خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/452"> الشيخ أبو إسحاق الحويني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/452?sub=36178"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الوصايا الخمس
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله، نحمده ونستعين به ونستغفره، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا *a= 6003603>يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب:70-71] .
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أخرج الإمام أحمد والترمذي وصححه هو وابن حبان والحاكم من حديث الحارث الأشعري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إن الله أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات؛ ليعمل بهن ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، وإن يحيى أبطأ فقال له عيسى عليه السلام: إن الله أمرك بخمس كلمات؛ لتعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن، فإما أن تأمرهم وإما أن آمرهم، فقال يحيى عليه السلام: إني أخشى إن أبطأت أن أُعَذَّبْ أو يخسف بي، فامتلأ المسجد -بيت المقدس- بالناس لما دعا يحيى عليه السلام إلى هذه الموعظة حتى قعد الناس في الشرفات فوعظهم قائلاً: إن الله أمرني بخمس كلمات، لأعمل بهن وآمركم أن تعملوا بهن: آمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وإن مثل ذلك -أي: مثل من أشرك- كمثل رجل اشترى عبداً من خالص ماله وقال له: هذه داري وهذا عملي فاعمل وأد إليَّ، فكان يعمل ويؤدي إلى غير سيده، فأيكم يرضى أن يكون عبده كذلك؟! وإن الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئاً، وأمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا، وأمركم بالصيام، وإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة مسك، وهو في عصابة، فكلهم يعجبه أن يجد ريحها، وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وأمركم بالصدقة، وإن مثل ذلك كمثل رجل أسره العدو وأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: هل لي أن أفتدي منكم بمالي؟ فجعل يعطيهم القليل والكثير حتى فك نفسه، وآمركم بذكر الله، فإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو في أثره سراعاً فدخل حصناً حصيناً فأحرز نفسه، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله) .
هذه الوصايا الخمس اشتملت على المثل، والأمثال إنما تضرب لتقرير الفتوى، فالأمثال تدخل في باب المبين، فمن ضرب له المثل فلم يفهمه فينبغي أن يبكي على نفسه، فالكلام إما أن يكون مجملاً وإما مبيناً، وإنما يقع الإشكال في المجمل، ولا يقع الإشكال في المبين، فمن لم يفهم المثل فحقه أن يبكي على نفسه، قال الله تبارك وتعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43] .
روى ابن أبي حاتم في تفسيره عن عمرو بن مرة رحمه الله أنه كان يقول: (إذا قرأت المثل في كتاب الله عز وجل ولم أفهمه بكيت على نفسي، وذلك أن الله يقول: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ [العنكبوت:43] وقال تعالى: وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [الحشر:21] ) .
وإنما يضرب العالم المثل للذي لا يعلم؛ لذلك أنزل ربنا تبارك وتعالى على الذين يضربون له الأمثال، قوله تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا وَلا يَسْتَطِيعُونَ * فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:73-74] .
فالعالم هو الذي يضرب المثل؛ لأنه يدري ما هو المجمل، ويدري كيف يبين هذا المجمل، إن الذين يضربون الأمثال لرب العالمين لم يؤمنوا حق الإيمان، فهناك أوامر أنت لا تفهمها فلا تعترض وسلِّم للذي يعلم.
جاء رجل من الذين يضربون الأمثال للناس -وهم كُثر- إلى إياس بن معاوية فقال له: (لم حرم الله الخمر، ومفرداتها مباحة؟). فإن الخمر عبارة عن ماء وعنب، أو ماء وتمر، أو ماء وشعير، فإن الماء حلال! والعنب حلال! والتمر حلال! فإذا كانت مفردات الشيء مباحة لم يحرم في المجموع؟!
فقال له: (أرأيت لو ضربتك بكف من ماء أكنت قاتلك؟ قال: لا، قال: ولو ضربتك بكف من تبن أكنت قاتلك؟ قال:لا، قال: ولو ضربتك بكف من تراب أكنت قاتلك؟ قال: لا، قال: فإذا جمعت التبن على الماء على التراب فصار طيناً فجففته وضربتك أكنت قاتلك؟ قال: نعم، قال: فكذلك الخمر) مفرداتها لا تقتل، لكن إذا جمعتها وضربت بها قتلت، فلا يضرب المثل إلا الله عز وجل.
العبادة نوعان: معقول المعنى وغير معقول المعنى
وهذا النمط الثاني يبتلى به المؤمنون، فمن آمن سلم، كما روى مسلم في صحيحه عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (أتانا بعض عمومتي فقال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء كان لنا نافعاً وهو -ابتغاء الأجر- وطاعة الله ورسوله أنفع) نهانا عن شراء الأرض، وقد كانت تجلب المال، لكن طاعة الله ورسوله أنفع، هذا هو التسليم الذي كان يتميز به دين الصحابة فلا إنكار ولا اعتراض؟
فهذا النمط الثاني الغير معقول المعنى، لا يسعك فيه إلا الاتباع؛ لأنه لم تظهر الحكمة منه، وهذا مثل الحديث الشهير وهو في الصحيح: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قبَّل الحجر الأسود قال: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولكن لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) فكأنما قال: أنا لا أفهم معنى لتقبيل الأحجار، وقد جاء هذا في ديننا، والعرب كانوا يصنعون الأصنام من الحجارة ثم يعبدونها، فكان المناسب أن لا يأتي الأمر بتعظيم أي حجر؛ سداً للذريعة، لكن قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحجر فنحن نتابعه وإن لم نفهم لهذا التقبيل معنى.
لا يفعل هذا إلا المؤمنون الذين إذا علموا وتيقنوا أن هذا من عند الله أو أن هذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بادروا إلى العمل به، ولم يعترضوا على الله ورسوله، كأن يقولوا: يا رب! لم فعلت هذا، فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74] .
ثم ضرب رب العالمين مثلين، كأنما قيل: لا تضربوا لله الأمثال، فإنكم لا تعلمون حقيقة ضرب المثل، وإن أردتم أن تتعلموا فسأضرب لكم مثلين، ثم ذكر الله عز وجل مثلين بعد ذلك.
مثل المؤمن والمشرك في سورة النحل
فلا جواب؛ لأنه واضح، فالمثل في غاية الوضوح، عبد لا يملك من أمر نفسه شيئاً، وزاد الله عز وجل في بيان عجزه أن قال: لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ [النحل:75] مع أننا نعلم أن العبد لا يقدر على شيء، حتى إن بعض العلماء لم يعتد بشهادة العبد، قالوا: لأن سيده يمكن أن يمنعه من أداء الشهادة، فلا يعتد بشهادته؛ لأنه لا يملك من أمر نفسه شيئاً، ومع ذلك فإن بعض العبيد قد يملك من الأمر ولو شيئاً جزئياً، إنما هذا العبد المضروب به المثل لا يملك شيئاً قط، رجل مكبل مقيد، هل يستوي هذا الرجل مع آخر آتيناه رزقاً حسناً وأعطيناه؟
فهذا يملك المال فهو ينفق منه سراً وجهراً، إذن عنده إرادة في النفقة، وإرادة النفقة يقابلها عجز ذلك العبد الآخر الذي لا يملك شيئاً على الإطلاق، حتى لو أراد.
(هل يستوون؟) لم يقل رب العالمين: لا يستوون؛ لأن ترك الجواب هنا أبلغ، والإبهام دليل الإعظام والفخامة، كما في قصة يوسف عليه السلام لما كاد له الله عز وجل ووضع صواع الملك في رحل أخيه ونادوا في الناس: إننا نفقد هذا الصواع قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ * قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:71-72] فلما اتهمهم قال لهم: فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ [يوسف:74] إن وجدنا الصواع في رحل أحدكم فما جزاؤه؟ فلأنهم كانوا متأكدين مائة بالمائة أنهم لم يسرقوا أبهموا الجزاء: قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ [يوسف:75] ما تعملونه به فهو جائز لكم.
ولو علموا أن السارق منهم لعينوا العقوبة وقالوا: يجلد أو يضرب أو يسجن، لكنهم لثقتهم أن السارق ليس منهم أرادوا أن يفخموا العقوبة فأبهموها: قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ [يوسف:75] .
وكذلك الرجل الذي ذكر أهل التفسير حكايته: (أنه كان من المستضعفين، وكان رجلاً كبير السن، فلما تذكر إخوانه المهاجرين في المدينة واجتماعهم، ووجد أنه يفتقد الأخوة، ويعيش في وسط هؤلاء الكافرين، مع أن الله وضع الهجرة عن أمثاله، خرج -رغم شيخوخته وعجزه- مهاجراً من مكة إلى المدينة ماشياً فأدركه الموت في الطريق، فلما أحس بذلك ضرب كفاً بكف وقال: اللهم هذه بيعتي لك، اللهم هذه بيعتي لنبيك ومات، فأنزل الله عز وجل في شأنه: وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ [النساء:100] لم يعين له جزاء إنما أبهم الجزاء للإعظام.
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور المتفق عليه من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله) ولم يعين جزاء، فمثل هذا السكوت والإبهام دليل الفخامة والإعظام.
(هل يستوون) ؟ بعد ضرب المثل لا يستوون عند أي إنسان، فالجواب واحد عند كل من يسمع هذا المثل إن كان عاقلاً: (لا يستوون) .... فالحمد لله أن جعل من سنته وحكمته أن لا يستوي العبد العاجز مع الحرّ الصالح، فتنزه رب العالمين أن يساوي بين المسلمين والمجرمين، فكمال عدله يأبى ذلك، وهناك جواب آخر في قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ [النحل:75] أي: الذي ضيَّع موضع الحجة على المشركين فضيع لهم الفرق بين المثلين مع الوضوح، وهذا من منن الله عز وجل أن لا يرزق كافراً حجة حتى لا يلبس على الذين آمنوا، قال صلى الله عليه وسلم: (أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان، يجادل بالقرآن) وهذا النمط موجود لكن كانوا قديماً كالفئران لا يخرجون من الجحور، فلما قلّ عدد العلماء ظهر أمثال هؤلاء وكانوا يتوارون قبل ذلك.
إن وجود النفاق دلالة على قوة الإسلام، وإن وجود الكفر دلالة على ضعف المسلمين، فالكفر لا يظهر أبداً إلا مع الضعف، والنفاق لا يظهر إلا مع القوة.
في مكة لم يكن ثمة نفاق على الإطلاق، بل كان إيمان وكفر، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وصارت له دولة ظهر النفاق، فالمنافق كافر لكن يريد أن يحفظ دمه، ويريد أن يستفيد بذلك، ولا يستطيع مع هذه الشوكة أن يظهر عقيدته، فيبطن الكفر ويظهر الإسلام.
بطلان القول بإيمان فرعون
وقد صنف كتاباً سماه: (كشف الأستار عن المقطوع لهم بالجنة والمقطوع لهم بالنار) فذكر فرعون في المقطوع لهم بالجنة مع وضوح القرآن في أمر فرعون: يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ [هود:98] وقال تعالى: فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى [النازعات:25]، وقال تعالى: إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [القصص:4] وقال تعالى: آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس:91] ، وقال تعالى: النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] وهذا يقول: إن ( الآل ) ليس المراد به الشخص! هذا كذب، (اللهم صلِّ على محمد وآل محمد، كما صليت على آل إبراهيم) فإن آل إبراهيم هو إبراهيم نفسه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لـأبي موسى الأشعري : (لقد أوتيت مزماراً من مزامير آل داود) وما ثمَّ إلا داود الذي كانت الجبال والشجر والأرض تردد ترتيله، فلم يكن من ذرية داود من كان حسن الصوت مثله. يقول هذا الكاتب: إن آل فرعون سيدخلون كلهم النار، وأما فرعون فيدخل الجنة، كيف وهو قائدهم، وهو معلمهم، وهو رائدهم؟!!
لكن الشاهد في المسألة: أن يخرج رجل فيتكلم على شيء مقطوع به عند الخاص والعام، وهذا الذي يسميه العلماء: المعلوم من الدين بالضرورة، أي: يستوي فيه علم الخاصة وعلم العامة، وهذا هو الذي يقول فيه العلماء: يكفر تاركه أو جاحده، إنما الذي لا يعلمه إلا أهل العلم لا يكفر المرء به حتى تقام عليه الحجة المثالية التي يكفر تاركها.
فإذا قال رجل: إن فرعون مسلم، فما بال بقية أركان الإسلام؟ وما بال بقية أحكام الإسلام إن جحدها جاحد؟!
وأطم من ذلك الرجل الذي قال: (إن إبليس هو الذي وحد الله والملائكة أشركوا) وينشر هذا في كتاب فيقول: إن إبليس هو الذي وحد الله، لماذا؟ قال: لأنه أبى أن يسجد إلا لله، لكن الملائكة سجدوا لبشر، والسجود لغير الله شرك.
أرأيتم إلى هذا الكلام!! ينشر فينا هذا الكلام ولا يحاسب فاعله ولا يقتل ردةً!! هذه علة لم يذكرها أحد من العالمين، بل أظهر رب العالمين العلة في عدم سجود إبليس فقال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ [الأعراف:12] لم يقل: أنا الذي وحدتك ولا أسجد إلا لك، وهذه علة مبتكرة، هذا الكفر الذي يظهر الآن ويصادم المعلوم من الدين بالضرورة لهو علامة ضعف! وكيف لا يتجرأ اليهود علينا وقد رأوا مثل هذا في ديارنا، ومن كتَّاب ينتمون إلى الإسلام؟!
إن الذي فعله اليهود برسم النبي صلى الله عليه وسلم على الصورة المشينة التي حدثت قبل ذلك ناجم عن مثل هذا.
لو كنا في أيام الخلافة العثمانية -التي وصفوها بالرجل المريض، لكنها كانت تقض مضاجع الأعداء- ما تجرأ أحد أن يفعل هذا، فهذا كفر مجرد، إنما أغراهم بفعل ذلك أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلم يسب في ديار المسلمين، ورأوا رب العالمين يسبُّ في ديار المسلمين، ومع ذلك لا توجد عقوبة رادعة فأغراهم ذلك ففعلوا الذي فعلوا!!
فضياع موضع الحجة على أمثال هؤلاء نعمة؛ لأنهم إذا علموا موضع الحجة حرفوها، فليسوا أمناء، فإذا حرفوها ضل من ورائهم جيل، فقوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ [النحل:75] أي: الذي أعماهم عن موضع الحجة بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل:75] .
مثل الضال والمهتدي في سورة النحل
هل يستوي هذا مع الطرف الثاني من المثل وهو الذي يأمر بالعدل وهو على صراط المستقيم؟ يا للوضوح! هل يستوي هو ومن يأمر بالعدل؟! ففي الطرف الأول من المثل أربع صفات: أبكم، لا يقدر على شيء، وهو كلٌّ على مولاه، أينما يوجه لا يأت بخير.
أما الطرف الثاني: ففيه من الصفات ما يقابل هذه الأربع وزيادة (هل يستوي هو ومن يأمر) فلا يكون آمراً إلا متكلماً، ولا يكون آمراً إلا إذا كان في جهة عليا وقادر على إمضاء أمره، فهو متكلم في مقابل أبكم لا يقدر على شيء، والآمر يقدر ولو لم يكن يقدر لما كان للأمر معنى، يأمر بالعدل، فلا يستطيع أن يأمر بالعدل إلا إذا كان عالماً بالفرق بين العدل والجور، وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [النحل:76] أي: ليس كهذا الذي أينما توجهه لا يأت بخير؛ لأنه على صراط مستقيم، فالمسألة في غاية الوضوح.
مثال على عجز الكافرين
وهذا المثل الأخير أشد وأنكى، وكل هذه الأمثلة في باب التوحيد؛ ليبين رب العالمين قبح الشرك، وأن الإنسان العاقل إنما يلجأ إلى من يدفع الضر عنه ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ [الزمر:29] هذا الطرف الأول من المثل وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ [الزمر:29] وهذا الطرف الثاني هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:29] فإن أكفر إنسان على وجه الأرض هو هذا الإنسان، رجل عبد خادم له عشرة من السادة وهم متشاكسون، وكل سيد يريد أن يمضي كلامه على الآخر؛ لتكون له الغلبة، فيقول الأول للعبد: اذهب يميناً، وتجد الثاني المعاند المشاكس يقول له: يا غلام اذهب يساراً، ويقول الثالث: اذهب جنوباً والرابع يقول: اذهب شمالاً .. وهو لا يستطيع أن ينفذ قول واحد منهم، فإذا لم ينفذ قول الآمر ضربه وجره واستخدمه إلى ما يريد، ولكنه لا يستطيع؛ لأن الآخر يجره إلى الجهة المعاكسة، ثم لأنه لا يستطيع أن ينفذ أمر واحد منهم فليس له جميل عند أحد، فإذا طلب شيئاً من أحدهم يقول له: وهل صنعت لي شيئاً؟! أمرتك ولم تفعل! فيول له: إن سيدي فلان أمرني بضد أمرك، وليس لي شأن!
هل يستوي هذا العبد المعذب مع رجل آخر له سيد واحد إذا أمره بأمر ابتدر أمره، فإن فعل المأمور به حفظ له الجميل؟! فهل يستوي هذا مع ذاك؟! هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا [الزمر:29] ؟! الحمد لله لأنه أعمى هؤلاء الضلال عن موضع الحجة مع وضوح المثل.
إن الأمثال تضرب في القرآن لتبيين الفكرة، وتجد المثل في غاية الوضوح، فكذلك ضرب يحيى عليه السلام في باب التوحيد مثلاً، لا أظن أحداً رزقه الله عز وجل شيئاً من العقل لا يميزه، (أمركم أن لا تشركوا به شيئاً، وإن مثل ذلك -مثل من يشرك بالله عز وجل- كمثل رجل) واجعل نفسك في مقام هذا الرجل: جاءك عامل فقلت له: يا غلام هذا محلي .. وهذه الأسعار .. بع وأتني بمحصول المبيعات آخر النهار، فكان الغلام يخرج بحصيلة اليوم ويذهب إلى غيرك ويعطيه الحصيلة، أفليس من الممكن أن يبقى معك يوماً واحداً؟!!
فإذا كنت تأنف أن يكون عبدك يأخذ البيع ويعطيه لغيرك، فصرف العبادة لغير الله وهو الذي يرزقك أشد وأكبر، ولذلك تقدم في سورة النحل: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا [النحل:73] ؛ لأن قضية الرزق هي التي جعلت كثيراً من الناس يترك أمر الله، فكثير من الذين خالفوا الأوامر خالفوها بحجة الرزق والبحث عن الرزق وأكل الأولاد، فلذلك ضرب المثل ونص على الرزق نصاً.
فإذا كان الله عز وجل هو المتفرد بذلك فكيف خلطت ماله بغيره؟!! وأنت تستنكف أن يكون هذا من عبدك، وكلاكما عبد (وإن الله خلقكم ورزقكم فلا تشركوا به شيئاً) .
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
العبادات على قسمين: قسم يسميه العلماء معقول المعنى، والقسم الآخر: غير معقول المعنى، ومعقول المعنى: هو ما ثبتت منه الحكمة من تشريعه، وغير معقول المعنى: هو ما لم يُعقل الحكمة من تشريعه.
وهذا النمط الثاني يبتلى به المؤمنون، فمن آمن سلم، كما روى مسلم في صحيحه عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: (أتانا بعض عمومتي فقال: نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء كان لنا نافعاً وهو -ابتغاء الأجر- وطاعة الله ورسوله أنفع) نهانا عن شراء الأرض، وقد كانت تجلب المال، لكن طاعة الله ورسوله أنفع، هذا هو التسليم الذي كان يتميز به دين الصحابة فلا إنكار ولا اعتراض؟
فهذا النمط الثاني الغير معقول المعنى، لا يسعك فيه إلا الاتباع؛ لأنه لم تظهر الحكمة منه، وهذا مثل الحديث الشهير وهو في الصحيح: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قبَّل الحجر الأسود قال: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تنفع ولا تضر، ولكن لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) فكأنما قال: أنا لا أفهم معنى لتقبيل الأحجار، وقد جاء هذا في ديننا، والعرب كانوا يصنعون الأصنام من الحجارة ثم يعبدونها، فكان المناسب أن لا يأتي الأمر بتعظيم أي حجر؛ سداً للذريعة، لكن قبَّل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحجر فنحن نتابعه وإن لم نفهم لهذا التقبيل معنى.
لا يفعل هذا إلا المؤمنون الذين إذا علموا وتيقنوا أن هذا من عند الله أو أن هذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بادروا إلى العمل به، ولم يعترضوا على الله ورسوله، كأن يقولوا: يا رب! لم فعلت هذا، فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:74] .
ثم ضرب رب العالمين مثلين، كأنما قيل: لا تضربوا لله الأمثال، فإنكم لا تعلمون حقيقة ضرب المثل، وإن أردتم أن تتعلموا فسأضرب لكم مثلين، ثم ذكر الله عز وجل مثلين بعد ذلك.