حائية ابن أبي داود [2]


الحلقة مفرغة

[ ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً كما قال أتباع لجهم وأسجحوا ].

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين:

لا زال المصنف عليه رحمة الله تعالى يتكلم على مسألة كلام الله سبحانه وتعالى، وأن الله عز وجل قد تكلم على الحقيقة، وأن القرآن الكريم كلام الله جل وعلا ليس بمخلوق، وحينما ظهر قول الجهمية قول الجهم بن صفوان ومن تبعه، امتنع وأمسك بعض من ظن التورع أو الخوف، فأمسكوا عن القول في هذه المسألة، فقالوا: إنا لا نقول أن القرآن مخلوق ولا نقول أنه ليس بمخلوق.

وذهب إلى هذا بعض من يظن فيه الخير والعلم، وظنوا أن ذلك مسلك وسط، وكذلك ظنوا أو زعموا أن هذا فيه خلاصاً ومخرجاً من هذه الفتنة، وهؤلاء فيهم شبه من الجهمية، وتأثرهم بقول الجهمية ظاهر، وذلك أن الذي دفعهم إلى هذه المسألة، أي: الإمساك عن القول فيها، مع تقرر وإجماع هذا القول عند السلف الصالح من الصحابة والتابعين، هو التورع أو الخروج من الخلاف، وبعضهم لم يقابل قول المبتدعة ولم يشر إلى هذه المسألة إشارة، ومعلوم أن هذا نوع من الإمساك وعدم القول بأن كلام الله عز وجل ليس بمخلوق.

والواجب على من أراد الصواب والحق أن يجابه أهل البدع بما يخالف بدعتهم، ولذلك الصحابة عليهم رضوان الله تعالى لم ينقل عنهم كثيراً من النصوص من القول بأن القرآن ليس بمخلوق؛ لأن البدعة لم تنشأ في عصرهم، فلا حاجة إلى إظهار هذا القول، ولذلك لا يقال: أنه يجب على العامي أو المتعلم أن يتعلم أن كلام الله سبحانه وتعالى ليس بمخلوق، بل يقال: يجب عليه أن يتعلم أن الله عز وجل تكلم على الحقيقة، لكن إذا كان ثمة قول لأهل البدع ظاهر فيجب عليه أن يعتقد خلافه وأن يعلن خلافه.

وقد كانت مسائل الاعتقاد، ومسائل الأسماء والصفات مسلمة تجري على ظاهرها، إثباتاً لها على الحقيقة، وإنما كانوا يطلقون الإجمال على سائر الأسماء والصفات على الظاهر وعلى الحقيقة، ولكن لما ظهرت أقوال المبتدعة من القول بخلق القرآن ونحو ذلك، أصبح أمثال هذه المسائل علماً على أهل السنة، ويجب على المسلم الذي أراد المنهج الحق واتباع السنة أن يعلن القول بأن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، وأن الله عز وجل تكلم به على الحقيقة بحرف وصوت ليقابل قول المبتدعة.

ولذلك قال المصنف عليه رحمة الله تعالى هنا، بعد أن بين أن كلام الله عز وجل ليس بمخلوق، قال: [ ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً ] ، أي: تتوقف وسطاً بين هؤلاء وهؤلاء يحملك على ذلك التورع، فما حملك أنت على التوقف إلا الهيبة من قول الجهمية أئمة الضلال، قال: [ كما قال أتباع لجهم وأسجحوا ] : الجهم بن صفوان هو من أئمة المبتدعة، وقد أخذ عقيدته هذه من الجعد بن درهم ، و الجعد بن درهم قد أخذ عقيدته من ابن سمعان ، و ابن سمعان قد أخذها من طالوت ، و طالوت قد أخذها من لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي عليه الصلاة والسلام، وهذا هو أصل عقيدة الجهمية، ولذلك قد نفوا صفات الله سبحانه وتعالى بالإطلاق.

ويظهر هنا أن المصنف عليه رحمة الله يرى أن من أمسك عن هذه المسألة هو كقول أتباع الجهم ، ولذلك قال:

[ ولا تك في القرآن بالوقف قائلاً كما قال أتباع لجهم وأسجحوا ] .

ومعلوم أن أتباع الجهم قالوا: بأن القرآن مخلوق، ولم يمسكوا، ولكنه أراد بذلك أن يبين أن من سلك الوقف، فإنه تابع لقول الجهم وأتباعه، ومتهيب لهذه المسألة، حتى ذهب إلى هذا وتهيب القول بهذه المسألة بعض أئمة المسلمين ومن ينتسب إلى السنة، وعلى رأسهم من المتأخرين الإمام الشوكاني عليه رحمة الله، فإنه قد قال في هذه المسألة بالتوقف.

ومنهم من لم يقرر في ذلك شيئاً وقال: أن هذه المسألة لا تزيد من الأحكام الشرعية شيئاً، فيقال: أن ثمة حلال من الأمور التعبدية يكون حراماً، وثمة أمر من الحرام يكون حلالاً، لأن النصوص سواءً قلنا مخلوقاً أو ليس بمخلوق، فإنه لا فرق، فإن الكتاب يتلى والأحكام منه تؤخذ، هذا قول ضلال، فإن العبادة كما أنها في الجوارح كذلك هي في الاعتقاد، فإنه ليس للإنسان أن يقول: وصفنا الله عز وجل بكذا أو وصفناه بكذا، فهو المعبود الحق المتفرد بالجلال والعظمة، ونحن نعبده ونصرف العبادة له، فسواءً وصفناه بهكذا أو وصفناه بكذا، أو شبهنا أو عطلنا فهذا قول أئمة الضلال، ويجب على المؤمن الموحد أن يصرح بقول الحق وألا يخالف وألا يتهيب قولاً دل الدليل عليه.

وقد أجمع الصحابة عليهم رضوان الله تعالى على القول بأن كلام الله ليس بمخلوق، ولذلك قد ثبت عن عبد الله بن عباس كما روى ابن جرير الطبري من حديث علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس : أنه قال في قول الله سبحانه وتعالى: غَيْرَ ذِي عِوَجٍ [الزمر:28] ، قال: غير مخلوق، وقد روى البخاري عليه رحمة الله تعالى في كتابه التاريخ الكبير من حديث سفيان بن عيينة ، قال: أدركت جماعة من السلف منهم عمرو بن دينار ، قال: نحواً من سبعين رجلاً يقولون: إن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، وقد رواه الدارمي و اللالكائي في اعتقاد أهل السنة من حديث سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار من قوله، ونسبه لجملة من الصحابة عليهم رضوان الله تعالى، وقد قطع غير واحد من السلف بكفر من قال بأن كلام الله مخلوق، وقالوا: من قال أن القرآن مخلوق فقد كفر.

ولذلك قد روى اللالكائي في اعتقاد أهل السنة وغيره من حديث سفيان الثوري ، قال: قال لي حماد بن أبي سليمان : لا يدخل علي هذا الكافر، وجاء في لفظ: هذا المشرك -يعني: أبا حنيفة- فإنه يقول بأن القرآن مخلوق، والمتقرر عند أئمة أهل السنة كالإمام أحمد عليه رحمة الله، وقرره غير واحد من أئمة الإسلام على أن أبا حنيفة عليه رحمة الله تعالى يقول ويوافق أئمة السلف بأن القرآن كلام الله عز وجل ليس بمخلوق، وهذا هو الصواب عنه، وهذا هو قول الأئمة الأربعة، وأما ما ينسب لـأبي حنيفة عليه رحمة الله تعالى، وما حكاه عنه حماد بن أبي سليمان فإما أن يكون قولاً سابقاً، وإما أن يكون شبه عليه بمثل هذا، والذي عليه المحققون أنه يقول بما قال به السلف عليهم رحمة الله.

[ ولا تقل القرآن خلق قرأته فإن كلام الله باللفظ يوضح ] .

قال: [ ولا تقل القرآن خلق قرأته ] ، بمعنى: حينما تقرأ القرآن فلا تقل: أن هذا المقروء مخلوق، وذلك لشبهة قد طرأت عليك، فتظن أن هذا الصوت الذي تتكلم به إن كان صوتك فهو مخلوق، فتظن أن كذلك المتلفظ به مخلوق أيضاً، وهذا من الشبه التي دفعت بعض أئمة أهل الضلال من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والكلابية إلى القول: بأن كلام الله مخلوق، ولذلك يقال: إن قارئ القرآن حينما يقرأ القرآن، فإن الصوت صوته، والكلام كلام الله وهذا معلوم، فإذا ارتجل رجل كلام غيره فيقال: هذا صوت فلان والكلام كلام فلان، ولذلك يقال هنا: إن القارئ حينما يقرأ القرآن الصوت صوت القارئ، والكلام كلام الباري.

وأما هذه المسألة: مسألة لفظي بالقرآن، هل هو مخلوق أو ليس بمخلوق؟ هذه المسألة قد أحدثها بعض الجهمية فقالوا: لفظي بالقرآن مخلوق، وبعضهم من أراد تمسكاً بالسنة، أراد مقابلة الجهمية فقال: لفظي بالقرآن ليس بمخلوق، ولذلك يقال: إن المؤمن الموحد يجب عليه أن يعتقد أن القرآن كلام الله ليس بمخلوق، وأن مسألة اللفظ هي بدعة محدثة، ولذلك يقول الإمام أحمد عليه رحمة الله: اللفظية جهمية، فإذا أطلقت هذه الطائفة: اللفظية، فالمراد بهم هم الذين يقولون: لفظي بالقرآن مخلوق، ولذلك قال الإمام أحمد عليه رحمة الله: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع.

والحق أن يمسك الإنسان عن ذلك فيقول: القرآن كلام الله ليس بمخلوق، وإذا قيل له: إذا تكلم القارئ وقرأ القرآن فماذا يقال؟ فيقول حينئذ: الصوت صوت القارئ، والكلام كلام الباري، فلا يتطرق لمسألة الخلق ولا غيره لأنها مسألة حادثة.

ولذلك إنما ضل من ضل من أئمة الضلال بسبب كثرة تفريعاتهم وعدم إجرائهم لمسائل الاعتقاد على ظواهرها حقيقة من غير لزوم.

فلا يلزم من بعض الصفات صفةً أخرى، فأنت حينما تثبت صفةً اليد لله سبحانه وتعالى أو صفة القدم أو صفة الساق، فهل يلزم من ذلك أن تثبت لله جسماً؟ هذا الذي فر منه المبتدعة، فنفوا صفات الله سبحانه وتعالى وأبطلوها، ولذلك يسمون أهل السنة: المجسمة، لأنهم يثبتون الأسماء والصفات لله سبحانه وتعالى، فهم يثبتون لله يداً، ولله سمعاً وبصراً وعيناً وقدماً، ولله ساقاً مما جاء في صفات الله سبحانه وتعالى، قالوا: فهؤلاء يثبتون لله جسماً، بناءً على قاعدتهم أو ما استقر في أذهانهم: أن الصفة يلزم منها صفة أخرى، وهذا اللزوم إنما حصل لشيء في نفوسهم من التشبيه، ولذلك توسع كثير من الغلاة في الإثبات فأثبتوا لله سبحانه وتعالى كثيراً من الصفات ما أنزل الله عز وجل بها من سلطان، فقالوا: إن الله عز وجل يتكلم، إذاً: فله لسان، و خلوف فم الصائم أطيب عند الله من رائحة المسك، إذاً: فله أنف وأثبتوا صفة الشم ونحو ذلك، فهذا كله إنما حملهم على ذلك هو التشبيه الذي استقر في أذهانهم: أن معرفة الطيب لا تكون إلا بشم وأنف، وأن الكلام لا يكون إلا بلسان وفم، فهذا إنما حصل عندهم من التشبيه، وإلا لو قيل لهم: أن الله عز وجل يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] ، فأبعد المثلية مطلقاً تبتعد حينئذ عن الأمرين، تبتعد عن التشبيه والتعطيل، وتبتعد أيضاً عن إحداث صفات أخرى يلزم من هذه الصفة التي تثبتها.

ولذلك أهل السنة يمرون الصفات على ما هي عليه، يثبتونها حقيقةً لله سبحانه وتعالى من غير تأويل ولا تحريف، ولا تعطيل ولا تكييف، ويمسكون عما زاد عن ذلك ولا يفرعون، ولذلك حينما قال الإمام أحمد عليه رحمة الله في المسألة، قال: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، إنما حمله على ذلك قول الجهمية لأن أهل السنة لا يقولون بذلك، ومن قال: لفظي بالقرآن غير مخلوق فهو مبتدع، أي: أحدث هذه المسألة.

ولذلك المسألة مسألة اللفظية ينبغي للإنسان أن يمسك عنها، ولذلك قال المصنف عليه رحمة الله تعالى هنا، قال: [ ولا تقل: القرآن خلق قرأته ] ، أي: حال قراءتك له لا تقل أنه مخلوق فأمسك عن هذا، فالكلام كلام الله سبحانه وتعالى تكلم به عن حقيقة، [ فإن كلام الله باللفظ يوضح ] ، أي: هذا اللفظ الذي تتلفظ به هو صوتك، والكلام في الحقيقة هو كلام الله سبحانه وتعالى ليس بمخلوق.

[ وقل يتجلى الله للخلق جهرةً كما البدر لا يخفى وربك أوضح ] .

هنا يريد المصنف عليه رحمة الله تعالى أن يثبت صفة التجلي لله سبحانه وتعالى، والمراد بذلك رؤية الله سبحانه وتعالى وتجليه لعباده يوم القيامة، والدليل على ذلك - المقصود بالتجلي: الرؤية -: أن موسى عليه الصلاة والسلام لما سأل الله عز وجل أن يراه تجلى الله للجبل، فالله سبحانه وتعالى يتجلى لعباده يوم القيامة ليروه، وهذه المسألة مع المسائل السابقة، وهي مسألة: كلام الله، ومسألة: الرؤية، ومسألة: النزول، ومسألة: العلو، هذه الصفات هي بالجملة التي ضل فيها أهل البدع، وكانت فيصلاً بين أهل البدع وغيرهم.

فمن أراد أن يعرف أهل البدع وأهل السنة في باب الأسماء والصفات فعليه بهذه الصفات الأربعة، فإن من ضل في صفة أخرى لا بد أن تكون هذه معها، ولا يمكن لأحد من أهل البدع أن يضل في باب صفة غير هذه الصفات ولا تكون إحدى هذه الصفات معها، صفة كلام الله عز وجل ورؤية الله ونزوله وعلوه واستواؤه.

والله سبحانه وتعالى يتجلى لعباده، وتجليه هنا يتضمن علو الله سبحانه وتعالى، ولذلك قال: [ كالبدر ] ، وهذا مما يدل على أن الناظر في سفل والمنظور إليه في علو، وهذا من دلالات إثبات علو الله سبحانه وتعالى، والعلو لله جل وعلا على نوعين: علو مكان وعلو منزلة، علو المكان يتضمن استواء الله عز وجل على عرشه وما تفرع عن ذلك من صفات.

قال: [ وقل يتجلى الله للخلق جهرةً ] ، جهرةً: المراد بذلك المبالغة في الوضوح والظهور، وهذا من نعمة الله سبحانه وتعالى على عباده، ولا يعلم لأحد من السلف من الصحابة والتابعين أن أنكر صفة الرؤية.

تفسير قوله تعالى: (وجوه يومئذ ناضرة)

واحتج بعض المبتدعة بقول يروى عن مجاهد بن جبر عند تأويله قول الله سبحانه وتعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ [القيامة:22] ، قال مجاهد : منتظرة، أي: منتظرة لثواب ربها، فيقال: إن قول مجاهد بن جبر عليه رحمة الله في هذه الآية لا يقال أنه أراد بذلك تأويلاً، ولكنه يحمل على أنه يرى أن هذه الآية ليست من آيات الصفات مع إثباته لصفة الرؤية في تأويلات أخرى، لآي أخر في كلام الله سبحانه، فهو قد أثبت رؤية الله عز وجل في غير ما موضع، بل ثبت إثباته لرؤية الله عز وجل في هذه الآية، كما حكى ذلك غير واحد عنه كـابن جرير الطبري و الدارمي وغيره.

وهذا نظير بعض الآي في كلام الله سبحانه وتعالى التي قد اختلف فيها قول السلف من التابعين وغيرهم، هل هي من آيات الصفات أم لا؟ فهذا الاختلاف لا يدل على نفي الصفة وإنما يدل على الاختلاف في الآية: هل هي من آيات الصفات أم لا؟ فمن قال: إنها ليست من آيات الصفات فهو لا ينفي الصفة الواردة في هذه الآية لإثبات ذلك من وجه آخر.

وآيات الصفات التي قد اختلف فيها السلف عليهم رحمة الله: هل هي من آيات الصفات أم لا؟ نحو سبعة مواضع في كلام الله، منها هذا الموضع: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ [القيامة:22] ، الموضع الثاني: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] ، الموضع الثالث: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم:42] ، الموضع الرابع: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ [الذاريات:47] ، يأتي الكلام عليها في أفرادها بإذن الله عز وجل كل في موضعه.

والذي عليه عامة السلف من الصحابة والتابعين: إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى، بل لا يعلم عن أحد من السلف من الصحابة والتابعين أنه أنكر صفة الرؤية، وأما تأويل مجاهد بن جبر فهو أنه رأى أن هذه الآية في موضعها على معنىً آخر، وأنها ليست من آيات الصفات مع إثباته صفة الرؤية من وجه آخر.

ولذلك قد صنف أئمة الإسلام عليهم رحمة الله في هذه المسألة مصنفات في إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى، وأن الله عز وجل يرى حقيقة، قد روي هذا عن نحو من عشرين من الصحابة كما ذكر ذلك يحيى بن معين عليه رحمة الله كما نقله عنه الإمام الدارقطني عليه رحمة الله تعالى في كتابه الرؤية، وقد صنف في رؤية الله سبحانه وتعالى غير واحد من الأئمة كـابن شاهين و ابن النحاس و يحيى بن عمر الكناني وكذلك الإمام الدارقطني ، وقد ذكر الإمام الدارقطني عليه رحمة الله عن يحيى بن معين أنه قال: ثبت عن سبعة عشر من الصحابة إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى، وقد جمعها ابن القيم عليه رحمة الله تعالى في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح وزاد على هذا العدد وفي بعضها ضعف.

تفسير السلف لقوله تعالى: (للذين أحسنوا الحسنى وزيادة)

وقد ثبت عن غير واحد من السلف أنهم قالوا في قول الله سبحانه وتعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، إن الزيادة: هي رؤية الله سبحانه وتعالى، ومنهم من قال: إن الحسنى هي رؤية الله عز وجل، ومنهم من قال: إن الحسنى الجنة، والزيادة: هي رؤية الله سبحانه وتعالى، وهذا مروي عن مجاهد بن جبر وغيره.

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، ولذلك أشار إليه المصنف عليه رحمة الله، قال: [ وقل يتجلى الله للخلق جهرةً كما البدر.. ]، فالكاف هنا: للتشبيه وما: زائدة، قال: كما البدر، وهو القمر التام حينما يكون بدراً فإنه يرى من غير خفاء لشدة وضوحه وقوة سطوعه، ولذلك يسير السائر بالليل في ليلة البدر ليرى طريقه لقوة ضوء القمر، والتشبيه هنا ليس للمرئي بالمرئي ولكن لحال الرؤية بالرؤية، وهذا من باب التقريب لا من باب التشبيه، ولذلك قد روى البخاري و مسلم هذا الحديث حديث جرير بن عبد الله البجلي عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ) .

إثبات الرؤية لا يستلزم منه التشبيه

[ وليس بمولود وليس بوالد وليس له شبه تعالى المسبح ] .

يقول هنا: [ وليس بمولود وليس بوالد ] ، إيراد المصنف عليه رحمة الله تعالى لهذا النفي أراد بذلك أن يبين أن إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى لا يلزم من ذلك تشبيه بغيره، وهذا فيه رد على من اتهم أهل السنة بأنهم مجسمة حينما يثبتون أن الله عز وجل يرى على الحقيقة، قالوا: فأنتم تثبتون لله جسماً، يقال: وما الدليل؟ قالوا: وهل يرى إلا الجسم، قيل لهم: لماذا قلتم: وهل يرى إلا الجسم؟ قيل: هذا أمر محسوس، قيل: بما أنكم قلتم أن هذا الأمر محسوس فهذا تشبيه، جلبكم على هذا القول وهي مسألة الجسم هو تشبيه، وهو أنكم اعتدتم في الحياة وفي تعامل الناس أن الإنسان لا يرى الشيء إلا إذا كان جسماً، والله عز وجل قد أخبر عن نفسه بقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] ، فأهل السنة لا يثبتون جسماً ولا ينفونه، لكنهم يثبتون الصفة ويتوقفون عما عدا ذلك، لأن إثبات الجسم قدر زائد عن النص، فيجب الإمساك عنه.

ولذلك هنا أراد أن يرد على أهل البدع الذين يطعنون بأهل السنة حيث إنهم يشبهون.

واحتج بعض المبتدعة بقول يروى عن مجاهد بن جبر عند تأويله قول الله سبحانه وتعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ [القيامة:22] ، قال مجاهد : منتظرة، أي: منتظرة لثواب ربها، فيقال: إن قول مجاهد بن جبر عليه رحمة الله في هذه الآية لا يقال أنه أراد بذلك تأويلاً، ولكنه يحمل على أنه يرى أن هذه الآية ليست من آيات الصفات مع إثباته لصفة الرؤية في تأويلات أخرى، لآي أخر في كلام الله سبحانه، فهو قد أثبت رؤية الله عز وجل في غير ما موضع، بل ثبت إثباته لرؤية الله عز وجل في هذه الآية، كما حكى ذلك غير واحد عنه كـابن جرير الطبري و الدارمي وغيره.

وهذا نظير بعض الآي في كلام الله سبحانه وتعالى التي قد اختلف فيها قول السلف من التابعين وغيرهم، هل هي من آيات الصفات أم لا؟ فهذا الاختلاف لا يدل على نفي الصفة وإنما يدل على الاختلاف في الآية: هل هي من آيات الصفات أم لا؟ فمن قال: إنها ليست من آيات الصفات فهو لا ينفي الصفة الواردة في هذه الآية لإثبات ذلك من وجه آخر.

وآيات الصفات التي قد اختلف فيها السلف عليهم رحمة الله: هل هي من آيات الصفات أم لا؟ نحو سبعة مواضع في كلام الله، منها هذا الموضع: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ [القيامة:22] ، الموضع الثاني: فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ [البقرة:115] ، الموضع الثالث: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم:42] ، الموضع الرابع: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ [الذاريات:47] ، يأتي الكلام عليها في أفرادها بإذن الله عز وجل كل في موضعه.

والذي عليه عامة السلف من الصحابة والتابعين: إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى، بل لا يعلم عن أحد من السلف من الصحابة والتابعين أنه أنكر صفة الرؤية، وأما تأويل مجاهد بن جبر فهو أنه رأى أن هذه الآية في موضعها على معنىً آخر، وأنها ليست من آيات الصفات مع إثباته صفة الرؤية من وجه آخر.

ولذلك قد صنف أئمة الإسلام عليهم رحمة الله في هذه المسألة مصنفات في إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى، وأن الله عز وجل يرى حقيقة، قد روي هذا عن نحو من عشرين من الصحابة كما ذكر ذلك يحيى بن معين عليه رحمة الله كما نقله عنه الإمام الدارقطني عليه رحمة الله تعالى في كتابه الرؤية، وقد صنف في رؤية الله سبحانه وتعالى غير واحد من الأئمة كـابن شاهين و ابن النحاس و يحيى بن عمر الكناني وكذلك الإمام الدارقطني ، وقد ذكر الإمام الدارقطني عليه رحمة الله عن يحيى بن معين أنه قال: ثبت عن سبعة عشر من الصحابة إثبات رؤية الله سبحانه وتعالى، وقد جمعها ابن القيم عليه رحمة الله تعالى في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح وزاد على هذا العدد وفي بعضها ضعف.

وقد ثبت عن غير واحد من السلف أنهم قالوا في قول الله سبحانه وتعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، إن الزيادة: هي رؤية الله سبحانه وتعالى، ومنهم من قال: إن الحسنى هي رؤية الله عز وجل، ومنهم من قال: إن الحسنى الجنة، والزيادة: هي رؤية الله سبحانه وتعالى، وهذا مروي عن مجاهد بن جبر وغيره.

وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، ولذلك أشار إليه المصنف عليه رحمة الله، قال: [ وقل يتجلى الله للخلق جهرةً كما البدر.. ]، فالكاف هنا: للتشبيه وما: زائدة، قال: كما البدر، وهو القمر التام حينما يكون بدراً فإنه يرى من غير خفاء لشدة وضوحه وقوة سطوعه، ولذلك يسير السائر بالليل في ليلة البدر ليرى طريقه لقوة ضوء القمر، والتشبيه هنا ليس للمرئي بالمرئي ولكن لحال الرؤية بالرؤية، وهذا من باب التقريب لا من باب التشبيه، ولذلك قد روى البخاري و مسلم هذا الحديث حديث جرير بن عبد الله البجلي عن النبي عليه الصلاة والسلام، قال: ( إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ) .