خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/2102"> الشيخ عبد العزيز الطريفي . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/2102?sub=56805"> حائية ابن أبي داود
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
حائية ابن أبي داود [5]
الحلقة مفرغة
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:
قال الناظم رحمه الله تعالى:
[ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا فكلهم يعصي وذو العرش يصفح ]
قال: [ ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا ]: الكفر في اللغة: هو التغطية، والمراد بذلك أنه قد غطى إيمانه وأظهر الكفر، ولذلك يسمى الكافر: كافراً، لأنه قد لاح وظهر خروجه عن الإسلام وغطى إيمانه.
قال: [ أهل الصلاة ]: فيه دليل على أن المصنف عليه رحمة الله تعالى يميل إلى كفر تارك الصلاة، وهذا الذي عليه الصحابة والتابعون، والأدلة في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة، من ذلك: ما رواه الإمام مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( بين الرجل وبين الشرك ترك الصلاة )، وكذلك ما رواه الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر )، وهذا الذي عليه إجماع الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، كما روى الترمذي ومحمد بن نصر المروزي من حديث الجريري عن بشر بن المفضل أن عبد الله بن شقيق قال: ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة، وهذا حكاية إجماع عن الصحابة، وكذلك قد أجمع عليه التابعون كما روى محمد بن نصر من حديث حماد بن زيد عن أيوب أنه قال: ترك الصلاة كفر لا نختلف فيه.
وأما ما يحتج به البعض عند ابن ماجه والحاكم من حديث حذيفة بن اليمان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب، حتى لا يدرى ما صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا نسك، إلا أقوام يقولون: لا إله إلا الله محمد رسول الله، كنا نسمع آبائنا يقولونها فنقولها )، قيل لـحذيفة: ما تفعل بهم لا إله إلا الله؟ فقال: تنجيهم من النار لا أبا لك! احتج به البعض عن عدم كفر تارك الصلاة، وهو بموطن حجة؛ ولذلك ورد أنه قال في الخبر: (لا يدرى)، أي: أنه لا يعلم أن ثمة صلاة، وهذا ما يسمى: بالعذر بالجهل.
قال: [ وإن عصوا ]: تارك الصلاة كافر عند الصحابة والتابعين، والخلاف إنما طرأ بعد ذلك، ولا أعلم أحداً من السلف قال بعدم كفر تارك الصلاة سوى ما روي عن الزهري وهو أول من صرح في هذا، وبعد ذلك نشأ الخلاف، وعن الإمام أحمد عليه رحمة الله تعالى أنه نص بكفر تارك الصلاة، والصواب أن تارك الصلاة كافر.
حكم التهاون في أداء الصلوات المفروضة
ومن صلى حيناً وترك حيناً كمن يصلي صلاتين في اليوم أو ثلاثة ويترك البقية، فإنه مسلم مذنب مرتكب كبيرة وليس بكافر، لأنه قد روى الإمام أحمد في المسند من حديث قتادة عن نصر بن عاصم: أن رجلاً حدثهم: ( أن قوماً جاءوا للنبي عليه الصلاة والسلام فاشترطوا أن يدخلوا في الإسلام وأن يصلوا صلاتين، فأذن لهم النبي عليه الصلاة والسلام ) .
وعقيدة أهل السنة والجماعة ألا يكفروا أحداً بذنب ارتكبه ما لم ينقض إيمانه بناقض، ولذلك قال: [ ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا ]: ما دام أنهم يؤدون الصلاة وقبلتهم قبلتنا، فليس لك أن تكفرهم بذنب وإن عصوا خلافاً للخوارج والمعتزلة، فالمؤمن إن ارتكب المعصية وأذنب لا يكفر بذلك ما لم يقع في الشرك والكفر، وقد ذهب الخوارج والمعتزلة إلى كفر فاعل الكبيرة.
قال: [ فكلهم يعصي وذو العرش يصفح ]، أي: ما من أحد إلا ويعصي، وعلى هذا يقال بكفر وردة الناس عامة، وهذا ليس من معتقد أهل السنة والجماعة، بل يقال: بأنهم أهل إيمان وإسلام ولكنهم مقصرون، والإيمان أعلى مرتبة من الإسلام، قال: [ فكلهم يعصي ]، أي: كل الناس يعصون [ وذو العرش يصفح ]، فما من أحد من الناس إلا وله حظ من المعصية، والله عز وجل يغفر ويتوب لمن تاب.
ومن صلى حيناً وترك حيناً كمن يصلي صلاتين في اليوم أو ثلاثة ويترك البقية، فإنه مسلم مذنب مرتكب كبيرة وليس بكافر، لأنه قد روى الإمام أحمد في المسند من حديث قتادة عن نصر بن عاصم: أن رجلاً حدثهم: ( أن قوماً جاءوا للنبي عليه الصلاة والسلام فاشترطوا أن يدخلوا في الإسلام وأن يصلوا صلاتين، فأذن لهم النبي عليه الصلاة والسلام ) .
وعقيدة أهل السنة والجماعة ألا يكفروا أحداً بذنب ارتكبه ما لم ينقض إيمانه بناقض، ولذلك قال: [ ولا تكفرن أهل الصلاة وإن عصوا ]: ما دام أنهم يؤدون الصلاة وقبلتهم قبلتنا، فليس لك أن تكفرهم بذنب وإن عصوا خلافاً للخوارج والمعتزلة، فالمؤمن إن ارتكب المعصية وأذنب لا يكفر بذلك ما لم يقع في الشرك والكفر، وقد ذهب الخوارج والمعتزلة إلى كفر فاعل الكبيرة.
قال: [ فكلهم يعصي وذو العرش يصفح ]، أي: ما من أحد إلا ويعصي، وعلى هذا يقال بكفر وردة الناس عامة، وهذا ليس من معتقد أهل السنة والجماعة، بل يقال: بأنهم أهل إيمان وإسلام ولكنهم مقصرون، والإيمان أعلى مرتبة من الإسلام، قال: [ فكلهم يعصي ]، أي: كل الناس يعصون [ وذو العرش يصفح ]، فما من أحد من الناس إلا وله حظ من المعصية، والله عز وجل يغفر ويتوب لمن تاب.
[ ولا تعتقد رأي الخوارج إنه مقال لمن يهواه يردي ويفضح ]
الخوارج يرون كفر فاعل الكبيرة، ويرون أن من فعل الكبيرة أنه خارج عن الإسلام وخالد مخلد في النار، وأهل السنة وسط بين الخوارج والمرجئة، فالمرجئة يرون أن الإنسان لا يكفر بعمل، والخوارج يرون أنه يكفر بالمعصية والكبيرة، وأهل السنة يرون أنه لا يكفر إلا بما دل الدليل على كفره، ولذلك لا يكفرون أهل القبلة بذنب، والخوارج إنما سموا: خوارج؛ لأنهم خرجوا عن منهج أهل الإسلام في هذا الباب، وهذا هو منهج الخوارج والمعتزلة.
يقول: [ مقال لمن يهواه يردي ويفضح ]، أي: يردي الإنسان ويجره إلى الحكم بردة شاملة للناس، وأهل السنة الوارد عنهم أن من ترك شيئاً من الواجبات لم يدل دليل على أن تاركه كافر أنه لا يكفر، ولذلك يقولون: إنه لا يلزم من ترك الواجب بغض إيجابه، ولا يلزم من فعل المحرم بغض تحريمه، خلافاً للخوارج فإنهم يقولون: إن من ترك الواجب دل الدليل على أنه أبغض إيجابه، ومن فعل المحرم دل على أنه أبغض تحريمه فهم يكفرون باللازم، وأهل السنة لا يقولون بذلك: لأن الإنسان ربما يغلبه هواه فيفعل الكبيرة لا بغضاً للتحريم، ويترك الواجب لا بغضاً للإيجاب ولكن تفريطاً واتباعاً للهوى، ولذلك كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يشرب الخمر ويزني ويجلد ولا يقام عليه حد الردة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول كما في الصحيح من حديث عبد الله بن عباس: ( من بدل دينه فاقتلوه ) .
حكم من ترك ركنا من أركان الإسلام
ومسألة أركان الإسلام، من ترك شيئاً منها من الصيام والزكاة والحج، أما الصلاة فتقدم الكلام عليها فثمة قول لأهل السنة أن من ترك شيئاً منها فهو كافر، وهذا قول معروف قال به غير واحد من السلف كـسعيد بن جبير ونافع مولى عبد الله بن عمر والحكم بن عتيبة وابن حبيب من المالكية وإسحاق بن راهويه، بل قد ذهب إسحاق بن راهويه عليه رحمة الله إلى أن من قال بعدم كفر من ترك شيئاً من أركان الإسلام الخمسة أنه مرجئ، فيرى أن من لم يكفر تارك الزكاة وتارك الصيام أنه مرجئ، وهذه رواية - أي: كفر من ترك شيئاً من أركان الإسلام - عن الإمام أحمد عليه رحمة الله.
وجماهير السلف على عدم كفر من ترك شيئاً من أركان الإسلام، سوى الركنين الأولين، وذهب إلى هذا أبو داود عليه رحمة الله تعالى، فيرى في مسألة الصلاة، من لم يكفر تارك الصلاة أن فيه بذرة إرجاء، كما في تراجمه في السنن.
ومسألة أركان الإسلام، من ترك شيئاً منها من الصيام والزكاة والحج، أما الصلاة فتقدم الكلام عليها فثمة قول لأهل السنة أن من ترك شيئاً منها فهو كافر، وهذا قول معروف قال به غير واحد من السلف كـسعيد بن جبير ونافع مولى عبد الله بن عمر والحكم بن عتيبة وابن حبيب من المالكية وإسحاق بن راهويه، بل قد ذهب إسحاق بن راهويه عليه رحمة الله إلى أن من قال بعدم كفر من ترك شيئاً من أركان الإسلام الخمسة أنه مرجئ، فيرى أن من لم يكفر تارك الزكاة وتارك الصيام أنه مرجئ، وهذه رواية - أي: كفر من ترك شيئاً من أركان الإسلام - عن الإمام أحمد عليه رحمة الله.
وجماهير السلف على عدم كفر من ترك شيئاً من أركان الإسلام، سوى الركنين الأولين، وذهب إلى هذا أبو داود عليه رحمة الله تعالى، فيرى في مسألة الصلاة، من لم يكفر تارك الصلاة أن فيه بذرة إرجاء، كما في تراجمه في السنن.
[ ولا تك مرجياً لعوباً بدينه ألا إنما المرجي بالدين يمزح ]
قال: [ ولا تك مرجياً ]: المرجي: مشتق من الإرجاء، وأرجأ الشيء إذا أجله وأخره، وكأنه أخر الإنسان ودفعه من الكفر عن الكفر إلى الإيمان وأبقاه فيه، وقيل: إنه أرجأ أمره إلى الآخرة ولم يحكم فيه.
طوائف المرجئة
والمرجئة هم شر المذاهب، بل قيل: إنهم شر من الرافضة والخوارج؛ وذلك أنهم قد لعبوا بالدين فلم يطلقوا على أحد كفراً، وهم على مراتب:
الطائفة الأولى: غلاة المرجئة الذين يرون أن الإيمان محله القلب فقط، التصديق القلبي، وأن الإنسان إن كفر بلسانه أو بجوارحه أنه لا يكفر، وهؤلاء شر الملل والنحل، واليهود والنصارى خير منهم، وذلك أنه بقولهم ذلك يلزم منه إدخال إبليس في الإسلام والإيمان، وإدخال فرعون وهامان وإدخال كفار قريش، وأنه لا يدخل في الكفر أحد أبداً؛ وذلك أنه ما من أحد إلا ويؤمن بربوبية الله سبحانه وتعالى، فإبليس آمن بقلبه قطعاً وصدق لكنه كفر بلسانه وجوارحه، فهو يعلم يقيناً أن الله عز وجل واحد والمستحق للعبادة، فهو على قول المرجئة أنه مؤمن.
كذلك فرعون مؤمن بصدق موسى عليه الصلاة والسلام وأن ما جاء به هو الحق، فلما أدركه الغرق قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ [يونس:90]، خرج ما في قلبه على لسانه لما أدركه الغرق، ولذلك جبريل كان يقول للنبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: ( لقد رأيتني يا محمد وإني لآخذ التراب وأضعه في فم فرعون خشية أن تدركه رحمة الله ) .
وعلى هذا القول، يلزم منه إدخال كفار قريش أيضاً في الإسلام، والله عز وجل قد وصف حال كفار قريش في مقابل دعوة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم مصدقون بقلوبهم، فقال الله عز وجل عن حالهم: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، ما الذي استيقنتها أنفسهم؟ هو بتصديق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بل من نظر إلى كلام أبي طالب عم النبي عليه الصلاة والسلام، ونظر إلى تصديقه الذي بدا على بعض كلامه بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فعلى قولهم هذا: يلزم أن يكون مؤمن، لأن الإيمان محله القلب.
فعليه: كل من آمن بقلبه وصدق بالشيء وإن كفر بلسانه وجوارحه فإنه مؤمن، وعلى هذا: كل الكفرة الذين حكا الله عز وجل أنهم في النار، وكذا النبي عليه الصلاة والسلام، أنهم لا يدخلونها على قولهم، وهذا شر المذاهب على الإطلاق، ولذلك أبو طالب مدح النبي عليه الصلاة والسلام ويبين أنه صاحب دعوة حق، بل ناصر النبي عليه الصلاة والسلام وما منعه من اتباعه إلا العار، يقول:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد بالتراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقر منه عيونا
ودعوتني وزعمت أنك صادق ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت ديناً لا محالة أنه من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك يقينا
على هذا يكون أبو طالب من أهل الإيمان ومن أهل التصديق، فإيمانه كإيمان جبريل وميكائيل، لأنه قد آمن بقلبه وكفى، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: هو في ضحضاح من نار يغلي منهما دماغه، نعوذ بالله من ذلك!
وهذه الفئة من المرجئة هم الذين ذهبوا إلى شر ما لم تذهب إليه ملة أو أصحاب شريعة كاليهودية والنصرانية، بل إن اليهود والنصارى خير منهم فهم أقرب إلى الإلحاد، وذهب إلى هذا من الملاحدة ابن هود وابن سبعين والتلمساني وغيرهم.
ثم الطائفة الثانية من المرجئة: الذين قالوا: إن الإيمان هو اعتقاد بالقلب وقول باللسان، فيرون أن عمل الجوارح لا علاقة له بالإيمان، وأن الإنسان لا يعاقب عليها، وإنما تزيد من عمل الإنسان مرتبةً في الجنة فحسب، وإلا هو يدخل الجنة وينجوا من النار باعتقاد قلبه وبقول لسانه، مع قولهم: إنه لو نقض قول لسانه بقول آخر لا يحاسب عن ذلك حتى يسأل ويقرر عما في قلبه، فهم أخرجوا العمل كله من الإيمان.
والطائفة الثالثة من المرجئة: الذين يقولون: إن الإيمان قول واعتقاد وعمل، إلا أنهم يرون أن الإنسان إن ترك العمل بالكلية لا يكفر، مع أنهم يرون أن العمل من الإيمان، أي: من كماله، يكمل بذلك إيمان الإنسان، وفرقهم عن الطائفة الثانية: أن الثانية يقولون: إن الإيمان تام بالقول والعمل، ولكنه يزداد حظوةً وقربى كلما ازداد عملاً وإيمانه كامل، أما الثالثة فيرون أنه من كمال الإيمان، وإن انتفى عمله بالكلية فإنه ليس بكافر.
والمرجئة هم شر المذاهب، بل قيل: إنهم شر من الرافضة والخوارج؛ وذلك أنهم قد لعبوا بالدين فلم يطلقوا على أحد كفراً، وهم على مراتب:
الطائفة الأولى: غلاة المرجئة الذين يرون أن الإيمان محله القلب فقط، التصديق القلبي، وأن الإنسان إن كفر بلسانه أو بجوارحه أنه لا يكفر، وهؤلاء شر الملل والنحل، واليهود والنصارى خير منهم، وذلك أنه بقولهم ذلك يلزم منه إدخال إبليس في الإسلام والإيمان، وإدخال فرعون وهامان وإدخال كفار قريش، وأنه لا يدخل في الكفر أحد أبداً؛ وذلك أنه ما من أحد إلا ويؤمن بربوبية الله سبحانه وتعالى، فإبليس آمن بقلبه قطعاً وصدق لكنه كفر بلسانه وجوارحه، فهو يعلم يقيناً أن الله عز وجل واحد والمستحق للعبادة، فهو على قول المرجئة أنه مؤمن.
كذلك فرعون مؤمن بصدق موسى عليه الصلاة والسلام وأن ما جاء به هو الحق، فلما أدركه الغرق قال: آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ [يونس:90]، خرج ما في قلبه على لسانه لما أدركه الغرق، ولذلك جبريل كان يقول للنبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح: ( لقد رأيتني يا محمد وإني لآخذ التراب وأضعه في فم فرعون خشية أن تدركه رحمة الله ) .
وعلى هذا القول، يلزم منه إدخال كفار قريش أيضاً في الإسلام، والله عز وجل قد وصف حال كفار قريش في مقابل دعوة محمد صلى الله عليه وسلم أنهم مصدقون بقلوبهم، فقال الله عز وجل عن حالهم: وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا [النمل:14]، ما الذي استيقنتها أنفسهم؟ هو بتصديق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، بل من نظر إلى كلام أبي طالب عم النبي عليه الصلاة والسلام، ونظر إلى تصديقه الذي بدا على بعض كلامه بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم، فعلى قولهم هذا: يلزم أن يكون مؤمن، لأن الإيمان محله القلب.
فعليه: كل من آمن بقلبه وصدق بالشيء وإن كفر بلسانه وجوارحه فإنه مؤمن، وعلى هذا: كل الكفرة الذين حكا الله عز وجل أنهم في النار، وكذا النبي عليه الصلاة والسلام، أنهم لا يدخلونها على قولهم، وهذا شر المذاهب على الإطلاق، ولذلك أبو طالب مدح النبي عليه الصلاة والسلام ويبين أنه صاحب دعوة حق، بل ناصر النبي عليه الصلاة والسلام وما منعه من اتباعه إلا العار، يقول:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم حتى أوسد بالتراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة وابشر بذاك وقر منه عيونا
ودعوتني وزعمت أنك صادق ولقد صدقت وكنت ثم أمينا
وعرضت ديناً لا محالة أنه من خير أديان البرية دينا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك يقينا
على هذا يكون أبو طالب من أهل الإيمان ومن أهل التصديق، فإيمانه كإيمان جبريل وميكائيل، لأنه قد آمن بقلبه وكفى، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: هو في ضحضاح من نار يغلي منهما دماغه، نعوذ بالله من ذلك!
وهذه الفئة من المرجئة هم الذين ذهبوا إلى شر ما لم تذهب إليه ملة أو أصحاب شريعة كاليهودية والنصرانية، بل إن اليهود والنصارى خير منهم فهم أقرب إلى الإلحاد، وذهب إلى هذا من الملاحدة ابن هود وابن سبعين والتلمساني وغيرهم.
ثم الطائفة الثانية من المرجئة: الذين قالوا: إن الإيمان هو اعتقاد بالقلب وقول باللسان، فيرون أن عمل الجوارح لا علاقة له بالإيمان، وأن الإنسان لا يعاقب عليها، وإنما تزيد من عمل الإنسان مرتبةً في الجنة فحسب، وإلا هو يدخل الجنة وينجوا من النار باعتقاد قلبه وبقول لسانه، مع قولهم: إنه لو نقض قول لسانه بقول آخر لا يحاسب عن ذلك حتى يسأل ويقرر عما في قلبه، فهم أخرجوا العمل كله من الإيمان.
والطائفة الثالثة من المرجئة: الذين يقولون: إن الإيمان قول واعتقاد وعمل، إلا أنهم يرون أن الإنسان إن ترك العمل بالكلية لا يكفر، مع أنهم يرون أن العمل من الإيمان، أي: من كماله، يكمل بذلك إيمان الإنسان، وفرقهم عن الطائفة الثانية: أن الثانية يقولون: إن الإيمان تام بالقول والعمل، ولكنه يزداد حظوةً وقربى كلما ازداد عملاً وإيمانه كامل، أما الثالثة فيرون أنه من كمال الإيمان، وإن انتفى عمله بالكلية فإنه ليس بكافر.
ومذهب أهل السنة والجماعة: أن الإيمان قول وعمل واعتقاد لا فرق بينها، فإن انتهى واحد منها كفر الإنسان، وأن الإيمان لا يمكن أن يقوم إلا على هذه الثلاثة، فلا يقال: إن العمل شرط للإيمان ولا كمال له بل هو الإيمان، وهذه مسألة لا يتطرق لها الكثير: من أن الإيمان شرط للعمل، فكأنه قد أخرج ضمناً العمل من الإيمان، بل يقال: إن العمل هو الإيمان، والقول هو الإيمان، والاعتقاد هو الإيمان، فلا بد من هذه الأركان أن تتوفر في إيمان الإنسان حتى يكون مؤمناً، وذلك كالصلاة: لا تكون صلاةً حتى يكون فيها ركوع وقيام وسجود، فإن انتفى وامتنع للقادر شيء منها لا تسمى صلاةً، فلا يقال: هذا شرط وإنما هي من ماهيتها وحقيقتها.
وما هو العمل الذي هو من الإيمان، ولا يتحقق إيمان الإنسان إلا بوجوده؟ هو ما اختصت به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم عن غيره، قد يقول قائل: أن العمل لا بد منه لكي يتحقق الإيمان في قلب الإنسان، فأي عمل نريد؟ قد يقول: أن ذكر العمل هنا من الخلاف اللفظي، إذ أنه لا يمكن لأحد إلا ويعمل، كل يبذل سلام وتحية ويتصدق ويحسن، فما من أحد - حتى الملحد - إلا ويبذل خيراً، فيبر أمه ويحسن لجاره، يبذل تحية، يرحم ضعيفاً، يتصدق، هل هذا هو العمل المقصود؟ لا، المقصود هو عمل اختصت به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم عن سائر الشرائع، فمما اختصت به الصلاة والصيام والحج والعمرة، وغير ذلك من أعمال الطاعات التي اختصت بها شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فلا بد منها.
ولسوء فهم البعض، يقول: أنتم تقولون: إن العمل من الإيمان، ولذلك يكثر اللغط والقول في هذا والخلاف لفظي، حيث أنه لا ثمرة لذكر العمل هنا، فبما أنكم تقولون: أنه لا يكفر أحد بشيء من الأعمال إلا الصلاة، والصلاة موطن خلاف عند العلماء، هل يكفر صاحبها أو لا يكفر، وإذا قلنا: أنه لا يكفر، فالإنسان لا بد أن يعمل جنس خير، فلا بد لأي مسلم أن يعمل خيراً وهذا معلوم، فإما أن يبر أمه أو أباه ويتصدق على أخيه، أو يسلم على جاره، ويبذل التحية ويرحم الضعيف، ويميط أذى عن الطريق، وينظف نفسه، ويفعل الأمور التي جاءت بها الفطر واشتركت فيها الشرائع كلها.
فاشتركت سائر الشرائع بالأخلاق كلها، والعلماء عليهم رحمة الله يقولون: إن ما ينسخ في الشرائع هو الأحكام، وما لا ينسخ فيها العقائد والأخلاق والأخبار، فالفضائل والأخلاق لا تنسخ، فهي باقية من آدم إلى يومنا هذا، فإن الله عز وجل إن فضّل مكاناً أو بقعة بقيت هذه مفضلة إلى آخر الدهر، وإن فضل الله عز وجل تعاملاً وخلقاً كالصدق والأمانة وإماطة الأذى عن الطريق، فإنه فضل على سائر الشرائع، لأن هذه أخلاق مفطور الإنسان عليها، ولذلك يقول الله عز وجل: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا [الروم:30]، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( ما من مولود إلا ويولد على الفطرة )، الفطرة: هي الميل إلى حب الخير ونبذ الشر.
ولا عبرة بالفطر الشاذة المنحرفة التي تميل عن مواطن الخير ونحو ذلك، وإن كانت لا توجد فطرة شاذة خالصة، فلا بد أن يوجد فيها شيء من بذرة الخير، من حب خير ونحو ذلك وإن كابر الإنسان وجعل من نفسه شاذاً، إلا أنه يوجد لديه بذرة من الفطرة، ولكن هذا لا يعدل الإنسان من دائرة الكفر إلى الإيمان إلا بالعمل الخاص التي اختصت به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم.
ولذلك يقول العلماء عليهم رحمة الله: إن من أعرض عن العمل بالكلية ولا يعمل، أي: ما اختصت به الشريعة، فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله ويعرض عن الأعمال التي أتت به شريعة محمد صلى الله عليه وسلم أنه كافر بالله، ولذلك حكم الله عز وجل بكفره بقوله سبحانه وتعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32]، فانظر هنا! جعل التكذيب مقابل التصديق، وجعل التولي مقابل الصلاة، قال: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32]، أي: كذب ما يجب عليه تصديقه، وتولى عن العمل الذي مثّل له هنا بالصلاة.
فالتولي عن الدين والإعراض عنه وعن تعلمه والعمل به كفر بالله سبحانه وتعالى وإخراج من الملة، فمن قال: إن الإيمان والإسلام هو قول وعمل فحسب فهو من المرجئة، ومن قال: إن الإيمان قول وعمل واعتقاد، إلا أن العمل من مكملات الإيمان، وأن الإنسان يرفع بذلك درجة ولكن لا يكفر بترك شيء من الأعمال أو بتركها كلية، فهذا قول المرجئة وليس قول أهل السنة.
قال: [ لعوباً بدينه ألا إنما المرجي بالدين يمزح ]: وهنا أشار إلى أن المرجئ يتلاعب بالدين؛ وذلك أنه قد جعل من دينه حظوةً لغيره وضل بنفسه، يقول النضر بن شميل: الإرجاء دين يحبه السلاطين يصيبون به من دنياهم، فإن السلاطين وأرباب الدنيا يميلون إلى الإرجاء؛ وذلك أنه لا يكفرهم أحد مهما فعلوا، ومما يحكى أن مرجئاً قابل شارب خمر فلطمه شارب الخمر، فقال: هذا جزائي أن أدخلتك الإيمان وجعلتك من أهل الجنة! وذلك لأنه جعل صاحب الكبيرة مهما يفعل ليس من أهل النار وليس متوعداً فيها، وأن الله عز وجل قد قطع به أنه إلى الجنة، وليس المتوعد في النار مطلقاً، وهذا غاية في الضلال، وقد حذر العلماء عليهم رحمة الله تعالى من الإرجاء، والنصوص في هذا كثيرة.
[ وقل إنما الإيمان قول ونية وفعل على قول النبي مصرح ]
يقول: [ وقل إنما الإيمان ]: الإيمان: هو التصديق، ويكون التصديق بالقلب واللسان والجوارح، وكلها تسمى: تصديقاً، قال: [ قول ]: القول يختص باللسان، ويسمى أيضاً القول: فعلاً، ويسمى: عملاً، وخالف بعض الأصوليين بقولهم: إن القول لا يسمى: فعلاً، والصواب أنه يسمى: فعلاً، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:112]، فسماه قولاً بقوله: زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ [الأنعام:112]، فسمى القول: فعلاً، وقد خالف بعضهم وقالوا: إن القول لا يسمى: فعلاً وإنما يسمى: قولاً، وهذا قد يكون من الخلاف اللفظي، لكن يقال: إن العمل بالجملة يكون: عمل القلب وعمل اللسان وعمل الجوارح، أما الفعل فأخرج بعضهم القول عن الفعل، وقالوا: إنه لا يسمى فعل، ولكنه يسمى قولاً.
قال: [ ونية ]: والنية محلها القلب، واشتقاقها من: النوى، والنواة محلها قلب الثمرة، وسميت: نواةً لخفائها في جوف الثمرة، ذلك أن النية محلها القلب ولا ترى في الظاهر حتى تظهر، ما الذي يظهرها؟ يظهرها اللسان والجوارح، فهي لا تظهر عياناً، لكن علامةً عليها قول اللسان وعمل الجوارح، وتسمى النية: بعمل القلب، يقول البخاري عليه رحمة الله تعالى في الصحيح: باب: من قال إن الإيمان هو العمل، أي: الإيمان القلبي، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم: فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الحجر:92-93]، أي: عن: لا إله إلا الله، ولا إله إلا الله محلها القلب واللسان ويصدق ذلك الجوارح، ويقول الله سبحانه وتعالى: تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43]، والعمل هنا المراد به عمل القلب وعمل اللسان وكذلك الجوارح.
قال: [ وفعل ]: وأراد بذلك عمل الجوارح؛ لأنه قد جاء معطوفاً على القول والنية.
قال: [ على قول النبي مصرح ]: وبعضهم قد جعل الفعل يخالف العمل، قال: فالعمل أعم والفعل أخص، فالفعل متعلق بالجوارح والعمل متعلق بالجوارح واللسان والقلب، والذي يظهر والله أعلم أن ثمة عموم وخصوص بينها، ومن قال بالترادف فما أبعد.
قال: [ على قول النبي مصرح ]: ورد أنه عليه الصلاة والسلام سئل عن الإسلام كما في حديث جبريل، قال: ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً، وسئل عن الإيمان، قال: الإيمان: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره )، فالإسلام والإيمان متلازمان وهما بمعنى واحد إن افترقا اجتمعا، وإن اجتمعا افترقا ولا بد من توفر أركانهما في العبد إن أراد أن يتحقق فيه الإيمان.
[ وينقص طوراً بالمعاصي وتارةً بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح ].
قال: [ وينقص طوراً ]: والمراد بالطور هنا: التارة، أي: في الأحيان، [ وينقص طوراً بالمعاصي وتارةً ]، أي: الإيمان ينقص بالمعصية ولا يزيل الإيمان إلا الكفر بالله سبحانه وتعالى، أما بالمعصية فإنه ينقص، ونقصانه بحسب عمل القلب، فإن وقوعه في المعصية مجرداً عن عمل القلب لا ينقص إيمانه ما لم يصاحب ذلك نية، فإن الإنسان قد يفرط في الصلاة وينساها، ففي الظاهر أنه ترك الصلاة، لكنه عند المحاسبة في الحقيقة لا يحاسب على فعله لأنه قد رفع عنه القلم؛ وذلك أن الإنسان يتفاوت عمله من جهة الفعل ومن جهة الترك بحسب عمل الجوارح، والناس لا يختلف أحد أنهم مأمورون بمؤاخذة الناس بالظواهر والله يتولى السرائر، ولكن نتكلم من جهة الحقيقة والتأصيل، فإن الإنسان لا ينقص إيمانه بدرجة معينة في كل عمل في الظاهر، والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر أنه رفع القلم عن ثلاثة، وذكر منهم المجنون والناسي والصبي.
قال: [ وينقص طوراً بالمعاصي وتارةً بطاعته ينمي وفي الوزن يرجح ]
الإيمان عند أهل السنة والجماعة يزيد وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، ولا يزيل الإيمان من قلب الإنسان إلا الكفر، وما يفسد الإيمان من نواقضه، ويزداد بالطاعات فكلما ازداد بالطاعة بلغ الإيمان، ولا يمكن أن يكمل إيمان العبد إلا وقد تحققت فيه سائر شعب الإيمان، هذا بالجملة، وقد يتحقق فيه ذلك دون ذلك ولكنه نادر.
أما الكفر فإنه يتحقق في الإنسان بوجود شعبة من شعب الكفر ولا يلزم وجود شعب الكفر كلها، فلو كان الرجل فيه سائر شعب الإيمان إلا شعبة قد نقضها بشعبة كفر فإنه يكفر بذلك، وهذا الفرق بين شعب الكفر وشعب الإيمان، وذلك أن الإنسان يبلغ كمال الكفر بشعبة واحدة ولا يبلغ كمال الإيمان إلا بتوفر الشعب كلها، ولذلك يجهل الكثير أن الإنسان كيف يكفر وهو يذكر الله ويصلي ويصوم ونحو ذلك إذا ظهر منه مكفر، فيقال: كيف يكون فلان كافراً ونحن نراه يصلي ويزكي ويصوم ونحو ذلك؟! بينما قد وجد فيه شعبة من شعب الكفر التي تخرجه عن الإيمان كتكذيبه بشيء من الوحي أو جحده لشيء مما تواتر أو استهزائه بالله وآياته ونحو ذلك.
فبهذا يتحقق الكفر كله في قلبه، ويكون قد وصل إلى أدنى دركات الكفر بشعبة واحدة، والكفر ملة واحدة، والإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بتوفر سائر شعب الإيمان، خلافاً للمرجئة الذين يقولون: أن من كان من أهل الإيمان وتحقق إيمانه وثبت على قولهم، فإن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل، وأنهم في الجنة سواء، وهذا لا شك أنه قول شر.