أرشيف المقالات

موعظة للمغرور بنفسه

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
موعظة للمغرور بنفسه
 
خطب أحد الصالحين، فقال: أيها اللاهي المغرور بنفسه، كأني بك وقد أتاك رسول ربك لا يقرع لك بابًا ولا يهاب صحابًا، ولا يقبل منك بديلًا، ولا يأخذ منك كفيلًا ولا يرحم لك صغيرًا ولا يوقر فيك كبيرًا، حتى يؤديك إلى قبر مظلمة أرجاؤه، كفعله بالأمم الخالية والقرون الماضية.
 
أين من سعى واجتهد وجمع وعدَّد، وبنى وشيَّد، وزخرف ونَجَّد، وبالقليل لم يقنَع، وبالكثير لم يُمتَّع!
 
أين من شيَّد القصور، ونَسِيَ القبور، أين من قاد الجنود ونشر البنود، أضحوا رُفاتًا تحت أطباق الثرى وأنتم عن قريب بكأسهم شاربون ولسبيلهم سالكون!
 






يحول عن قريب من قصورٍ
مزخرفة إلى بيت التراب


فيسلم فيه مهجورًا فريدًا
أحاط به شحوب الاغتراب


وهول الحشر أفظع كلِّ أمرٍ
إذا دعي ابن آدم للحساب


وألفى كل صالحة أتاها
وسيئة جناها في الكتاب


لقد آن التزود إن عقَلنا
وأخذ الحظ من باقي الشباب






 
آخر:






قد نادت الدنيا على نفسها
لو كان في العالم من يسمَع


كم واثقٍ بالعمر أفنيتَه
وجامع بدَّدتُ ما يَجمَع






 
آخر:






والعمر أنفسُ ما الإنسان منفقُه
فاجعله في طاعة الرحمن مصروفَا











قال ابن الجوزي رحمه الله:
ينبغي للإنسان أن يعرف شرف زمانه، وقدر وقته، فلا يُضيع منه لحظةً في غير قربه.
 
ويقدِّم الأفضل فالأفضل من القول والعمل، ولتكن نيته في الخير قائمةً من غير فتور، (وقد كان جماعة من السلف يبادرون اللحظات)، فنُقل عن عامر بن عبد قيس: أن رجلًا قال له: (كلمني)، فقال له: (أمسك الشمس).
 
ودخلوا على بعض السلف عند موته، وهو يصلي، فقيل له، فقال: (الآن تُطوى صحيفتي)، فإذا علم الإنسان أنه وإن بالغ في الجد بأن الموت يقطعه عن العمل، عمل في حياته ما يدوم له أجره بعد موته.
 
فإن كان له شيء في الدنيا، وقف وقفًا، وغرس غرسًا، وأجرى نهرًا، ويسعى في تحصيل ذرية تذكر الله بعده، فيكون له أجر، أو أن يصنف كتابًا في العلم.
 
فإن تصنيف العالم ولده المخلد، وأن يكون عاملًا بالخير عالِمًا فيه، فينقل من فعله ما يقتدي به الغير، فذلك الذي لم يَمت، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وسلم.
 






تذكَّر ولا تنسَ المعاد ولا تكن
كأنك مُخلًى للملاعب مُمرجُ


ولا تنسَ إذ أنت المولول حوله
ونفسك من بين الجوانح تَخرج


ولا تنس إذ أنت المسجَّى بثوبه
وإذ أنت في كرب السياق تُحشرج


ولا تنس إذ أنت المعزَّى قريبُه
وإذ أنت في بيض من الريط مُدرج


ولا تنسَ إذ يُهديك قوم إلى الثرى
إذا ما هدوكاه انْثَنوا لم يُعرجوا


ولا تنس إذ قبر وإذ من ترابه
عليك به ردمٌ ولَبِنٌ مُشرج


ولا تنسَ إذ تكسى غدًا منه وحشةً
مجالس فيهن العناكب تنسج


ولا بد من بيت انقطاعٍ ووَحدة
وإن سرك البيت العتيق المدبج


ألا رب ذي طمر غدًا في كرامة
وملك بتيجان الهوان مُتوَّج


لعمرك ما الدنيا بدار إقامة
وإن زخرف الغاوون فيها وزَبْرَجوا






 
اللهم طيبنا للقائك، وأهلنا لولائك، وأدخلنا مع المرحومين من أوليائك، وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين، اللهم أعنَّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، وتلاوة كتابك، واجعلنا من حزبك المفلحين، وأيِّدنا بجندك المنصورين، وارزُقنا مرافقة الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
 
اللهم يا فالق الحب والنوى، يا منشئ الأجساد بعد البلى يا مؤوي المنقطعين إليه، يا كافي المتوكلين عليه، انقطع الرجاء إلا منك، وخابت الظنون إلا فيك، وضعف الاعتماد إلا عليك، نسألك أن تمطر محل قلوبنا من سحائب برك وإحسانك، وأن توفِّقنا لموجبات رحمتك وعزائم مغفرتك؛ إنك جواد كريم رؤوف رحيم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن