صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم [1]


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:

فإن الله سبحانه وتعالى قد فرض فرائض، وشرع شرائع، وأمر بلزومها، ومن أعظم هذه الشرائع هي أركان الإسلام الخمسة التي أمر الله عز وجل بها، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بركنيتها للإسلام كما جاء في حديث عبد الله بن عمر في الصحيحين وغيرهما في قوله عليه الصلاة والسلام: ( بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً )، وكذلك ما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة في قصة إتيان جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رواه الإمام مسلم عليه رحمة الله تعالى من حديث عمر بن الخطاب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وانفرد به عن الإمام البخاري .

وأعظم هذه الأركان هو توحيد الله سبحانه وتعالى، ثم يليها الصلاة وهي الفاصل والفارق بين المؤمن والكافر؛ كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في عدة أخبار.

والكلام عن أهمية الصلاة وفضلها يطول جداً، والنصوص في هذا في كلام الله سبحانه وتعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهر وأكثر من أن تذكر، والكلام عن الصلاة وأحكامها وواجباتها وأركانها وسننها وآدابها وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك يطول جداً.

عدد السنن الواردة في الصلاة

وقد ذكر العلماء عليهم رحمة الله تعالى أنه قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من الشرائع والآداب والسنن ما يزيد عن ستمائة سنة، وقد نص على هذا ابن حبان عليه رحمة الله تعالى في صحيحه حيث قال: (أربع ركعات يصليها الإنسان فيها ستمائة سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد فصلناها في كتاب الصلاة بما يغني عن ذكرها هنا في هذا الكتاب)، يعني: في كتابه الصحيح. و ابن حبان عليه رحمة الله من الأئمة الكبار الحفاظ المتقنين المكثرين بالرواية والأخذ عن الشيوخ، وكذلك الترحال، ولا غرابة أن يكون عنده مثل هذا العدد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (ستمائة سنة) لعله أراد بذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوجه الضعيفة والصحيحة، ولعله أراد ما هو مكرر وعلى الوجوه في كل ركعة.

ومعلوم أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله في بعض الركعات أو في بعض الأحوال لا يدل على أنه يفعله في بعضها إلا إذا كان ثمة قرينة، فما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه في حال، لا يعني أنه يرفعها في موضع آخر يكون فيما يليها من الركعات حتى يأتي دليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.

ولعل مراد ابن حبان عليه رحمة الله تعالى من هذا: ما هو مكرر في كل ركعة، وكذلك على الوجوه التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان كذلك فإن هذا وارد جداً، وإن كان غيره ففيه نظر.

وقد قال ابن القيم عليه رحمة الله تعالى في كتابه مدارج السالكين: (وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال وآداب في صلاته هي مائة سنة بين مستحب وواجب، وهذا هو المشهور مما هو ليس بمكرر).

وقد ذكر عبد الحي الكتاني في كتابه فهرس الفهارس عن عبد الرحمن العيدروس حينما ترجم له وهو شيخ الزبيدي و عطية الأجهوري ، أنه عد للصلاة ستمائة سنة مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا نظير ما جاء عن ابن حبان عليه رحمة الله تعالى، وهذا على ما تقدم تخريجه.

تصنيفات العلماء في الصلاة وأحكامها

وإذا أردنا إحصاء ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحكام الصلاة وآدابها وسننها فإنه يطول جداً، والأحاديث في هذا قد جمعها جماعة من العلماء, ولا يمكن استيفاؤها، وقد صنف في هذا الباب جماعة من العلماء كالإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى في رسالته الصلاة، و أبو نعيم الفضل بن دكين في كتابه الصلاة، و محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة وغيرهم، وقد جمعها بعض المتأخرين في أجزاء عديدة، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا يربو عن ألف خبر مما هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإحصاؤها والكلام عن معانيها، وكلام العلماء عليهم رحمة الله تعالى واختلافهم فيها مما يطول جداً، ولا يمكن حصره.

ولكننا نتكلم بإذن الله عز وجل على ما اشتهر ويحتاج إليه كثير من الناس من المسائل، وربما يخفى على بعض طلبة العلم مما قرره بعض العلماء عليهم رحمة الله تعالى، ويعضده الدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة عليهم رضوان الله تعالى.

ونبين بالجملة عند كل مسألة دليلها من كلام الله سبحانه وتعالى أو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام، أو ببعضها مما لم يدل عليه دليل من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هو دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو التابعين أو من جاء بعدهم.

والعمدة في هذا هو الوحي؛ أي: كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فلا حجة فيه، وإنما هو بحاجة لأن يحتج له، لا أن يحتج به.

والله سبحانه وتعالى إنما تعبد الناس بكلامه وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فإنه ليس بحجة، وما بعد ذلك عمل الصحابة وإجماعهم، ويقول الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى: (الإجماع إجماع الصحابة، ومن بعدهم تبع لهم)، فإن ثبت إجماع الصحابة على مسألة من المسائل فحينئذٍ لا قول لأحد بعدهم وإن كان من أجلة التابعين أو من أئمة الإسلام، ولهذا ينبغي أن يعتنى بأقوال الصحابة عليهم رضوان الله تعالى فيما يتعلق بالعبادات فضلاً عن غيرها، لأنهم أقرب إلى فهم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى التنزيل، فإذا اختلفوا فحينئذٍ هو السعة كما نص على هذا غير واحد من الأئمة كـعمر بن عبد العزيز و إسماعيل القاضي المكي و ابن عبد البر عليه رحمة الله تعالى في كتابه التمهيد والاستذكار وغيرهم في مواضع عدة.

وقد ذكر العلماء عليهم رحمة الله تعالى أنه قد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك من الشرائع والآداب والسنن ما يزيد عن ستمائة سنة، وقد نص على هذا ابن حبان عليه رحمة الله تعالى في صحيحه حيث قال: (أربع ركعات يصليها الإنسان فيها ستمائة سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد فصلناها في كتاب الصلاة بما يغني عن ذكرها هنا في هذا الكتاب)، يعني: في كتابه الصحيح. و ابن حبان عليه رحمة الله من الأئمة الكبار الحفاظ المتقنين المكثرين بالرواية والأخذ عن الشيوخ، وكذلك الترحال، ولا غرابة أن يكون عنده مثل هذا العدد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقوله: (ستمائة سنة) لعله أراد بذلك ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأوجه الضعيفة والصحيحة، ولعله أراد ما هو مكرر وعلى الوجوه في كل ركعة.

ومعلوم أن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله في بعض الركعات أو في بعض الأحوال لا يدل على أنه يفعله في بعضها إلا إذا كان ثمة قرينة، فما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه في حال، لا يعني أنه يرفعها في موضع آخر يكون فيما يليها من الركعات حتى يأتي دليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك.

ولعل مراد ابن حبان عليه رحمة الله تعالى من هذا: ما هو مكرر في كل ركعة، وكذلك على الوجوه التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن كان كذلك فإن هذا وارد جداً، وإن كان غيره ففيه نظر.

وقد قال ابن القيم عليه رحمة الله تعالى في كتابه مدارج السالكين: (وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أفعال وآداب في صلاته هي مائة سنة بين مستحب وواجب، وهذا هو المشهور مما هو ليس بمكرر).

وقد ذكر عبد الحي الكتاني في كتابه فهرس الفهارس عن عبد الرحمن العيدروس حينما ترجم له وهو شيخ الزبيدي و عطية الأجهوري ، أنه عد للصلاة ستمائة سنة مما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا نظير ما جاء عن ابن حبان عليه رحمة الله تعالى، وهذا على ما تقدم تخريجه.

وإذا أردنا إحصاء ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأحكام الصلاة وآدابها وسننها فإنه يطول جداً، والأحاديث في هذا قد جمعها جماعة من العلماء, ولا يمكن استيفاؤها، وقد صنف في هذا الباب جماعة من العلماء كالإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى في رسالته الصلاة، و أبو نعيم الفضل بن دكين في كتابه الصلاة، و محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة وغيرهم، وقد جمعها بعض المتأخرين في أجزاء عديدة، وما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا يربو عن ألف خبر مما هو ثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإحصاؤها والكلام عن معانيها، وكلام العلماء عليهم رحمة الله تعالى واختلافهم فيها مما يطول جداً، ولا يمكن حصره.

ولكننا نتكلم بإذن الله عز وجل على ما اشتهر ويحتاج إليه كثير من الناس من المسائل، وربما يخفى على بعض طلبة العلم مما قرره بعض العلماء عليهم رحمة الله تعالى، ويعضده الدليل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة عليهم رضوان الله تعالى.

ونبين بالجملة عند كل مسألة دليلها من كلام الله سبحانه وتعالى أو كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلام الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام، أو ببعضها مما لم يدل عليه دليل من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم مما هو دونه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو التابعين أو من جاء بعدهم.

والعمدة في هذا هو الوحي؛ أي: كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فلا حجة فيه، وإنما هو بحاجة لأن يحتج له، لا أن يحتج به.

والله سبحانه وتعالى إنما تعبد الناس بكلامه وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما عدا ذلك فإنه ليس بحجة، وما بعد ذلك عمل الصحابة وإجماعهم، ويقول الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى: (الإجماع إجماع الصحابة، ومن بعدهم تبع لهم)، فإن ثبت إجماع الصحابة على مسألة من المسائل فحينئذٍ لا قول لأحد بعدهم وإن كان من أجلة التابعين أو من أئمة الإسلام، ولهذا ينبغي أن يعتنى بأقوال الصحابة عليهم رضوان الله تعالى فيما يتعلق بالعبادات فضلاً عن غيرها، لأنهم أقرب إلى فهم مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقرب إلى التنزيل، فإذا اختلفوا فحينئذٍ هو السعة كما نص على هذا غير واحد من الأئمة كـعمر بن عبد العزيز و إسماعيل القاضي المكي و ابن عبد البر عليه رحمة الله تعالى في كتابه التمهيد والاستذكار وغيرهم في مواضع عدة.

الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام، وهي عمود الدين، وقد فرضها الله سبحانه وتعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم حينما أسري به عليه الصلاة والسلام، وقد اختلف العلماء من المؤرخين وغيرهم في سنة الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي عليه الاتفاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة صلاة لا يعرف من السنن والآداب منها إلا ما ندر، ولكن ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يؤدي صلاة ذات ركوع واحد وسجدتين.

وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ركعتين، وقد جاء في هذا أخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة.

معاني الصلاة في اللغة

والصلاة في كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لغة العرب على ثلاثة معانٍ, كما نص على ذلك غير واحد من أئمة العرب كـأبي بكر الأنباري وغيره:

المعنى الأول: أن المراد بذلك هي الصلاة المعروفة بلسان الشارع، وهي الصلاة المفتتحة بالتكبير، والمختتمة بالتسليم، كما في قول الله سبحانه وتعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وهذا عليه يحمل قول الشاعر:

يراوح من صلوات المليـ ك طوراً سجوداً وطوراً جؤارا

المعنى الثاني: أن المراد بذلك الترحم من الله على عباده، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم صل على آل أبي أوفى )، أي: اللهم ارحمهم، ومن ذلك قول كعب بن مالك فيمن مات في غزوة مؤتة:

وصلى الإله عليهم من فتية وسقى عظامهم الغمام المسبل

أي: نزلت عليهم رحمة الله سبحانه وتعالى, وذلك حينما توجد عليهم حينما فقدهم عليهم رضوان الله تعالى.

المعنى الثالث: المراد بها الدعاء, كقول الله عز وجل: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، أي: الدعاء، وقول الله سبحانه وتعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ [الإسراء:110]، قالوا: والمراد بذلك الدعاء، ومن هذا قول الشاعر:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلاً يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثلما صليت فاغتمضي نوماً فإن لجنب المرء مضطجعاً

أي: عليك مثلما دعيت لي، وهذا هو الأصل.

ومعلوم أنه في حال ورود شيء من الألفاظ الشرعية بهذا اللفظ فإنه ينصرف أصلاً إلى المراد الشرعي، وهو العبادة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم على هيئة معروفة.

تعريف الصلاة عند الفقهاء

ويعرف الفقهاء الصلاة بأنها عبادة ذات أفعال وأقوال مخصوصة, مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرف ذلك كما جاء في المسند وبعض السنن من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ).

والمراد بتحريمها أنه يحرم على الإنسان ما كان يباح له قبل ذلك التكبير، (وتحليلها التسليم) أي: أنه يحل له ما كان قد حرم عليه قبل ذلك، وهذا الحديث قد جاء من طرق عدة، ولا يخلو مجملها من ضعف.

والصلاة في كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي لغة العرب على ثلاثة معانٍ, كما نص على ذلك غير واحد من أئمة العرب كـأبي بكر الأنباري وغيره:

المعنى الأول: أن المراد بذلك هي الصلاة المعروفة بلسان الشارع، وهي الصلاة المفتتحة بالتكبير، والمختتمة بالتسليم، كما في قول الله سبحانه وتعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2]، وهذا عليه يحمل قول الشاعر:

يراوح من صلوات المليـ ك طوراً سجوداً وطوراً جؤارا

المعنى الثاني: أن المراد بذلك الترحم من الله على عباده، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اللهم صل على آل أبي أوفى )، أي: اللهم ارحمهم، ومن ذلك قول كعب بن مالك فيمن مات في غزوة مؤتة:

وصلى الإله عليهم من فتية وسقى عظامهم الغمام المسبل

أي: نزلت عليهم رحمة الله سبحانه وتعالى, وذلك حينما توجد عليهم حينما فقدهم عليهم رضوان الله تعالى.

المعنى الثالث: المراد بها الدعاء, كقول الله عز وجل: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة:103]، أي: الدعاء، وقول الله سبحانه وتعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ [الإسراء:110]، قالوا: والمراد بذلك الدعاء، ومن هذا قول الشاعر:

تقول بنتي وقد قربت مرتحلاً يا رب جنب أبي الأوصاب والوجعا

عليك مثلما صليت فاغتمضي نوماً فإن لجنب المرء مضطجعاً

أي: عليك مثلما دعيت لي، وهذا هو الأصل.

ومعلوم أنه في حال ورود شيء من الألفاظ الشرعية بهذا اللفظ فإنه ينصرف أصلاً إلى المراد الشرعي، وهو العبادة المفتتحة بالتكبير والمختتمة بالتسليم على هيئة معروفة.

ويعرف الفقهاء الصلاة بأنها عبادة ذات أفعال وأقوال مخصوصة, مفتتحة بالتكبير، ومختتمة بالتسليم، وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه عرف ذلك كما جاء في المسند وبعض السنن من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن الحنفية عن علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تحريمها التكبير، وتحليلها التسليم ).

والمراد بتحريمها أنه يحرم على الإنسان ما كان يباح له قبل ذلك التكبير، (وتحليلها التسليم) أي: أنه يحل له ما كان قد حرم عليه قبل ذلك، وهذا الحديث قد جاء من طرق عدة، ولا يخلو مجملها من ضعف.

وهذه الصلاة هي الفيصل بين المؤمن والكافر، وقد توعد الله سبحانه وتعالى تاركها بالنار، بل توعد الله عز وجل الساهي والمؤخر لها عن وقتها بالوعيد والعذاب الأليم.

الأحاديث الواردة في تارك الصلاة

وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار كثيرة تدل على أن من ترك الصلاة قد كفر، وخرج من الملة:

من ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، وجاء أيضاً عند الإمام مسلم عليه رحمة الله تعالى من حديث أبي الزبير عن جابر ، وقد جاء عند الترمذي عليه رحمة الله تعالى قال: ( بين الكفر والإيمان ترك الصلاة ).

وقد جاء من حديث جابر بن عبد الله عند محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة من حديث جابر قال: ( بين الرجل وبين تركه الإيمان ترك الصلاة )، وقد جاء أيضاً ما قيده جابر بن عبد الله عليه رضوان الله تعالى بترك الصلاة الواحدة كما عند المروزي أنه قال: ( بينه وبين الكفر أن يترك صلاة مكتوبة )، أي: قيدها بترك صلاة واحدة، وجاء هذا أيضاً عن مجاهد بن جبر فيما رواه عن جابر بن عبد الله عليه رضوان الله تعالى عند محمد بن نصر المروزي .

ويكفي في الوعيد فيمن تركها أنه يحشر مع فرعون و هامان و قارون و أبي بن خلف ، فقد روى الإمام أحمد و الطبراني و ابن حبان وغيرهم من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من حافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بها كن له نوراً ونجاة وبرهاناً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليهن لم تكن له نوراً ولا نجاة ولا برهاناً يوم القيامة، وحشر مع فرعون و هامان و قارون و أبي بن خلف )، ومن حشر مع هؤلاء فلا أفلح.

قول الصحابة والتابعين في تارك الصلاة

وقد ذهب الصحابة عليهم رضوان الله تعالى بالاتفاق، وكذلك التابعون إلى أن من ترك الصلاة سواء كان جاحداً لوجوبها أو تاركاً لها على الكسل والتهاون أنه كافر خارج من الملة، وهذا محل اتفاق عندهم، والخلاف إنما طرأ بعد ذلك.

وقد روى الترمذي و محمد بن نصر من حديث بشر بن المفضل عن الجريري عن عبد الله بن شقيق أنه قال: (ما كان أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة)، وهذا حكاية إجماع، وقد نص على الإجماع أيضاً التابعون, وعلى رأسهم أيوب بن أبي تميمة السختياني, كما روى ذلك محمد بن نصر المروزي من حديث حماد بن زيد عن أيوب بن أبي تميمة السختياني أنه قال: (ترك الصلاة كفر لا نختلف فيه)، ومراده بهذا رد حكاية الخلاف.

من ورد عنه القول بعدم كفر تارك الصلاة

ولا أعلم نصاً عن أحد من الصحابة ولا عن التابعين أنه قال بعدم كفر تارك الصلاة إلا ما روي عن ابن شهاب الزهري ، وهو أول من صرح -وإن كان ليس بظاهر- بكفر تارك الصلاة، كما رواه عنه محمد بن نصر المروزي من حديث عبد العزيز بن عبد الله عن إبراهيم عن ابن شهاب أنه سئل فيمن يؤخر الصلاة حتى يخرج وقتها، قال: (إن كان تاركاً لها مبدلاً ومبتغياً ديناً غير الإسلام قتل، وإن كان تاركاً لها تهاوناً فإنما يضرب ضرباً مبرحاً ويسجن)، قالوا: وفي هذا دليل على أنه لا يرى كفر تارك الصلاة، وفي هذا نظر.

فقول محمد بن شهاب الزهري في هذا الرجل أنه يقتل لأنه إن بدل فالمراد به الردة، وقوله: (يسجن) أي: أنه إن ترك هذه الصلاة الواحدة، وأما فيمن ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها فهذا محل الخلاف.

أما ترك الصلاة بالكلية فلا أعلم نصاً يعضده لا من الكتاب ولا من قول الصحابة، ولا من قول التابعين، وإنما الخلاف نشأ بعد ذلك.

والذي عليه إجماع الصحابة، وكما قال الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى: الإجماع إجماع الصحابة ومن بعدهم تبع لهم، أن من ترك الصلاة فقد كفر.

وما جاء عن محمد بن شهاب الزهري محتمل وليس بصريح، وقد نص غير واحد من الأئمة كـابن رجب عليه رحمة الله تعالى أن من ذهب إلى عدم كفر تارك الصلاة من السلف محمد بن شهاب الزهري و حماد بن زيد ، وهؤلاء من الأوائل. ثم جاء بعد ذلك من الأئمة من قال بعدم الكفر كـأبي حنيفة وغيره، ويأتي الكلام على هذا.

من ترك ركناً من أركان الإسلام غير الصلاة

والمشهور عن الأئمة عليهم رحمة الله عدم كفر من ترك شيئاً من أركان الإسلام إلا الركن الأول والركن الثاني وهي الصلاة، وذهب بعض العلماء وهو مروي عن الحسن ، وقال به نافع و الحكم و ابن حبيب من المالكية، وقال به إسحاق بن راهويه ، وهو رواية عن الإمام أحمد إلى أن من ترك شيئاً من أركان الإسلام وإن كان زكاة أو صياماً أو حجاً متعمداً كسلاً أو تهاوناً أو جحوداً فإنه كافر، والجمهور على عدم الكفر.

ولهذا يقال: إن من حكم بكفر من ترك شيئاً من أركان الإسلام فهو قول معروف لأئمة السلف, لكنه قول مرجوح لا تعضده الأدلة، والتكفير إنما دل الدليل عليه في الصلاة، ولا يعضده دليل فيما عدا ذلك، وأظهر ما جاء فيه في الحج صراحة بعد الصلاة كما في قول الله سبحانه وتعالى: وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ [آل عمران:97]، وما جاء عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى فيما رواه البيهقي و أبو بكر الإسماعيلي قال: (لقد هممت أن أبعث إلى الآفاق، فينظر من كان عنده جدة فلم يحج أن يضرب عليهم الجزية، ما هم بمسلمين)، وهو متأول، وإسناده صحيح عن عمر بن الخطاب عليه رضوان الله تعالى.

وما جاء من النصوص عن الأئمة عليهم رحمة الله تعالى بعدم كفر تارك الصلاة إنما هو قول المتأخرين، ولا يعلم هذا القول لأحد من الصحابة ولا لأحد من التابعين، وقد حكى غير واحد من الأئمة الإجماع على كفر تارك الصلاة بأي حال كان تركها، وحكى الإجماع إسحاق بن راهويه و محمد بن نصر المروزي .

وقد ذهب إسحاق بن راهويه إلى أن من لم يكفر تارك الصلاة فإنه مرجئ, ومال إلى هذا أبو داود عليه رحمة الله تعالى في كتابه السنن حينما ترجم فقال: (باب في رد الإرجاء)، ثم أورد حديث كفر تارك الصلاة، أي: أنه من لم يذهب إلى كفر تارك الصلاة فقد قال بقول المرجئة، وعليه يعلم تساؤل كثير من المتأخرين بعدم تكفير تارك الصلاة مع ثبوت النص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

أقوال الأئمة الأربعة في تارك الصلاة

وأما الأئمة الأربعة كـأبي حنيفة و مالك و الشافعي و أحمد ، فالنصوص عنهم في هذا متفاوتة.

فالمشهور عن الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى القول بالتكفير، ونص عليه جماهير أصحابه بل عامتهم، وحكاه عنه من أصحابه ابن هانئ والخلال والميموني وأبو بكر المروزي والشالنجي وابنه عبد الله بن أحمد وحنبل بن إسحاق ، والأصطخري في رسالته للإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى كما ذكرها بإسنادها القاضي ابن أبي يعلى في كتابه طبقات الحنابلة، و أبو داود في مسائله، وأبو طالب ، فكلهم حكوا عن الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى النص بكفر تارك الصلاة.

ولا يعلم عنه نص بعدم التكفير إلا ما يفهمه بعض الأصحاب من رواية ابنه صالح حينما سأله عن زيادة الإيمان ونقصانه: (كيف يزيد وينقص؟ قال: بترك الفرائض كالصلاة والزكاة والصيام والحج وغيرها من الفرائض)، فقالوا: في هذا دليل على أنه يرى أن من ترك الصلاة فإن إيمانه ينقص، وفي هذا نظر:

أولاً: أن قول الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى أن نقصان الإيمان يكون بترك الصلاة، لعله أراد ترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها, فإنه لا يقول بالكفر فيمن هذه حاله، وقد أخرج في كتابه المسند من حديث قتادة عن نصر قال: ( جاء رجل منا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يبايعه على ألا يصلي إلا صلاتين، فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك )، ومعلوم عند أصحاب الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى أن ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث، ولا يعلم فيه قول، أو كان له في هذا القول روايتان، فإن هذا الحديث الذي أخرجه في مسنده يكون كالنص عنه، وقد حكى الخلاف في هذه المسألة ابن مفلح عليه رحمة الله تعالى في كتابه الفروع، ورجح أن الأولى أن يكون فيه كالنص، وهذا كما أنه عند الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى كذلك عن الإمام مالك عليه رحمة الله تعالى في كتابه الموطأ.

وعليه فإخراج الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى لهذا الخبر أن النبي عليه الصلاة والسلام بايع رجلاً على ألا يصلي إلا صلاتين دليل على أن بقاءه على هذه الحال لا يصلي إلا صلاتين أهون من بقائه على كفره الأصلي.

وحينئذٍ يقال: إن من ترك صلاة واحدة أو صلاتين في اليوم والليلة فإنه لا يكفر حتى يخرج وقتها.

ثانياً: قد ثبت عن غير واحد من السلف القول بالكفر، وهذا مروي عن الحسن البصري ، ونص عليه إسحاق بن راهويه ، وهو رواية عن الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى على خلاف المشهور، وعليه تحمل الرواية التي جاءت في رواية ابنه صالح حينما سأله عن زيادة الإيمان ونقصانه، وأشار إلى نقصان الصلاة، فإنه لا يعني أنه أراد ترك الصلاة بالكلية.

وكذلك قال بعض الأصحاب بأن الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى لا يرى كفر تارك الصلاة برواية ابنه عبد الله حينما سأله فيمن ترك الصلاة شهراً ثم تاب أيعيد؟ قال: نعم، ويقال: إن هذا ليس بصريح، فإن الإنسان قد يترك الصلاة جاهلاً كالمرأة التي يخرج منها الدم ولا تستفتي تفريطاً منها، وتظن أنه حيض، وهو دم فساد، هل يجب عليها أن تعيد تلك الصلاة؟ وعليه يحمل قول الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى وهو ليس بصريح، ولا يحمل المتشابه من قوله على الصريح مما نقله عنه جماهير أصحابه.

إذاً يقال: إن النص عن الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى صريح بكفر تارك الصلاة.

وأما الإمام مالك فلا يحفظ عنه نص، ولا يحفظ عنه قول بكفر تارك الصلاة أو عدم كفر تارك الصلاة، وإنما هي حكايات ونقول تنسب إلى الإمام مالك عليه رحمة الله تعالى، والمشهور عنه عند أصحابه: أن تارك الصلاة ليس بكافر, وهذا الذي ينقله عنه جماهير أصحابه، كما نقله عنه ابن عبد البر و ابن رشد وغيرهم من أئمة المالكية.

وقد ذهب بعض المالكية ونقل عن الإمام مالك عليه رحمة الله تعالى إلى كفر تارك الصلاة، كما نقله ابن رشد عليه رحمة الله تعالى في كتابه المقدمات، وفي حاشيته على المدونة، على أن من ترك الصلاة كافر، ونسبه إلى الإمام مالك ، وقيده بالإصرار، وكأنه يذهب إلى ما ذهب إليه الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى من أن من ترك صلاة وصلاتين أنه لا يكفر بإخراجه لحديث نصر وقد تقدم الإشارة إليه.

وأما الشافعي عليه رحمة الله فلم يحفظ عنه نص صريح أيضاً بعدم كفر تارك الصلاة، وإن كان أصحابه ينقلون عنه عدم كفر تارك الصلاة، وقد نص على هذا القول وحكاه عن الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى جماهير أصحابه كالإمام النووي عليه رحمة الله تعالى في المجموع والروضة، و الصابوني في عقيدة أهل الحديث.

ونقل بعض الأئمة عن الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى أنه يرى كفر تارك الصلاة، كما حكاه عنه الإمام الطحاوي عليه رحمة الله تعالى في مشكل الآثار، وكذلك في اختصار اختلاف العلماء، أي: أن الشافعي عليه رحمة الله تعالى يرى كفر تارك الصلاة.

وما جاء عنه عليه رحمة الله تعالى في هذا ما جاء في كتابه الأم أنه قال: (الرجل إذا ترك صلاة مكتوبة حتى يخرج وقتها فقد ركب شراً إلا أن يعفو الله عنه)، قالوا: فإن الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى بهذا القول يرى عدم كفر تارك الصلاة.

فيقال: إن الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى لم يذهب إلى هذا القول بدليل أنه قيدها بترك صلاة واحدة حتى يخرج وقتها، وهذا قد دل الدليل على عدم كفره كما تقدم فيما رواه الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى في مسنده.

وأما نص صريح عن الإمام الشافعي عليه رحمة الله تعالى فلا يوجد في هذه المسألة، وإن كان جماهير أصحابه يحكون عنه عدم التكفير.

وأما أبو حنيفة فالمشهور عنه عدم التكفير، ولا يكاد ينقل عنه القول بكفر تارك الصلاة، ونقله عنه جماهير أصحابه، ومن الأئمة في هذا الإمام الطحاوي عليه رحمة الله تعالى في مشكل الآثار واختصار اختلاف العلماء، وله في ذلك نصوص، وإلى هذا ذهب شيوخه عليه رحمة الله تعالى كـحماد بن أبي سليمان وغيره، وهو مروي عن إبراهيم النخعي عليهم رحمة الله.

وقد ذهب جماعة من الأئمة عليهم رحمة الله تعالى إلى عدم كفر تارك الصلاة، وممن ذهب من الأئمة إلى هذا القول: ابن قدامة المقدسي في كتابه المغني، وابن عبد الهادي في كتابه مغني ذوي الأفهام، و ابن حبان و السخاوي والعراقي وغيرهم.

سوء حال تارك الصلاة

وترك الصلاة ليس من خصال أهل الإيمان بحال، وقد قال ولي الدين العراقي عليه رحمة الله تعالى في أوائل كتابه طرح التثريب: (وأخبرني بعض أصحابنا وهو أبو الطيب المغربي أن أحد علماء المغرب حينما تكلم على ترك الصلاة قال: وترك الصلاة هذه مسألة يفترضها العلماء وليست بواقعة)، وقال: (وهذا العالم الذي حكى هذا القول كان في عزلة، وكان في حلقة أبيه حتى خرج إلى مجالس العلم والتدريس، وحكى هذا القول).

وعلى كل فهذا القول وغيره يدل على أن ترك الصلاة ليس من خصال أهل الإسلام بحال، ويكفي التشديد من النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم وحكايات التكفير عن الأئمة عليهم رحمة الله تعالى وهي كثيرة وأشهر من أن تذكر، وقد تقدم جملة منها.

وهذه الصلاة والتي فيها الكلام هي الفرائض الخمس التي فرضها الله سبحانه وتعالى على عباده على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونتكلم بإذن الله تعالى على ابتدائها إلى الانتهاء منها بالتسليم، والكلام على ما بعدها وما قبلها من شروط ونحو ذلك يطول ذكره، ولهذا نتنكبه ونأخذ ما ظهر، وما أهم مسائلها وما يحتاج إليه الكثير.

وقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبار كثيرة تدل على أن من ترك الصلاة قد كفر، وخرج من الملة:

من ذلك ما رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )، وجاء أيضاً عند الإمام مسلم عليه رحمة الله تعالى من حديث أبي الزبير عن جابر ، وقد جاء عند الترمذي عليه رحمة الله تعالى قال: ( بين الكفر والإيمان ترك الصلاة ).

وقد جاء من حديث جابر بن عبد الله عند محمد بن نصر المروزي في كتابه تعظيم قدر الصلاة من حديث جابر قال: ( بين الرجل وبين تركه الإيمان ترك الصلاة )، وقد جاء أيضاً ما قيده جابر بن عبد الله عليه رضوان الله تعالى بترك الصلاة الواحدة كما عند المروزي أنه قال: ( بينه وبين الكفر أن يترك صلاة مكتوبة )، أي: قيدها بترك صلاة واحدة، وجاء هذا أيضاً عن مجاهد بن جبر فيما رواه عن جابر بن عبد الله عليه رضوان الله تعالى عند محمد بن نصر المروزي .

ويكفي في الوعيد فيمن تركها أنه يحشر مع فرعون و هامان و قارون و أبي بن خلف ، فقد روى الإمام أحمد و الطبراني و ابن حبان وغيرهم من حديث عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( من حافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بها كن له نوراً ونجاة وبرهاناً يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليهن لم تكن له نوراً ولا نجاة ولا برهاناً يوم القيامة، وحشر مع فرعون و هامان و قارون و أبي بن خلف )، ومن حشر مع هؤلاء فلا أفلح.

وقد ذهب الصحابة عليهم رضوان الله تعالى بالاتفاق، وكذلك التابعون إلى أن من ترك الصلاة سواء كان جاحداً لوجوبها أو تاركاً لها على الكسل والتهاون أنه كافر خارج من الملة، وهذا محل اتفاق عندهم، والخلاف إنما طرأ بعد ذلك.

وقد روى الترمذي و محمد بن نصر من حديث بشر بن المفضل عن الجريري عن عبد الله بن شقيق أنه قال: (ما كان أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة)، وهذا حكاية إجماع، وقد نص على الإجماع أيضاً التابعون, وعلى رأسهم أيوب بن أبي تميمة السختياني, كما روى ذلك محمد بن نصر المروزي من حديث حماد بن زيد عن أيوب بن أبي تميمة السختياني أنه قال: (ترك الصلاة كفر لا نختلف فيه)، ومراده بهذا رد حكاية الخلاف.