الإسلام عدو الأصنام [1]


الحلقة مفرغة

الموقف العالمي تجاه تدمير تمثالي بوذا

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، لاسيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرفاء، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

فهناك حدث فرض نفسه ينطبق عليه قول القائل مع بعض التعديل: الجنازة حارة والميت صنم.

فكثير من الضوضاء حصل في قضية تحطيم الصنمين لبوذا في أفغانستان كما هو معلوم، ولقد انتزعت حركة طالبان الأضواء في الأيام الأخيرة فصوبت عيون العالم كله على أفغانستان حالياً وخراسان سابقاً في التاريخ الإسلامي، واستُنفر علماء الآثار والمؤرخون ومدراء المتاحف العالمية، وجميع الصحف وهذه اليابان -وهي أكبر مانح للمعونات في تلك المنطقة- طالبت تدخل دول الخليج، وضغطت على قطر، وقطر أرسلت وفداً، ومدير عام اليونسكو وهو شيرو متورا ، -وهو ياباني بوذي- طلب وساطة سياسية من بعض الدول، ومكث مبعوثه -وفي نفس الوقت- أيضاً -مكث مبعوث رئيس فرنسا شيراك بيير لافرانك - أكثر من عشرة أيام يحاول أن يثني عزم طالبان عن قرار هدم تمثالين، وهما تمثالان يعتبران أكبر تمثالين لبوذا في العالم في وسط أفغانستان، وقد استغرق بناؤهما مائتي سنة، قرنان كاملان بني فيهما هذان التمثالان.

وتقدمت دول عديدة مثل الهند واليونان بعروض سخية لإنقاذ التمثالين، ومتحف الميترو كوليتن في نيويورك تقدم -أيضاً- بعروض سخية يتبرع بها لأجل أخذ هذه التماثيل، وجمعت اليونسكو خمسةً وأربعين وزير ثقافة ليتحدثوا عن هذين الصنمين، ومحاولة المطالبة والضغط لاستنقاذهما.

الألسن المنتسبة إلى الإسلام ودفاعها عن الأصنام

والمؤلم -حقيقة- في القضية أن أناساً من بني جلدتنا وصل بهم الحال إلى أنهم طالبوا الدول الغربية بتدخل عسكري سريع وحاسم لإنقاذ هذه الحجارة، وهو تدخل عسكري سيترتب عليه إراقة دماء مسلمة، فالتراث البوذي عندهم لا يمكن التهاون به، لكن دماء المسلمين شيء أرخص ما يكون!

وهذه القضية لا ينبغي أن تمر مروراً عابراً، بل هي كمثيلاتها من القضايا تحتاج إلى وقفة وتأمل وتدبر ومدارسة، وعلى الأقل يكون كلامنا وجهة نظر من وجهات النظر، ويسمع الناس صوتاً آخر غير تلك الأبواق التي تأتينا عبر الفضائيات -كما يسمونها- وتشوش على الناس وعلى أحكام الإسلام.

فبعض الناس أقاموا أنفسهم وكلاء عن الغرب في الدفاع عن هذا الأمر، وزين بعضهم العبارات، وأوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وفي الحقيقة لم يكونوا منصفين على الإطلاق، وعامة من سلطت عليه الأضواء في تناول هذه القضية من المنحازين تماماً للثقافة الغربية، وإن كانوا في لغة عربية وفي ثوب إسلامي للأسف الشديد، فهم يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وأقوى دليل على أنهم لم يكونوا منصفين ولم يكونوا ممثلين صادقين لحكم الإسلام في هذه القضية: أنهم تجاهلوا تماماً أدلة الآخرين، وما أوردوا حديث علي بن أبي طالب إلا في معرض الرد عليه أو تأويله، أو إذا كانت الأصنام تعبد فقط، أما أن يكون كأي بحث علمي في العالم لابد له من أن تأتي بأدلة كل طرف، ثم تتكلم عن وجه الدلالة بعد توثيق الأدلة، ثم تحصل المناظرة أو المناقشة ثم يكون الترجيح بين هذه الأدلة والموازنة بينها فذلك أمر ليس هنا مكانة.

فهؤلاء الناس المدسوسون على الفقه فرضوا نوعاً من الوصاية على الفتوى الشرعية، وأوهموا الناس أن كلامهم الحق الذي لا يقبل الجدال، وأن أي واحد يخالف فهو رجعي متخلف، وأحياناً يستخدمون كلمة (سلفي) للتعبير عن المخالفين في سياق الذم، والتحقير للمسلمين.

دلالات الحادثة على حال البشرية أو وضع المسلمين

والحادث حدث جلل في الحقيقة يحتاج إلى أن نتأمل فيه الحالة التي وصلت إليها البشرية، فهذه الحادثة في حد ذاتها من الوقائع التاريخية التي تكشف لنا -بل التي هي خير شاهد- المدى الذي تردت إليه البشرية في انحطاطها، وليس في تحضرها كما يزعمون، فهذا أقوى شاهد على مدى الانحطاط الذي وصلت إليه البشرية، وكيف أنها وقعت في هاوية سحيقة من الجهل والكفران.

كان ينبغي للجميع أن يعلموا أن لدينا منظومة قيامية، لنا منظومة قيامية خاصة بنا نستمدها من إسلامنا ومن عقيدتنا، ومن ديننا الحنيف الذي نؤمن أنه الدين الوحيد الحق، وكل الأديان باطلة، وإن كان أرباب القانون الدولي والمنظمات العالمية والعولمة لا يقروننا على هذا الكلام، فكيف نقول: الإسلام دين الحق؟ هذا تحجر.

ونحن نقول: من شك في هذا ممن ينسب للإسلام لحظة واحدة خرج من الإسلام كما تنسل الشعرة من العجين، من شك لحظة واحدة في أن الإسلام هو الدين الحق، وأن كل ما عداه باطل، وأن الإسلام مهيمن على ما عداه من الأديان فلا يبقى من المسلمين، ولا يبقى عنده ذرة من الإيمان.

والوضع الذي رأيناه والذي حصل أو أصدق ما يعبر عنه أن نقول في جملة واحدة: كيف وقع المسلمون في جحر الضب؟! إلى هذا الحد دخل المسلمون جحر الضب، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لتتبعين سنن من كان قبلكم شبراً بشبر) يعني منتهى الحرص على تقليد العبد لسيده (لتتبعين سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم. قيل: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

فهذا يبين لنا الداء التي وصل إليه المسلمون، والوضع الذي غصوا به بعد أن دخلوا بالفعل جحر الضب، والرسول عليه الصلاة والسلام شبه بجحر الضب لأنه ملتوٍ، ولأنه لا يستوعب الضب ولا يستره، ولا يفي بحاجته، ومع ذلك يصر المسلمون على أن يتبعوهم وأن يحصروا أنفسهم في جحر الضب!

وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يأتي على الناس زمان يصدق فيه الكاذب، ويكذب فيه الصادق، ويخون فيه الأمين، ويؤتمن فيه الخائن، وينطق فيه الرويبضة. قيل: ومن الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.

فهذه الحادثة كشفت أحد أعراض مرض التبعية والانهزامية التي تغلغلت في قلوب كثير من المسلمين، وهي تذكرنا بقول ابن خلدون رحمه الله تعالى حينما تكلم عن أن المغلوب مولع دائماً بتقليد الغالب، وتكلم عن أمارات تشبه المسلمين في الأندلس في ذلك الوقت بالأسبان أو بالكفار، إلى أن قال: وذلك من أمارات -أو علامات- الاستيلاء.

فهو تنبأ بسقوط الأندلس، وكان عمدته في ذلك أنه رأى المسلمين بدءوا يقلدون الكفار، فعد ذلك من أمارات الاستيلاء، وأن هذا سينتهي بهم في النهاية إلى أن يذوبوا في هذه الأمة التي يقلدونها.

الحادثة وما يستفاد منها

وموضوع التماثيل في الحقيقة لا نريد أن نقول عنه: رب ضارة نافعة. لأنها -إن شاء الله- ليست ضارة، لكن لابد من أن مثل هذه الأحداث قد تكون نعمة من الله سبحانه وتعالى تلفت نظر الناس إلى أمور مهمة جداً؛ لأن التماثيل في حد ذاتها حكم الشرع فيها مما ينبغي أن يشاع العلم به بين المسلمين؛ لأننا نرى من المسلمين من يزين بيته بالتماثيل، سواء في مدخل البيت أو الفيلا أو في داخل الحجرات توضع تماثيل بقصد الزينة، وهذه شائعة في مجتمعاتنا، فهذا الأمر -أيضاً- يؤكد ضرورة الوقوف على هذا الأمر.

إن الكلام عن موضوع علاقة المسلمين بالغرب أو بالكفار عموماً مهم، فإنه لما استنفر كل العالم الغربي علينا وحصل ما حصل جاء الدور ليستنفر العالم الشرقي الوثني عابد الأوثان على المسلمين أيضاً، وعليه فإننا ما زلنا نؤكد الحقيقة التي ينبغي أن يفقهها كل مسلم، وهي أن التفسير الوحيد الصحيح للتاريخ هو أنه صراع بين الإسلام والكفر، كل التاريخ من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة كله يدور حول هذا المحور، وصحيح أنه يؤخذ صوراً أخرى، لكن هذا هو الحقيقة وهذا هو جوهر هذا الصراع، فهو صراع بين الإسلام والكفر، بين الإسلام الذي أتى به جميع الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وبين الكفر بكل ألوانه وأطيافه واتجاهاته.

أثر العولمة في زعزعة العقائد

إننا الآن نعيش في عصر ما يسمى بالعولمة، أو النظام العالمي الجديد الذي رسمت ملامحه وبكل صلف وبكل استبداد أمريكا، والذي يهدف إلى توطيد دعائم الود والتفاهم والسلام والأخوة الإنسانية أو الأخوة الحمارية.

أريد أن أقول: إن المقصود من هذه الأمور أن توطد دعائم الود والتفاهم بين الحمار وراكبه، فهذه نظرة أمريكا للعالم عموماً وللعالم الإسلامي -للأسف- على وجه الخصوص!

فالناس كلهم صاروا يتنفسون هذا الهواء المسمم، ولذلك نحن لا نحس بهذا التسمم إلا إذا فتحت نافذة للهواء النقي الذي يهب علينا من عصور الإسلام الأولى ومن الكتاب ومن السنة حتى نشعر بالسموم التي نتنفسها.

فهم تواضعوا الآن على جملة من المفاهيم قدسوها تقديساً، وشنوا الحملات الشرسة على كل من يخالف هذه المفاهيم، وهذا بمنتهى البساطة لا يلزم المسلمين؛ لأنه لا يمثل لنا أي مرجعية.

وهنا يأتي موضوع المقايضة، ومعناه: أن تتنازل لي عن شيء من عقيدتك وأتنازل لك عن شيء من عقيدتي. وهذا المنطق موجود، لكن وجوده لا بأس به بين الأديان الباطلة بعضها مع بعض، كل واحد يتنازل حتى يلتقي الجميع في منتصف الطريق، أما المسلمون فلا يمكن أبداً أن يقبلوا هذا المبدأ، مبدأ التنازل عن موقف الإسلام من الأصنام، فهذا غير قابل على الإطلاق للتحوير أو المغالطة، وهذا هو ما كشفته بجلاء سورة الكافرون، وقد جاء الرد فيها حاسماً لأطماع هؤلاء الكافرين.

فموضوع (تنازل لي وأتنازل لك) بحجة الأعراف الدولية والقانون الدولي والتراث الإنساني... إلى آخر هذا الكلام هذا يسري بينهم، وهم عندهم قابلية للتنازل إلى أبعد مدى، حتى لو خلعوا دينهم بالكلية كما حصل من الغرب مع النصرانية، وإن لم يخلعوا ثوب التعصب والحقد الأعمى على المسلمين، لكن يستثنى الدين الحق، فالدين الحق غير قابل على الإطلاق لأن يدخل في هذه المقايضة.

وكما قلت فهذه الحادثة كشفت عن المدى الذي وصلت إليه البشرية من الانحطاط والتدهور، وتثبت أن المسلمين بالفعل هم أرقى الأمم على الإطلاق، المسلمون الموحدون هم أرقى الأمم، وأقصد المسلمون الذين هم موحدون؛ لأن كل المسلمين -والحمد لله- موحدون، فنحن -المسلمين- أرقى الأمم على الإطلاق، وأعقل الأمم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لا توجد أمة على الإطلاق في عقل المسلمين.

وصحيح أن هناك تخلفاً في النواحي المادية وغير ذلك، وهذه قضية أخرى، لكن في جوهر الحياة والغاية من الحياة -وهي عبودية الله سبحانه وتعالى- لا يوجد على الإطلاق أمة ترتقي إلى مستوى هذه الأمة الإسلامية.

مصطلحات القانون الدولي ومناقضتها لمبادئ الإسلام

أما موضوع القانون الدولي ونحو هذه العبارات التي يطلقونها فنحن لا ننخدع بالقانون الدولي والأعراف الدولية والتقاليد والذم، وقول: هذه وحشية وبربرية، والتماثل هذه إبداع وفن وتراث إنساني.. إلى آخر هذا الكلام.

ونقول لهؤلاء الناس: ألم يدافعوا عن سلمان رشدي من قبل بحجة الإبداع، وأن سلمان رشدي له حرية الكاتب في أن يعبر عما شاء، في حين أنّه لما رفع المسلمون قضية في القضاء البريطاني تطالب بمحاكمته طبقاً للقانون الإنجليزي قالت بريطانيا -والغرب معها- لا؛ فالقانون الإنجليزي يحمي الملكة فقط، يحمي النظام الملكي، فلا أحد يسب الملكة وإلا يعاقب ويُجرّم، أما ما عدا ذلك فالقانون لا يحميه.

فالشاهد أن هذا من تسمية الأشياء بغير مسمياتها، واللعب بالاصطلاحات، وإظهار الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل، عن طريق إضفاء أسماء منفرة أو أسماء جذابة، كتسمية هذه الأشياء إبداعاً، أو فناً جميلاً، أو رقياً، أو تحضراً.. إلى آخر هذه الأسماء.

وفي عقيدتنا -باختصار شديد- أن تعظيم التماثيل وعبادتها من دون الله هو قمة انحطاط البشرية، وهل هناك نقاش عند أي عاقل في أن إنساناً يصنع التماثيل بيده ثم يعبدها وهو أكمل منها وأعقل منها؟!

يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31].

فموضوع منظومة القيم والمبادئ التي عندنا نحن -المسلمين- تختلف تماماً عما هي عند الغرب وعند الشرق بكل وضوح، فلا نستطيع إطلاق القول بأن الإسلام يعمل نوعاً من الفلترة أو الترشيح للتراث، ليس كل تراث الإسلام يقبله، فالإسلام لما دخل وأشرق نوره في ربوع الأرض كلها في العالم القديم حصل نوع من الترشيح والفرز لهذا التراث في كل بلاد دخلها، وصبغها بصبغة دين الحق، وألغى ما يتعارض مع عقيدته وشريعته، فما يلهج به بعض الناس كل حين فيتكلمون ويجعلون الجملة هذه باستمرارٍ قاسماً مشتركاً بين كل المقالات التي نشرت -تقريباً- بأن هذه التماثيل موجودة قبل أن يدخل الإسلام هذه البلاد، ولأن لها أقدمية فينبغي أن تحترم كل هذا غير صحيح؛ فدين الإسلام ناسخ لكل ما عداه من الأديان السماوية، فما بالك بالأديان الوثنية الأرضية؟! أتدري ما الإسلام؟ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:9] وتأمل قوله تعالى: (ولو كره المشركون)، فالموقف الطبيعي أنهم يكرهون ذلك.

فموضوع التراث البشري واحترام عقائد الآخرين ليس بصحيح على إطلاقه، فلو عثر على صليب عمره ألف وثلاثمائة سنة -مثلاً- هل نقول: هذا تراث بشري ينبغي أن نحافظ عليه، أم أن هذا رمز من رموز الكفر والتكذيب بالله ولرسل الله؟

فإن قيل: هذا تراث بشري يحافظ عليه قلنا: لو كنتم تحترمون عقائد الآخرين إذاً لا تذبحوا البقر؛ لأن الهندوس سيغضبون وسيغارون على آلهتهم ويمنعون ذبح البقر؛ لأن هذه آلهتهم، وهي أفضل من أمهم، كما كان غاندي يدافع عن البقر، وينشد في ذلك كثيراً من الكلام، فراعوا شعور الهندوس لأنهم يعبدون البقر، فالمفروض أن لا يذبح البقر من أجل التراث البشري، بل إن هذا أهم عندهم من التراث، وهو الإله نفسه! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

وسنقول كذلك: لا تقتلوا الفئران؛ فهناك في شرق آسيا من يعبدون الفئران، وروى أحد الإخوة أنهم وهم جالسون في مكان عام يأكلون الأرز كان الفأر يصعد على الطبق ويصعد على رأس أحدهم ولا يمس بسوء؛ لأن هذا إله عنده! ويقيمون معابد من الرخام الأبيض حتى تعبد فيها الفئران، فدلا داعي لقتل الفئران، وهذه الأشياء من باب احترام تراث الآخرين.

موقف الإسلام من الأديان وأهلها

وهناك موضوع مهم جداً في هذه المسألة، وهو كلمة (الإسلام يحترم الأديان الأخرى)، فالإسلام لا يمكن أن يحترم الأديان الأخرى أبداً، الإسلام يحفظ لأهل الأديان حقوقهم التي شرعها الله سبحانه وتعالى، أما أن يحترم فلو احترم الإسلام الأديان الأخرى فمعناه أن الإسلام يهدم نفسه حين يحترم الأديان الأخرى التي تخالفه، والتي تصفه بأنه باطل وأنه كذا وكذا، والتي تدعو إلى الشرك، وهذا من التجاوز في التعبير، فالإسلام يحترم حقوق أهل الأديان الأخرى التي شرعها لهم الله سبحانه وتعالى.

يقول بعض الكاتبين -وهي مقالة في مجلة العصر-: أخبرني أحد العلماء قال: قرأت في سيرة صلاح الدين الأيوبي لـابن شداد أن ملك الإنجليز كتب رسالة لـصلاح الدين فيها طلب الصليب، فهم يزعمون أن المسيح -والعياذ بالله- صلب عليه، فأخذه وغنمه صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، فبعث ملك الإنجليز يخاطب صلاح الدين يقول له: وأما الصليب فهو خشبة عندكم.

أي: هو عندكم -معشر المسلمين- قطعة خشب ليس له قيمة.

يقول الملك: وأما الصليب فهو خشبة عندكم لا مقدار له، وهو عندنا عظيم، فليمن به السلطان علينا.

فأجابه صلاح الدين رحمه الله: وأما الصليب فهلاكه عندنا قربة عظيمة، لا يجوز لنا أن نفرط فيها إلا لمصلحة راجعة إلى الإسلام هي أوفى منها.

فما كان ذا قيمة تاريخية أو روحية أو عقدية عند أهل الشرك ليس بالضرورة أن يكون ذا قيمة لدى أهل التوحيد والإسلام، والعكس بالعكس، فالمسلم الفلسطيني الغارق في دمائه على يد علج يهودي هو في نظر قاتله لا يساوي الرصاصة التي رمي بها، رغم أن هدم بيت الله حجراً حجراً أهون على الله من سفك دم امرئ مسلم كما جاء في الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما.

فصنم بوذا لدى المشركين البوذيين أو غيرهم هو أثر تاريخي وقيمة تراثية، لكن عند المسلمين لا يعدو أن يكون صنماً حجرياً عبده من دون الله من لا خلاق لهم في الآخرة، وحقه أن يفعل به ما فعل بإخوانه من قبل، فيضحى به على اسم الله، ويقال ما قاله أكرم البشر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وهو يهدم الأصنام بيده: (جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا [الإسراء:81])، فإن اعترض معترض قلنا له ما قاله الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ [الأنبياء:63] فلماذا لم يدفع عن نفسه لما كان إلهاً يعبد والناس تعطيه هذه السمة؟! لماذا لم يدفع عن نفسه البارود والمدافع ونحو هذه الأشياء؟!

مواقف دعاة التنوير الخبثاء

ويخرج من يسمون أنفسهم بالمستنيرين -وهم في ظلامهم يعمهون- والعلمانيين -وهم في جهلهم سادرون- يقول أحدهم -للأسف الشديد-: أتى ذات مرة رجل من قوات طالبان فزارني إلى منزلي وصلى فيه، فشك في الصلاة وأعاد الصلاة بعد ذلك لأن منزلي به أصنام!

فيحكي أن هذا إنسان متخلف شك في الصلاة، يقول: لما صلى في البيت عندي وعرف أن هناك تماثيل في الحجرة شك وأعاد الصلاة بعد ذلك خارج البيت!

فهذا يتكلم كأن هذا إنسان ومخلوق جاء من كوكب آخر! فما هذا الإنسان الغريب؟!

فهو يحكي الكلام لأناس بنبرة استنكار، فلماذا يغضب الطالباني هكذا على الصنم؟!

موقف الإسلام من الشرك وذرائعه

وإذا تأملنا في حال الشجرة التي بويع تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان فهي شجرة -بلا شك- ذات بعد تاريخي حقيقي، لكن خاف عمر رضي الله تعالى عنه من أن تكون ذريعة إلى الشرك، فاقتلعها من جذورها، فكيف ببوذا المعبود من دون الله؟!

فبعد أن كنا نرى الأصنام من ذهب فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا

صرنا نرى الأصنام من حجر فنرفعها لنرضي بعدها الكفارا

فليعلم بالضرورة أن الإسلام هو دين التوحيد، وأنه عدو الأصنام، فهذا معلوم في الدين بالضرورة، يقول الله تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36].

وحينما نقول: (الإسلام) فلا نقصد رسالة النبي محمد عليه الصلاة والسلام فحسب، وإنما الإسلام الدين الوحيد الذي نزل من السماء على جميع الأنبياء والمرسلين عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، قال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ [النحل:36]، وقال تعالى: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ [الأنبياء:25].

جاء خاتم الرسل والنبيين صلى الله عليه وسلم فنشر الله به التوحيد، وأعلى مناره، ودك به حصون الشرك ومحى أثره.

ثم إن الإسلام ازداد غربة يوماً بعد يوم إلى أن صارت قطعيات الدين وقطعيات التوحيد محل نقاش وسؤال عند كثير من الجهلة، مصداق قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بدأ الإسلام غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ).

ونقول ما قاله بعض العلماء الأفاضل: لا يشك صبيان أهل التوحيد وأطفالهم في أن مثل هذا العمل من أعظم القربات وأجل الطاعات، وهو ما بعثت له الأنبياء وأرسلت الرسل، وما كنا نظن أن يأتي زمان نحتاج فيه إلى أن نثبت بالأدلة أن هدم الأوثان والأصنام وأوكار الشرك من أعظم واجبات الدين، ولكننا في زمن أتى بالعجائب.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، لاسيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرفاء، أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

فهناك حدث فرض نفسه ينطبق عليه قول القائل مع بعض التعديل: الجنازة حارة والميت صنم.

فكثير من الضوضاء حصل في قضية تحطيم الصنمين لبوذا في أفغانستان كما هو معلوم، ولقد انتزعت حركة طالبان الأضواء في الأيام الأخيرة فصوبت عيون العالم كله على أفغانستان حالياً وخراسان سابقاً في التاريخ الإسلامي، واستُنفر علماء الآثار والمؤرخون ومدراء المتاحف العالمية، وجميع الصحف وهذه اليابان -وهي أكبر مانح للمعونات في تلك المنطقة- طالبت تدخل دول الخليج، وضغطت على قطر، وقطر أرسلت وفداً، ومدير عام اليونسكو وهو شيرو متورا ، -وهو ياباني بوذي- طلب وساطة سياسية من بعض الدول، ومكث مبعوثه -وفي نفس الوقت- أيضاً -مكث مبعوث رئيس فرنسا شيراك بيير لافرانك - أكثر من عشرة أيام يحاول أن يثني عزم طالبان عن قرار هدم تمثالين، وهما تمثالان يعتبران أكبر تمثالين لبوذا في العالم في وسط أفغانستان، وقد استغرق بناؤهما مائتي سنة، قرنان كاملان بني فيهما هذان التمثالان.

وتقدمت دول عديدة مثل الهند واليونان بعروض سخية لإنقاذ التمثالين، ومتحف الميترو كوليتن في نيويورك تقدم -أيضاً- بعروض سخية يتبرع بها لأجل أخذ هذه التماثيل، وجمعت اليونسكو خمسةً وأربعين وزير ثقافة ليتحدثوا عن هذين الصنمين، ومحاولة المطالبة والضغط لاستنقاذهما.

والمؤلم -حقيقة- في القضية أن أناساً من بني جلدتنا وصل بهم الحال إلى أنهم طالبوا الدول الغربية بتدخل عسكري سريع وحاسم لإنقاذ هذه الحجارة، وهو تدخل عسكري سيترتب عليه إراقة دماء مسلمة، فالتراث البوذي عندهم لا يمكن التهاون به، لكن دماء المسلمين شيء أرخص ما يكون!

وهذه القضية لا ينبغي أن تمر مروراً عابراً، بل هي كمثيلاتها من القضايا تحتاج إلى وقفة وتأمل وتدبر ومدارسة، وعلى الأقل يكون كلامنا وجهة نظر من وجهات النظر، ويسمع الناس صوتاً آخر غير تلك الأبواق التي تأتينا عبر الفضائيات -كما يسمونها- وتشوش على الناس وعلى أحكام الإسلام.

فبعض الناس أقاموا أنفسهم وكلاء عن الغرب في الدفاع عن هذا الأمر، وزين بعضهم العبارات، وأوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وفي الحقيقة لم يكونوا منصفين على الإطلاق، وعامة من سلطت عليه الأضواء في تناول هذه القضية من المنحازين تماماً للثقافة الغربية، وإن كانوا في لغة عربية وفي ثوب إسلامي للأسف الشديد، فهم يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً، وأقوى دليل على أنهم لم يكونوا منصفين ولم يكونوا ممثلين صادقين لحكم الإسلام في هذه القضية: أنهم تجاهلوا تماماً أدلة الآخرين، وما أوردوا حديث علي بن أبي طالب إلا في معرض الرد عليه أو تأويله، أو إذا كانت الأصنام تعبد فقط، أما أن يكون كأي بحث علمي في العالم لابد له من أن تأتي بأدلة كل طرف، ثم تتكلم عن وجه الدلالة بعد توثيق الأدلة، ثم تحصل المناظرة أو المناقشة ثم يكون الترجيح بين هذه الأدلة والموازنة بينها فذلك أمر ليس هنا مكانة.

فهؤلاء الناس المدسوسون على الفقه فرضوا نوعاً من الوصاية على الفتوى الشرعية، وأوهموا الناس أن كلامهم الحق الذي لا يقبل الجدال، وأن أي واحد يخالف فهو رجعي متخلف، وأحياناً يستخدمون كلمة (سلفي) للتعبير عن المخالفين في سياق الذم، والتحقير للمسلمين.

والحادث حدث جلل في الحقيقة يحتاج إلى أن نتأمل فيه الحالة التي وصلت إليها البشرية، فهذه الحادثة في حد ذاتها من الوقائع التاريخية التي تكشف لنا -بل التي هي خير شاهد- المدى الذي تردت إليه البشرية في انحطاطها، وليس في تحضرها كما يزعمون، فهذا أقوى شاهد على مدى الانحطاط الذي وصلت إليه البشرية، وكيف أنها وقعت في هاوية سحيقة من الجهل والكفران.

كان ينبغي للجميع أن يعلموا أن لدينا منظومة قيامية، لنا منظومة قيامية خاصة بنا نستمدها من إسلامنا ومن عقيدتنا، ومن ديننا الحنيف الذي نؤمن أنه الدين الوحيد الحق، وكل الأديان باطلة، وإن كان أرباب القانون الدولي والمنظمات العالمية والعولمة لا يقروننا على هذا الكلام، فكيف نقول: الإسلام دين الحق؟ هذا تحجر.

ونحن نقول: من شك في هذا ممن ينسب للإسلام لحظة واحدة خرج من الإسلام كما تنسل الشعرة من العجين، من شك لحظة واحدة في أن الإسلام هو الدين الحق، وأن كل ما عداه باطل، وأن الإسلام مهيمن على ما عداه من الأديان فلا يبقى من المسلمين، ولا يبقى عنده ذرة من الإيمان.

والوضع الذي رأيناه والذي حصل أو أصدق ما يعبر عنه أن نقول في جملة واحدة: كيف وقع المسلمون في جحر الضب؟! إلى هذا الحد دخل المسلمون جحر الضب، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لتتبعين سنن من كان قبلكم شبراً بشبر) يعني منتهى الحرص على تقليد العبد لسيده (لتتبعين سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم. قيل: اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟!) أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

فهذا يبين لنا الداء التي وصل إليه المسلمون، والوضع الذي غصوا به بعد أن دخلوا بالفعل جحر الضب، والرسول عليه الصلاة والسلام شبه بجحر الضب لأنه ملتوٍ، ولأنه لا يستوعب الضب ولا يستره، ولا يفي بحاجته، ومع ذلك يصر المسلمون على أن يتبعوهم وأن يحصروا أنفسهم في جحر الضب!

وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يأتي على الناس زمان يصدق فيه الكاذب، ويكذب فيه الصادق، ويخون فيه الأمين، ويؤتمن فيه الخائن، وينطق فيه الرويبضة. قيل: ومن الرويبضة؟ قال: الرجل التافه يتكلم في أمر العامة) أو كما قال صلى الله عليه وآله وسلم.

فهذه الحادثة كشفت أحد أعراض مرض التبعية والانهزامية التي تغلغلت في قلوب كثير من المسلمين، وهي تذكرنا بقول ابن خلدون رحمه الله تعالى حينما تكلم عن أن المغلوب مولع دائماً بتقليد الغالب، وتكلم عن أمارات تشبه المسلمين في الأندلس في ذلك الوقت بالأسبان أو بالكفار، إلى أن قال: وذلك من أمارات -أو علامات- الاستيلاء.

فهو تنبأ بسقوط الأندلس، وكان عمدته في ذلك أنه رأى المسلمين بدءوا يقلدون الكفار، فعد ذلك من أمارات الاستيلاء، وأن هذا سينتهي بهم في النهاية إلى أن يذوبوا في هذه الأمة التي يقلدونها.

وموضوع التماثيل في الحقيقة لا نريد أن نقول عنه: رب ضارة نافعة. لأنها -إن شاء الله- ليست ضارة، لكن لابد من أن مثل هذه الأحداث قد تكون نعمة من الله سبحانه وتعالى تلفت نظر الناس إلى أمور مهمة جداً؛ لأن التماثيل في حد ذاتها حكم الشرع فيها مما ينبغي أن يشاع العلم به بين المسلمين؛ لأننا نرى من المسلمين من يزين بيته بالتماثيل، سواء في مدخل البيت أو الفيلا أو في داخل الحجرات توضع تماثيل بقصد الزينة، وهذه شائعة في مجتمعاتنا، فهذا الأمر -أيضاً- يؤكد ضرورة الوقوف على هذا الأمر.

إن الكلام عن موضوع علاقة المسلمين بالغرب أو بالكفار عموماً مهم، فإنه لما استنفر كل العالم الغربي علينا وحصل ما حصل جاء الدور ليستنفر العالم الشرقي الوثني عابد الأوثان على المسلمين أيضاً، وعليه فإننا ما زلنا نؤكد الحقيقة التي ينبغي أن يفقهها كل مسلم، وهي أن التفسير الوحيد الصحيح للتاريخ هو أنه صراع بين الإسلام والكفر، كل التاريخ من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة كله يدور حول هذا المحور، وصحيح أنه يؤخذ صوراً أخرى، لكن هذا هو الحقيقة وهذا هو جوهر هذا الصراع، فهو صراع بين الإسلام والكفر، بين الإسلام الذي أتى به جميع الأنبياء من لدن آدم عليه السلام إلى خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم، وبين الكفر بكل ألوانه وأطيافه واتجاهاته.

إننا الآن نعيش في عصر ما يسمى بالعولمة، أو النظام العالمي الجديد الذي رسمت ملامحه وبكل صلف وبكل استبداد أمريكا، والذي يهدف إلى توطيد دعائم الود والتفاهم والسلام والأخوة الإنسانية أو الأخوة الحمارية.

أريد أن أقول: إن المقصود من هذه الأمور أن توطد دعائم الود والتفاهم بين الحمار وراكبه، فهذه نظرة أمريكا للعالم عموماً وللعالم الإسلامي -للأسف- على وجه الخصوص!

فالناس كلهم صاروا يتنفسون هذا الهواء المسمم، ولذلك نحن لا نحس بهذا التسمم إلا إذا فتحت نافذة للهواء النقي الذي يهب علينا من عصور الإسلام الأولى ومن الكتاب ومن السنة حتى نشعر بالسموم التي نتنفسها.

فهم تواضعوا الآن على جملة من المفاهيم قدسوها تقديساً، وشنوا الحملات الشرسة على كل من يخالف هذه المفاهيم، وهذا بمنتهى البساطة لا يلزم المسلمين؛ لأنه لا يمثل لنا أي مرجعية.

وهنا يأتي موضوع المقايضة، ومعناه: أن تتنازل لي عن شيء من عقيدتك وأتنازل لك عن شيء من عقيدتي. وهذا المنطق موجود، لكن وجوده لا بأس به بين الأديان الباطلة بعضها مع بعض، كل واحد يتنازل حتى يلتقي الجميع في منتصف الطريق، أما المسلمون فلا يمكن أبداً أن يقبلوا هذا المبدأ، مبدأ التنازل عن موقف الإسلام من الأصنام، فهذا غير قابل على الإطلاق للتحوير أو المغالطة، وهذا هو ما كشفته بجلاء سورة الكافرون، وقد جاء الرد فيها حاسماً لأطماع هؤلاء الكافرين.

فموضوع (تنازل لي وأتنازل لك) بحجة الأعراف الدولية والقانون الدولي والتراث الإنساني... إلى آخر هذا الكلام هذا يسري بينهم، وهم عندهم قابلية للتنازل إلى أبعد مدى، حتى لو خلعوا دينهم بالكلية كما حصل من الغرب مع النصرانية، وإن لم يخلعوا ثوب التعصب والحقد الأعمى على المسلمين، لكن يستثنى الدين الحق، فالدين الحق غير قابل على الإطلاق لأن يدخل في هذه المقايضة.

وكما قلت فهذه الحادثة كشفت عن المدى الذي وصلت إليه البشرية من الانحطاط والتدهور، وتثبت أن المسلمين بالفعل هم أرقى الأمم على الإطلاق، المسلمون الموحدون هم أرقى الأمم، وأقصد المسلمون الذين هم موحدون؛ لأن كل المسلمين -والحمد لله- موحدون، فنحن -المسلمين- أرقى الأمم على الإطلاق، وأعقل الأمم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لا توجد أمة على الإطلاق في عقل المسلمين.

وصحيح أن هناك تخلفاً في النواحي المادية وغير ذلك، وهذه قضية أخرى، لكن في جوهر الحياة والغاية من الحياة -وهي عبودية الله سبحانه وتعالى- لا يوجد على الإطلاق أمة ترتقي إلى مستوى هذه الأمة الإسلامية.

أما موضوع القانون الدولي ونحو هذه العبارات التي يطلقونها فنحن لا ننخدع بالقانون الدولي والأعراف الدولية والتقاليد والذم، وقول: هذه وحشية وبربرية، والتماثل هذه إبداع وفن وتراث إنساني.. إلى آخر هذا الكلام.

ونقول لهؤلاء الناس: ألم يدافعوا عن سلمان رشدي من قبل بحجة الإبداع، وأن سلمان رشدي له حرية الكاتب في أن يعبر عما شاء، في حين أنّه لما رفع المسلمون قضية في القضاء البريطاني تطالب بمحاكمته طبقاً للقانون الإنجليزي قالت بريطانيا -والغرب معها- لا؛ فالقانون الإنجليزي يحمي الملكة فقط، يحمي النظام الملكي، فلا أحد يسب الملكة وإلا يعاقب ويُجرّم، أما ما عدا ذلك فالقانون لا يحميه.

فالشاهد أن هذا من تسمية الأشياء بغير مسمياتها، واللعب بالاصطلاحات، وإظهار الباطل في صورة الحق والحق في صورة الباطل، عن طريق إضفاء أسماء منفرة أو أسماء جذابة، كتسمية هذه الأشياء إبداعاً، أو فناً جميلاً، أو رقياً، أو تحضراً.. إلى آخر هذه الأسماء.

وفي عقيدتنا -باختصار شديد- أن تعظيم التماثيل وعبادتها من دون الله هو قمة انحطاط البشرية، وهل هناك نقاش عند أي عاقل في أن إنساناً يصنع التماثيل بيده ثم يعبدها وهو أكمل منها وأعقل منها؟!

يقول الله تبارك وتعالى: وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ [الحج:31].

فموضوع منظومة القيم والمبادئ التي عندنا نحن -المسلمين- تختلف تماماً عما هي عند الغرب وعند الشرق بكل وضوح، فلا نستطيع إطلاق القول بأن الإسلام يعمل نوعاً من الفلترة أو الترشيح للتراث، ليس كل تراث الإسلام يقبله، فالإسلام لما دخل وأشرق نوره في ربوع الأرض كلها في العالم القديم حصل نوع من الترشيح والفرز لهذا التراث في كل بلاد دخلها، وصبغها بصبغة دين الحق، وألغى ما يتعارض مع عقيدته وشريعته، فما يلهج به بعض الناس كل حين فيتكلمون ويجعلون الجملة هذه باستمرارٍ قاسماً مشتركاً بين كل المقالات التي نشرت -تقريباً- بأن هذه التماثيل موجودة قبل أن يدخل الإسلام هذه البلاد، ولأن لها أقدمية فينبغي أن تحترم كل هذا غير صحيح؛ فدين الإسلام ناسخ لكل ما عداه من الأديان السماوية، فما بالك بالأديان الوثنية الأرضية؟! أتدري ما الإسلام؟ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ [الصف:9] وتأمل قوله تعالى: (ولو كره المشركون)، فالموقف الطبيعي أنهم يكرهون ذلك.

فموضوع التراث البشري واحترام عقائد الآخرين ليس بصحيح على إطلاقه، فلو عثر على صليب عمره ألف وثلاثمائة سنة -مثلاً- هل نقول: هذا تراث بشري ينبغي أن نحافظ عليه، أم أن هذا رمز من رموز الكفر والتكذيب بالله ولرسل الله؟

فإن قيل: هذا تراث بشري يحافظ عليه قلنا: لو كنتم تحترمون عقائد الآخرين إذاً لا تذبحوا البقر؛ لأن الهندوس سيغضبون وسيغارون على آلهتهم ويمنعون ذبح البقر؛ لأن هذه آلهتهم، وهي أفضل من أمهم، كما كان غاندي يدافع عن البقر، وينشد في ذلك كثيراً من الكلام، فراعوا شعور الهندوس لأنهم يعبدون البقر، فالمفروض أن لا يذبح البقر من أجل التراث البشري، بل إن هذا أهم عندهم من التراث، وهو الإله نفسه! ولا حول ولا قوة إلا بالله!

وسنقول كذلك: لا تقتلوا الفئران؛ فهناك في شرق آسيا من يعبدون الفئران، وروى أحد الإخوة أنهم وهم جالسون في مكان عام يأكلون الأرز كان الفأر يصعد على الطبق ويصعد على رأس أحدهم ولا يمس بسوء؛ لأن هذا إله عنده! ويقيمون معابد من الرخام الأبيض حتى تعبد فيها الفئران، فدلا داعي لقتل الفئران، وهذه الأشياء من باب احترام تراث الآخرين.