الإسلام عدو الأصنام [2]


الحلقة مفرغة

والآن ننتقل إلى الكلام عن شبه القوم في هذه المسألة.

وفي الحقيقة أنّ هؤلاء أشبهم -للأسف الشديد- بالحرباء، فالأسلوب المتبع عندهم ليس أسلوب العالم أو الباحث النزيه، بل هو الكلام الحاوي نوعاً من الحيل في طمس الحقيقة، وكنا نود أن يكون هناك محامون غير هؤلاء الناس عن التماثيل.

دعوى ترك الصحابة الفاتحين مصر هدم الأصنام

يقول أحدهم: المسلمون -ويتكلم بمنتهى الجزم والقطع والحث- عندما دخلوا مصر مع عمرو بن العاص لم يطمسوا التماثيل -وانظر إلى الكلام المحرف-، كان منهم عشرات من الصحابة، كان فيهم البدريون والأنصار وحفاظ القرآن، ومنهم الرجل الذي بثلاثة آلاف ولم يطمسوا تمثالاً قط.

وسنجيب بالدليل عليه، ونقول له: بل العكس، فمتى ما رأوا تمثالاً أو وثناً استطاعوا هدمه هدموه، فاثبت أنت العكس!

فعندنا نحن الأسانيد وقد ذكرناها، أما هو فلم يأت بدليل.

وهذا الدكتور قال كلاماً، وسأقول ولك ولكم الحكم، فمن ضمن الكلام أنه قال -بعدما قال: إن الصحابة دخلوا مصر ولم يطمسوا تمثالاً قط وتأمل هذه الخيبة- قال: لم يطمسوا تمثالاً قط، إنما كان الذي طمس التماثيل هم النصارى الذين دخلوا مصر، فوجدوا الفراعنة قد صنعوا تماثيل، ومن زار منطقة الصعيد والأقصر -خاصة- فهناك معابد مصرية قديمة فيها التمثال بصورته الأصلية، وفيها التمثال مطموساً وجهه ومرسوماً عليه الصليب؛ لأن النصارى لما دخلوا رأوا أن هذه التماثيل تناقض عقيدتهم فطمسوها.

وهذا شيء يخجل، فهو الذي قال هذا الكلام بالحرف، يقول: لأن النصارى لما دخلوا رأوا أن هذه التماثيل تناقض عقيدتهم فطمسوها. مع أنه واضح أن النصارى هؤلاء لم يكونوا على الدين الحق؛ لأن النصارى عباد صلبان، ومع ذلك كيف يقال: رأوا التماثيل تناقض عقيدتهم فطمسوها؟!

يقول: وبعض التماثيل مطموس منها الوجه الفرعوني ومركب عليه وجه الإسكندر الأكبر؛ لأن هؤلاء من أتباع الإسكندر فصنعوا هذا، ففكرة تدمير ما كان سابقاً فكرة غير إسلامية فكرة صنعها غير المسلمين.

ونقول: بل أمر بها الله، وصنعها رسوله عليه الصلاة والسلام، وصنعها إبراهيم ونوح وأنبياء الله أجمعين.

وإذا أردتم التدليس فهاتوا القضية مجتمعة لنناقش، فالقضية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.

دعوى هدم المسلمين الأصنام المعبودة وتركهم تماثيل الآثار

ومن مغالطات هؤلاء الحواة الكلمة التي يكررونها دائماً وكل حين، حيث يتكلمون عما عليه الناس باعتباره حجة، فيقولون: المسلمون دخلوا وما فعلوا، وكان المسلمون وما زالت هناك تماثيل ... الخ.

وكان هناك مسجد بين تمثالين كبيرين في الأقصر -كما أظن- فهدم هذا المسجد، فقالوا: هدم المسجد لأن أيام الملك كان فيها فتن.

ونحن نقول: لا، بل الذي هدمه هدمه لأنه قال: لا يجوز أن يقام مسجد أمام التمثالين. ثم أعيد بعد ذلك تحديثه.

فهم يدندنون على أن المسلمين لم يمسوا الأصنام بسوء، وقد علم بالاستقراء أنّ هذا الكلام مزيف، وهذه دعوى زائفة وكذب وتضليل وخداع، فإذا كان العلماء لم يوافقوا الإمام مالكاً رحمه الله تعالى -وهو الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى- في اعتبار أن عمل أهل المدينة حجة كحجة الإجماع فكيف بغير أهل المدينة؟!

فالمغالطة هنا أنهم يضحكون على الناس، والناس معظمهم عوام لا يفهمون، لكن المتخصصين لا ينطلي عليهم هذا الدجل؛ لأن الأدلة الشرعية لها ترتيب في القرآن، فهناك أدلة متفق عليها، وهناك أدلة مختلف في حجيتها، فالأدلة المتفق عليها أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ثم الأدلة المختلف عليها معروفة، وهي أدلة كثيرة.

وهذا الأمر ليس من ضمن الأدلة المختلف عليها عمل الناس وواقع الناس، فلا أحد أبداً يستطيع أن يدعي أن الناس معصومون، والبدع كانت قد حصلت في أواخر عهد الصحابة، ونشأت بعد ذلك حركات كثيرة في الإسلام، فالناس غير معصومين.

ولقد عرضت أمام بعض الفقهاء الكبار في المدينة -أعني علماء التابعين- قضية معينة، فقال أحد الحاضرين: ليس على هذا عمل الناس. فرد عليه أحد الأئمة فقال: أرأيت إن كثر الجهال حتى كانوا هم الحكام، أهم الحجة على السنة؟

فالحجية -باتفاق- الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فإذا أردت أن تقيم دليلاً احصر نفسك في داخل الأدلة الشرعية، حتى الأقل، وهو الأدلة المختلف في حجيتها، ولكن لا تأت بدليل ليس هو من الأدلة الشرعية، فينبغي أن ننتبه إلى هذا، فالقول بأن الناس عملوا، وأن المسلمين عملوا، وأن المسلمين أقروا هذه الأشياء وهي موجودة في بلادهم ولم يمسوها بسوء لا يصح هنا؛ إذا هل المسلمون معصومون كأفراد من الناس؟! فالحجة في إجماع المجتهدين.

وبعض أولئك وصل به الدجل إلى أن قال: حتى الإمام محمد عبده عندما زار صقلية ورأى هذه التماثيل النصرانية أشاد بها وقال: إنها ليست للعبادة.

فأنت تأتي برجل متأخر تقدمه على كلام الله وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام وكلام السلف الصالح والصحابة! فهذا نوع من الدجل فيه قصد تلبيس بالدليل الشرعي، والدليل الشرعي ليس كلام أي أحد كما يريدون أن يفعلوا، بل الدليل الشرعي إما الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، ثم قد يكون المجتمع بالأدلة المختلف فيها متمسكاً بشيء، أما أن تتشبث بكلام الناس وأفعال الناس فهذا من الدجل في الحقيقة.

يقول أحدهم: المسلمون -ويتكلم بمنتهى الجزم والقطع والحث- عندما دخلوا مصر مع عمرو بن العاص لم يطمسوا التماثيل -وانظر إلى الكلام المحرف-، كان منهم عشرات من الصحابة، كان فيهم البدريون والأنصار وحفاظ القرآن، ومنهم الرجل الذي بثلاثة آلاف ولم يطمسوا تمثالاً قط.

وسنجيب بالدليل عليه، ونقول له: بل العكس، فمتى ما رأوا تمثالاً أو وثناً استطاعوا هدمه هدموه، فاثبت أنت العكس!

فعندنا نحن الأسانيد وقد ذكرناها، أما هو فلم يأت بدليل.

وهذا الدكتور قال كلاماً، وسأقول ولك ولكم الحكم، فمن ضمن الكلام أنه قال -بعدما قال: إن الصحابة دخلوا مصر ولم يطمسوا تمثالاً قط وتأمل هذه الخيبة- قال: لم يطمسوا تمثالاً قط، إنما كان الذي طمس التماثيل هم النصارى الذين دخلوا مصر، فوجدوا الفراعنة قد صنعوا تماثيل، ومن زار منطقة الصعيد والأقصر -خاصة- فهناك معابد مصرية قديمة فيها التمثال بصورته الأصلية، وفيها التمثال مطموساً وجهه ومرسوماً عليه الصليب؛ لأن النصارى لما دخلوا رأوا أن هذه التماثيل تناقض عقيدتهم فطمسوها.

وهذا شيء يخجل، فهو الذي قال هذا الكلام بالحرف، يقول: لأن النصارى لما دخلوا رأوا أن هذه التماثيل تناقض عقيدتهم فطمسوها. مع أنه واضح أن النصارى هؤلاء لم يكونوا على الدين الحق؛ لأن النصارى عباد صلبان، ومع ذلك كيف يقال: رأوا التماثيل تناقض عقيدتهم فطمسوها؟!

يقول: وبعض التماثيل مطموس منها الوجه الفرعوني ومركب عليه وجه الإسكندر الأكبر؛ لأن هؤلاء من أتباع الإسكندر فصنعوا هذا، ففكرة تدمير ما كان سابقاً فكرة غير إسلامية فكرة صنعها غير المسلمين.

ونقول: بل أمر بها الله، وصنعها رسوله عليه الصلاة والسلام، وصنعها إبراهيم ونوح وأنبياء الله أجمعين.

وإذا أردتم التدليس فهاتوا القضية مجتمعة لنناقش، فالقضية واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.

ومن مغالطات هؤلاء الحواة الكلمة التي يكررونها دائماً وكل حين، حيث يتكلمون عما عليه الناس باعتباره حجة، فيقولون: المسلمون دخلوا وما فعلوا، وكان المسلمون وما زالت هناك تماثيل ... الخ.

وكان هناك مسجد بين تمثالين كبيرين في الأقصر -كما أظن- فهدم هذا المسجد، فقالوا: هدم المسجد لأن أيام الملك كان فيها فتن.

ونحن نقول: لا، بل الذي هدمه هدمه لأنه قال: لا يجوز أن يقام مسجد أمام التمثالين. ثم أعيد بعد ذلك تحديثه.

فهم يدندنون على أن المسلمين لم يمسوا الأصنام بسوء، وقد علم بالاستقراء أنّ هذا الكلام مزيف، وهذه دعوى زائفة وكذب وتضليل وخداع، فإذا كان العلماء لم يوافقوا الإمام مالكاً رحمه الله تعالى -وهو الإمام مالك إمام دار الهجرة رحمه الله تعالى- في اعتبار أن عمل أهل المدينة حجة كحجة الإجماع فكيف بغير أهل المدينة؟!

فالمغالطة هنا أنهم يضحكون على الناس، والناس معظمهم عوام لا يفهمون، لكن المتخصصين لا ينطلي عليهم هذا الدجل؛ لأن الأدلة الشرعية لها ترتيب في القرآن، فهناك أدلة متفق عليها، وهناك أدلة مختلف في حجيتها، فالأدلة المتفق عليها أربعة: الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ثم الأدلة المختلف عليها معروفة، وهي أدلة كثيرة.

وهذا الأمر ليس من ضمن الأدلة المختلف عليها عمل الناس وواقع الناس، فلا أحد أبداً يستطيع أن يدعي أن الناس معصومون، والبدع كانت قد حصلت في أواخر عهد الصحابة، ونشأت بعد ذلك حركات كثيرة في الإسلام، فالناس غير معصومين.

ولقد عرضت أمام بعض الفقهاء الكبار في المدينة -أعني علماء التابعين- قضية معينة، فقال أحد الحاضرين: ليس على هذا عمل الناس. فرد عليه أحد الأئمة فقال: أرأيت إن كثر الجهال حتى كانوا هم الحكام، أهم الحجة على السنة؟

فالحجية -باتفاق- الكتاب والسنة والإجماع والقياس، فإذا أردت أن تقيم دليلاً احصر نفسك في داخل الأدلة الشرعية، حتى الأقل، وهو الأدلة المختلف في حجيتها، ولكن لا تأت بدليل ليس هو من الأدلة الشرعية، فينبغي أن ننتبه إلى هذا، فالقول بأن الناس عملوا، وأن المسلمين عملوا، وأن المسلمين أقروا هذه الأشياء وهي موجودة في بلادهم ولم يمسوها بسوء لا يصح هنا؛ إذا هل المسلمون معصومون كأفراد من الناس؟! فالحجة في إجماع المجتهدين.

وبعض أولئك وصل به الدجل إلى أن قال: حتى الإمام محمد عبده عندما زار صقلية ورأى هذه التماثيل النصرانية أشاد بها وقال: إنها ليست للعبادة.

فأنت تأتي برجل متأخر تقدمه على كلام الله وكلام الرسول عليه الصلاة والسلام وكلام السلف الصالح والصحابة! فهذا نوع من الدجل فيه قصد تلبيس بالدليل الشرعي، والدليل الشرعي ليس كلام أي أحد كما يريدون أن يفعلوا، بل الدليل الشرعي إما الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس، ثم قد يكون المجتمع بالأدلة المختلف فيها متمسكاً بشيء، أما أن تتشبث بكلام الناس وأفعال الناس فهذا من الدجل في الحقيقة.

وهنا أمر مهم جداً ينبغي أن ننتبه له، وهو كلمة قالها وزير خارجية طالبان -وهو وكيل أحمد المتوكلي - بمنتهى الدقة، قال: نحن نقر أن التماثيل جزء من تراث أفغانستان، ولكننا سنتخلص من ذلك الجزء من تراثنا الذي يتعارض مع عقيدتنا.

كلمة حكيمة في الحقيقة، فصحيح أن ذلك تراث، لكن ذلك التراث سنعمل له تصفية بحيث نبقي ما لا يتعارض مع العقيدة، بل يتوافق معها.

فوجود هذه الآثار فيه عظة لمن يعتبر، ولذلك أمر الله بالنظر في آثار السابقين لأنها عبرة؛ لأنهم كانوا أشد منا قوة، فلما عتوا عن أمر ربهم نزل بهم العذاب واستأصلهم، فتلك ديارهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً.

فالتعميم كذلك فيه نوع من الظلم، والموقف واضح للغاية، فالتراث عندنا يفرز، فما يتعارض مع العقيدة يزال، وما لم يتعارض مع العقيدة فلا بأس به، لذلك ترك الصحابة أشياء غير التماثيل، وإلا فلن يعجزوا عن تحطيمها كما سنبين إن شاء الله تعالى.

ولذلك أعلنت طالبان نفسها أنها لن تدمر الآثار القديمة التي ليست على شكل تماثيل، وأعيد عبارة وزير خارجية طالبان ، يقول: نحن نقر أن التماثيل جزء من تراث أفغانستان، ولكننا سنتخلص من ذلك الجزء من تراثنا الذي يتعارض مع عقيدتنا.

ومن الأشياء التي لا يعلمها كثير من الناس أن الجزيرة العربية مليئة بالآثار، فنحن نتكلم عن أماكن الآثار كالأقصر وأماكن الفراعنة الكبيرة، بينما في الجزيرة العربية في منطقة ديار ثمود عجائب وعجائب، فديار ثمود -قوم صالح- نفسها موجودة، والذي يذهب من مصر أو الشام إلى الحجاز عن طريق البر يمر وهو على طريق المدينة فيجد السهم يؤدي إلى هذه الأشياء.

ولقد رأيت بنفسي صوراً لديار ثمود، فالجبال نفسها منحوتة من الداخل -البيوت والسلالم والنوافذ- نحتاً عجيباً يدل على مدى قوة هؤلاء القوم الذين أهلكهم الله سبحانه وتعالى.

فهذه آية من آيات الله، ولن نتكلم الآن في التفصيل في حكم زيارة هذه الأماكن؛ لأن هناك تفصيلاً فيها، لكننا ننبه على أن هذه الأشياء ما دمرها الصحابة، وهي موجودة، والرسول عليه الصلاة والسلام مر بها، وأمر الصحابة أن لا يمروا بهؤلاء المعذبين إلا أن يكونوا باكين. فهي موجودة وهي آثار، والرسول عليه الصلاة والسلام رآها، ولكن مر عليها بسرعة؛ لأنها ديار أولئك المعذبين، فهي لا تزال شاخصة موجودة في الجزيرة العربية.

وكذلك بيوت اليهود في خيبر، ولقد دخلتها، فبيوت اليهود في خيبر على أطم عالٍ، وكان هناك ثقب في الأسلاك الشائكة فدفعني الفضول إلى أن أصعد إلى أن وصلت، وهي موجودة حتى الآن في خيبر، ولكن علماء السعودية -جزاهم الله خيراً- يقومون بواجبهم في الاحتياط الشديد من هذه الأشياء، ولذلك هي مهجورة.

ومما يدل على حرصهم وانتباههم للوسائل التي قد تؤدي إلى محذور أنه حصل في يوم من الأيام أن بعض الناس من أصحاب النوايا الحسنة أتوا إلى بيت الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وأعادوا بناءه من جديد بنفس اللبن الطيني الذي كان بني به، وأرادوا بذلك الاهتمام بتراث شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ، ونشر هذا الخبر في إحدى الصحف، فالعلماء بمجرد أن سمعوا ذلك أصدروا أمراً بهدم هذا البيت؛ لكي لا يفتح باب الغلو في شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وأمروا بأن يتخذ مكانه توسعة للشارع حتى ينسى تماماً موضوع بيت شيخ الإسلام، وممن أفتى بذلك الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ ابن باز رحمهما الله، وهناك أيضاً فتوى في موضوع دار الأرقم بن أبي الأرقم .

ومما احتاطوا فيه كذلك موضوع المكان الذي ولد فيه النبي عليه السلام، وهو الآن المكتبة التي هي قريبة من الحرم، فهناك احتياط شديد لعقيدة الناس، والعلماء رأيهم أنه مهما أخذت من احتياطات فالجهال لا يقتنعون، ولعلك ترى بعينيك ما يفعلون أمام المقصورة النبوية، فالسياج من النحاس يتمسحون به، ويغافلون الحارس لكي يأخذوا قبلة، ويتمسحون بثيابهم .. . إلى آخر هذه الأشياء!

فالغلو أصلاً موجود، والجهل شائع بين الناس، فلابد من الاحتياط في أمر العقيدة ما أمكن.

وقد كتب فهمي هويدي للأسف الشديد، وأنا لا أعرف دراية فهمي هويدي بالفقه! ودعك من السياسة والتحليلات والكلام كله، فما له وللفقه يتكلم فيه! فهو يضع نفسه في مواضع نسأل الله أن يسامحه فيها، ومن ذلك كلامه على الشيعة، والكلام كله غير صحيح، وكذلك كلامه في موضوع الأصنام حيث يقول كلاماً غريباً، يقول: وبعض الصحابة الذين دخلوا إلى مصر ذهبوا إلى الأهرامات وكتبوا أسماءهم عليها، وكأنه يرى أنهم أصحاب ذكريات، ولم يبق لهم إلا أن يرسموا عليها قلوباً تخترقها أسهم كما يصنع الشباب اليوم!

من الملاحظ في سياق كثير من الكاتبين -وخاصة العلمانيين- أنهم دائماً يكررون عبارة موهمة، كما قال تعالى: وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ [محمد:30]، يقولون: هذه كانت موجودة قبل دخول الإسلام.

أي أنها قبل أن يأتي الإسلام كانت موجودة، فهذا الأصل وأنتم أناس طارئون ودينكم كذلك.

ونقول: إن الإسلام الذي نزل إلى الأرض ليس هو دين محمد عليه الصلاة والسلام فقط، بل الإسلام هو دين البشرية كلها منذ أن أنزل الله آدم إلى الأرض إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالإسلام دين شامل، وليس رسالة خاصة بدئت برسول الله محمد عليه الصلاة والسلام.

ثم أين روح الغيرة وروح الانتماء للإسلام؟! فالقائل: هذه موجودة قبل أن يأتي إسلامكم إلى بلادنا أو إلى هذه البلاد له روح ليس فيها انتماء للإسلام ولا غيرة ولا حمية، والله المستعان!

ولو انقلب الأمر وصار المسلمون أهل التمكين وأهل الغلبة على وجه الأرض، فماذا سيفعل هؤلاء الناس؟! إنهم سيقلدون الأغلب والأقوى.

مضطر أيضاً للإطالة هنا في هذه الجزئية قليلاً، وأبتدئها بترديد قول الشاعر:

اقرءوا التاريخ إذ فيه العبر ظل قوم ليس يدرون الخبر

فقضية التوحيد كانت لها أولوية مطلقة عند سلف الأمة، فلذلك عندما فتحوا البلاد كان أول أمر عملوه هو تطهير تلك البلاد المفتوحة من درن الوثنية، فهذا هدف واضح في القرآن، قال تعالى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [الأنفال:39] والفتنة هنا هي الشرك.

والذين يدعون قائلين: لماذا لا تأتون بأدلة من التاريخ على ما صنع الفاتحون؟ نقول لهم: الكلام الحقيقي كلام العلماء الذين هم بحق وحقيقة علماء وليسوا كذبة غاشين.

إن الصحابة والسلف لما فتحوا بلاد الدنيا كانوا يهتمون بتطهير البلاد من هذه الأوثان، فالإتيان بشواهد تؤيد هذا المعنى -أيضاً- مما يرد ويبطل كلام بعض الناس بأن تحريم الصور - التماثيل- كان في أول الإسلام لقرب العهد بالوثنية، فلما اشتهر الإسلام وتمكنت العقيدة نسخت هذه العلة.

وهنا أمر مهم جداً -أيضاً- نحب أن ننبه إليه، وهو متعلق بموضوع الهوية، فالمسلمون الفاتحون الأوائل، سواء أوائل المسلمين الذين دخلوا في الإسلام مثل الصحابة رضي الله تعالى عنهم من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم بعد ذلك في الدخول إلى الإسلام، أو التابعين، كيف كانوا قبل الدخول في الإسلام؟

كانوا وثنيين يعبدون الأصنام، وكانوا كفاراً مشركين إلا القليل، فهؤلاء كانت لهم هوية وطنية، وهوية قومية، وتراث حضاري، وكانوا معتزين جداً باللات والعزى، وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها لما كان القرآن ينزل بشتم وتسفيه آلهتهم، فكان لهم وطنية وقومية ووثنية وأصنام خاصة بهم، وكانوا يقدسون الأوثان ويعبدونها من دون الله، فهم لهم هوية أيضاً، وهو نفس القاسم المشترك الموجود الآن، لكن لما أتى الإسلام عرفوا أن الإسلام أتى لينسخ ويقضي على ما خالفه.

ونحن ندخل مع جميع العلمانيين، ونعيش معهم نفس دورهم، وننسى أن الذي يسمونه حضارة إنما ينفخون فيه قائلين: (هذه هي الحضارة).

وهذه الدنيا كلها لا تعدل عند الله جناح بعوضة، فهي كلها إلى زوال، فأي حضارة يقصدون؟! إنهم يقولون: الحضارة والإنسانية مجرد نفخ في أشياء؛ لأن هؤلاء أناس غربيون أفئدتهم خواء وعقولهم فارغة، فهم أحياناً يعظمون أشياء بطريقة تدل على تخلفهم عقلياً، كموضوع الكلاب مثلاً، أي: تعظيم الكلاب. وقد كنت مرة في أمريكا في الطريق العام في الليل تقريباً، ففوجئت بقوات الإطفاء والشرطة والزحام، وكان المرور متوقفاً، وكان الأمر كبيراً جداً، ثم ظهر في آخر الأمر أن ذلك بسبب قط أو كلب صدمته سيارة، ليظل المرور قرابة ساعتين متوقفاً. والناس الذين عاشوا في تلك البلاد يعرفون هذا الأمر، يعرفون اهتمامهم الشديد بموضوع الحيوانات والرفق بالحيوان، ويراد منهم أن يعملوا شيئاً اسمه الرفق بالإنسان، أي: الإنسان المسلم الذي يعذبونه في شتى بقاع الأرض.

فعندهم أشياء سخيفة يبالغون فيها، ومن ذلك أنهم يورثون الملايين للكلاب، فالكلب يرث، ويحرم المورث أولاده، فهؤلاء أناس انتكسوا في العقول والقلوب، ولا يصلحون أن يكونوا قدوة على الإطلاق، فالوجه الحقيقي للغرب -الوجه القبيح- ينبغي أن يكشف لهؤلاء المخدوعين بالغرب بالصورة التي هم عليها.

وإذا كان الإسلام قد أبطل الشرائع السماوية السابقة فكيف لا يبطل الأديان الباطلة والوثنية، فالإسلام يأتي بكل خط فاصل في حياة كل من ينتمي إليه، بحيث يفترق المستقبل عن الماضي تماماً، بخط فاصل، ومحطة فاصلة بين الماضي وبين الحاضر، فهكذا كل المسلمين الصادقين كانوا يفصلون بين الماضي والحاضر إذا دخلوا في الإسلام.

جاء في (معجم البلدان) أنه لما غلب عبد الرحمن بن سمرة بن حبيب على ناحية سجستان في أيام عثمان رضي الله عنه سار إلى الدوار، فحاصرهم في جبل الزون، وكان على الزون صنم من ذهب، فقطع يديه، وقطعه المسلمون وكسروه.

والقائد الفاتح محمد بن القاسم رحمه الله تعالى لما فتح بلاد السند حصل أنه في أثناء فتح إحدى مدن تلك البلاد علم أن في المدينة معبداً يقدسه الهندوس، وأن أهل المدينة يعتقدون أن مدينتهم ستفتح على يد جنود يسقطون العلم المثبت فوق المعبد، فقرر ابن القاسم الاستفادة من هذا الاعتقاد، فوجه المنجنيق الضخم إلى ذلك المعبد، وأمر قائد المنجنيق جعوبة السلمي بضرب ذلك العلم، ووعده بعشرة آلاف درهم جائزة له إذا أصاب الهدف، ونجح القائد، وتم ضرب العلم ودك المعبد، فهاج الكفار وخرجوا، فناهضهم المسلمون حتى هزموهم وردوهم.

فهذا -أيضاً- بلغة العولمة عدوان على التراث الإنساني.

والقائد محمود الغزنوي الذي عاش في نهاية القرن الرابع، وقال عنه ابن كثير رحمه الله: الملك الكبير المجاهد الغازي. وكان يحب العلماء والمحدثين، ويحب أهل الخير والدين- حينما غزا الهند كسر صنمهم الأكبر سنة أربعمائة وست عشرة من الهجرة، رغم أن عابدي هذا الصنم دفعوا له وبذلوا له وزنه ذهباً من أجل أن لا يهدم هذا الوثن، ومع ذلك هدمه رحمه الله تعالى.

وذكر ابن الجوزي رحمه الله في تلبيس إبليس: أن أهل بلخ كان لهم صنم بناه بنو شهر، فلما ظهر الإسلام خربه أهل بلخ.

وكذلك ما فعله الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله من تحطيم الأصنام والأوثان في عصره، وهو أمر معروف مشهور.

ويروي ابن كثير قصة فتح سمرقند بقيادة قتيبة بن مسلم فيقول: واقترب من المدينة العظمى التي بالصغد -وهي سمرقند- فنصب عليها المجانيق فرماها بها، وهو مع ذلك يقاتلهم لا يقلع عنهم، وناصحه من معه عليها من بخارى وخوارزم فقاتلوا أهل الصغد قتالاً شديداً، فأرسل إليه غورك ملك الصغد : إنما تقاتلني بإخواني وأهل بيتي -يعني المسلمين الذين انضموا إليه- فاخرج إلي في العرب.

فغضب عند ذلك قتيبة ، وميز العرب من العجم، وأمر العجم باعتزالهم، وقدم الشجعان من العرب، وأعطاهم جيد السلاح، وانتزعه من أيدي الجبناء، وزحف بالأبطال على المدينة، ورماها بالمجانيق، فثلم فيها ثلمة -أي: فتحة- فسدها الترك بغرار الدخن، وقام رجل منهم فوقها. فجعل يشتم قتيبة ، فرماه رجل من المسلمين فقلع عينه حتى خرجت من قفاه، فلم يلبث أن مات قبحه الله، فأعطى قتيبة للذي رماه عشرة آلاف، ثم دخل الليل، فلما أصبحوا رماهم بالمجانيق فثلم -أيضاً- ثلمة، وصعد المسلمون فوقها، وتراموا هم وأهل البلد بالنشاب ، فقالت الترك لـقتيبة : ارجع عنا يومك هذا، ونحن نصالحك غداً. فرجع عنهم، فصالحوه من الغد على ألفي ألف ومائة ألف يحملونها إليه كل عام، وعلى أن يعطوه في هذه السنة ثلاثين ألف رأس من الرقيق ليس فيهم صغير ولا شيخ ولا عيب -وفي رواية: مائة ألف من الرقيق، وعلى أن يأخذ حلية الأصنام وما في بيوت النيران، وعلى أن يخلوا المدينة من المقاتلة حتى يبني فيها قتيبة مسجداً ويوضع له فيه منبر يخطب عليه ويتغدى ويخرج، فأجابوه إلى ذلك.

فلما دخلها قتيبة دخلها ومعه أربعة آلاف من الأبطال، وذلك بعد أن بنى المسجد، ووضع فيه المنبر، فصلى في المسجد وخطب وتغدى، وأُتي بالأصنام التي لهم فسلبت بين يديه، وألقيت بعضها فوق بعض حتى صارت كالقصر العظيم، ثم أمر بتحريقها، فتصارخوا وتباكوا، وقال المجوس: إن فيها أصناماً قديمة من أحرقها هلك.

أي أن هذه الآلهة قادرة على ضر من يؤذيها، فلو حرقتها ستموت وستمسك آلهتنا بسوء.

قال: فتصارخوا وتباكوا، وقال المجوس: إن فيها أصناماً قديمة من أحرقها هلك. وجاء الملك غورك فنهى عن ذلك، وقال لـقتيبة : إني لك ناصح -يعني: إني خائف عليك-. فقام قتيبة ، وأخذ في يده شعلة نار وقال: أنا أحرقها بيدي، فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون. ثم قام إليها وهو يكبر الله عز وجل وألقى فيها النار فاحترقت، فوجد من بقايا ما كان بها من الذهب خمسين ألف مثقال من ذهب.

فالشاهد أن قتيبة بن مسلم القائد الفاتح أحرق أصنامهم، فأين هذا من الذين يقولون: هذا كان في أول الإسلام ثم نسخ بعد ذلك؟!

ونحن نرى كيف كانت عزة المسلم في ذلك الزمان، وننظر اليوم إلى التمسح والتزلف على أعتاب الغرب والشرق!

قال ابن خلدون رحمه الله تعالى في مقدمته: ولما فتحت أرض فارس وجدوا فيها كتباً كثيرة، فكتب سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب ليستأذنه في شأنها ونقلها للمسلمين، فكتب إليه عمر أن: اطرحوها في الماء؛ فإن يكن ما فيها هدىً فقد هدانا الله بأهدى منه، وإن يكن ضلالاً فقد كفاناه الله. فطرحوها في الماء أو في النار، وذهبت علوم الفرس فيه دون أن تصل إلينا.

فإذا كان هذا في شأن الكتب فكيف بالأصنام والمعبودات؟!

الرد على دعوى عدم عبادة التماثيل في عصرنا

وقولهم: إنها ليست ذريعة للشرك ولا أحد يعبدها، غير صحيح؛ إذ إنه معروف جداً أن بوذا يعبد، والصنم يعبد، ولقد سمعت من أحد الإخوة من حلوان أن حديقة حلوان -التي أقامتها اليابان- فيها تماثيل بوذا ، وإنه تأتي مجموعات من اليابانيين لتعبد هذه التماثيل، فهم يعبدون الأصنام والتماثيل حقيقة، فهي معبودة بالفعل، فهي مثل اللات والعزى ومناة بالنسبة للعرب.

الرد على دعوى ما ترك المسلمون هدمه من التماثيل

أما الأشياء التي تركها المسلمون ولم يهدموها فهي -كما يقول بعض العلماء- على أقسام:

الأول: ما كان من هذه التماثيل داخلاً في كنائسهم ومعابدهم التي صولحوا عليها، أي: حصل صلح واتفاق بين المسلمين وبين أهل هذه البلاد من الكفار فتركوا لهم تماثيلهم وأوثانهم وصلبانهم بشرط عدم إظهارها.

فالإسلام يصبغ المجتمع بصبغة الله صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [البقرة:138]، والإسلام يحرص على الظاهر العام، فالظاهر لا يكون فيه ما يناقض شريعة الإسلام.

فأقروا على ما كان داخل معابدهم بشرط أن يكون عن صلح وعهد، فالمسلمون يحترمون عهودهم ولا يحترمون الأوثان، فهم يحترمون شرع الله الذي يلزمهم باحترام العهود والمواثيق، فما كان في الداخل وغير ظاهر لا ينكر عليهم، ولا يمس بسوء.

ففي الشروط العمرية -المعروفة- على أهل الذمة: وأن لا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً في كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً، وأن لا نخرج صليباً ولا كتاباً في أسواق المسلمين...إلى آخره.

القسم الثاني: أن تكون هذه التماثيل من القوة والإحكام بحيث يعجز المسلمون عن هدمها وإزالتها، فهناك تماثيل هائلة منحوتة في الصخور وفي الجبال لا يستطاع إزالتها أو تغييرها، ولذلك يقول ابن خلدون في مقدمته: إن الهياكل العظيمة جداً لا تستقل ببنائها الدولة الواحدة، بل تتم في أزمنة متعاقبة حتى تكتمل وتكون ماثلة للعيان. يعني التي تستغرق قروناً أحياناً لكي تبنى، مثل الصنمين في باميان في أفغانستان، فقد بنيا في قرنين، يتعاقبون على نحتها مائتي سنة. وفي مدينة ميلانو في إيطاليا توجد كنيسة هناك مشهورة بنيت في خمسمائة سنة! وكان على قمتها صنم من الذهب وضعوه فطمس ، لكن ليس المسلمون الذين طمسوه، وإنما جاءت عصابة المافيا بالطيارة فسرقته.

وهذه الأشياء المنحوتة العظيمة تجعل بعض الناس يفترض أن الجن هي التي صنعت لهم هذه التماثيل من صعوبة نحت الجرانيت، فالجرانيت ينحتونه كتلة واحدة كما هو معروف، فـابن خلدون يشير إلى هذا، يقول: إن الهياكل العظيمة جداً لا تستقل ببنائها الدولة الواحدة، بل تتم في أزمنة متعاقبة حتى تكتمل وتكون ماثلة للعيان. قال: لذلك نجد آثاراً كثيرة من المباني العظيمة تعجز الدول عن هدمها وتخريبها، مع أن الهدم أيسر من البناء؛ هذا كلام ابن خلدون في مقدمته.

وذكر مثالاً أن الرشيد عزم على هدم إيوان كسرى ، فشرع في ذلك، وجمع الأيدي، واتخذ الفئوس، وأصلاه بالنار، وصب عليه الخل حتى أدركه العجز.

وذكر أيضاً أن المأمون أراد أن يهدم الأهرام في مصر فجمع الفعلة ولم يقدر.

وما يقال من أن عمرو بن العاص رضي الله عنه ترك أصنام مصر كأبي الهول وغيره فذلك غير صحيح، إذ لم يثبت أنها لم تكن مطمورة بالأتربة، وهذا شيء معروف جداً، يدل عليه موضوع النشاط المحموم في استخراج التماثيل منذ قرن أو قرن ونصف في مصر لما نشأت عملية البحث عن هذه الآثار.

ففي مصر قامت الحملة الفرنسية في الأهرامات، وحين ترى صورة أبي الهول ترى أن أبا الهول ليس كاملاً، والصور الموجودة مرسومة بخط اليد منذ زمن، فأبو الهول كان لا تزال أجزاء منه مخفية تحت الرمل، فإما أن الصحابة لم يروا هذه التماثيل، وإما أنهم رأوا هذه الأصنام ولم يقدروا على تحطيمها، وهذا عذر يعذرون به؛ لأن طالبان لما حاولت تحطيم هذه الأصنام كيف حطمتها؟ أعدت الديناميت والمتفجرات والمدافع وأشياء حديثة جداً، فكيف بعصر كان السلاح هو القوس والسيف والرمح ونحو هذه الأشياء؟ فهل سيقدرون على أن يحطموا هذه الأشياء؟ وهل كل بلاد يفتحونها يظلون فيها لكي يشتغلوا بهذا ويتركوا امتداد النور لآفاق الأرض؟! إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر عمرو بن العاص رضي الله عنه على سرية لكسر بعض أصنام العرب، فكيف يدعي هؤلاء الناس أن عمراً أقر الأصنام اعتقاداً منه بجواز تركها؟!

والجواب: لا؛ إذ يمكن أن يكون تركها عجزاً عن ذلك، لكن اعتقاد هذا افتراء شديد على عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، ولو قيل: إن هذا رأي لـعمرو بن العاص فأسوتنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومعروف التفصيل في قول الصحابي، فقول الصحابي الذي يحتج به هو ما لم يخالف قول النبي عليه الصلاة والسلام.

وكذلك يحتمل أنها كانت مطمورة تحت الأرض، أو مغمورة بالرمال ولم تظهر إلا بعد انتهاء زمن الفتوحات، فمعمل أبي سنبل ألم يكن مطموراً بالرمال مع التماثيل والأصنام إلى ما قبل قرن أو نصف قرن تقريباً؟!

وهذا المقريزي المتوفى سنة (745هـ) يقول في الخطب في الجزء الأول: إن أبا الهول مغمور تحت الرمال -أي: في وقت المقريزي - لم يظهر منه إلا الرأس والعنق فقط دون الباقي. وهذا بخلاف الحال اليوم.

و الزركلي سئل عن الأهرام وأبي الهول ونحوهما: هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟

فقال: كان أكثرها مغموراً بالرمال، ولاسيما أبا الهول. وهذا في كتاب عن شبه جزيرة العرب.

فمن التطاول على خير القرون أن يفترى عليهم ويزعم ذلك الزعم على هذا النطاق.

الرد على دعوى هدم ما يعبد من التماثيل دون ما سواه

وشبهة أن التماثيل التي تحطم هي ما عبد من دون الله يرد عليها بأن سد الذرائع من أصول الشريعة أو من أدلة الشريعة، خاصة في باب التوحيد، فتحريمها من باب سد الذرائع.

كذلك حديث جبريل عليه السلام لما أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بقطع التمثال الذي في بيته، وما كان للعبادة بلا شك.

ثم إن هذه التماثيل -كما قلنا- معبودة بالفعل، فهي تعبد بالفعل وتقدس، وكذلك تعظيم التمثال بطريقة عجيبة عندما يكون ارتفاعه يساوي سبعة عشر طابقاً، فتخيل تمثالاً بهذه الضخامة! أليس هذا نوعاً من التعظيم لما ينبغي أن يحقر؟! فاتخاذ صنم بهذا الحجم الضخم أليس فيه نوع من التعظيم له؟ بل هو تعظيم بلا شك، فلا شك أن هذا جاء استفزازاً لأي موحد.

والدليل على تقديسهم وعبادتهم لها غضب هؤلاء البوذيين، حتى إنهم أحرقوا المصاحف -لعنهم الله- ثأراً لإلههم ولمعبودهم.

أما قول البعض: إن هذه الأشياء لا تشكل خطراً على المسلمين فإننا نقول: فلماذا أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بتحطيم الأصنام وكل ما يعبد؟! ونقول: هذا خطر على التوحيد، والمسلمون لا يخاطبون بالتوحيد أهل ملتهم فقط، وإنما كل البشرية.

وبعضهم يقول: إن التمثال الحرام هو الذي صنعه المسلمون.

ونقول: وهل هناك مسلم يصنع أصناماً؟! والأصنام التي حطمها الرسول عليه الصلاة والسلام هل كان واحد منها من صنع المسلمين؟! فهي من وضع الجاهليين.

الرد على دعوى تحطيم الأصنام لحداثة عهد الناس بالشرك

أما القول بأن التحطيم كان أولاً لحدوث عهد الناس بالشرك فقائلوه لا يعرفون أن يتصرفوا في الأحاديث، فيقولون: هذا كان في الأول سداً للذريعة؛ لأن الناس كانوا لا يزالون حديثي عهد بالتوحيد، فلما استقر التوحيد وقويت عقيدة الناس أبيح حدوث هذه الأشياء.

ونقول: أين الناسخ؟ هاتوا دليلاً واحداً فقط على النسخ، ولا يوجد.

وقولهم: إنها ليست ذريعة للشرك ولا أحد يعبدها، غير صحيح؛ إذ إنه معروف جداً أن بوذا يعبد، والصنم يعبد، ولقد سمعت من أحد الإخوة من حلوان أن حديقة حلوان -التي أقامتها اليابان- فيها تماثيل بوذا ، وإنه تأتي مجموعات من اليابانيين لتعبد هذه التماثيل، فهم يعبدون الأصنام والتماثيل حقيقة، فهي معبودة بالفعل، فهي مثل اللات والعزى ومناة بالنسبة للعرب.

أما الأشياء التي تركها المسلمون ولم يهدموها فهي -كما يقول بعض العلماء- على أقسام:

الأول: ما كان من هذه التماثيل داخلاً في كنائسهم ومعابدهم التي صولحوا عليها، أي: حصل صلح واتفاق بين المسلمين وبين أهل هذه البلاد من الكفار فتركوا لهم تماثيلهم وأوثانهم وصلبانهم بشرط عدم إظهارها.

فالإسلام يصبغ المجتمع بصبغة الله صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ [البقرة:138]، والإسلام يحرص على الظاهر العام، فالظاهر لا يكون فيه ما يناقض شريعة الإسلام.

فأقروا على ما كان داخل معابدهم بشرط أن يكون عن صلح وعهد، فالمسلمون يحترمون عهودهم ولا يحترمون الأوثان، فهم يحترمون شرع الله الذي يلزمهم باحترام العهود والمواثيق، فما كان في الداخل وغير ظاهر لا ينكر عليهم، ولا يمس بسوء.

ففي الشروط العمرية -المعروفة- على أهل الذمة: وأن لا نضرب بنواقيسنا إلا ضرباً خفياً في كنائسنا، ولا نظهر عليها صليباً، وأن لا نخرج صليباً ولا كتاباً في أسواق المسلمين...إلى آخره.

القسم الثاني: أن تكون هذه التماثيل من القوة والإحكام بحيث يعجز المسلمون عن هدمها وإزالتها، فهناك تماثيل هائلة منحوتة في الصخور وفي الجبال لا يستطاع إزالتها أو تغييرها، ولذلك يقول ابن خلدون في مقدمته: إن الهياكل العظيمة جداً لا تستقل ببنائها الدولة الواحدة، بل تتم في أزمنة متعاقبة حتى تكتمل وتكون ماثلة للعيان. يعني التي تستغرق قروناً أحياناً لكي تبنى، مثل الصنمين في باميان في أفغانستان، فقد بنيا في قرنين، يتعاقبون على نحتها مائتي سنة. وفي مدينة ميلانو في إيطاليا توجد كنيسة هناك مشهورة بنيت في خمسمائة سنة! وكان على قمتها صنم من الذهب وضعوه فطمس ، لكن ليس المسلمون الذين طمسوه، وإنما جاءت عصابة المافيا بالطيارة فسرقته.

وهذه الأشياء المنحوتة العظيمة تجعل بعض الناس يفترض أن الجن هي التي صنعت لهم هذه التماثيل من صعوبة نحت الجرانيت، فالجرانيت ينحتونه كتلة واحدة كما هو معروف، فـابن خلدون يشير إلى هذا، يقول: إن الهياكل العظيمة جداً لا تستقل ببنائها الدولة الواحدة، بل تتم في أزمنة متعاقبة حتى تكتمل وتكون ماثلة للعيان. قال: لذلك نجد آثاراً كثيرة من المباني العظيمة تعجز الدول عن هدمها وتخريبها، مع أن الهدم أيسر من البناء؛ هذا كلام ابن خلدون في مقدمته.

وذكر مثالاً أن الرشيد عزم على هدم إيوان كسرى ، فشرع في ذلك، وجمع الأيدي، واتخذ الفئوس، وأصلاه بالنار، وصب عليه الخل حتى أدركه العجز.

وذكر أيضاً أن المأمون أراد أن يهدم الأهرام في مصر فجمع الفعلة ولم يقدر.

وما يقال من أن عمرو بن العاص رضي الله عنه ترك أصنام مصر كأبي الهول وغيره فذلك غير صحيح، إذ لم يثبت أنها لم تكن مطمورة بالأتربة، وهذا شيء معروف جداً، يدل عليه موضوع النشاط المحموم في استخراج التماثيل منذ قرن أو قرن ونصف في مصر لما نشأت عملية البحث عن هذه الآثار.

ففي مصر قامت الحملة الفرنسية في الأهرامات، وحين ترى صورة أبي الهول ترى أن أبا الهول ليس كاملاً، والصور الموجودة مرسومة بخط اليد منذ زمن، فأبو الهول كان لا تزال أجزاء منه مخفية تحت الرمل، فإما أن الصحابة لم يروا هذه التماثيل، وإما أنهم رأوا هذه الأصنام ولم يقدروا على تحطيمها، وهذا عذر يعذرون به؛ لأن طالبان لما حاولت تحطيم هذه الأصنام كيف حطمتها؟ أعدت الديناميت والمتفجرات والمدافع وأشياء حديثة جداً، فكيف بعصر كان السلاح هو القوس والسيف والرمح ونحو هذه الأشياء؟ فهل سيقدرون على أن يحطموا هذه الأشياء؟ وهل كل بلاد يفتحونها يظلون فيها لكي يشتغلوا بهذا ويتركوا امتداد النور لآفاق الأرض؟! إن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر عمرو بن العاص رضي الله عنه على سرية لكسر بعض أصنام العرب، فكيف يدعي هؤلاء الناس أن عمراً أقر الأصنام اعتقاداً منه بجواز تركها؟!

والجواب: لا؛ إذ يمكن أن يكون تركها عجزاً عن ذلك، لكن اعتقاد هذا افتراء شديد على عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنه، ولو قيل: إن هذا رأي لـعمرو بن العاص فأسوتنا رسول الله عليه الصلاة والسلام، ومعروف التفصيل في قول الصحابي، فقول الصحابي الذي يحتج به هو ما لم يخالف قول النبي عليه الصلاة والسلام.

وكذلك يحتمل أنها كانت مطمورة تحت الأرض، أو مغمورة بالرمال ولم تظهر إلا بعد انتهاء زمن الفتوحات، فمعمل أبي سنبل ألم يكن مطموراً بالرمال مع التماثيل والأصنام إلى ما قبل قرن أو نصف قرن تقريباً؟!

وهذا المقريزي المتوفى سنة (745هـ) يقول في الخطب في الجزء الأول: إن أبا الهول مغمور تحت الرمال -أي: في وقت المقريزي - لم يظهر منه إلا الرأس والعنق فقط دون الباقي. وهذا بخلاف الحال اليوم.

و الزركلي سئل عن الأهرام وأبي الهول ونحوهما: هل رآها الصحابة الذين دخلوا مصر؟

فقال: كان أكثرها مغموراً بالرمال، ولاسيما أبا الهول. وهذا في كتاب عن شبه جزيرة العرب.

فمن التطاول على خير القرون أن يفترى عليهم ويزعم ذلك الزعم على هذا النطاق.