خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/452"> الشيخ أبو إسحاق الحويني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/452?sub=36178"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الشفاعة
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أخرج الشيخان البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه نهس نهسة من ذراع أعجبته، ثم رفع رأسه وقال: أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، ثم استقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ... الحديث وفي آخره قال: تدنو الشمس من رءوس العباد ويقفون في موقف عظيم، فيقول بعضهم لبعض: ألا ترون من يشفع لنا؟ ألا ترون ما نحن فيه؟ فيقول بعض الناس: اذهبوا إلى آدم. فيذهبون إلى آدم فيقولون له: يا آدم أنت أبو البشر، خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، فهل تشفع لنا عند ربك؟! فيقول آدم عليه السلام: إن الله غضب اليوم غضباً لم يغضبه قط، ولا يغضب بعده مثله قط، نفسي نفسي، وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم، لكن اذهبوا إلى نوح أول نبي أرسل. فيذهبون إلى نوح فيقولون: أنت أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض، ألا ترى ما نحن فيه -يعني من الشدة والكرب- فيقول لهم نوح عليه السلام: لقد كانت لي دعوة فدعوتها، إن الله غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله قط، ولا يغضب بعده مثله قط، نفسي نفسي. ولكن اذهبوا إلى إبراهيم خليل الله عز وجل اصطفاه واجتباه إليه. فيذهبون إليه فيقول لهم: إني كذبت ثلاث كذبات فأخشى أن أؤخذ بهن، إن الله غضب اليوم غضباً لم يغضب قبل مثله قط، ولا يغضب بعده مثله قط، نفسي نفسي، ولكن اذهبوا إلى موسى. فيذهبون إلى موسى عليه السلام فيقول لهم: إن الله غضب اليوم غضباً لم يغضب قبل مثله قط، ولا يغضب بعده مثله قط، ثم يقول: إني قتلت نفساً لم أؤمر بقتلها، نفسي نفسي، ولكن اذهبوا إلى عيسى. فيذهبون إلى عيسى عليه السلام فلا يذكر ذنباً، لكنه يقول: نفسي نفسي، اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فيأتي الناس جميعاً فيقولون: اشفع لنا، فأقول: أنا لها أنا لها، ثم أذهب عند قوائم العرش فأسجد وأدعو الله بدعوات يفتحها الله عز وجل عليَّ، وأحمد بمحامد لم يفتحها على نبي قبلي، فيقول الله عز وجل: يا محمد! ارفع رأسك، واشفع تشفع، وسل تعط، قال: فأشفع للناس لفصل القضاء
جاء في حديث حذيفة في صحيح مسلم قال: (فمن أمتي من يمر على الصراط كالبرق، ومنهم من يجري على الصراط كالريح، ومنهم من يجري عليه كالطير، ومنهم من يجري عليه كسير الرجال -يعني الرجال الذين يقطعون المسافات بسرعة عالية- ومنهم من يمشي زحفاً، وعلى الصراط كلاليب -يعني: خطاطيف- تخطف من تؤمر بخطفه، فمخدوش ناجٍ، ومكردس في النار).
قال أبو هريرة رضي الله عنه: والذي نفس أبي هريرة بيده إن قعر جهنم لسبعون خريفاً.
هذا حديث الشفاعة العظيم، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ابن عمر : (خيرت بين أن يدخل نصف أمتي الجنة وبين الشفاعة، فاخترت الشفاعة؛ لأنها أعم وأكفى، أترونها للمؤمنين المتقين؟ لا. بل هي للمسيئين الخاطئين المتلوثين، وإني لأشفع لأكثر من عدد رمل عالج) اعالج شاطئ عظيم جداً وطويل، لو عددت الرمل الذي على هذا الشاطئ لوجدته ألوفاً مؤلفة.
وقد اختص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الشفاعة دون بقية الرسل، لذلك قال في مطلع الحديث: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر ...) ثم ساق بقية الحديث، فهذا يدل على أنه سيد ولد آدم، وأن الله لم يقبل شفاعة -يقصد الشفاعة الكبرى- إلا منه.
انظر إلى أولي العزم من الرسل؛ نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد صلوات الله عليهم جميعاً، أولئك أولو العزم، يعني: أفضل الرسل، وكل رسول أفضل من النبي؛ لأن كل رسول نبي وليس كل نبي يكون رسولاً.
كل رسول أرسله الله عز وجل برسالة إلى بعض الناس فهو نبي أولاً ثم رسول، أما النبي فلا يشترط أن يكون رسولاً؛ لأنه قد يعطى النبوة تشريفاً له، وعليه أن يؤمر بتبليغ شيء ما، كإدريس عليه السلام مثلاً، ويعقوب عليه السلام، وبقية الأنبياء الذين أعطاهم الله النبوة تشريفاً لهم، بغير أن تقترن هذه النبوة برسالة إلى الناس.
هناك رسل كثيرون، لكن أفضل الرسل هم أولو العزم، وهم خمسة، قال الله عز وجل: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253]، فالرسل بعضهم أفضل من بعض، وهؤلاء الخمسة أفضل الرسل، ونبينا صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الخمسة.
فإذا كان حال أولي العزم من الرسل يوم القيامة أن كل واحد منهم يقول: نفسي نفسي، فما حالي وحالك أنت؟ نرتع في المعاصي كأننا ضمنا الجنة، لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى عظم من عصيت، لا تقل: إنه ذنب صغير، ولكن انظر إلى من عصيت وإلى عظمته وجلاله.
إن الله تعالى يلوم العبد الذي لم يعظمه حق التعظيم، بينما تراه عندما يهم بمعصية يجتهد في أن يتوارى عن أعين الناس، والله تعالى يقول: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4].
فانظر إليه كيف استعظم نظر العبد ولا يملك له شيئاً، حتى اجتهد في أن يتوارى عنه في حال المعصية، ومع ذلك لم يرع نظر الله تبارك وتعالى حين لا يراه المخلوقون.
قيل: إن شيخاً من المشايخ أراد أن يختبر طلابه، ومن بين الطلاب الإمام الشافعي فقال الشيخ: ليأخذ كل واحد منكم ديكاً فليذبحه في مكان لا يراه فيه أحد، فأخذوا جميعاً الديوك وذبحوها ورجعوا، كل واحد توارى خلف حائط، عدا الإمام الشافعي فإنه رجع بديكه حياً، فقال له شيخه: أي بني! أعجزت أن تدخل مكاناً لا يراك فيه أحد، وتفعل كما فعل أقرانك؟
قال: نعم أيها الشيخ! فإنني ما دخلت في مكان إلا رأيت الله يطلع عليَّ، وقد اشترطت علينا أن لا نذبحه إلا في مكان لا يرانا فيه أحد.
فكان هذا من فطنة الإمام الشافعي ، فتنبأ له شيخه بمستقبل زاهر، فالإمام الشافعي جعل المراقبة العظمى هي المنوطة بهذا الأمر من الشيخ وليس مراقبة العبد.
آدم عليه السلام أكل من الشجرة، وقد غفر الله له ذنبه في حياته: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة:37] فهو يعلم أن الله قد تاب عليه، وهو يعلم أن الله أكرم من أن يعاتب العبد بذنب قد غفره له قبل ذلك، ومع ذلك يستحضر هذا الذنب في حال الشفاعة، ويقول: (وهل أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم، نفسي نفسي -خلوا بيني وبين معصيتي- إن الله غضب اليوم غضباً لم يغضبه قط).
يوم القيامة يأتي العباد إلى الله يطلبون منه الرحمة، وقد كان أكثرهم ينفي عن الله عز وجل صفات الألوهية والجبروت، ويأتي أولئك الصعاليك الذين كانوا يتعالون عليه في ملكه، لكن يوم الحساب لا تكون الرحمة إلا للمحسنين فقط: إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ [الأعراف:56] كانت الرحمة في دار الدنيا أقرب إليك من شراك نعلك لو اتجهت إلى الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا لا تشرك بي شيئاً -ثم قلت: يا رب اغفر لي- أتيتك بقرابها مغفرة).
قراب الأرض: يعني: لو أتيت بملء الأرض خطايا، لكن لا تشرك به شيئاً؛ لأن الشرك داء ليس له دواء إلا أن تنزع عنه، وأن تفر إلى ربك.
الله عز وجل هو الوحيد الذي لا يكون الفرار منه إلا إليه، أنت تفر من العبد إلى عبد آخر، وتفر من الأرض إلى أرض أخرى، أما الله عز وجل فالفرار منه يكون إليه وحده؛ لأنه هو الذي ملك أقطار السماوات والأرض، ولا يستطيع أحد أن ينفذ إلا بسلطان منه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول عندما ينام: (اللهم إني وجهت وجهي إليك، وألجأت ظهري إليك، لا منجى ولا ملجأ منك إلا إليك) .
إذاً قد كانت رحمة الله قريبة منك وأنت في الدنيا، أما الآن فإن الله قد غضب اليوم غضباً لم يغضبه من قبل ولا من بعد ذلك قط، فهو في ذلك اليوم سينزل الناس منازلهم التي يستحقونها، وسينزل الكافرين في جهنم وهذا منتهى غضبه، فهو لا يغضب بعد ذلك، ينزل الكافرين في جهنم، وينزل المتقين في الجنة، وهو لا يسخط على المتقين، قال الله عز وجل: (....... اليوم أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم أبداً) هذا بالنسبة لأهل الجنة، أما بالنسبة لأهل النار فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ضرس الكافر في النار مثل أحد) الكافر تكون هيئته في النار عظيمة جداً، ليس هذا الجسد الهزيل النحيل، فضرسه كجبل أحد، فما بالك بفكه، وما بالك برأسه وبقية جسده؟!
وفي الحديث الآخر قال صلى الله عليه وسلم: (غلظ جلد الكافر في النار مسيرة سبعين عاماً) سمك هذا الجلد مسافة أن يمشي رجل سبعين عاماً؛ لأن هذا أشد من جهة العذاب، فذلك الجلد الرقيق الذي إن أخذ لسعة من النار احترق، أصبح سمكه سبعون عاماً، حتى يشعر الكافر بحرق الجلد شيئاً فشيئاً، ويشعر بشدة النار.
فهذا آدم عليه السلام وهو أبو البشر وقد غفر له، ومع ذلك يخاف أن يأخذه الله بذنبه، فيريد أن ينجو بنفسه، المهم أن ينجو هو: كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ [الطور:21].. يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ [الحج:2] تذهل: أي تنسى.
تقابل الأم ولدها لا تعرف أن هذا ولدها، مع أنها حملته تسعة أشهر، وأرضعته سنتين، وخافت عليه حتى بلغ أشده لكن هناك تنساه وتذهل عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من نوقش الحساب عذب) لم يقل: من دخل النار، بل من نوقش فقط.
والنبي صلى الله عليه وسلم وضح هذا جلياً في الحديث المتفق عليه حيث قال: (لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته).
فالله عز وجل يحاسب عباده بالفضل لا يحاسبهم بالعدل؛ لأنه إن حاسبهم بالعدل أهلكهم، قال الله عز وجل: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر:45] هذا هو مقتضى العدل، أنه لو حاسبك على ما اقترفت لأهلكك من أول ذنب.
فيوم القيامة يحاسب الله عز وجل الناس بعدله -أي الكافرين- لا يظلم مثقال ذرة.
وهذا وضحه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح قال: (لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي).
انظروا إلى رحمته صلى الله عليه وسلم بنا، كل شيء كان يفعله لصالح أمته، مع أن أغلبهم لا يقيمون لهذا القرآن وزناً، ولا يقيمون لسنته صلى الله عليه وسلم وزناً.
وخرجت نابتة من المسلمين يقول أحدهم: (والله لا يكون المسلم الهندي أقرب إليَّ من النصراني المصري)، يعني: النصراني المصري أقرب إليه من المسلم الهندي، ما الذي جناه المسلم الهندي؟ لا شيء، إلا لأنه هندي بعيد الدار، ويزعمون أن هذا هو فهمهم، ولا يكون الإسلام إلا كما يفهمون.
هذه القومية القبيحة التي جعلت الناس يعبدون التراب والأرض، ويغنون للتراب والأرض، ومن شعارهم: (أن الدين لله والوطن للجميع) الدين لله، بمعنى أن كل إنسان يعبد ما يشاء، حتى خرج علينا بعض من يتسمى بأسماء المسلمين، فينكر على الذي يجبر الناس على الصلاة، ويقول قال الله تعالى: لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ [الكافرون:6] وهو جاهل لا يدري ما الدين في هذه الآية، إن الله عز وجل أنزل هذه الآية ليقولها النبي صلى الله عليه وسلم للذين يدينون بغير دين الإسلام، أما تارك الصلاة فلا إسلام له، وإلا كيف يكون مسلماً وقد تحلل من دينه شيئاً فشيئا حتى صار مضاداً له.
سبحان الله! عندما تنظر إلى صنيع النبي صلى الله عليه وسلم، وتنظر إلى صنيع الأمة فإنك تقول: إنهم لا يستحقون شيئاً مما فعله ومما سيفعله من أجلهم، وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إني آخذ بحجزكم من النار ولكنكم تغلبونني -آخذ بحجزكم: أي أحجزكم عن النار، ولكنكم تتفلتون مني وتتهافتون في النار- ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله ويقربكم إلى الجنة، ويباعدكم عن النار إلا أمرتكم به)، فقد بلَّغ وأدى الذي عليه صلى الله عليه وسلم، ولم يبق إلا الذي علينا.
فنوح عليه السلام دعا دعوته المستجابة: رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا [نوح:26]، وذلك حين قال هذه دعوة نوح عليه السلام، استجابها الله فوراً، ولم يعد لنوح دعوة مدخرة ليوم القيامة ليدعو الله ويشفع للناس، فيريد أن ينجو بنفسه فقال: (اذهبوا إلى إبراهيم) وإبراهيم كما قال الله عز وجل: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً [النحل:120] تصور عندما يكون أمة واحدة، كيف سيكون قدره عند الله عز وجل؟ وقال الله تعالى: وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا [النساء:125].
عندما قالوا له: (اشفع لنا عند ربك، قال: إني كذبت ثلاث كذبات، نفسي نفسي) ثلاث كذبات كذبها إبراهيم عليه السلام ويخشاها، اثنتان منها في ذات الله عز وجل، كما في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كذب إبراهيم ثلاث كذبات: في قومه لما قال المشركون: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ [الأنبياء:62-63] -هذه الكذبة الأولى. الكذبة الثانية:- لما دعاه الناس إلى عيدهم فأراد أن لا يشارك المشركين في عيدهم، قال تعالى: فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:88-89] وهذه الكذبة الثانية
الكذبة الأولى: أنه عليه السلام حطم الأصنام ووضع الفأس على عنق الكبير، فلما رجعوا وجدوا الأصنام جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم يرجعون، فجاء جمع وأخبروا أحد المحافظين وقالوا: سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ [الأنبياء:60] يعني: يذكرهم بسوء، أي: يسب آلهتهم، يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ [الأنبياء:60] فجاءوا به وقالوا: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ [الأنبياء:62].. قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ [الأنبياء:63]، هذه لا تعد كذبة إنما هي من المعاريض؛ لأن الأنبياء يستحيل عليهم الكذب، الكذب خاصة؛ لأنهم يبلغون كلام الله إلى الناس، وما آفة الأخبار إلا الكذب، فلا يجرب على نبي كذب أبداً.
إن معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما كذب إبراهيم ثلاث كذبات) فيقال: الكذب في الأصل هو قول غير الحق، سواء كنت عامداً أو غير عامد، فإن كنت مخطئاً يقال عليك: إنك كاذب، من باب التغليب، أي: أنك قلت غير الحق، أما مسألة أن تتعمد أو لا، فهذا شيء خارج عن حقيقة تعريف الكذب.
لذلك لما جاء عبد الله بن محيريز إلى عبادة بن الصامت رضي الله عنه فقال: إن هاهنا رجل يقال له: أبو محمد يقول: إن الوتر واجب، فقال عبادة : كذب أبو محمد ، أي: قال غير الحق، ولم يقصد أنه افترى.
وكذلك قول ابن عباس : كذب عدو الله، مع أن مولى زيد بن ثابت رجل مسلم، والمقصود بقوله: كذب، أي: أنه أخطأ، وقال غير الحق.
بيان الكذبة الأولى
هذه هي الكذبة الأولى، ونستأنف ذلك بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله تعالى.
أقول قولي هذا؛ وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
بيان الكذبة الثانية
ذكرنا في الخطبة الأولى أن إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث كذبات، وذكرنا الكذبة الأولى، والآن نذكر لكم الكذبة الثانية: وهي قوله عليه السلام: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] وكان كما قال أهل التفسير: إن قوم إبراهيم كانوا يخرجون في عيد لهم، ويلزمون الجميع بالخروج، وعندما أتوا إلى إبراهيم وطلبوا منه أن يخرج معهم في عيدهم، تظاهر بالمرض، وقال: (إني سقيم) يريد أنه سقيم القلب لكفرهم.
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ [الصافات:90] أي فروا منه خشية أن ينتقل المرض منه إليهم، وبذلك نجا من أن يحضر أعياد الكفرة؛ لأن المسلم لا يجوز له أن يحضر أعياد الذين يحادون الله ورسوله، وهذا بكل أسف يفعله المسلمون الآن، لا تراهم يحتفلون بعيد الفطر أو الأضحى مثلما يحتفلون بعيد رأس السنة الميلادية، وليس هذا فقط، بل يشربون الخمر، والمسلمون قد نهوا أن يحضروا أعياد المشركين الكافرين.
وتنظر إلى هذا الغثاء وقد خرج كله من بيتك، وفي الحدائق يأكلون النتن، ويشاركون اليهود في عيدهم، فتقيم الدولة احتفالاً رسمياً بهذه المناسبات، أنَّى لهؤلاء أن ينتصروا؟ أنَّى لهؤلاء أن ينزل الله نصره وقد حادوه، ولا يقيمون لشرعه وزناً؟
وصل النفاق إلى درجة عالية عند هؤلاء، حتى أصبح مخالفة الإسلام عندهم أمراً هيناً لا يؤبه له، بينما مخالفة أسيادهم من المشركين والكفار هذا أمر عظيم.
أحد الوزراء قال في مذكراته: إنه حضر مع رئيس سابق -ونشرت مجلة لبنانية نتفاً من مذكرات هذا الوزير- يقول: إنه ذهب مع الرئيس السابق الكنيسة، ثم إن الرئيس السابق أراد أن يكون كـعمر ، أذن الظهر، فقال ذلك الرئيس: يا جماعة تعالوا نصلي، وتقدم للإمامة.
وهذا المسكين -أي: الوزير- كان جنباً، وزير يمشي جنباً، قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون سنون خداعة، يخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، وينطق فيها الرويبضة، قالوا: من الرويبضة يا رسول الله؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة) السفيه يكون رأساً، فهو الذي يأمر، وهو الذي ينهى، وهو الذي يتحكم، ومع ذلك يمشي جنباً!!
لو أن هذا الوزير عندما رأى المسلمين قاموا إلى الصلاة ولم يصل، فسيقف بالباب ينتظرهم حتى يتموا الصلاة، لكنه استحيا من هذا الموقف، ولشده حيائه صلى وهو جنب.
فانظروا إلى هذه الصورة وقيسوا عليها، وما خفي كان أعظم، والغريب أن تصل به الجرأة أن ينشر هذا الكلام على المسلمين.
وأنا قد رأيت أحد المحافظين في صلاة الجمعة وقد التقطت له صورة مع رئيس سابق، ووضعوها في جريدة الجمهورية في أول صفحة، وهو يصلي وواضع يده اليسرى على اليمنى في الصلاة! ابن أربع سنوات أو ثلاث سنوات يعلم أن اليمنى هي التي توضع على اليسرى في الصلاة، وهذا المحافظ لا يعرف!!
ألا يخاف أولئك أن ينزل الله غضبه عليهم، إن هذا الضنك الذي يعاني العباد منه، إنما هو بما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير، قال الله عز وجل: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41] وليس يذيقهم كل الذي عملوا بل بعض الذي عملوا، ما العلة؟ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] لعلهم يتوبون من قريب، لعلهم يرجعون إلى ربهم، فيذكرهم الله عز وجل ببعض ما كسبت أيديهم ليتوبوا.
لا يجوز للمسلم أن يشارك في أعياد الكافرين، ولا أن يكثِّر سوادهم، فإبراهيم عليه السلام لا ينبغي له أن يشارك قومه في أعيادهم؛ كيف يشاركهم وهو أمة وحده، وهو من يدعوهم إلى التوحيد: فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] لذلك كانت هذه الكذبة في ذات الله عز وجل.
بيان الكذبة الثالثة
ما الذي دفعه إلى هذا القول؟ الذي دفعه إلى هذا القول، هو أن هذا الجبار كان إذا رأى امرأة جميلة متزوجة برجل قام وقتل الزوج وأخذ المرأة، بخلاف الأخ لا تكون غيرة الرجل على امرأته كغيرته على أخته، غيرته على امرأته أشد من غيرته على أخته.
قال: فجيء بـسارة وكانت من أجمل النساء، فأراد الجبار أن يقترب منها فدعت الله عز وجل فشلت يده، فقال: ادعي الله لي ولا أقربكِ، قالت: اللهم إنه إن مات قالوا: قتلتِه، فرد الله عز وجل له يمينه، فمد يده مرة أخرى فشلت يده بصورة أشد من الأولى، فقال: سلي الله أن يعافيني ولا أقربنك، فدعت الله فرفع عنه البلاء.
فنادى للجماعة الذين أتوا بـسارة ، فقال لهم: إنكم أتيتموني بشيطان وليس بإنسان، فلما رأى أنها جميلة وأنها تشبه الملكات أخدمها هاجر ، أعطاها هاجر أم العرب لكي تخدمها؛ لأنه رآها ليست أهلاً أن تعمل بيدها، إنما رأى أن تخدمها هاجر ، فخرجت سارة بـهاجر وأتت بها إبراهيم عليه السلام.
هذه هي الكذبة الثالثة التي خشي إبراهيم عليه السلام أن يأخذه الله عز وجل بها.
فإبراهيم عليه السلام لم يقل الحق في هذا، بمعنى: أنه قال شيئاً عرض به: قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ [الأنبياء:63] هو يعلم أن الأصنام لا تنطق، وإنما أراد أن يلزمهم الحجة بذلك، وأن الأصنام لا تنطق ولا تنفع ولا تضر، وهذه في ذات الله عز وجل، هو يريد أن يثبت لهم أن أصنامهم لا تساوي شيئاً.
هذه هي الكذبة الأولى، ونستأنف ذلك بعد جلسة الاستراحة إن شاء الله تعالى.
أقول قولي هذا؛ وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن، والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
ذكرنا في الخطبة الأولى أن إبراهيم عليه السلام كذب ثلاث كذبات، وذكرنا الكذبة الأولى، والآن نذكر لكم الكذبة الثانية: وهي قوله عليه السلام: إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] وكان كما قال أهل التفسير: إن قوم إبراهيم كانوا يخرجون في عيد لهم، ويلزمون الجميع بالخروج، وعندما أتوا إلى إبراهيم وطلبوا منه أن يخرج معهم في عيدهم، تظاهر بالمرض، وقال: (إني سقيم) يريد أنه سقيم القلب لكفرهم.
فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ [الصافات:90] أي فروا منه خشية أن ينتقل المرض منه إليهم، وبذلك نجا من أن يحضر أعياد الكفرة؛ لأن المسلم لا يجوز له أن يحضر أعياد الذين يحادون الله ورسوله، وهذا بكل أسف يفعله المسلمون الآن، لا تراهم يحتفلون بعيد الفطر أو الأضحى مثلما يحتفلون بعيد رأس السنة الميلادية، وليس هذا فقط، بل يشربون الخمر، والمسلمون قد نهوا أن يحضروا أعياد المشركين الكافرين.
وتنظر إلى هذا الغثاء وقد خرج كله من بيتك، وفي الحدائق يأكلون النتن، ويشاركون اليهود في عيدهم، فتقيم الدولة احتفالاً رسمياً بهذه المناسبات، أنَّى لهؤلاء أن ينتصروا؟ أنَّى لهؤلاء أن ينزل الله نصره وقد حادوه، ولا يقيمون لشرعه وزناً؟
وصل النفاق إلى درجة عالية عند هؤلاء، حتى أصبح مخالفة الإسلام عندهم أمراً هيناً لا يؤبه له، بينما مخالفة أسيادهم من المشركين والكفار هذا أمر عظيم.
أحد الوزراء قال في مذكراته: إنه حضر مع رئيس سابق -ونشرت مجلة لبنانية نتفاً من مذكرات هذا الوزير- يقول: إنه ذهب مع الرئيس السابق الكنيسة، ثم إن الرئيس السابق أراد أن يكون كـعمر ، أذن الظهر، فقال ذلك الرئيس: يا جماعة تعالوا نصلي، وتقدم للإمامة.
وهذا المسكين -أي: الوزير- كان جنباً، وزير يمشي جنباً، قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم: (إنها ستكون سنون خداعة، يخون فيها الأمين، ويؤتمن فيها الخائن، ويصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، وينطق فيها الرويبضة، قالوا: من الرويبضة يا رسول الله؟ قال: السفيه يتكلم في أمر العامة) السفيه يكون رأساً، فهو الذي يأمر، وهو الذي ينهى، وهو الذي يتحكم، ومع ذلك يمشي جنباً!!
لو أن هذا الوزير عندما رأى المسلمين قاموا إلى الصلاة ولم يصل، فسيقف بالباب ينتظرهم حتى يتموا الصلاة، لكنه استحيا من هذا الموقف، ولشده حيائه صلى وهو جنب.
فانظروا إلى هذه الصورة وقيسوا عليها، وما خفي كان أعظم، والغريب أن تصل به الجرأة أن ينشر هذا الكلام على المسلمين.
وأنا قد رأيت أحد المحافظين في صلاة الجمعة وقد التقطت له صورة مع رئيس سابق، ووضعوها في جريدة الجمهورية في أول صفحة، وهو يصلي وواضع يده اليسرى على اليمنى في الصلاة! ابن أربع سنوات أو ثلاث سنوات يعلم أن اليمنى هي التي توضع على اليسرى في الصلاة، وهذا المحافظ لا يعرف!!
ألا يخاف أولئك أن ينزل الله غضبه عليهم، إن هذا الضنك الذي يعاني العباد منه، إنما هو بما كسبت أيديهم ويعفو عن كثير، قال الله عز وجل: ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا [الروم:41] وليس يذيقهم كل الذي عملوا بل بعض الذي عملوا، ما العلة؟ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الروم:41] لعلهم يتوبون من قريب، لعلهم يرجعون إلى ربهم، فيذكرهم الله عز وجل ببعض ما كسبت أيديهم ليتوبوا.
لا يجوز للمسلم أن يشارك في أعياد الكافرين، ولا أن يكثِّر سوادهم، فإبراهيم عليه السلام لا ينبغي له أن يشارك قومه في أعيادهم؛ كيف يشاركهم وهو أمة وحده، وهو من يدعوهم إلى التوحيد: فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ [الصافات:89] لذلك كانت هذه الكذبة في ذات الله عز وجل.
أما الكذبة الثالثة: فهي أنه لما دخل مصر مع زوجته سارة ، وكان حاكم مصر جباراً عنيداً، كان لا يرى امرأة جميلة إلا اصطفاها لنفسه واغتصبها، فقال إبراهيم لزوجته سارة : (إنه ليس على الأرض مؤمن غيري وغيرك، فإذا سألك فقولي: إنه أخي) يعني ليس زوجي.
ما الذي دفعه إلى هذا القول؟ الذي دفعه إلى هذا القول، هو أن هذا الجبار كان إذا رأى امرأة جميلة متزوجة برجل قام وقتل الزوج وأخذ المرأة، بخلاف الأخ لا تكون غيرة الرجل على امرأته كغيرته على أخته، غيرته على امرأته أشد من غيرته على أخته.
قال: فجيء بـسارة وكانت من أجمل النساء، فأراد الجبار أن يقترب منها فدعت الله عز وجل فشلت يده، فقال: ادعي الله لي ولا أقربكِ، قالت: اللهم إنه إن مات قالوا: قتلتِه، فرد الله عز وجل له يمينه، فمد يده مرة أخرى فشلت يده بصورة أشد من الأولى، فقال: سلي الله أن يعافيني ولا أقربنك، فدعت الله فرفع عنه البلاء.
فنادى للجماعة الذين أتوا بـسارة ، فقال لهم: إنكم أتيتموني بشيطان وليس بإنسان، فلما رأى أنها جميلة وأنها تشبه الملكات أخدمها هاجر ، أعطاها هاجر أم العرب لكي تخدمها؛ لأنه رآها ليست أهلاً أن تعمل بيدها، إنما رأى أن تخدمها هاجر ، فخرجت سارة بـهاجر وأتت بها إبراهيم عليه السلام.
هذه هي الكذبة الثالثة التي خشي إبراهيم عليه السلام أن يأخذه الله عز وجل بها.
أما بالنسبة للكذب: فإنه لا يجوز في حق الأنبياء؛ لأن الكذب إنما يخرج من فم بني آدم، فإذا جرب على إنسان كذب فلا يمكن أن يوثق بشيء يخرج من فيه، لذلك كما عند الترمذي وغيره: (أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان خلق أبغض إليه من الكذب).
وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (على كل شيء يُطبع المؤمن إلا الخيانة والكذب)، لا يكون المؤمن كذاباً.
وفي الحديث الصحيح في البخاري : (لا يزال العبد يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً).
الكذب جناية عظيمة، وما حرفت الأديان إلا بالكذب، لم يقع شيء قط إلا وترى أن الكذب من أصوله، فالكذب جناية عظيمة ينزه عنه الأنبياء، حتى لا يتطرق ذلك إلى البلاغ الذي يحملونه من الله عز وجل إلى البشر، هذا بالنسبة للأنبياء.
أما بالنسبة لغيرهم: فإن الكذب كله حرام غير ثلاثة أنواع من الكذب، ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي وأحمد وغيرهما من حديث أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث من الكذب لا أعدهن كذباً -وفي رواية: لا أعباء بهن- كذب الرجل في الحرب، وكذب الرجل يصلح بين المتخاصمين، وكذب الرجل على امرأته) .
هذه الأنواع الثلاثة هي التي يمكن لنا أن نسميها تجاوزاً (الكذب الأبيض) وإلا فالكذب كله أسود، وذلك لما يتحمله العبد من الويلات ومن الحساب بسبب الكذب.
إذاً: المعاريض تشبه الكذب ولكنها تختلف عنه في الحكم، ولذلك نحن قلنا: إن إبراهيم عليه السلام لم يكذب إنما عرض بالكلام.