحديث: (إن الله عز وجل إذا استودع شيئاً حفظه) فلا ينسى الإنسان أن يستودع الله أهله وبنيه وكل من يكونون في وداعه بهذا الدعاء كما كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول المقيم للمسافر: (أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك).
أستودع الله: أي أتركها وديعة عند الله، وهي ثلاثة أشياء: دينك وأمانتك وخواتيم عملك.
المقصود بالأمانة هنا أهله ومن يخلفه، وماله الذي يتركه عند أمينه، وذكر الدين هنا، فقال: (أستودع الله دينك) أي: أن يحفظ عليك دينك ويبقى عنده وديعة لا تضيع في السفر؛ لأن السفر مظنة المشقة، فربما كانت هذه المشقة سبباً لإهمال بعض أمور الدين والتفريط فيها، فلذلك خص هذا الأمر قبل كل شيء.
قوله: (وخواتيم) جمع خاتمة، وهي ما يختم به العمل، أي يكون آخره، ودعا له بذلك لأن الأعمال بخواتيمها، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالخواتيم) فلذلك اهتم بهذه الثلاث: دينك وأمانتك وخواتيم عملك.
وحينما يبعد الإنسان ولا يكون تحت رقابة القوم الذين يعرفونه ويعرفهم، ربما كان الشيطان عليه أقوى، فلذلك سمي السفر سفراً؛ لأنه يسفر عن حقيقة أخلاق الشخص وطباعه، فيحتاج إلى توفيق من الله وعصمة حتى لا يتردى مهاوي المخالفات.
أيضاً يقول المودع للمسافر بعد أن يقول: أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك؛ يقول له أيضاً: زودك الله التقوى، وغفر ذنبك، ويسر لك الخير حيثما كنت، وقد قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم وهو مسافر: (زودني، فقال: زودك الله التقوى. قال: زدني. قال: وغفر ذنبك. قال: زدني. قال: ويسر لك الخير حيثما كنت) ثم يقول المودع للمسافر: (عليك بتقوى الله والتكبير على كل شرف). الشرف: هو ما علا من الأرض، فهذه أيضاً كانت وصية النبي صلى الله عليه وسلم للمسافر.
وإذا كان سفر حج أو عمرة يقول له المقيم: (ادع الله لنا بخير) (ادع الله لنا بخير) فإذا ولى المسافر وانطلق دعا له المقيم قائلاً: اللهم اطو له البعد وهون عليه السفر؛ لأن السفر قطعة من العذاب كما قال صلى الله عليه وسلم.
فإذا أراد ركوب دابته، أي إذا المسافر أراد أن يركب المواصلات فوضع رجله في الركاب يقول: باسم الله. وإذا كانت سفينة قال: كما قال نوح عليه السلام: بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [هود:41] أي أن مجراها باسم الله ومرساها وهو منتهى سيرها كذلك.
وأيضاً يدعو كما دعا نوح عليه السلام لما ركب الفلك: رَبِّ أَنزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ [المؤمنون:29].
فإذا استوى واستقر على ظهر ما يركبه يقول: سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف:13] * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:14] (مقرنين) أي مطيقين أو مقتدرين عليه، فنحن ما كنا نطيق قهر هذه الدابة واستعمالها لولا تسخير الله تعالى إياها لنا.
الإنسان إذا ركب جملاً فقوة الجمل لا تخفى، وإذا غضب الجمل وطاش كانت شدته وصعوبته عظيمة، فمن الذي ذلل الجمل بحيث يقوده طفل صغير؟ إن الذي ذللـه هو الله تبارك وتعالى، فنحمد الله على هذه النعمة، خاصة إذا كانت هناك نعم أعظم وأعظم، كركوب الطائرات أو السيارات أو ما إلى ذلك من الوسائل الحديثة التي وفرت الراحة وهي من نعم الله تبارك وتعالى علينا، فنشكر الله على هذه النعمة وهذا التيسير!
فيقول: الحمد لله، سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ [الزخرف:13] * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ [الزخرف:14]، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت.
النبي صلى الله عليه وسلم لما علمهم هذا الدعاء ضحك بعدما قال: (سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فقال له أمير المؤمنين
ويقول أيضاً: (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل، اللهم اصحبنا بنصحك واقلبنا بذمة، اللهم اذو لنا الأرض وهون علنيا السفر) الذمة: العهد، والذمام العهد والأمان، اللهم اقلبنا: أي: أرجعنا إلى أهلنا (بذمة) أي: بعهد وأمان وضمان منك أن نعود آمنين سالمين.
ويقول: (اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل)، وعثاء السفر شدته ومشقته وتعبه.
(وكآبة المنظر) الكآبة هي الحزن والتغير والانكسار من مشقة السفر، وما يحصل على المسافر من الاهتمام بأموره.
(وسوء المنقلب) سوء الانقلاب إلى أهله بعد السفر، وذلك بأن يرجع مهموماً أو منقوصاً ومهموماً بما يسوءه، فيتعوذ الإنسان من سوء المنقلب.
ويقول أيضاً: (اللهم إني أعوذ بك من الحور بعد الكور، ودعوة المظلوم، وسوء المنظر في الأهل والمال) الحور هو النقصان والرجوع، والكور أو الكون المقصود به الرجوع من الإيمان إلى الكفر، ومن الطاعة إلى المعصية، أي: الرجوع من شيء إلى شيء من الشر، أو الرجوع من الاستقامة والزيادة إلى الاعوجاج والنقص، فهذا معنى الكون في قوله: (أعوذ بك من الحور بعد الكون)، ومن رواه بالراء (أعوذ بك من الحور بعد الكور) فالمقصود به هنا الزيادة، مأخوذ من تكوير العمامة، فكلما كورها زادت، والمقصود التعوذ من الانتقاص بعد الزيادة والاستكمال، ورواية الكون معناها مأخوذ من الاستقرار والثبات، فالمراد التعوذ من النقصان والتغيير بعد الثبات والاستقرار حتى لا يتحول قلبه وينقص في دينه.
وإذا علا الثنايا كبر وإذا هبط سبح: أي: إذا ارتفع فوق جبل يكبر وإذا هبط في الوديان يسبح، فأولى إذا ركب الطيارة أن يكثر من التسبيح، وإذا عثرت دابته، أو تعطلت السيارة أو شيء من هذا يقول: باسم الله.
وإذا نزل منزلاً قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه إذا قال ذلك لن يضره شيء، ولما كان لا يجوز وصف أي شيء من كلام الله بالنقصان تعوذ صلى الله عليه وسلم بكلمات الله التامة؛ لأنها ليس فيها نقصان ولا عيب كما يكون في كلام الآدميين، وقيل: معنى التامات أن ينتفع بها المتعوذ وتحفظه من الآفات.
وإذا أتى عليه السحر وهو الجزء الأخير من الليل قال: (سمع سامع بحمد الله وحسن بلائه علينا، ربنا صاحبنا وأفضل علينا؛ عائذاً بالله من النار) كما كان صلى الله عليه وسلم يقول ذلك.
(سمع سامع): المقصود فليشهد الشاهد، أو ليسمع السامع وليشهد على حمد الله سبحانه وتعالى على نعمه وحسن بلائه.
وقيل معناه: انتشر ذلك وظهر وسمعه السامعون أن نعم الله علينا قد ذاعت وكثرت وترادفت بحيث علم بها الجميع، فسمعها السامعون وشهد الشاهدون.
(وحسن بلائه علينا): المقصود بالبلاء حسن بلاء النعمة، والبلاء الاختبار والامتحان، فالبلاء بالقول ليتبين به الشكر، والابتلاء بالشر ليظهر الصبر.
(ربنا صاحبنا): أي احفظنا؛ لأن من صحبه الله لم يضره شيء.
(عائذاً بالله من النار): تحتمل وجهين: أحدهما أن يريد أنا عائذ بالله من النار. أو يقول: أنا متعوذ بالله من النار.
فعلى المسافر أن يكثر من الدعاء، وهذا من أهم آداب السفر التي يقصر فيها كثير من الناس؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد لولده) جعل منهن صلى الله عليه وسلم دعوة المسافر، فالمسافر ينبغي أن يكثر من الدعاء؛ لأن دعوة المسافر مستجابة.
وعلى المسافر أيضاً أن يكون على دراية بأحكام الطهارة والصلاة وما يحتاج إليه من الرخص أو الفقه الخاص بجمع الصلاة، والمسح على الجورب، وهكذا ما قد يحتاج إليه من الأحكام في سفره.
فهذا فيما يتعلق بآداب السفر.
اجتناب الوقوع في الشرك
هناك بعض التنبيهات تتعلق بالمناسك، وهي بعض المخالفات التي يقع فيها كثير من الناس، أعظمها بلا شك الوقوع في بعض الشركيات التي لا تليق بالمسلم الموحد، فيستغيث بعض الناس بغير الله، ويستعينون بالأموات من الأنبياء أو الصالحين ويدعونهم من دون الله، أو يحلفون بهم تعظيماً لهم فيبطلون بذلك حجهم؛ لقوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
ينبغي أن يعبد الله وحده لا شريك له، لا يشرك الإنسان مع الله أي شيء من الملائكة أو النبيين أو الصالحين؛ لقوله تعالى، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31]، ويقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فإذا كنا بصدد التحذير من المعاصي في الحج، فأولى ثم أولى أن يحذر المسلمون الوقوع في الشرك، للأسف كثير من المسلمين يقعون في أشياء وهذا مشتهر ومعروف، وهو من الشرك، وقد يكون شركاً أكبر كهذه النماذج التي ذكرناها.
اجتناب حلق اللحى
أيضاً بعض الناس يتزينون بحلق اللحية، وهذه معصية، والإصرار عليها يجعلها من الكبائر؛ لأنها ضمن الفسق: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [البقرة:197] الفسوق ذكرنا أنه يدخل فيه جميع المعاصي، فمن المعاصي المحرمة في الحج وفي غير الحج، في حالة الإحرام وفي غير الإحرام أن يحلق الإنسان لحيته مضادة لأمر الله تبارك وتعالى، فهذا مما يشيع أيضاً في المسلمين في هذا الزمان، معاندة لأمر الله تبارك وتعالى.
والأدلة باختصار شديد جداً على تحريم هذه المعصية:
أولاً: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها حيث قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويقول تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام ظاهره الوجوب، فينبغي امتثاله وعدم التحذلق والتنطع والتفلسف لإبطال أمر النبي وتعطيله.
الأمر الثاني: أن في حلق اللحية تغييراً لخلق الله بدون إذن من الشرع، فالهيئة التي خلقك الله عليها ينبغي أن تحافظ عليها فلا تغيرها، إلا ما ورد الدليل باستثنائه، فهذا يجوز تغيير خلق الله فيه، بل قد يجب.
من ذلك مثلاً نتف الإبط وحلق العانة، والختان، وتقليم الأظفار، كل هذا تغيير لخلق الله، لكنه تغيير بأمر من الشارع؛ لأنه من خصال الفطرة.
والذي يأمر بتغيير خلق الله هو الشيطان قال تعالى عنه: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]، فحلق اللحية فيه تغيير لخلق الله.
وأيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن النساء، قال: (لعن الله النامصات والمتنمصات والواشمات والمستوشمات والمتفلجات بالحسن المغيرات خلق الله)
فإذا كان قد حرم على النساء أن يتزين بهذه الأنواع من الزينة المحرمة التي فيها تغيير لخلق الله، فأولى أن يحرم ذلك على الرجال.
الأمر الثالث: أنها من سنن الفطرة، سنن الفطرة بعضها واجب، وبعضها قد يكون في وجوبه خلاف، ولكن على الأقل ينبغي الاستمساك بفطرة بالفطرة وسنن الأنبياء وما كانوا عليه أجمعون.
ومن ذلك أن في حلق اللحية تشبهاً بالنساء، فالله عز وجل خص الرجال على النساء بوجود اللحية في وجوههم، بل اللحية من نعم الله تبارك وتعالى على الرجال، فحلقها كفر بهذه النعمة؛ لأنها من خصال الذكورة والفحولة والرجولة، وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من النساء بالرجال، والمتشبهات بالرجال من النساء).
أيضاً: في حلق اللحية تشبه بالكفار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (خالفوا المجوس -أو خالفوا المشركين أعفوا اللحى وأحفوا الشوارب).
ورد الأمر بإعفاء اللحية بخمس صيغ: (أعفوا اللحى، أوفوا اللحى، أرجوا اللحى، أرخوا اللحى، وفروا اللحى)، ومعناها كلها تركها على حالها لا يقربها. والأدلة في هذا الأمر كثيرة، والكلام في هذا يطول، لكن مما يؤسف له أن المسلم قد يموت قريبه فإذا أراد أن يظهر الجزع والحزن ترك لحيته، إظهاراً للجزع لا طاعة لله ورسوله أو انصياعاً وراء الآراء الفاسدة والتقاليد الفاسدة.
اجتناب لبس خاتم الذهب
أيضاً من ذلك شيوع لباس خاتم الذهب:
كثير من الرجال يلبسون خاتماً من ذهب أو ساعة أو نظارة ذهب، فهذا الأمر شائع جداً، وبالذات ما يعرف بدبلة الخطوبة أو خاتم الزواج، هذا بجانب أنه محرم على الرجل أن يلبس خاتماً من الذهب ففيه تشبه بالنصارى من الكفار، فيحرم على الرجل لبس خاتم الذهب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الذهب والحرير: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها).
أيضاً لما رأى في إصبع رجل خاتماً من ذهب نزعه من إصبعه صلى الله عليه وسلم وألقاه في الأرض، وقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيضعها في إصبعه، فألقاها، فبعدما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال الناس للرجل: خذه فانتفع به، قال: لا آخذه وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسل).
هناك بعض التنبيهات تتعلق بالمناسك، وهي بعض المخالفات التي يقع فيها كثير من الناس، أعظمها بلا شك الوقوع في بعض الشركيات التي لا تليق بالمسلم الموحد، فيستغيث بعض الناس بغير الله، ويستعينون بالأموات من الأنبياء أو الصالحين ويدعونهم من دون الله، أو يحلفون بهم تعظيماً لهم فيبطلون بذلك حجهم؛ لقوله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65].
ينبغي أن يعبد الله وحده لا شريك له، لا يشرك الإنسان مع الله أي شيء من الملائكة أو النبيين أو الصالحين؛ لقوله تعالى، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا [النساء:48]، وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31]، ويقول تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء:48]، فإذا كنا بصدد التحذير من المعاصي في الحج، فأولى ثم أولى أن يحذر المسلمون الوقوع في الشرك، للأسف كثير من المسلمين يقعون في أشياء وهذا مشتهر ومعروف، وهو من الشرك، وقد يكون شركاً أكبر كهذه النماذج التي ذكرناها.
أيضاً بعض الناس يتزينون بحلق اللحية، وهذه معصية، والإصرار عليها يجعلها من الكبائر؛ لأنها ضمن الفسق: فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ [البقرة:197] الفسوق ذكرنا أنه يدخل فيه جميع المعاصي، فمن المعاصي المحرمة في الحج وفي غير الحج، في حالة الإحرام وفي غير الإحرام أن يحلق الإنسان لحيته مضادة لأمر الله تبارك وتعالى، فهذا مما يشيع أيضاً في المسلمين في هذا الزمان، معاندة لأمر الله تبارك وتعالى.
والأدلة باختصار شديد جداً على تحريم هذه المعصية:
أولاً: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها حيث قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويقول تعالى: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا [الأحزاب:36]، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام ظاهره الوجوب، فينبغي امتثاله وعدم التحذلق والتنطع والتفلسف لإبطال أمر النبي وتعطيله.
الأمر الثاني: أن في حلق اللحية تغييراً لخلق الله بدون إذن من الشرع، فالهيئة التي خلقك الله عليها ينبغي أن تحافظ عليها فلا تغيرها، إلا ما ورد الدليل باستثنائه، فهذا يجوز تغيير خلق الله فيه، بل قد يجب.
من ذلك مثلاً نتف الإبط وحلق العانة، والختان، وتقليم الأظفار، كل هذا تغيير لخلق الله، لكنه تغيير بأمر من الشارع؛ لأنه من خصال الفطرة.
والذي يأمر بتغيير خلق الله هو الشيطان قال تعالى عنه: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ [النساء:119]، فحلق اللحية فيه تغيير لخلق الله.
وأيضاً فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لعن النساء، قال: (لعن الله النامصات والمتنمصات والواشمات والمستوشمات والمتفلجات بالحسن المغيرات خلق الله)
فإذا كان قد حرم على النساء أن يتزين بهذه الأنواع من الزينة المحرمة التي فيها تغيير لخلق الله، فأولى أن يحرم ذلك على الرجال.
الأمر الثالث: أنها من سنن الفطرة، سنن الفطرة بعضها واجب، وبعضها قد يكون في وجوبه خلاف، ولكن على الأقل ينبغي الاستمساك بفطرة بالفطرة وسنن الأنبياء وما كانوا عليه أجمعون.
ومن ذلك أن في حلق اللحية تشبهاً بالنساء، فالله عز وجل خص الرجال على النساء بوجود اللحية في وجوههم، بل اللحية من نعم الله تبارك وتعالى على الرجال، فحلقها كفر بهذه النعمة؛ لأنها من خصال الذكورة والفحولة والرجولة، وقد (لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهين من النساء بالرجال، والمتشبهات بالرجال من النساء).
أيضاً: في حلق اللحية تشبه بالكفار، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (خالفوا المجوس -أو خالفوا المشركين أعفوا اللحى وأحفوا الشوارب).
ورد الأمر بإعفاء اللحية بخمس صيغ: (أعفوا اللحى، أوفوا اللحى، أرجوا اللحى، أرخوا اللحى، وفروا اللحى)، ومعناها كلها تركها على حالها لا يقربها. والأدلة في هذا الأمر كثيرة، والكلام في هذا يطول، لكن مما يؤسف له أن المسلم قد يموت قريبه فإذا أراد أن يظهر الجزع والحزن ترك لحيته، إظهاراً للجزع لا طاعة لله ورسوله أو انصياعاً وراء الآراء الفاسدة والتقاليد الفاسدة.
أيضاً من ذلك شيوع لباس خاتم الذهب:
كثير من الرجال يلبسون خاتماً من ذهب أو ساعة أو نظارة ذهب، فهذا الأمر شائع جداً، وبالذات ما يعرف بدبلة الخطوبة أو خاتم الزواج، هذا بجانب أنه محرم على الرجل أن يلبس خاتماً من الذهب ففيه تشبه بالنصارى من الكفار، فيحرم على الرجل لبس خاتم الذهب؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في الذهب والحرير: (هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها).
أيضاً لما رأى في إصبع رجل خاتماً من ذهب نزعه من إصبعه صلى الله عليه وسلم وألقاه في الأرض، وقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من النار فيضعها في إصبعه، فألقاها، فبعدما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم قال الناس للرجل: خذه فانتفع به، قال: لا آخذه وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسل).
استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
قصتنا مع اليهود | 2627 استماع |
دعوى الجاهلية | 2562 استماع |
شروط الحجاب الشرعي | 2560 استماع |
التجديد في الإسلام | 2514 استماع |
تكفير المعين وتكفير الجنس | 2505 استماع |
محنة فلسطين [2] | 2466 استماع |
انتحار أم استشهاد | 2438 استماع |
تفسير آية الكرسي | 2404 استماع |
وإن عدتم عدنا | 2395 استماع |
الموت خاتمتك أيها الإنسان | 2394 استماع |