خطب ومحاضرات
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73
جيل التمكين
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
فحديثنا سيكون عن جيل التمكين؛ مواصفاته، وكيف السبيل إليه.
إن الذين ينشدون التغيير من قمة الهرم لن يصلوا إلى أي نتيجة؛ لأن التغيير لا يكون إلا من قاعدة الهرم وهي كفيلة بأن تخرج لنا القمة التي تحكم شرع الله، ماذا يغني عن رجل وصل إلى قمة الهرم، وهو يتأمر على أناس ليس لهم ولاء للإسلام..؟ قد يقهرون، لكنك لا تستطيع أن تجبرهم على الولاء والمحبة للإسلام.
قال رجل لـعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( لماذا كثرت الفتن في عهدك ولم تكن كذلك في عهد عمر ؟ قال: لأن عمر كان أميراً على مثلي، وأنا أمير على مثلك ) فأشار إلى النوعية، وإلى وجود الفرق.
ماذا يغني لو أن رجلاً وصل إلى قمة الهرم وهو لا يستطيع أن يحكم أمثال هؤلاء؟ الذين كتب أحدهم في الشهر الماضي تحت عنوان: (هل النبي صلى الله عليه وسلم مات بالزائدة الدودية؟) يعرضون شخص الرسول عليه الصلاة والسلام للتشريح والأخذ والرد، فتزول الهيبة والاحترام مع الأيام.
امرأة تقول لعاشقها: وأنا بين أحضانك كأنني زرت قبر الرسول. وقد كتب أحدهم مقالاً يستنكر ذلك فقال: كيف يكون هذا الكلام في مسرحية أو في فيلم، ولكن هل تم معاقبة القائل؛ حتى نعرف أن الرسول عليه الصلاة والسلام -صاحب الجناب العالي- له من ينصره، ويغار عليه؟
هؤلاء لم يصلوا إلى ما قالوه طفرة، وإنما وصلوا إلى هذا نتيجة الاعتداءات الآثمة التي تتكرر ولا نكير ولا أحد يعاقب.
إذا وصل الأمر إلى تشريح جثة الرسول عليه الصلاة والسلام على صفحات الجرائد والمجلات، إذاً غداً يعلن الكفر جهاراً نهاراً.
في إحدى المرات تكلموا عن النعجة (دوللي) التي أخذوا منها الخلية الحية بلا رحم وعملوا نعجة، فقالوا في الجرائد والمجلات: هذا أعظم من ولادة المسيح . تصور (أعظم من ولادة المسيح)! معنى هذا الكلام أن العباد فعلوا ما عجز الله عنه، يعني أن هذا أعظم من ولادة المسيح من غير أب، ومع ذلك لا يلتفت أحد إلى مثل هذه الطوام العظيمة التي تقدح في الله عز وجل، وتقدح في كتابه وفي ديننا كله.
لو جاء رجل وهو في قمة الهرم، وحكم أمثال هؤلاء أينتصر بهم؟ لا ينتصر بهم أبداً، لأن الواحد منهم قد يسكت عندما يرى بارقة السيف، ويعلم أنه إذا تكلم عوقب وقتل، أو عزر وسجن، لكن لا يكون ولاؤه للإسلام.
إننا نريد جيلاً يحب الله ورسوله، بيت يرفرف عليه الإسلام.
إن جيل التمكين يحتاج إعداده إلى وقت، لقد عشنا قروناً متطاولة في الفوضى والبعد عن مصدر عزتنا، فنحتاج إلى قرن على الأقل إن لم نقل قروناً حتى نصل إلى الاستقامة، فالذين يستعجلون ويقولون: لو بدأنا التغيير من قاعدة الهرم لطال الطريق، فهؤلاء لن يصلوا إلى شيء أبداً.
كلمة التوحيد التي ينطقها الناس يغفلون عن أول كلمة فيها، ولو حققوها لحققوا التوحيد، فقوله: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله). ما معنى (أشهد)؟ لو حقق القائل معنى كلمة (أشهد) لاستقامت له الكلمة كلها؛ لأن الشهادة من المشاهدة، وهي الرؤية، (أشهد أن لا إله إلا الله) يعني: أراه، وهي ضد الغيب، قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الأنعام:73]، الغيب: ضد الشهادة، فإذا اعتقد القائل في كلمة "أشهد" وحققها فعلاً، وقصدها لما نطق بها -يعني: أرى الله- لاستقامت أحوالنا.
تُرى لو كان يعتقد فعلاً أنه يرى الله تبارك وتعالى، أيقوى قلبه على معصية الله؟ لا يقوى أبداً، وفي الحديث الذي قواه بعض العلماء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل لما قال له: أوصني، قال: (أوصيك أن تستحيي من الله كما تستحيي من رجل من صالحي قومك).
لا يستطيع الإنسان أن يقيم على معصية يراه فيها رجل صالح، بل إذا أراد المعصية أغلق الباب، وأغلق النافذة، واطمأن على المداخل والمخارج، وظن ألا أحد يراه..
أوصيك أن تستحيي من الله كما تستحيي من رجل من صالحي قومك؛ لأنك لا تستطيع أن تظهر ما في ضميرك أمامه أبداً.
نقل المعاني المجردة إلى المحسوس يتكرر في القرآن وفي السنة؛ الضلال والهدى معانٍ، والبيع والشراء حس، قال الله عز وجل: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالْهُدَى [البقرة:16]، شيء محسوس، فنقل المعنى إلى باب الحس مقصود حتى يتم التصور، قال صلى الله عليه وسلم: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً)، فنقل الرضا الذي هو من المعاني إلى باب الحس الذي هو التذوق.
فأنت عندما تقول: (أشهد) أن لا إله إلا الله يعني: أراه، كان متعذراً عليك أن تراه، انزل درجة، (فهو يراك)، هذه الدرجة التي نزلتها هي قمة الإسلام كله، وهي الإحسان، فبرغم نزولك درجة إلا أنك لما نزلت كنت على قمة الدين (الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) .
هذا إذا نزلت درجة، فكيف إذا بقيت على أصل الكلمة؟ مع أنه عند نزولك كنت على قمة الإسلام، وهو تحقيق باب الإحسان (أن الله يراك)، ولذلك لما قال الله عز وجل في الحديث القدسي: (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي) أضاف الصوم إليه سبحانه وتعالى، مع أن الصوم لابن آدم أيضاً؛ لأن فيه تحقيق مرتبة الإحسان.
قد يرائي المرء في صلاته، يأتي المسجد ليراه الناس، ويخشع في صلاته ليراه الناس، لكن الصائم في رمضان قد يكون الباب مغلق عليه، ويكاد يموت من العطش، والماء البارد أمامه، لكن لا يستطيع أن يشرب، برغم أنه وحده، إذاً لا يستطيع أحد أن يرائي في الصوم أبداً، فلما كان الصوم محققاً لمرتبة الإحسان قال الله عز وجل: (فإنه لي وأنا أجزي به) إذ أن إضافة هذا الجزاء إلى الله سبحانه وتعالى فيه دلالة على التعظيم.
فالصيام تحقيق لمرتبة الإحسان -أن الله يراك- فكيف إذا حققت معنى الكلمة (أشهد)، فإذا كنت تعتقد فعلاً أنك تراه لا تقم على معصيته طرفة عين، هذا هو معنى كلمة (أشهد).
و(أشهد أن محمداً رسول الله) معناها: إذا وصلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم فاعتبر نفسك واقفاً أمامه وهو يشافهك؛ هو الذي يأمرك وليس الناقل، أنا إذا نقلت لك حديثاً صحيحاً عن النبي عليه الصلاة والسلام فبادرت إلى الامتثال، فأنت لا تطيعني، وإنما تطيع كلام الرسول عليه الصلاة والسلام، فهل إذا وصلك حديث اعتقدت واستحضرت بقلبك أنك واقف أمام النبي عليه الصلاة والسلام؟
وما أجمل ما قاله السبكي الكبير علي بن عبد الكافي رحمه الله في جزء له لطيف، اسمه "بيان قول الإمام المطلبي- يعني الإمام الشافعي - إذا صح الحديث فهو مذهبي"!
سئل: إذا وقف الإنسان على حديث يخالف مذهبه -هو مذهبه شافعي- فكان المشهور في المذهب: لا تفعل، وجاءه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: افعل، فإذا كانت الصورة هكذا، أيطيع الحديث أو المذهب؟
فقال: ليفرض أحدكم نفسه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: لا تفعل كذا، أو افعل كذا، أيحل له خلافه؟ هذا هو معنى (أشهد أن محمداً رسول الله) كيف يقوى قلبك على مخالفة أمره إذا وصلك الأمر؟!
هب أنك الآن أمام الرسول عليه الصلاة والسلام وقال لك: طلق امرأتك التي تحبها ولك منها أولاد -كم من الناس الذين يأكلون الربا، ويأخذون الرشاوي بحجة أن لديهم أولاداً، مع وضوح الآيات ووضوح الأحاديث في تحريم ذلك -واترك مالك، وهذا من أعظم المصائب، فهل تقول له: لا؟ إذا كنت واقفاً أمامه ما أظنك تقوى على ذلك أبداً، فما بالك وقد وصلك ما هو أدنى من ذلك الأمر بألف درجة، فإذا قيل لك: لا تلبس خاتم الذهب، وقيل لك: هذا حرام، لا يحل لك لبسه، ومع ذلك بقي الخاتم في يدك، أهذا تحقيق معنى (أشهد أن لا إله إلا الله)؟ هذا تحقيق (أشهد أن محمداً رسول الله)؟
رأى الرسول عليه الصلاة والسلام في يد رجل خاتماً من الذهب، فنزعه من يده وطرحه على الأرض، وقال: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده)، ثم فارق النبي صلى الله عليه وسلم المجلس، وقام الصحابة أيضاً من المجلس، فذكّر بعض الحاضرين الرجل أن يأخذ خاتمه، وقالوا له: خذ خاتمك وانتفع به، فقال الرجل: ما كنت لآخذه وقد طرحه رسول الله، طالما رماه على الأرض لا تمتد يدي إليه، هذا هو معنى (أشهد أن محمداً رسول الله) أي أنني إذا وصلني حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أستحضر أنني واقف أمامه، كيف يكون وقع كلامه علي، هذا هو الجيل المنشود الذي نريده، هذا هو جيل التمكين، لو كان هناك مائة رجل أمثال الصحابة لفتحوا القدس، أما الآلاف من المسلمين اليوم الذين ينطقون بالشهادتين دون أن يحققوا معنى الشهادة فإنهم لن يحركوا ساكناً.
البيئة المسلمة تؤثر في الساكنين فيها، حتى لو كانوا من الكفار، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (عجب الله من قوم يدخلون الجنة بالسلاسل)، يجر أحدهم إلى الجنة وهو مسلسل، فتعجب الصحابة من ذلك: كيف يسلسل ويجر إلى الجنة، والكل يطمع في الجنة، ولو فتحت أبوابها لدخل البطالون قبل المؤمنين، فذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن هؤلاء الذين يدخلون الجنة بالسلاسل هم الأسرى، الذين وقعوا أسرى بعد الحرب، فجيء بهم مسلسلين في العبودية وفي الرق إلى بلاد الإسلام، فلما رأوا الإسلام ورأوا سلوك المسلمين أسلموا، فكان إسلامهم الأول بالسلاسل.
أما اليوم لو نزل رجل كافر في أي مطار من مطارات البلاد الإسلامية لما وجد فرقاً بينها وبين البلاد الكافرة، ولو مشى في شوارع البلاد التي تنتمي إلى الإسلام ما وجد كبير فرق بينها وبين البلاد التي يظللها الكفر، فنريد إرجاع الحياة الإسلامية مرة أخرى.
روى الإمام العجلي رحمه الله في كتاب الثقات في ترجمة الحسن بن صالح بن حي رحمه الله: أنه باع جارية له، فلما ذهبت الجارية إلى البيت الجديد استيقظت في نصف الليل، وصارت تنادي أهل البيت: يا أهل البيت! الصلاة.. الصلاة! فقاموا فقالوا لها: أُذن للفجر؟ فقالت لهم: ولا تصلون إلا الفجر؟! قالوا: نعم. فلما أصبحت ذهبت إلى الحسن وقالت له: ردني إليك، لقد بعتني إلى قوم سوء لا يقومون الليل. هذه جارية، لكن تربت في بيت الحسن.
تأمل معي بيت الحسن بن صالح:
كان للحسن بن صالح أخ توأم اسمه: علي بن صالح بن حي ، وكان علي أوثق الرجلين وأفضلهما في الحديث والرواية والضبط، فكان الحسن وعلي وأمهما، يقسِّمون الليل ثلاثة أثلاث، فكانت الأم تقوم الثلث الأول، ثم توقظ الحسن فيصلي الثلث الثاني، ثم يوقظ الحسن علياً فيقوم الثلث الأخير.
فلما ماتت الأم صار علي يصلي نصف الليل، والحسن يصلي النصف الآخر، فلما مات الحسن قام علي الليل كله؛ بيت بهذه المثابة تربت فيه تلك الجارية، فكيف لا تقول هذا الكلام؟!
جيل التمكين له ثلاثة ركائز: الأب، والأم، والولد -الذي هو الثمرة-. أي زرع لا يمكن أن يقوم إلا بثلاثة أشياء: خصوبة الأرض، وعذوبة الماء، ومهارة الأيدي العاملة. وبقدر الخلل في واحد منها يكون الخلل في الزرع، ولا خلاف بين الناس جميعاً أن أجل غراس يغرس هو الإنسان، قال الله عز وجل: وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا [نوح:17]، وأجل ما يغرسه المرء منا هو الإنسان.
إن الأرض البور لا قيمة ولا سعر لها في الواقع، ومع ذلك فأكثر المسلمين تزوج من تلك الأرض، والأرض الخصبة أغلى ثمناً، وأعلى قيمة، فهل لهذه الأرض من مواصفات؟ نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: (تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك) هذا حديث معروف مشهور، لكنه خرج مخرج الخبر: أي أن الناس إذا أرادوا اختيار المرأة فإنهم يراعون المال والجمال والحسب، والنبي صلى الله عليه وسلم في الحديث لم يحض إلا على ذات الدين، وترك الباقي، لم يقل فاظفر بها على أي صفة من هذه المواصفات.. لا، فالمواصفات الواردة في الحديث خرجت مخرج الخبر، أي: من الناس من ينشد جمال المرأة، ومنهم من ينشد مالها، ومنهم من ينشد حسبها، فحض على ذات الدين وحدها، ولكن لم ينكر عليك بعد اختيار ذات الدين أن تأخذ صفة من هذه الصفات الثلاث، فذات دين جميلة أفضل من ذات دين قبيحة، وذات دين جميلة وغنية أفضل من ذات دين جميلة فقيرة، وذات دين جميلة غنية ذات حسب أفضل من ذات دين جميلة وغنية وليس لها حسب، لكنه حض على ذات الدين فقط. وقوله: (تربت يداك) يعني: تعلقت يداك بالتراب، والتراب هو مصدر الخير والبركة والنماء، وليس المقصود تعلقت يداك بالبركة إذا اخترت ذات الدين، فأول صفة يجب على المرء أن يبحث عنها المرأة ذات الدين.
انظر إلى خديجة رضي الله عنها الكاملة الودود الولود، كيف ثبتت زوجها صلى الله عليه وسلم، وكيف استدلت بكمال عقلها على أن من كان فيه هذه الصفات لا يخزيه الله أبداً، مع أنه لم يكن نزل دين آنذاك، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم فيها: (كمل من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا أربع) يعني: لم يكمل من النساء إلى أن تقوم الساعة إلا أربع فقط، منهن خديجة وابنتها فاطمة، فقد أخذتا نصف الكمال في النساء.
لما رجع النبي عليه الصلاة والسلام يرجف فؤاده قال لـخديجة: (لقد خشيت على نفسي، قالت: كلا، والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق) فاستدلت بكمال عقلها أن مثل هذا لا يخزى، لم تقل له: كلا، لا يبتليك الله أبداً؛ لأنه قد يبتلى الأخيار، ولكن لا يخزون (كلا لا يخزيك الله أبداً) فشدت من أزره.
إن أعظم ما يبتلى به الداعية إلى الله أن يتزوج بامرأة غايتها غير غايته؛ غايته الآخرة وغايتها الدنيا.
قالت خديجة للنبي صلى الله عليه وسلم هذه الكلمات التي تكتب بالذهب، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من ذكرها كأنها نشيد ينشده، وكان يكثر من الثناء عليها وفاءً لها، حتى قالت عائشة رضي الله عنها: (ما غرت على امرأة قط غيرتي من خديجة ) لكثرة ثناء النبي صلى الله عليه وسلم عليها، يقول الذهبي رحمه الله: وهذا أعجب شيء، أن تغار من امرأة ميتة، ولا تغار من عدة نسوة يشركنها في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا هو العجب!!
ولقد كان رسول الله يذبح فيرسل اللحم إلى صديقات خديجة ، ويقول: (إن حسن العهد من الإيمان) تعلموا الوفاء.
فلما أكثر من الثناء عليها قالت له مرة: (وما يعجبك من امرأة حمراء الشدقين، هلكت في الدهر، أبدلك الله خيراً منها؟).
(حمراء الشدقين) كناية عن سقوط أسنانها، فالمرء الذي ليس في فمه أسنان إذا ضحك فإنه لا يظهر إلا حمرة اللثة، تقول امرأة سقطت أسنانها، ذهب شطر الجمال، مثل العين، والشعر، فالمرء الذي ليس له أسنان يذهب بهاء وجهه.
(ما يعجبك منها؟) أي ما يعجبك من امرأة عجوز، قد سقطت أسنانها، ليس لها جمال، وهلكت في الدهر، (وأبدلك الله خيراً منها) تعني نفسها، شباب وجمال، فيرد عليها قائلاً: (ما أبدلني الله عز وجل خيراً منها) امرأة ذات دين تعين زوجها على نوائب الحق، والمؤمن مبتلى؛ قد يسجن الزوج؛ فتقوم الزوجة الصالحة بدور الأب في غيابه، وهي لا تتضجر من المعيشة ولا ترسل رسالة تطلب الطلاق.. هذا هو الوفاء! طالما الرجل صاحب دين، صاحب منهج مستقيم؛ فتصبر المرأة معه، هذا هو مقتضى الوفاء، فهذه المرأة هي ذات الدين، فلا يقوم بهذه الخلال إلا ذات الدين.
ثم عدد النبي صلى الله عليه وسلم الأسباب التي جعلته يكثر من الثناء عليها، وعلى النساء اللواتي يردن الحظوة عند أزواجهن بلا تضحية ولا ثمن أن يتعلمن من هذا الحديث، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما أبدلني الله خيراً منها) قال: (آمنت بي إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد إذ حرمته من باقي النساء)، كيف لا أحبها، وكيف لا أجلها، وكل شيء يذكرني بها.
في صحيح البخاري ومسلم: (أن
أول شيء في الطريق لإعداد جيل التمكين: المرأة ذات الدين، قال صلى الله عليه وسلم: (تزوجوا الودود الولود)، فربط بين هاتين الصفتين (الودود الولود)، ولذلك المرأة إذا لم تنجب تشعر في قرارة نفسها أنها ليست امرأة، وتكاد تجن أحياناً سعياً وراء الولد؛ لأن الولد يقوي الود والروابط بين الرجل والمرأة ويمتنها، فإذا أحب الرجل امرأته أحب أولاده منها، وإذا كره امرأته قد يكره أولاده منها.
القصص التي نسمعها كل يوم.. والد لديه مال وفير، وأولاده من أفقر الناس في البلد -فأغنى الناس وأفقرهم في ذات الوقت هو البخيل- ويذهب الولد يستجدي أباه قائلاً له: لا أجد مسكناً، وعندك بيت، وعندك مال، ابن لي مسكناً. فيقول الأب: أنا رجل عصامي، وبدأت ثروتي من الصفر، لم لا تبدأ أنت الآخر كذلك؟ هل هناك أب يخاطب ابنه بهذه اللهجة، وبهذه الطريقة؟!
فلما بدأت تشتكي وتسرد تاريخها مع زوجها، مشاكل من أول يوم، فكرهها وكره أولاده منها، ومن ثم يولي الدفء من البيوت بسبب عدم الانسجام بين الرجل والمرأة، وبالتالي لا يفرز لنا جيل أبداً.
فـخديجة رضي الله عنها مثال للمرأة الوفية، فهي صاحبة الدين المتين، فقد وقفت جوار زوجها لما كان وحده، في وقت عز فيه النصير، كان وحده وهي امرأة، وهي التي قوت من عزمه، واعترف لها بالفضل والجميل، ولذلك تنازع العلماء: أيهما أفضل خديجة أم عائشة ؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام بعد أن قال كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع أردف هذا بقوله: (وفضل
خديجة لها الكمال، وعائشة بالنسبة لسائر النساء ما عدا هؤلاء الأربع الكمّل كفضل الثريد على سائر الطعام، فقطعاً هذا أنزل درجة من الكمال، والتحقيق: أن خديجة رضي الله عنها أفضل للنبي صلى الله عليه وسلم، وعائشة أفضل لأمته، فقد نقلت الكثير من الأحكام عائشة رضي الله عنها! وكم نقلت من الحديث والعلم! عاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم أربعين سنة تفتي وتنقل العلم، وتعلم وتهذب وتربي، والذي ينفع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل.
ولذلك استدل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو يناقش الرافضي ابن المطهر الحلي ، حينما قال: إن علياً أفضل من أبي بكر رضي الله عنهما، واستدل على ذلك بحديث منكر، وهو: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لما أراد أن يكسر صنماً فوق الكعبة انطلق هو و
رد شيخ الإسلام رحمه الله قائلاً: كلا، بل الذي ينفع النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الذي ينفعه النبي، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في أبي بكر : (ما منكم من أحد له عليَّ يد إلا جزيته بها إلا
فـخديجة رضي الله عنها نفعت النبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك نالت الجزاء في الدنيا وفي الآخرة.
في صحيح البخاري: (أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! هذه
فهذه امرأة كان استقرار البيت على يديها، لذلك لا تعدل بذات الدين أحداً، واعلم أنك بعد أن تقضي حاجتك يستوي كل النساء، ولا يبقى إلا الثوابت، لا يبقى إلا الدين والخلق، والإمام أحمد بن حنبل أراد أن يخطب امرأة، فسمعت أختها العوراء خطبة الإمام لأختها، فخشي الإمام على شعورها، عوراء من يتزوجها؟! خشي على شعورها، وساءه أن تسمع أمر الخطبة فتزوجها، فأنجبت منه الإمام عبد الله بن الإمام أحمد ، الثقة الثبت، الذي تفرد برواية مسند أبيه، وكان قرابة سبعة وعشرين ألف حديث، يرويه هذا الولد عن أبيه، فلا يضرك جمال الشكل إذا اخترت المعدن واخترت الأرض التي تضع فيها البذرة.
فأول ما يسعى إليه الإنسان ذات الدين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
التربية الإسلامية هي الباب الذي نلج منه إلى التمكين، الحروب التي تقوم في أطراف الأرض، وتنشب في كل زمان، المقصود من ورائها التمكين.
لماذا يقوم النظام العالمي الجديد؟ من أجل السيطرة والتمكين، لكنهم تنكبوا الغزو عن طريق السلاح؛ لأنهم علموا أن المسلمين شجعاناً أبطالاً، أصحاب فداء، فنحوا القوة العسكرية جانباً، وبدءوا بالغزو الفكري وزعزعة العقائد، حتى استطاعوا أن يهزوا الثوابت التي يقوم عليها البنيان الإسلامي كله.
لو هدم رجل جداراً من عمارة لا ينزعج أهل العمارة، لكن لو بدأ يهدم عموداً يقف الكل أمامه، وذلك لأنهم يعلمون أن العمارة كلها ستنهار، هذا الذي فعله أعداؤنا، ومكن لفكرهم هذا الطابور الخامس الذي ما نزال نعاني منه حتى الآن، والحملة مسعورة على أشدها، وازدادت على النساء بصفة خاصة، وبالذات على قضية الحجاب، وقد تركوا اللحى؛ لأنها كثرت جداً، فنقول للمنتقبات أيضاً: إذا كثر الحجاب جداً أيضاً كفوا عنه، مثلما كفوا عن اللحية.
لماذا تمنع الفتاة المتحجبة من دخول الجامعة مثلاً أو دخول المدرسة بينما تدخل بنت أخرى بشعرها؟ لو اعترضت على البنت المتبرجة، لقالوا لك: حرية، فلماذا صادرتم حرية المتحجبة مع أن الدستور عندكم يقول: إن الحرية الشخصية مكفولة ما لم تضر بالآخرين؟! وأي ضرر من امرأة متحجبة؟ هي حرة. لكن هذه الحرب الضروس لا تستهدف الحجاب فقط إنما الحجاب رمز، مثلما حرقوه في ميدان الإسماعيلية الذي سموه الآن: ميدان التحرير، إشارة إلى تحرير المرأة من دينها وحجابها؛ لأنه رمز التخلف عندهم، نساء يخرجن على ثكنات الإنجليز في ميدان الإسماعيلية، ويخرجن يحاربن الإنجليز، نساء يحاربن الإنجليز!! تمثيلية لكن غبية، كاتب السيناريو غبي، ما استطاع أن يأتي بحبكة مقنعة، فقام الإنجليز يرمونهم بالرصاص، فماذا فعلت النساء؟ قمن بخلع الحجاب، وقد جهزن دلو بنزين وأضرمن النار في الحجاب.. فما دخل الحجاب بضرب الإنجليز إياكم؟ مسرحية غبية جداً، لكن كان المقصود حرق الحجاب كرمز.
لكن هذا دين الله عز وجل، وهو الذي يرعاه ويكفله، فقد عاد الحجاب بسرعة لم يتخيلها أحد قط، والمدة التي غاب فيها الحجاب عن الساحة خمسين سنة فقط.. تصور، لم يزل الحجاب فجأة، إنما على مدار عشر سنوات، فمن سنة ألف وتسعمائة وثلاثين كان الزوال الحقيقي الواضح للنقاب، ورجع الحجاب سنة ألف وتسعمائة وثمانين، من سنة ثلاثين إلى ثمانين خمسين سنة -نصف قرن- ما قيمة نصف قرن في حياة الأمم؟
فلما رجع الحجاب بسرعة مذهلة فقدوا صوابهم، وصاروا يضربون ضرب عشواء في كل مكان، يريدون إيقاف هذا الزحف، كل يوم تنضم متحجبات إلى القافلة، هذا دين الله عز وجل، فالحجاب رمز، وهذا علامة الديانة.
يجب أن تعتقد المرأة أنها أس البنيان كله، وأن تعرف عظم المسئولية الملقاة على عاتقها، وأنها مقصودة بهذه الحرب، وأنها المستهدفة في المقام الأول مع ضعفها، وقلة تربيتها، وعدم اعتناء أبويها بها.
أيها الإخوة! اهتزت الثوابت حتى صرت تسمع في بلاد المسلمين من إذا أمر بالصلاة قال: حتى أقتنع، ومن إذا أمرت بالحجاب، قالت: حتى أقتنع، ويأتي الوالد فيعزز وجهة النظر، يقول: أنا لا أريد أن أضغط عليها؛ حتى لا تكره الحجاب، افترض أن هذه البنت لم تقتنع أبداً بالحجاب، والولد لم يقتنع بالصلاة، ما هو المآل؟ ترك الصلاة، هل هذه هي الوصية التي أوصانا الله عز وجل حين قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24] وحياتنا في الوحي قرآناً وسنة؟ هل هذه هي الوصية؟ الله يأمر، أقول: لا.. حتى أقتنع!
تعلمون أن هذا ترك آثاراً سلبية على دعاتنا، الذين واكبوا هذه المحنة وعاشوا أغلب أعمارهم فيها، هل تعرف كيف؟ الدعاة الذين استهانوا أو هونوا من إعفاء اللحية، ومن تطويل الإزار، وقالوا: إن هذه قشور، وكل الأحكام التي على هذا النمط قشور، تعرفون لماذا قالوا هذه الكلمة؟ لأنهم قضوا أكثر أعمارهم يقاتلون هؤلاء العلمانيين على فرضية الصلاة، فعندما يأتي أحدهم ويقول: لا توجد صلاة، فأنت تثبت أن الصلاة ركن، فإذا جاء أحدهم وقال لك: يا مولانا! ما رأيك في اللحية؟ يقول لك: أي لحية؟ الصلاة ضاعت، لا تكلمني عن اللحية، لا تكلمني عن الإزار.. هذه قشور بالنسبة لما نقاتل من أجله! فتركت هذه الظاهرة آثاراً سلبية حتى على الدعاة، مع أننا لا نقدح في إخلاصهم، وعندهم عاطفة ومحبة لله ورسوله، وقد قضوا أغلب أعمارهم يثبتون أن الصلاة ركن، وقالوا: هذه قشور.
فتركت هذه الظاهرة آثاراً سلبية؛ إحدى هذه السلبيات: أنه لم يراع تغير الجيل، فقد جاء جيل آخر يعتقد فرضية الصلاة، إذاً فلابد أن تغير الأسلوب، أنت لا تكلم الجيل الذي كنت تكلمه في الماضي، هذا جيل جديد، ومع ذلك لا زال يقول حتى للجيل الجديد: أي لحية؟ أي إزار؟ هذه سلبية عانينا منها وما زلنا نعاني.
وصل الحال ببعض المنتسبين إلى العلم أن يهاجم الحجاب أكثر من مهاجمة التبرج والسفور، ويقول: الفرض تغطية البدن كاملاً سوى الوجه والكفين، واتخذت هذه الدعوة سلماً إلى التبرج والسفور، وهذا كله بسبب التهوين، فحتى الذين يدعون إلى الله أصيبوا بسبب هذه المحنة.
الثوابت تهتز ولا زالت تهتز حتى الآن، فالاعتداء على شخص الرسول عليه الصلاة والسلام موجود، والقائل أنه هل مات بالزائدة الدودية أم لا، كان ينبغي أن يعزر بأن يجلد، وقد يصل التعزير إلى القتل، إذا كان يستهزئ بشخص الرسول عليه الصلاة والسلام، أو إذا قال كلاماً فيه استهزاء وإن لم يقصد، هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم، من استهزأ بالله ورسوله، واستهزأ بدين الإسلام يقتل، حتى لو أظهر الرجوع؛ لأنه لو جاء رجل فسب النبي عليه الصلاة والسلام واستهزأ به، فلما رأى بارقة السيف قال: تبت؛ تركناه، فاستهزأ آخر، فلما أردنا أن نقيم عليه الحد قال: تبت؛ تركناه، فاستهزأ ثالث، فقال: تبت.. وهكذا تذهب حرمة نبينا صلى الله عليه وسلم، فحفاظاً على مكانة الرسول عليه الصلاة والسلام يقتل هذا الشخص، وإذا تاب فتوبته بينه وبين الله، لكن يقتل تعزيراً، لأنه قد يصل التعزير في مثل هذه الحالة إلى القتل.
واحتج العلماء لها بأحاديث منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم وجد امرأة مقتولة، ولم يعرفوا من الذي قتلها، فقال: (أنشد الله رجلاً لي عليه حق فعل ما فعل إلا قام، فقام رجل أعمى فقال: إني قتلتها، كانت زوجتي، وكانت بي بارة، لكنها كانت تكثر الوقيعة فيك، فكنت أنهاها فلا تنتهي، فقمت إليها فقتلتها، فقال عليه الصلاة والسلام: ألا اشهدوا أن دمها هدر) دمها هدر، كانت تسب النبي عليه الصلاة والسلام.
فكيف يترك هؤلاء دون أن يعاقبوا؟!
ولم يصل هؤلاء إلى هذا طفرة، لكنهم لما رأوا أشياء كثيرة تهتز اهتزازاً عنيفاً ساغ لهم أن يهزوا هذا الأصل أيضاً بأسلوب غير مباشر، تقول له: تتكلم عن سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم، يقول لك: يا أخي! هذا كلام علمي، وأنا عندما أذكر النبي أقول: محمد أقول صلى الله عليه وسلم، وعليه الصلاة والسلام، لكن هذا كلام علمي.
حسناً.. هل الجثة موجودة الآن وبإمكانك أن تشرحها حتى تفيد البشرية من هذا المرض، لو جاز لك أن تقول: أنا أشرح إنساناً، وآخذه من المشرحة وأسرقه من أجل أن أعمل أبحاثاً تفيد البشرية، ونطور من خلالها العلاج، ونعرف طبيعة المرض، لو جاز لك ذلك في إنسان له جثة، فما هي الفائدة العلمية التي تعود على هذا الكاتب حتى يقال أن النبي صلى الله عليه وسلم مات بالزائدة الدودية، وقد مات النبي صلى الله عليه وسلم منذ خمسة عشر قرناً؟! الفائدة أنك تتكلم عن الرسول فقط، وتتناول شخصه كأنه مثل أي شخص آخر، ممكن فيما بعد أن نشرح مواقفه وأخلاقه، ونعترض عليه، والأمر طبيعي، وهذا كله باسم المنهجية العلمية، وهذا كله علم، ونحن لم نسبه ولم نشتمه، لكن نتكلم كلاماً علمياً.
وتصبح شخصية الرسول عليه الصلاة والسلام -التي لم تمس- سهلة المسيس، وأي إنسان ممكن أن يتكلم عليها، وأي إنسان ممكن أن يتناول جانباً آخر من حياته، وقد يظهر شخص ويقول لك: هل مات باللثة -مرض في اللثة- ويستدل بحديث في البخاري أن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما زلت أعرف أثر السم في لهاة النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات) ويأتي لك بتشريح للثة وتشريح للأسنان ويتكلم، وكأنه يتكلم عن شخص عادي، فليس هذا من الوقار والهيبة والاحترام للنبي صلى الله عليه وسلم، وعندما يشرح يتكلمون عليه، حتى الذين لا يصلون يتكلمون عنه.
نحن أمام طوفان هائل، أين هذا الجيل الذي يقف ولاءً لله ورسوله في زمان الغربة، يدافع عن الله ورسوله، وعن دين الله ورسوله في زمان الغربة، لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ [الحديد:10]، لا يستوي من نصر الله ورسوله في وقت عز فيه النصير مع الذي انضم إلى القافلة بعد رجوع الناس زرافات ووحداناً إلى دين الله تبارك وتعالى.
جيل التمكين صار ضرورة، وبكل أسف بعض الذين ينسبون إلى الالتزام والتدين لم يراعوا هذه المسألة، فعندما تنظر إلى أولادهم لا ترى كبير فرق بينهم وبين أولاد غيرهم، كل هذا بسبب أن الأيدي العاملة القائمة على استصلاح الأرض ليست ماهرة، نحن قلنا: الصلاح له ثلاثة أركان: خصوبة الأرض، ومهارة الأيدي العاملة، مع عذوبة الماء.. إذا تجمعت هذه الثلاث أخرجت لنا زرعاً قوياً.
نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا.
رب آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.
اللهم اغفر لنا هزلنا وجدنا، وخطأنا وعمدنا، وكل ذلك عندنا.