شهر الطمأنينة ومحاسبة النفس


الحلقة مفرغة

الحمد لله الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو بكل شيء عليم، أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله، وخيرته من خلقه، أفضل من صلى وصام، وخير من حج لله وقام، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وعلى أصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فأوصيكم -أيها الناس- ونفسي بتقوى الله سبحانه، إذ بها تشرف النفس، ويثقل الميزان، ويعلو القدر، ويعظم الجاه، ويحصل القرب من الباري جل شأنه، فما خاب من اكتنفها، ولا أفلح من جفاها، ولا جرم عباد الله، فإن العاقبة للتقوى: فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [المائدة:100].

أيها الناس: إن المتطلع في واقع كثيرٍ من الناس، وسط أجواء المتغيرات المتكاثرات، والركام الهائل من المصائب والبلايا، والنوازل والرزايا، ليلحظ بوضوح أن كثيراً من النفوس المسلمة تواقة إلى تحصيل ما يثبت قلوبها، وإلى النهل مما تطفئ به ظمأها، وتسقي به زرعها، وتجلو به صدأها، فهي أحوج ما تكون إلى احتضان ضيفٍ كريم يحمل في جنباته مادة النماء، فهي مشرئبة لحلوله، يقطعها التلهف إلى أن تطرح همومها وكدها وكدحها عند أول عتبة من أعتابه، بعد أن أنهكت قواها حلقات أحداثٍ مترادفة بعضها يموج في بعض، حتى غلت مراجلها، واشتد لهب أتونها، فما برحت تأكل الأخضر واليابس، تفجع القلوب، وتعكر الصفو، وتصطفق وسط زوابعها العقول والأفهام، فلأجل هذا كله كان الناس بعامة أحوج ما يكونون إلى حلول شهر الصيام والقيام، شهر الراحة النفسية، والسعود الروحي، شهر الركوع والسجود، شهر ضياء المساجد، شهر الذكر والمحامد، شهر الطمأنينة ومحاسبة النفس، وإيقاظ الضمير، والتخلص من النزعات الذاتية والملذات الآنية، في شهوات البطون والفروج، والعقول والأفئدة، والتي شرع الصيام؛ لأجل تضييق مجاريها في النفوس، وكونه فرصة كل تائب، وعبرة كل آيب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة:183].

أيها المسلمون! شهر رمضان المبارك هو شهر القرآن؛ القرآن الذي لا تنطفئ مصابيحه، والسراج الذي لا يخبو توقده، والمنهاج الذي لا يضل ناهجه، والعز الذي لا يهزم أنصاره.

القرآن -عباد الله- هو بمثابة الروح للجسد، والنور للهداية، فمن لم يقرأ القرآن ولم يعمل به فما هو بحي، وإن تكلم، أو عمل، أو غدا أو راح، بل هو ميت الأحياء، ومن لم يعمل به ضل وما اهتدى، وإن طار في السماء، أو غاص في الماء: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122]، إن الإنسان بلا قرآن كالحياة بلا ماءٍ ولا هواء، بل إن الإفلاس متحققٌ في حسه ونفسه؛ ذلك أن القرآن هو الدواء والشفاء: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمىً أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ [فصلت:44].

إن مما لاشك فيه -أيها المسلمون- أن صلة الكثيرين بكتاب ربهم يكتنفها شيءٌ من الهجران والعقوق، سواء في تلاوته، أو في العمل به، بل قد لا نبعد النجعة لو قلنا: إن علل الأمم السابقة قد تسللت إلى أمة الإسلام لواذاً وهي لا تشعر، ألا تقرءون يا رعاكم الله! قول الباري جل وعلا: وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ [البقرة:78]، يقول المفسرون: أي لا يعلمون الكتاب إلا تلاوة وترتيلاً، بحيث لا يجاوز حناجرهم وتراقيهم، كل ذلك بسبب الغياب القلبي، والعجز الروحي عن تدبر القرآن، بل إن البعض على قلوب أقفالها، ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً، أفلا يتدبرون القرآن إذاً؟

إن من أسباب عدم التدبر: هو البعد عن اكتشاف سنن الله في الأنفس والآفاق، وحسن تسخيرها، والتحرر غير المبعض، من تقديس الأفهام المغلوطة، والتأويلات المآربية المخلوطة، والتي انحدرت إلى كثيرٍ من أوساط الناس عبر لوثات علل وأفهام، يغذيها شعورٌ طاغٍ من حب الدنيا وكراهية الموت، وما عند الله خير وأبقى للذين هم لربهم يرهبون.

روى الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة عن زياد بن لبيد الأنصاري رضي الله عنه قال: (ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فقال: وذلك عند ذهاب العلم، قلنا يا رسول الله: كيف يذهب العلم، ونحن قرأنا القرآن، ونقرئه أبناءنا، وأبناؤنا يقرئونه أبناءهم؟ فقال: ثكلتك أمك يـابن لبيد ! إن كنت لأراك من أفقه الرجال في المدينة ، أوليس اليهود والنصارى بأيديهم التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء؟ ).

إن المرء المسلم لتأخذ الدهشة بلبه كل مأخذ، حين يرى مواقف الكثير من المسلمين مع كتاب ربهم، وقد أحاط بهم الظلام، وادلهمت عليهم الخطوب من كل حدبٍ وصوب، ثم هم يتخبطون خبط عشواء، أفلست النظم، وتدهورت القوميات، وهشت العولميات، فيالله العجب! كيف يكون النور بين أيدينا ثم نحن نلحق بركاب الأمم من غيرنا؟! تتهاوى بنا الريح في كل اتجاه لا نلوي على شيء، لقد عاش رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة وستين عاماً، ولقد كنا نسمع كثيراً أن كبر السن وصروف الحياة المتقلبة قد تشيب منها مفارق الإنسان، فما ظنكم بمن تمر به هذه كلها واحدة تلو الأخرى، ثم هو ينسب المشيب الذي فيه إلى آياتٍ من كتاب الله كان يرددها، ومعانٍ يتأولها ويتدبرها، روى الترمذي والحاكم : أن أبا بكر رضي الله تعالى عنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله! ما شيبك؟ قال: شيبتني هود، والواقعة، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت ).

إن رمضان بهذه الإطلالة المباركة ليعد فرصة كبرى، ومنحة عظمى للمرء المسلم، في أن يطهر نفسه بالنهار لكي يعدها لتلقي هدايات القرآن في قيام الليل قال تعالى: إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً [المزمل:6] وناشئة الليل: هي ساعاته وأوقاته، فهي أجمع على التلاوة من قيام النهار؛ لأنه وقت انتشار الناس، ولغط الأصوات، فكأن الصيام في النهار تخلية، والقيام بالقرآن في الليل تحلية.

عباد الله! شهر رمضان المبارك شهر رحب، وميدان فسيح، يوطد المرء نفسه من خلاله على أن يحيي ليله، وعلى ألا يلجأ في حوائجه إلا إلى قاضيها سبحانه، إذ لا ملجأ من الله إلا إليه، وهو يقضي ولا يقضى عليه، فثلث الليل الآخر هو وقت التنزل الإلهي على ما يليق بجلاله وعظمته إلى سماء الدنيا إذ يقول: (هل من سائل فأعطيه؟ هل من داع فأستجيب له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ ) ترى هل فكر كل واحدٍ منا في استثمار هذا الوقت العظيم الذي هو من آكد مظان إجابة الدعاء؟!

ترى ما هي أحوال الناس مع ثلث الليل الآخر؟!

بل كم من شاكٍ لنفسه قد غاب عنه هذا الوقت المبارك؟!

كم من مكروبٍ غلبته عينه عن حاجته ومقتضاه؟!

كم من مكلوم لم يفقه دواءه وسر شفائه؟!

كم وكم وكم؟

ألا إن كثيراً من النفوس في سباتٍ عميق، إنها لا تكسل في أن تجوب الأرض شمالها وجنوبها، وشرقها وغربها، باحثة عن ملجأ للشكوى، أو فرصة سانحة لعرض الهموم والغموم على من تقصده من بني البشر، غافلةً غير آبهةٍ عن الاتجاه إلى كاشف الغم، وفارج الهم، ومنفس الكرب قال تعالى: قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ [المؤمنون:88] ، أَمَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ [النمل:62]، مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً [نوح:13-14].

روى الإمام أحمد والترمذي والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام يوم القيامة ويفتح لها أبواب السماء ويقول: وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ).

غير أن ثمة أمراً مهماً عباد الله، وهو أن كثيراً ممن يرفعون أكف الضراعة بالدعاء إلى الباري جل شأنه، قد يستبطئون الإجابة، ولربما أصابهم شيءٌ من اليأس والقنوط قال تعالى: وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:56]، بيد أن هناك خللاً، ما هو السر الكامل في منع إجابة الدعاء:

كأن يكون المرء ممن يستعجلون الدعاء ويتحسسون الإجابة على تململٍ ومضض.

وهذا مانع أساس من الإجابة لقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إن الله يستجيب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت ربي فلم يستجب لي ) رواه البخاري ومسلم .

ولربما لم يستجب الدعاء لما فيه من الإثم، أو قطيعة للرحم، أو أن يكون الدعاء المنبثق من شفاه الداعين غير مقترنٍ بالقلب اقتران الماء والهواء للروح؛ لأن اللسان ترجمان القلب وبريده، والقلب خزانة مستحفظة الخواطر والأسرار ومسارب النفس الكامنة، فالدعاء باللسان والقلب غافلٌ لاهٍ إنما هو قليل الجدوى أو عديمها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبل الدعاء من قلبٍ لاه ) رواه الحاكم والترمذي وحسنه، فالقلب إذاً لا يخلو من الالتفات إلى شهوات الدنيا الصارفة، ومن المعلوم بداهة أن المتلفت لا يصل سريعاً.

فالله الله! أيها المسلمون في الدعاء! فهو العبادة ومخها، وهو السهام النافذة لذوي العجز وقلة الحيلة، ولا يحقرن أحدكم الحوائج مهما قلت أو كثرت فإن الله أكثر، وقد قال سبحانه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60].

وبعد يا رعاكم الله! نقول لذوي المصائب والفاقات، والهموم والمقلقات، خذوا هذا المثل عبرة وسلواناً، يتجلى من خلالهما أثر الدعاء في حياة المرء، وأنه لا غنى له عنه ما دام فيه عرق ينبض، إذ هو الدواء إذا استفحل الداء، وهو البرد إذا اشتد الحر.

دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ذات يومٍ فإذا هو برجلٍ من الأنصار يقال له: أبو أمامة ، فقال: (يا أبا أمامة ! مالي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة؟ قال: همومٌ لزمتني وديون يا رسول الله! قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا قلته أذهب الله همك، وقضى عنك دينك؟ قال: بلى. يا رسول الله! قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبت الدين وقهر الرجال، قال أبو أمامة : ففعلت ذلك، فأذهب الله همي، وقضى عني ديني ) رواه أبو داود .

وعند أحمد والترمذي أن علياً رضي الله عنه جاءه مكاتبٌ يشكو إليه ديناً عليه فقال علي رضي الله عنه: (ألا أعلمك كلماتٍ علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبلٍ ديناً أداه الله عنك، قل: اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك ) قال الترمذي : حديث حسن.

فاللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من الجبن والبخل، ونعوذ بك اللهم من غلبت الدين وقهر الرجال.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قد قلت ما قلت، إن صواباً فمن الله، وإن خطأً فمن نفسي والشيطان، وأستغفر الله إنه كان غفاراً.

الحمد لله ولي الصالحين: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ [غافر:3]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعــد:

فلقد أضلكم -أيها المسلمون- شهر كريم يحمل في طياته تهيئة النفس على تحمل الجوع والعطش، ترى الطعام بين ناظريك تشتهيه نفسك وتصل إليه يدك، ولكنك لا تستطيع أن تأكله، ويشعل الظمأ جوفك والماء من حولك، فلا تقدر على أن تنهل منه، ويأخذ النعاس بلبك، ويداعب النوم جفنيك، ويأتي رمضان ليوقظك لصلاتك وسحورك، إنها ولا شك حلقات الصبر والمصابرة التي قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم: (الصوم نصف الصبر ) رواه الترمذي .

عباد الله: شهر رمضان شهر الجود والإنفاق، شهر النفوس السخية والأكف الندية، شهر يسعد فيه المنكوبون ويرتاح فيه المتعبون، فليكن للمسلم فيه السهم الراجح، والقدح المعلى، فلا يترددن في كفكفت دموع المعوزين واليتامى والأرامل من أهل بلده ومجتمعه، ولا يشحنَّ عن سد مسغبتهم وتجفيف فاقتهم، وحذاري من الشح والبخل فإنهما معرة مكشوفة السوءة! لا تخفى على الناس فتوقها، ناهيكم عن كون النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ ربه منهما، بل إن الجود والكرم كانا لزيما رسول الله صلى الله عليه وسلم طيلة حياته، في حين أنه يتضاعف في رمضان حتى يكون كالريح المرسلة، وفي الصحيحين : (أنه صلى الله عليه وسلم ما سئل شيئاً فقال: لا ).

إضافة إلا أن نتاج هذا التحميض غير قاصرٍ على سعادة ذوي المسكنة وحدهم، بل يرتد أمانة حتى إلى الباذلين أنفسهم فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، من ثدييهما إلى تراقيهما؛ فأما المنفق فلا ينفق إلا صبغت على جلده حتى تخفي بنانه وتعفو أثره، وأما البخيل فلا يريد أن ينفق شيئاً إلا لزقت كل حلقة مكانها فهو يوسعها ولا تتسع ) رواه البخاري ومسلم ، والمعنى هنا ظاهر عباد الله! فإن الجواد السخي إذا هم بالصدقة، انشرح لها صدره، وطابت بها نفسه، وتاقت إلى المثوبة فتوسعت في الإنفاق، ولا يضيره الحديد، بل هو يتسع معه حيثما اتسع، ولا غرو في ذلك فإن الجواهر ولو كانت تحت التراب فهي جواهر، والأسد في قفص الحديد أسد ولا شك، بيد أن البخيل إذا حدث نفسه بالصدقة شحت نفسه، وضاق صدره، وانقبضت يداه، وأحس كأنما يعطي من عمره وفؤاده، حتى يعيش في نطاقٍ ضيق، لا يرى فيه إلا نفسه، غير مكترثٍ بالمساكين عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ [المعارج:37]، مثل هذا ولا شك قد وضع الأسر والأغلال في يده، وجعلها مغلولة إلى عنقه قال تعالى: قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً [الإسراء:100]، ولكن ليس شيءٌ أشد على الشيطان وأبطل لكيده وأدحر لوسواسه من الصدقة الطيبة قال تعالى: الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:268].

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً وسائر بلاد المسلمين.

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين.

اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين.

اللهم انصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان، اللهم انصرهم على عدوك وعدوهم يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين!

اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام!

اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا بلاء ولا غرق، اللهم لتحيي به البلاد، ولتسقي به العباد، ولتجعله بلاغاً للحاضر والباد.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ؛ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.