معتقد أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات [2]


الحلقة مفرغة

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، لا سيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرفاء.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

فقد روى البخاري ومسلم بسندهما عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لله تسعة وتسعون اسماً، مائة إلا واحداً، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر)وفي رواية: (من أحصاها دخل الجنة).

هذا الحديث فيه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لله تسعة وتسعون اسماً، مائة إلا واحداً) هل المراد به حصر الأسماء الحسنى في هذا العدد أم أنها أكثر من ذلك؟ لكنها اختصت بأن من حفظ هذه التسعة والتسعين دخل الجنة.

خلاف العلماء في المراد بقوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً)

إذاً: اختلف العلماء في المراد بقوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً)، ومائة إلا واحداً تساوي تسعة وتسعين، فهذا التكرار ما هو إلا للتأكيد، كما في قول الله سبحانه وتعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196].

وكما في قوله تعالى: وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) )[النحل:51].

فقوله: (مائة إلا واحداً) تكرار بالتأكيد، بعض الناس: ذهبوا إلى أن الأسماء الحسنى تنحصر في هذه التسعة والتسعين، والبعض قالوا: بل هي أكثر من ذلك، لكن فائدة اختصاص التسعة والتسعين بالذكر هو: أن في هذه التسعة والتسعين بالذات: (من أحصاها دخل الجنة).

وذهب جمهور العلماء إلى هذا المذهب الثاني، ونقد النووي اتفاق العلماء عليه، وقال: ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى، وليس معناه: أنه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين، وإنما المقصود: أن هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة.

فالمراد: الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، إذاً: مقصود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الصيغة: ليس حصر أسماء الله الحسنى في التسعة والتسعين، وإنما الإخبار عن هذا الثواب لمن أحصاها، وليس مقصوده صلى الله عليه وسلم أن يحصر الأسماء الحسنى في هذا العدد.

وقال الإمام أبو سليمان الخطابي : إنما هو بمنزلة قوله: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، هل يعني ذلك أنك تقصد ثروة زيد في أنها تساوي ألف درهم؟ لا، أنت تقصد أن الذي أعده للصدقة محدود بهذه الألف، وهذا لا ينفي أن له مالاً آخر غير هذا.

وكقولك: إن لعمر مائة ثوب من زاره خلعها عليه، ليس المقصود أنه ليس له من الثياب غير هذه الثياب المذكورة مائة ثوب، ولكن المقصود: أن هذه هي التي اختصها بقسم الإهداء، أو هذا الجزء مخصص بأن يهدى منه، فمن زاره خلعها عليه، فدلالة هذين المثالين: أن الذي أعده زيد من الدراهم هو للصدقة، وأن الذي أعده عمر من الثياب للخلع مائة ثوب، والذي يدل على صحة هذا التأويل الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك) يعني: سواء كان هذا الاسم سميت به نفسك، (أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فهذا يدل على أن لله سبحانه وتعالى أسماءً لم ينزلها في كتابه، حجبها عن خلقه ولم يظهرها لهم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد ما نقل كلام الخطابي ، قال: وأيضاً فقوله: (إن لله تسعة وتسعين) تقيده بهذا العدد، بمنزلة قوله تعالى: (( تِسْعَةَ عَشَرَ )) يعني: قال تعالى في ملائكة سقر: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:30]، فلما استقلوهم -المشركون- قالوا: تسعة عشر! كل مجموعة في السماء على واحد يغلبوه، فأنزل الله تعالى قوله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) )[المدثر:31]، فإنه لا يعلم أسماءه إلا هو أولى، يعني: إن كان جنود الله -وهي الملائكة- لا يعلمها إلا هو فأولى ثم أولى أن أسماء الله لا يعلمها كلها إلا هو سبحانه.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في تعارض العقل والنقل: والصواب الذي عليه الجمهور أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) معناه: أن من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنة، ليس مراده أنه ليس إلا تسعة وتسعون اسماً، ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الشاهد.

وقال: وثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحصي ثناءً على الله، ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها، فكان يحصي الثناء عليه في هذه الحالة؛ لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه؛ لأن الأسماء هي وسيلة التعبير عن الصفات.

فقول النبي عليه السلام: (لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)، اعتراف بالعجز عن توفية الله سبحانه وتعالى ما يستحقه من الثناء والحمد، ولجوء إلى التفويض، وأن هذا الثناء الذي يستحقه الله هو مفوض إلى الله؛ لأنه لا يحصي العد مهما مدح الله سبحانه وتعالى عز وجل وأثنى عليه، إنما الله كما أثنى على نفسه، ولا يحصي أحد الثناء الذي يستحقه عز وجل، ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام أحصى جميع أسمائه عز وجل إذاً: فإنه يحصي بالتالي كل صفاته، فبما أنه لا يحصي ثناءً عليه، إذاً هو لا يحصي كل صفاته، وبالتالي لا يحصي كل أسمائه التي يعبر عنها بأسمائه.

خالف ابن حزم الجمهور في هذه المسألة، فذهب إلى أن عدد أسماء الله الحسنى ينحصر في التسعة والتسعين، ورد عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح فقال: وابن حزم ممن ذهب إلى الحصر في العدد المذكور، وهو لا يقول بالمفهوم أصلاً؛ لأنه لا يعترف بدليل الخطاب، أو مفهوم المخالفة، لكنه احتج -ليس بمفهوم تسعة وتسعين في قوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً).

بقوله: (مائة إلا واحداً)، قال: لأنه لو جاز أن يكون له اسم زائد على العدد المذكور لزم أن يكون مائة.

قال الحافظ : وهذا الذي قاله ليس بحجة؛ لأن الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها.

المقصود بالحصر: (إن لله تسعة وتسعين اسماً)، المقصود أن الثواب يختص بمن أحصاها.

فمن ادعى أن الوعد وقع لمن أحصى زائداً على ذلك أخطأ، ولا يلزم من ذلك ألا يكون هناك اسم زائد.

أي: هذا الحديث لا ينفي أن لله أسماءً أخرى زائدة على ذلك، ولكن الحديث سيق للإخبار عن ثواب من أحصى أسماءه، والراجح والله تعالى أعلم: تفويض علم سر هذا العدد بالذات إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لم يطلعنا على ذلك، فهو كأعداد ركعات الصلوات، والصلوات نفسها وغير ذلك.. مما علمه عند الله عز وجل.

معنى الإحصاء لأسماء الله الحسنى

أما قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحصاها) فإنه يحتمل وجوهاً:

الأول: أن يعدها حتى يستوفيها حفظاً، ويذكر ربه بها، ويثني عليه بجميعها، كقوله تعالى: وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن:28].

واستدل له الخطابي بقوله صلى الله عليه وسلم-كما في الرواية الأخرى- : (من حفظها دخل الجنة)، وقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها، وهذا هو الأظهر لثبوته نصاً في الخبر: (من أحصاها)، فسرها قوله في الروايات الأخرى: (من حفظها دخل الجنة)، ولذلك قال ابن الجوزي : أن المراد بالإحصاء العد. يعني: من عدها ليستوفيها حفظاً.

وإن كان كلمة (حفظها)، لا يلزم منها تعيين السرد عن ظهر قلب، بل يحتمل أيضاً: من حفظها الحفظ المعنوي كقوله صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك).

وقال الأصيلي : ليس المراد بالإحصاء عدها فقط؛ لأنه قد يعدها الفاجر، وإنما المراد العلم بها.

إذاً هذا هو القول الأول.

القول الثاني: أن يكون المراد بالإحصاء الإطاقة، كقوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ [المزمل:20]، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصو)، أي: لن تبلغوا كل الاستقامة، فيكون المعنى: (من أحصاها)، من أطاق الأسماء الحسنى، وأحسن مراعاته لها، وأن يعمل بمقتضاها، وأن يعتبرها فيلزم نفسه بواجبها، فإذا قال مثلاً: يا رحمان! يا رحيم! تذكر صفة الرحمة، واعتقد أنها من صفات الله سبحانه، فيرجو رحمته ولا ييأس من مغفرته، فإذا قال: السميع البصير، علم أنه يراه ويسمعه، وأنه لا تخفى عليه خافية، فيخافه في سره وعلنه ويواصله في كافة أحواله.

وإذا قال: الرزاق، اعتقد أنه المتكفل برزقه يسوقه إليه في وقته؛ فيثق بوعده، ويعلم أنه لا رازق له سواه.. إلى آخره.

وقال أبو عمر الطلمنكي : من تمام المعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته التي يستحق بها الداعي والحافظ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، المعرفة بالأسماء والصفات، وما تتضمن من الفوائد، وتدل عليه من الحقائق، ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالماً بمعاني الأسماء، ولا مستفيداً بذكر ما تدل عليه من المعاني.

القول الثالث: أن يكون الإحصاء بمعنى: العقل والمعرفة، فيكون معناه: من عرفها وعقل معانيها، وآمن بها دخل الجنة، وهو مأخوذ من الحصاة، وهي العقلة، والعرب تقول: فلان ذو حصاة، أي: ذو عقل، ومعرفة بالأمور.

قال القرطبي : المرجو من كرم الله تعالى أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة، وهذه المراتب الثلاثة للسابقين والصديقين وأصحاب اليمين.

قول رابع: أن يكون معنى الحديث: أن يقرأ القرآن حتى يختمه فيستوفي في هذه الأسماء كلها في أضعاف التلاوة، فكأنه قال: من حفظ القرآن وقرأه فقد استحق دخول الجنة.

والمراد: أن بعض العلماء قالوا: (من أحصاها دخل الجنة) يعني: من حفظ القرآن دخل الجنة؛ لأن إحصاء الأسماء الحسنى يكون عن طريق قراءة القرآن كله.

والجواب على هذا: إن بعض الأسماء الواردة هي موجودة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أسماء زائدة عن القرآن.

معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (وهو وتر يحب الوتر)

قوله صلى الله عليه وسلم: (وهو وتر يحب الوتر)، الوتر: الفرد، ومعناه في صفة الله جل وعلا: الواحد الذي لا شريك له، ولا نظير له، المتفرد عن خلقه، البائن منهم بذاته وصفاته. فهو سبحانه وتر، وجميع خلقه شفع، يعني: خلقوا أزواجاً، كما قال سبحانه وتعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49]، فظاهرة الزوجية لازمة للمخلوقات، ففي الإنسان والطيور والحيوانات الذكر والأنثى، وفي كل شيء، ففي الكهرباء يوجد فيها سالب وموجب، وظاهرة الزوجية موجودة في النباتات، والأنهار يوجد فيها الذرات السالبة والموجبة، فإذاً: ظاهرة الزوجية موجودة في كل شيء، فالله وتر لا ثاني له، أما خلقه فهم أزواج، وشفع، قال تعالى: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:3]. فالمراد: أن الله يحب الوتر من كل شيء، وإن تعدد انتفى منه الوتر؛ ولذلك أمر بالوتر في كثير من الأعمال والطاعات، فالصلوات عددها خمس، فهي وتر، وكذلك وتر الليل، وأعداد مرات الطهارة، وتكفين الميت وتراً، وفي كثير من المخلوقات كالسماوات والأرض، فهذا ما تيسر من الفوائد المتعلقة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر)، وفي رواية: (من أحصاها دخل الجنة).

معنى قوله صلى الله عليه و سلم: (وهو وتر يحب الوتر)

قوله صلى الله عليه وسلم: (وهو وتر يحب الوتر)، الوتر: الفرد، ومعناه في صفة الله جل وعلا: الواحد الذي لا شريك له، ولا نظير له، المتفرد عن خلقه، البائن منهم بذاته وصفاته. فهو سبحانه وتر، وجميع خلقه شفع، يعني: خلقوا أزواجاً، كما قال سبحانه وتعالى: وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ [الذاريات:49]، فظاهرة الزوجية لازمة للمخلوقات، ففي الإنسان: الذكر والأنثى، كذلك في الطيور والحيوانات، وفي كل شيء حتى في الكهرباء سالب وموجب، وظاهرة الزوجية حتى في النباتات والأنهار في الذرات السالب والموجب، فإذاً: ظاهرة الزوجية موجودة في كل شيء، فالله وتر لا ثاني له، أما خلقه فهم أزواج، شفع، قال تعالى: وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ [الفجر:3]، فالمراد: أن الله يحب الوتر من كل شيء وإن تعدد ما فيه الوتر؛ ولذلك أمر بالوتر في كثير من الأعمال والطاعات، فالصلوات عددها خمس، فهي وتر، وكذلك وتر الليل، وأعداد مرات الطهارة، وتكفين الميت وتر، وفي كثير من المخلوقات كالسماوات والأرض، فهذا ما تيسر من الفوائد المتعلقة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: {إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً، لا يحفظها أحد إلا دخل الجنة، وهو وتر يحب الوتر}، وفي رواية: {من أحصاها دخل الجنة}.

إذاً: اختلف العلماء في المراد بقوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحداً)، ومائة إلا واحداً تساوي تسعة وتسعين، فهذا التكرار ما هو إلا للتأكيد، كما في قول الله سبحانه وتعالى: فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ [البقرة:196].

وكما في قوله تعالى: وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ) )[النحل:51].

فقوله: (مائة إلا واحداً) تكرار بالتأكيد، بعض الناس: ذهبوا إلى أن الأسماء الحسنى تنحصر في هذه التسعة والتسعين، والبعض قالوا: بل هي أكثر من ذلك، لكن فائدة اختصاص التسعة والتسعين بالذكر هو: أن في هذه التسعة والتسعين بالذات: (من أحصاها دخل الجنة).

وذهب جمهور العلماء إلى هذا المذهب الثاني، ونقد النووي اتفاق العلماء عليه، وقال: ليس في الحديث حصر أسماء الله تعالى، وليس معناه: أنه ليس له اسم غير هذه التسعة والتسعين، وإنما المقصود: أن هذه الأسماء من أحصاها دخل الجنة.

فالمراد: الإخبار عن دخول الجنة بإحصائها، لا الإخبار بحصر الأسماء، إذاً: مقصود النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الصيغة: ليس حصر أسماء الله الحسنى في التسعة والتسعين، وإنما الإخبار عن هذا الثواب لمن أحصاها، وليس مقصوده صلى الله عليه وسلم أن يحصر الأسماء الحسنى في هذا العدد.

وقال الإمام أبو سليمان الخطابي : إنما هو بمنزلة قوله: إن لزيد ألف درهم أعدها للصدقة، هل يعني ذلك أنك تقصد ثروة زيد في أنها تساوي ألف درهم؟ لا، أنت تقصد أن الذي أعده للصدقة محدود بهذه الألف، وهذا لا ينفي أن له مالاً آخر غير هذا.

وكقولك: إن لعمر مائة ثوب من زاره خلعها عليه، ليس المقصود أنه ليس له من الثياب غير هذه الثياب المذكورة مائة ثوب، ولكن المقصود: أن هذه هي التي اختصها بقسم الإهداء، أو هذا الجزء مخصص بأن يهدى منه، فمن زاره خلعها عليه، فدلالة هذين المثالين: أن الذي أعده زيد من الدراهم هو للصدقة، وأن الذي أعده عمر من الثياب للخلع مائة ثوب، والذي يدل على صحة هذا التأويل الحديث الصحيح الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك) يعني: سواء كان هذا الاسم سميت به نفسك، (أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك) فهذا يدل على أن لله سبحانه وتعالى أسماءً لم ينزلها في كتابه، حجبها عن خلقه ولم يظهرها لهم.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى بعد ما نقل كلام الخطابي ، قال: وأيضاً فقوله: (إن لله تسعة وتسعين) تقيده بهذا العدد، بمنزلة قوله تعالى: (( تِسْعَةَ عَشَرَ )) يعني: قال تعالى في ملائكة سقر: عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر:30]، فلما استقلوهم -المشركون- قالوا: تسعة عشر! كل مجموعة في السماء على واحد يغلبوه، فأنزل الله تعالى قوله عز وجل: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ ) )[المدثر:31]، فإنه لا يعلم أسماءه إلا هو أولى، يعني: إن كان جنود الله -وهي الملائكة- لا يعلمها إلا هو فأولى ثم أولى أن أسماء الله لا يعلمها كلها إلا هو سبحانه.

وقال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في تعارض العقل والنقل: والصواب الذي عليه الجمهور أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة) معناه: أن من أحصى التسعة والتسعين من أسمائه دخل الجنة، ليس مراده أنه ليس إلا تسعة وتسعون اسماً، ثم ذكر حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه الشاهد.

وقال: وثبت في الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وبك منك لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك)، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحصي ثناءً على الله، ولو أحصى جميع أسمائه لأحصى صفاته كلها، فكان يحصي الثناء عليه في هذه الحالة؛ لأن صفاته إنما يعبر عنها بأسمائه؛ لأن الأسماء هي وسيلة التعبير عن الصفات.

فقول النبي عليه السلام: (لا أحصي ثناءً عليك أنت كما أثنيت على نفسك)، اعتراف بالعجز عن توفية الله سبحانه وتعالى ما يستحقه من الثناء والحمد، ولجوء إلى التفويض، وأن هذا الثناء الذي يستحقه الله هو مفوض إلى الله؛ لأنه لا يحصي العد مهما مدح الله سبحانه وتعالى عز وجل وأثنى عليه، إنما الله كما أثنى على نفسه، ولا يحصي أحد الثناء الذي يستحقه عز وجل، ولو كان النبي عليه الصلاة والسلام أحصى جميع أسمائه عز وجل إذاً: فإنه يحصي بالتالي كل صفاته، فبما أنه لا يحصي ثناءً عليه، إذاً هو لا يحصي كل صفاته، وبالتالي لا يحصي كل أسمائه التي يعبر عنها بأسمائه.

خالف ابن حزم الجمهور في هذه المسألة، فذهب إلى أن عدد أسماء الله الحسنى ينحصر في التسعة والتسعين، ورد عليه الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في الفتح فقال: وابن حزم ممن ذهب إلى الحصر في العدد المذكور، وهو لا يقول بالمفهوم أصلاً؛ لأنه لا يعترف بدليل الخطاب، أو مفهوم المخالفة، لكنه احتج -ليس بمفهوم تسعة وتسعين في قوله: (إن لله تسعة وتسعين اسماً).

بقوله: (مائة إلا واحداً)، قال: لأنه لو جاز أن يكون له اسم زائد على العدد المذكور لزم أن يكون مائة.

قال الحافظ : وهذا الذي قاله ليس بحجة؛ لأن الحصر المذكور عندهم باعتبار الوعد الحاصل لمن أحصاها.

المقصود بالحصر: (إن لله تسعة وتسعين اسماً)، المقصود أن الثواب يختص بمن أحصاها.

فمن ادعى أن الوعد وقع لمن أحصى زائداً على ذلك أخطأ، ولا يلزم من ذلك ألا يكون هناك اسم زائد.

أي: هذا الحديث لا ينفي أن لله أسماءً أخرى زائدة على ذلك، ولكن الحديث سيق للإخبار عن ثواب من أحصى أسماءه، والراجح والله تعالى أعلم: تفويض علم سر هذا العدد بالذات إلى الله سبحانه وتعالى؛ لأنه لم يطلعنا على ذلك، فهو كأعداد ركعات الصلوات، والصلوات نفسها وغير ذلك.. مما علمه عند الله عز وجل.

أما قوله عليه الصلاة والسلام: (من أحصاها) فإنه يحتمل وجوهاً:

الأول: أن يعدها حتى يستوفيها حفظاً، ويذكر ربه بها، ويثني عليه بجميعها، كقوله تعالى: وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا [الجن:28].

واستدل له الخطابي بقوله صلى الله عليه وسلم-كما في الرواية الأخرى- : (من حفظها دخل الجنة)، وقال البخاري وغيره من المحققين معناه: حفظها، وهذا هو الأظهر لثبوته نصاً في الخبر: (من أحصاها)، فسرها قوله في الروايات الأخرى: (من حفظها دخل الجنة)، ولذلك قال ابن الجوزي : أن المراد بالإحصاء العد. يعني: من عدها ليستوفيها حفظاً.

وإن كان كلمة (حفظها)، لا يلزم منها تعيين السرد عن ظهر قلب، بل يحتمل أيضاً: من حفظها الحفظ المعنوي كقوله صلى الله عليه وسلم: (احفظ الله يحفظك).

وقال الأصيلي : ليس المراد بالإحصاء عدها فقط؛ لأنه قد يعدها الفاجر، وإنما المراد العلم بها.

إذاً هذا هو القول الأول.

القول الثاني: أن يكون المراد بالإحصاء الإطاقة، كقوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ [المزمل:20]، وكقول النبي صلى الله عليه وسلم: (استقيموا ولن تحصو)، أي: لن تبلغوا كل الاستقامة، فيكون المعنى: (من أحصاها)، من أطاق الأسماء الحسنى، وأحسن مراعاته لها، وأن يعمل بمقتضاها، وأن يعتبرها فيلزم نفسه بواجبها، فإذا قال مثلاً: يا رحمان! يا رحيم! تذكر صفة الرحمة، واعتقد أنها من صفات الله سبحانه، فيرجو رحمته ولا ييأس من مغفرته، فإذا قال: السميع البصير، علم أنه يراه ويسمعه، وأنه لا تخفى عليه خافية، فيخافه في سره وعلنه ويواصله في كافة أحواله.

وإذا قال: الرزاق، اعتقد أنه المتكفل برزقه يسوقه إليه في وقته؛ فيثق بوعده، ويعلم أنه لا رازق له سواه.. إلى آخره.

وقال أبو عمر الطلمنكي : من تمام المعرفة بأسماء الله تعالى وصفاته التي يستحق بها الداعي والحافظ ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، المعرفة بالأسماء والصفات، وما تتضمن من الفوائد، وتدل عليه من الحقائق، ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالماً بمعاني الأسماء، ولا مستفيداً بذكر ما تدل عليه من المعاني.

القول الثالث: أن يكون الإحصاء بمعنى: العقل والمعرفة، فيكون معناه: من عرفها وعقل معانيها، وآمن بها دخل الجنة، وهو مأخوذ من الحصاة، وهي العقلة، والعرب تقول: فلان ذو حصاة، أي: ذو عقل، ومعرفة بالأمور.

قال القرطبي : المرجو من كرم الله تعالى أن من حصل له إحصاء هذه الأسماء على إحدى هذه المراتب مع صحة النية أن يدخله الله الجنة، وهذه المراتب الثلاثة للسابقين والصديقين وأصحاب اليمين.

قول رابع: أن يكون معنى الحديث: أن يقرأ القرآن حتى يختمه فيستوفي في هذه الأسماء كلها في أضعاف التلاوة، فكأنه قال: من حفظ القرآن وقرأه فقد استحق دخول الجنة.

والمراد: أن بعض العلماء قالوا: (من أحصاها دخل الجنة) يعني: من حفظ القرآن دخل الجنة؛ لأن إحصاء الأسماء الحسنى يكون عن طريق قراءة القرآن كله.

والجواب على هذا: إن بعض الأسماء الواردة هي موجودة في سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وهي أسماء زائدة عن القرآن.




استمع المزيد من الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم - عنوان الحلقة اسٌتمع
قصتنا مع اليهود 2628 استماع
دعوى الجاهلية 2564 استماع
شروط الحجاب الشرعي 2562 استماع
التجديد في الإسلام 2514 استماع
تكفير المعين وتكفير الجنس 2505 استماع
محنة فلسطين [2] 2468 استماع
انتحار أم استشهاد 2439 استماع
الموت خاتمتك أيها الإنسان 2409 استماع
تفسير آية الكرسي 2404 استماع
وإن عدتم عدنا 2397 استماع