خطب ومحاضرات
/home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 55
/audio/452"> الشيخ أبو إسحاق الحويني . /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
Warning: Trying to access array offset on value of type null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 58
/audio/452?sub=36178"> خطب ومحاضرات عامة
Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 70
الأمثال في الكتاب والسنة[2]
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله تعالى نحمده، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أمرنا الله عز وجل أن ندعوه أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، ولا يكون مستقيماً إلا إذا كان أقصر الطرق، ولا يكون مستقيماً إلا إذا قربك من المقصود، ولا يكون مستقيماً إلا إذا وسع كل السالكين فيه… كل هذه من خصائص الصراط المستقيم.
وفي هذا ردٌ على الذين يقولون: إن الطرق إلى الله بعدد أنفاس البشر! فنقول لهم: كذبتم؛ لأن الطريق إلى الله واحد، وما ذُكِرَ السبيل ولا الصراط المستقيم إلا مفرداً؛ إنما طرق الذين ضلوا تذكر بالجمع، كما قال الله عز وجل: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ [الأنعام:153].
فليس هناك طريق إلى الله إلا خلف النبي عليه الصلاة والسلام فقط، لو سلكوا إليه كل طريق، واستفتحوا كل بابٍ فهو موصد، إلا أن يأتوا خلف النبي عليه الصلاة والسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وخير الهدي هدي محمد) عليه الصلاة والسلام.
إذاً: الطريق إلى الله واحد لا يتعدد.
إن الصوفية الذين لهم عدة طرق، ويبتكرون عدة مناهج يظنون أنها توصل العبد إلى الله، كذبوا على عباد الله، وضلوا الوصول إلى الله، الطريق واحد فقط ليس له ثان، وهو الذي أمرنا أن ندعو به.
السالكون للصراط المستقيم أقل عدداً وأعظم قدراً
الذين يسلكون الصراط المستقيم هم الأعلون قدراً وإن كانوا الأقلين عدداً، الذين يسلكون هذا الطريق هم الأعظمون قدراً وإن كانوا الأقلين عدداً.
من الذين سلكوا هذا الطريق؟ إنهم المذكورون في قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69].
وأنت قد لا تكون واحداً من هؤلاء؛ لكنك رفيق، (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) ، لست على قدرهم لا في العلم ولا في الإيمان؛ لكن طالما كنت رفيقاً فلن تشقى بهم، لن تشقى معهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المرء مع من أحب) ، قال أنس بن مالك -راوي هذا الحديث في الصحيحين-: (فما فرحنا بعد الإسلام كفرحنا بهذا الحديث، ثم قال: وأنا أحب أبا بكر وعمر وإن لم أعمل بأعمالهم) فهو يرجو أن يكون معهم في المنزلة بحبه لا بعمله.
فالطريق المستقيم إذا مشيت فيه ولم تجد أحداً، فعليك أن تتذكر هؤلاء الرفقاء: النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؛ حتى تعطي نفسك عزماً جديداً.
ولله در الإمام أحمد ..! كان يقول: (عليك بهدي -أو بسنن- من مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة).
رفيقك السابق مات وترك آثاراً صالحةً لم تمح، لا بارتداد ولا بترك التزام ولا بتفسخ.. مات وهو ملتزم.
إذاً: أنت حين تعرف أن رفيقك السابق مضى إلى الله عز وجل على هذا الطريق فإن هذا يعطيك عزماً جديداً على أن تمضي قدماً على هذا الطريق.
إن هذا الصراط المستقيم عزيز سالكه؛ ولذلك لو سلكته وتلفتَّ حولك، فلن تجد فيه إلا الواحد بعد الواحد، والنفس تستوحش من قلة الناس، وتأنس بالكثرة، فإذا سلك هذا الطريق رجلٌ لم يتحقق بالعلم والإيمان، ونظر فلم يجد أحداً حوله فقد يستوحش، وقد يصده ذلك عن المضي قُدُماً إلى آخر الطريق؛ فلذلك قال من قال من السلف: (عليك بطريق الحق وإن كنت وحدك، ولا تستوحش بقلة السالكين، ولا تسلك طرق الباطل، ولا تغتر بكثرة الهالكين).
الذين يسلكون الصراط المستقيم هم الأعلون قدراً وإن كانوا الأقلين عدداً، الذين يسلكون هذا الطريق هم الأعظمون قدراً وإن كانوا الأقلين عدداً.
من الذين سلكوا هذا الطريق؟ إنهم المذكورون في قوله تعالى: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69].
وأنت قد لا تكون واحداً من هؤلاء؛ لكنك رفيق، (هم القوم لا يشقى بهم جليسهم) ، لست على قدرهم لا في العلم ولا في الإيمان؛ لكن طالما كنت رفيقاً فلن تشقى بهم، لن تشقى معهم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (المرء مع من أحب) ، قال أنس بن مالك -راوي هذا الحديث في الصحيحين-: (فما فرحنا بعد الإسلام كفرحنا بهذا الحديث، ثم قال: وأنا أحب أبا بكر وعمر وإن لم أعمل بأعمالهم) فهو يرجو أن يكون معهم في المنزلة بحبه لا بعمله.
فالطريق المستقيم إذا مشيت فيه ولم تجد أحداً، فعليك أن تتذكر هؤلاء الرفقاء: النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؛ حتى تعطي نفسك عزماً جديداً.
ولله در الإمام أحمد ..! كان يقول: (عليك بهدي -أو بسنن- من مات؛ فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة).
رفيقك السابق مات وترك آثاراً صالحةً لم تمح، لا بارتداد ولا بترك التزام ولا بتفسخ.. مات وهو ملتزم.
إذاً: أنت حين تعرف أن رفيقك السابق مضى إلى الله عز وجل على هذا الطريق فإن هذا يعطيك عزماً جديداً على أن تمضي قدماً على هذا الطريق.
قال الله عز وجل: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7].
سورة الفاتحة هي أم القرآن، (أم القرآن) بمعنى أن: كل المعاني التي وردت في القرآن هي في هذه السورة..
وإذا قلت: القرآن من أول البقرة إلى سورة الناس كلام كثير، وسورة الفاتحة سبع آيات؛ فكيف تشتمل على كل المعاني؟! فإن أئمة العلم يجيبون ويقولون: إن أم القرآن، ذكرت المعاني مجملة، والقرآن فصل معانيها.
لكن ذكر الصراط وضحهُ الله وبينه مباشرة في هذه السورة (الفاتحة)، بينه مباشرةً في سياق السورة، نحن للتو في بداية المصحف: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، فربنا سبحانه وتعالى عرفك أن الناس جميعاً لا يسلكون إلا ثلاث طرق لا رابع لها : اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ [الفاتحة:6-7].
(اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم) هو الطريق الأول.
(صراط الذين غضب الله عليهم).. هو الطريق الثاني.
(صراط الضالين) هو الطريق الثالث.
والناس أمام الحق قسمان: عالم به، وجاهل.
والعالمون بالحق قسمان: عالمٌ عامل، وعالم جاحد، علم فعمل، أو علم فجحد:
علم فعمل: هم هؤلاء الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ .
علم فجحد هم هؤلاء الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ .
والقسم الثاني: الجاهلون، وهم الضالون.
إذاً الطرق ثلاث.
لكن أول طريق -وهو الصراط المستقيم- ميزه الله عز وجل بميزة لم تذكر في الطريقين الآخرين، وهي ميزة الإضافة إلى نفسه تبارك وتعالى، وأنت تعلم أن المضاف إلى عظيم يكون عظيماً؛ ولذلك نقول: الكعبة بيت الله، وشرع الله لنا أن نقول: ورب البيت، فأخذ البيت عظمة بإضافته إلى الرب، وأخذت النار عظمة وشدة بإضافتها إلى الرب: (نار الله).
وأنت ترى في الدنيا: أي أرض فضاء، أحدهم يقول: أنا أريد أن أضع يدي على هذه الأرض وأبني بيتاً.. تقول له: إياك! لأن هذه أرض العمدة!
فتأخذ الأرض قيمة ومهابة بإضافتها إلى العمدة، الذي هو رجل معه الشوكة والسلطان.
لكن لو كانت أرض إنسان صعلوك وجاء هذا ليبني.. تقول له: لا تبن، يقول لك: يا أخي هذه أرض فلان!
فأخذت الأرض حقارة بإضافتها إلى هذا الإنسان الذي لا يملك حولاً ولا طولاً، وأخذت الأرض قيمة ومهابة وعظمة حين أضيفت إلى رجلٍ له شوكةٌ وسلطان.
فإضافة الطريق إلى الله فيه شرف، وإهمال الإضافة في الطريق الثاني والثالث فيه تحقير وإهانة.. هذا أولاً.
ثانياً: أن النعمة من باب الإحسان، والانتقام والغضب من باب العدل، فنسب الله عز وجل نفسه إلى الأكمل والأحسن: (إن رحمتي تغلب غضبي).
ولذلك أنت تجد هذا واضحاً في قوله تعالى على لسان الجن: وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا [الجن:10] مع أن كل شيء في الأرض بقدر الله، فالشر مقدور له تبارك وتعالى وإن كان ليس إليه، أي: لا ينسب إليه.
وقد قال إبراهيم الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ [الشعراء:78-80]، ولم يقل: (والذي أمرضني) مع أن المرض من الله، لكنه -تأدباً مع الله- نسب المرض إلى نفسه كأنه هو الذي أمرض نفسه، فهو حين ذكر النعم والإحسان نسبه إلى الله، وحين ذكر العيب نسبه لنفسه.
والعبد الصالح (الخضر) حين أقام الجدار قال: وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الكهف:82]، ولما خرق السفينة قال: فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا [الكهف:79]، مع أنه قال بعد هذا وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي يعني: هو الذي قال لي: اخرق السفينة، ومع ذلك قال: أنا الذي أردت أن أعيبها، فنسب الفضل والخير إلى الله عز وجل، ونسب العيب إلى نفسه.
يقول الله: أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7] لأن هذا داخل في باب الإحسان، والإحسان من كمال أفعال الله عز وجل، والغضب والانتقام من العدل، فنسب نفسه إلى أكمل الأمرين: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ [الفاتحة:7].
إن قوله تعالى: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] دعاء؛ فلكي يكون دعاؤك مستجاباً: اقرأ الآيات التي قبلها في سورة الفاتحة، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ *إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:2-5].
وهذا يوضحه حديث أبي هريرة - الذي رواه مسلم في صحيحه، وانفرد به عن البخاري - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: إني قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين -الصلاة هي الفاتحة- ولعبدي ما سأل؛ فإن قال: (الحمد لله رب العالمين)، قال الله: حمدني عبدي. (الرحمن الرحيم)، قال الله: أثنى عليّ عبدي. (مالك يوم الدين)، قال الله: مجدني عبدي. (إياك نعبد وإياك نستعين) قال الله: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين .... ولا الضالين) قال الله: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل) .
(حمدني عبدي، أثنى عليّ عبدي، مجدني عبدي) كل هذا ثناء.
إذاً قبل أن تدعو ينبغي أن تثني على الله بما هو أهله.
وأي إنسان يدخل على ملك من الملوك يخاطبه أولاً بقوله: يا أيها الملك المعظم الكريم، الذي عم كرمه الجميع وفعلت وفعلتَ، ويثني عليك الناس... إلخ، فهو بهذا فخمه وعظمه من أجل نفسه.
فمن الغيب في حقه ألا يعطيك شيئاً، وثناؤك عليه كتبت يغريه على العطاء.
لكن إذا دخلت وقلت له: عمالك في الأرض مفسدون، وكذا وكذا، وتعمل كذا، وأنت نائم على آذانك، ونريد العدل ونريد الحقوق، وجئتك في رفع مظلمة، وفعل عاملك كذا وكذا، ولابد أن تفعل... إلخ، يقول: خذوه إلى الحبس.. لماذا؟ لأنه لم يسلك الطريق الصحيح.
(قمن أن يستجاب لك إذا أثنيت)؛ لذلك قبل أن تقول: اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6]، أثن على ربك: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ *الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة:2-3].
وانظر إلى كلمة (الرحمن الرحيم) هذه، رحمته سبحانه وتعالى تقتضي أنه لا يترك عباده هملاً لا يدلهم على ما ينفعهم، وإن رحمته بإرسال الرسل أعظم -كما قال بعض العلماء- من الرحمة الشاملة العامة التي هي مثل كلأ الدواب وطعام البهائم.. إلخ.
فأنت تقدمُ بين يدي دعائك ثناءً على الله، كما في الحديث الصحيح عند الترمذي : (أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يدعو، ويقول: اللهم إني أسألك بأنك الله الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لقد دعا الله باسمه الأعظم، الذي ما سأل به أحدٌ إلا أجيب) ، فهذا كله ثناء على الله عز وجل، قدمه هذا الرجل بين يدي دعائه.
إن الصراط المستقيم هو غاية المطلوب من إنزال الكتب وإرسال الرسل، وإنما بعث الله الرسل وأنزل الكتب ليسلك الناس هذا الصراط المستقيم.
هذا الصراط كيف شكله ووصفه؟
الرسول عليه الصلاة والسلام وضح لنا في حديثه شكل الصراط، فقال: (ضرب الله مثلاً صراطاً مستقيماً) تخيل الطريق: هذا الصراط المستقيم، سنقول: الصراط المستقيم بعرض هذا المسجد، وهذا طوله.
(وعلى جنبي الصراط سوران): هذا الجدار سور، وهذا الجدار سور.
(وفي السور أبواب): هذه الشبابيك سنعتبرها أبواباً.
(وعلى الأبواب ستورٌ مرخاة): كالستائر التي توضع على الشبابيك، فعلى كل باب ستار.
فربما يقول إنسان: لماذا ستائر؟! لماذا لم يقفل نهائياً؟! نقول: هذا من تمام البلاء؛ لأن الواحد لو حاول فتحها بيده فسيفتحها، وذلك: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا [الملك:2] إذا أغلقت بقفل يجوز أن الضعيف المجرم لا يستطيع أن يفتحه، فيصده ضعفه أن يلجه، والحياة هذه هي حياة اختبار، والله يعطي لكل إنسان الحرية ويقول له: اعمل.
فإذاً: كلمة (ستور مرخاة) دلالة على أن الإنسان يمكن له أن يلج المحارم ببساطة وسهولة، ما يصده عن ذلك إلا دينه وتقواه، وهذا من التشبيه الجميل: (على الأبواب ستورٌ مرخاة).
الناس يمشون على طول الصراط، فهل يعرفون ما هذه الأبواب؟ نقول: نعم، لقد أوقف داع على أول الصراط -وليس في وسطه، لئلا تكون لأحد حجة، فيقول: أنا لم أدر، ولم يقل لي أحد-
يقول هذا الدعي: (يا أيها الإنسان -ويشير إلى كل باب من هذه الأبواب- هذا من محارم الله، لا تفتحه، فإنك إن فتحته تلجه).
كما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ويحك! لا تفتحه، فإنك إن فتحته تلجه).
(وفوق الصراط داعٍ آخر) كان الداعي الأول في أول الصراط، وهناك داعٍ آخر في أعلى الصراط، فوقه لا في آخره.
و(فوق) هذه لها معنى جميل غاية في الجمال، (فوق الصراط داعٍ آخر) الكلام مجمل؛ فقام الرسول عليه الصلاة والسلام يضرب مثلاً لكي يوضح المسألة فقال: (الصراط هو الإسلام) ، ألسنا نقول: المثل كله بيان، من باب المبيَّن.
(الصراط: هو الإسلام، والسوران: حدود الله) فهذه حدود الله كلها.
(والأبواب: محارم الله.) ولو فتحت الباب وذهبت خلف السور ستذهب إلى أين؟ انظر إلى المشكلة! أنت لو فتحت من هنا فستنزل مباشرةً.
انظر.. (والأبواب: محارم الله) أنت تعلم أن هذا فيه تفسير لحديث النعمان بن بشير : (الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمورٌ مشتبهات) .
هذا المسجد أليس ثلاث مناطق: هذا الحلال، وهذا الحرام، وهنا الشبهة.
وهي ثلاث مناطق: هذه المنطقة الأولى، وهذه المنطقة المنزوعة السلاح، وهذه المنطقة الثالثة.
لو أن أحداً قعد في هذه المنطقة لا يعدوها أبداً، فهل من الممكن أن يصل إلى الحرام؟! مستحيل، كيف يصل؟! أما إذا قفز من فوق السور، ودخل إلى هنا -في منطقة الشبهة- فإنه يمكن أن يدخل الحرام؛ بأن يظل ينط وينط حتى يتجاوز السور فيدخل الحرام.
إذاً: أنت كي تظل في الحلال، ولا تصل إلى الحرام في حياتك كلها، لابد أن تبتعد عن الشبهات: (فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه ولعرضه).
إنسان عطشان يكاد يموت من العطش، وجد خمارة، فدخل إليها، وشرب ماء وخرج، ورأيناه، سنقول عليه: خمورجي، وسنقول: انظروا إلى هذا الرجل الفاسد الفاسق الذي كان للتو يشرب خمراً؛ مع أننا لم نره، لكن هذه شبهة؛ فلم دخل فيها؟!
فأنت إذا ابتعدت عن الشبهة، فمن المستحيل أن تقع في الحرام، وستستفيد شيئاً آخر، وهو أن عرضك يظل موفوراً كريماً لا يثلم.
إذاً: حديث النعمان بن بشير فيه توضيح لهذه الجزئية.
هذان السوران: حدود الله، وهذه الأبواب: محارم الله، فمن يدخل من الباب ينفذ إلى خارج السور، ومن وقع في الشبهة، فقد يظل ينحرف حتى يقع في الحرام. (والداعي على أول الصراط: كتاب الله -فيه كل شيء- والداعي فوق الصراط: هو داعي الله عز وجل في نفس كل مسلم) الوازع .. الضمير .. التقوى في قلبك.
وانظر إلى عظمة هذا الداعي..! ولذلك كان من فوق.. لماذا؟ لأن نداءه علوي يتنزل على القلب، وكل ما يصدر عن العبد إنما هو انفعال لهذا القلب.
الوازع هذا هو التقوى، وقد يقرأ الإنسان آيةً من كتاب الله فلا تؤثر فيه؛ لكن إذا كان عنده وازع من ضمير استفاد بكتاب الله.
لا يستفيد بكتاب الله إلا الأخيار أصحاب القلوب الطاهرة، وكأن القلب هذا مظلة والقرآن تحتها، لا يستفيد المرء بالقرآن إلا إذا كان صاحب قلبٍ نقي.
الصراط: هو الإسلام.
إذاً: أي إنسان يسلك طريقاً غير الإسلام، فإنه قد سلك غير الطريق المستقيم.
يدخل المرء في الإسلام إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وأقام الصلاة، وآتى الزكاة، وصام رمضان، وحج البيت.
بعض الناس يظن أنه لو قال الشهادة فقط يكون تم إسلامه، نعم تم إسلامه بمعنى أنه سيحفظ ماله ويحفظ دمه في الدنيا فقط، لكننا نتكلم الآن عن الإسلام الذي يوصل إلى الله.
فأهل البدع لم يسلموا لله.
ولا يفهم إنسان أنني حين أقول: إنه ليس مسلماً، أنه كفر.. لا، أنا قلت: إنه لم يسلم الإسلام هو الموصل إلى الله.
هو قد أسلم، وصان دمه وماله في الدنيا، لكن أهل البدع عن الصراط ناكبون.. لماذا؟ لأننا قلنا: الطريق إلى الله طريقٌ واحد فقط.
الأولاد وتنشئتهم على الإسلام
تربية الولد لا تبدأ بعد أن يطر شاربه ويصير ثخيناً يفتله ويبرمه.. بل تبتدئ التربية من وقت وضع النطفة، وكلما ضربت الجذور إلى أسفل كانت الصلابة أقوى.
مثلما يقول العلماء: التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.
النقش على الحجر لا يذهب ولا يزول؛ بسبب أن الابتداء مبكر.
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلينُ إذا قومته الخشب
الغصن الصغير هذا إذا أردت أن تعدله يعتدل، وأنت ترى الشجرة التي أنت زرعتها أمام بيتك، وهي لا تزال عوداً، وإذا طلعت مائلة، تقوم أنت فتشدها وتربطها بحبل لكي تطلع مستقيمة، لكن دعها إلى أن تثخن وتغلظ، ثم ائت بجرار زراعي وجنزير وشدها، وسيقال لك: هل أنت تريد أن تخلعها أو ماذا؟ تقول: أنا أريد فقط أن أعدلها؛ فيضحكون عليك.. لماذا يضحكون؟ لأنه لا يمكن أن تعتدل الشجرة أبداً..!
تركها حتى صارت ثخينة جداً ويريد أن يعدلها؟! لا يمكن ذلك:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب
إذاً: إذا أردت أن تكون الصفة أثبت، فلابد أن تبتدئ من الصغر.
وأذكر مرة أن بعض علماء العربية سئل عن مسألة دقيقة جداً في العربية -والسائل أيضاً من العلماء- فظن السائل أن الشيخ سيقول له كلمة واحدة فحسب، وإذا بهذا العالم ينفتح، ما انتهى من الكلام، وقعد يجول يميناً وشمالاً، والسائل منبهر.
أنت تعلم أن الكافيجي أحد مشايخ السيوطي ، يقول عنه السيوطي : ما دخلت عليه مرة إلا استفدت منه... سمي الكافيجي لأنه كان يحفظ كافية ابن الحاجب، فمرة دخل السيوطي عليه فقال له: أعرب: زيدٌ قـائم.
فـالسيوطي قال: يا أستاذ أنت رجعتنا إلى أيام الكتاتيب.. (زيد قائم)؟! هذه أي طفل صغير يعربها، قال له: فيها مائة وسبعة عشر وجهاً..! فقال: لا أقوم حتى تمليها عليّ.
فهذا العالم -مثل الكافيجي - انفتح ولم ينته من الكلام، فتعجب منه السائل وقال له: قل لي كيف حصلت هذا العلم!
هكذا العلماء لطاف ظراف خفاف، إجابتهم حلوة تحتاج إلى إنسان ذكي، إنما الغبي هو الذي لا يفهم شيئاً أبداً.
أنت حصلت هذا العلم من أين؟ قل لي كيف ومن أين أتيت به بالضبط.
فقال له:
تعلقت ليلى وهي بعد صغيرةٌ ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا صغيران لم نكبر ولم تكبر البهم
هل فهمتم؟ إذالم تفهموا فهذه مشكلة كبيرة! فإن إجابته من أعذب الإجابات.
(تعلقتُ ليلى ): أي أحببتها، وأخذت علقة قلبي.. أنت تعلم حين يكون الواحد جائعاً جداً جداً، يقول: أنا عليقة قلبي ستسقط.. فهذه العليقة هي التي تحمل القلب في الصدر.
(تعلقت ليلى وهي بعد صغيرةٌ): أحببتها وهي صغيرة جداً.
(ولم يبد للأتراب من ثديها حجم): يريد أنه لم يكن لها ثدي.
(صغيرين): تعلقتها ونحن صغيران.
(نرعى البهم): البهم: صغار الماعز والضأن والوحوش والبهائم.
وفي حديث أنس يقول: (كنا نأوي -أي: نشفق- على النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد باعد ما بين منكبيه، حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر من تحته لمرت).
إياك أن تقول: البهمة هي هنا الجاموسة الكبيرة!! فإن (البهمة) هنا هي صغار الوحوش وصغار الحيوانات، كعنزة صغيرة لو أرادت أن تمشي من تحت يده لمرت.
(صغيرين): أي كنا نأخذ راحتنا، لكن أنا أول ما بلغت وهي بلغت حجبوها عني، إذاً يا ليتنا نرجع صغيرين مرة أخرى.. هذا معنى البيتين.
ويقصد العالم -حين تمثل بهما- أنه درس العربية وهو صغيرٌ جداً، ولهذا انطلق في الجواب عن هذه الجزئية الصغيرة، وتعلق بالعربية مثلما تعلق هذا الرجل بـليلى لما كانت صغيرة.
إذاً دائماً الإنسان حين يتعلم وهو صغير يصل إلى دقائق العلم.
وأنت حين تكون غواصاً شابّاً؛ تستطيع أن تصل بقوتك وفتوتك إلى قاع البحر؛ لكن حين يريد شخص آخر -وهو عجوز- أن يصل إلى قاع البحر، فسيغرق، وسيقول: أنقذوني..! لا حول له ولا قوة ولا طول..!
إذاً: نفهم من هذا أن التعلم -سواء كان تعلم الإيمان أو تعلم العلم- إنما ينبغي أن يكون في مرحلة البداية من حياة الإنسان.
إذاً: الاستقامة على الطريق تستلزم إيماناً وعلماً، فابنك حين يفتح عينيه على الصراط المستقيم -الذي هو الإسلام- ويفهم معنى كلمة (إسلام)؛ فسيصل.
معنى الإسلام
لأن هناك جماعة من إخواننا يظنون أن إعفاء اللحية اسمه التزام.. لا، هذا من الالتزام.
يقول أحدهم: أنا من يوم ما التزمت... يقصد: من يوم ما التحيت.
وليس مقصودي التصغير من شأن اللحية.. لا، اللحية واجبة، وحلقها حرام؛ لكن ليست هي كل الالتزام، إنما هي من الالتزام، إنما الالتزام معناه: ألا تحيد عن أوامر الله وألا تدخل في نواهيه: إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [البقرة:131]، وقال تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا [هود:112].
مناقضة البدع للصراط المستقيم
ولله در سفيان الثوري أمير المؤمنين في الحديث، وشيخ الفقهاء، وسيد الزهاد والورعين في عصره .. كان رحمه الله يقول: ( إن استطعت أن لا تحك رأسك إلا بأثر فافعل ).
إن أحببت أن تحك رأسك فحبذا لو كان معك دليل الحك، يا ليتك تحك جسمك بدليل.
والآن تجد من يعقد الصفقة بدون دليل، ويضع ماله في البنك بدون دليل، ويرتكب الموبقات بدون دليل، فإذا وقعت الواقعة قال: يا أيها المفتي! النجدة...!
شخص أتى يقول لي: اشتغلت في المكان الفلاني، وحصّلت أموال اختلاسات -ثلاثين أو أربعين ألف جنيه- بدأت أشتغل، كنت أعمل سبع عشرة ساعة في اليوم، جمعت هذا المال إلى أن أصبح كالهرم، اشتريت بيتاً، واشتريت أرضاً، وأكلت أنا وأولادي...إلخ، وفي يومٍ من الأيام اشتكى بعلةٍ، فذهب إلى الطبيب، فإذا هو مريض بداء عضال.. فلما رأى خاتمته اقتربت، هرع إلى العلماء الذين اتخذهم وراءه ظهرياً طيلة عمره، يقول: أنا اقتربت من الموت، انظر لي حلاً ..! تقول له: ليس عندي حل، فيقول لك: (أبوس رجليك..! شف لي حلاً..!) لن أخرج من هنا حتى تأتيني بحل.
- أنت يا أخي ستتعبني معك.
- لماذا؟
- أأنا آخذ نارها وأنت تأخذ حلاوتها..؟!
لا، هو يريد حلاً الآن الآن..!
تقول له: اخرج من البيت.
يقول لك: هل أقعد على الرصيف؟!
حسناً: اترك الأملاك وتب.
يقول لك: ماذا أفعل؟! أنا تورطت وكتبت هذه الأملاك بأسماء أولادي في الشهر العقاري، وسجلت البيت، ولو قلت لأولادي: تعالوا نرجع في البيع الآن، فلن يوافقوني.. ماذا أعمل؟!
انظر أين السبب.. فهاهو سفيان الثوري رحمه الله يقول لك شيئاً ما قد تضحك منه: (إن استطعت ألا تحك رأسك إلا بأثر فافعل).
يا أخي: أنت حين تكون تاجراً كبيراً، فإنك تتخذ لك مستشاراً قانونياً براتب شهري تستشيره، وتتخذ محامياً من أجل أن يسلك لك السكك .. شخص رفع لك قضية .. وشخص زور لك البضاعة.. وكل هؤلاء تدفع لهم مالاً، وحين يقسو قلبك، فإنك لم تفكر أن تستشير عالماً مجاناً: ترفع سماعة التلفون، تقول: أنا والله قسا قلبي وضاقت مذاهبي، فماذا أفعل؟
لا يخطر على باله أن يفعلها، مع أن سؤال العالم مجان!
من تمام الصراط المستقيم: ألا تبتدع، أصحاب البدع ناكبون عن الصراط المستقيم؛ لأن الطريق إلى الله واحد، وهو خلف النبي عليه الصلاة والسلام: (خير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم) .
ومن أجل هذا نحن نوصي الآباء دائماً: أن يهتموا بأولادهم من وقت وضع النطفة؛ فمن كان يريد ولداً صالحاً فليسم على نطفته.
تربية الولد لا تبدأ بعد أن يطر شاربه ويصير ثخيناً يفتله ويبرمه.. بل تبتدئ التربية من وقت وضع النطفة، وكلما ضربت الجذور إلى أسفل كانت الصلابة أقوى.
مثلما يقول العلماء: التعلم في الصغر كالنقش على الحجر.
النقش على الحجر لا يذهب ولا يزول؛ بسبب أن الابتداء مبكر.
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلينُ إذا قومته الخشب
الغصن الصغير هذا إذا أردت أن تعدله يعتدل، وأنت ترى الشجرة التي أنت زرعتها أمام بيتك، وهي لا تزال عوداً، وإذا طلعت مائلة، تقوم أنت فتشدها وتربطها بحبل لكي تطلع مستقيمة، لكن دعها إلى أن تثخن وتغلظ، ثم ائت بجرار زراعي وجنزير وشدها، وسيقال لك: هل أنت تريد أن تخلعها أو ماذا؟ تقول: أنا أريد فقط أن أعدلها؛ فيضحكون عليك.. لماذا يضحكون؟ لأنه لا يمكن أن تعتدل الشجرة أبداً..!
تركها حتى صارت ثخينة جداً ويريد أن يعدلها؟! لا يمكن ذلك:
إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا يلين إذا قومته الخشب
إذاً: إذا أردت أن تكون الصفة أثبت، فلابد أن تبتدئ من الصغر.
وأذكر مرة أن بعض علماء العربية سئل عن مسألة دقيقة جداً في العربية -والسائل أيضاً من العلماء- فظن السائل أن الشيخ سيقول له كلمة واحدة فحسب، وإذا بهذا العالم ينفتح، ما انتهى من الكلام، وقعد يجول يميناً وشمالاً، والسائل منبهر.
أنت تعلم أن الكافيجي أحد مشايخ السيوطي ، يقول عنه السيوطي : ما دخلت عليه مرة إلا استفدت منه... سمي الكافيجي لأنه كان يحفظ كافية ابن الحاجب، فمرة دخل السيوطي عليه فقال له: أعرب: زيدٌ قـائم.
فـالسيوطي قال: يا أستاذ أنت رجعتنا إلى أيام الكتاتيب.. (زيد قائم)؟! هذه أي طفل صغير يعربها، قال له: فيها مائة وسبعة عشر وجهاً..! فقال: لا أقوم حتى تمليها عليّ.
فهذا العالم -مثل الكافيجي - انفتح ولم ينته من الكلام، فتعجب منه السائل وقال له: قل لي كيف حصلت هذا العلم!
هكذا العلماء لطاف ظراف خفاف، إجابتهم حلوة تحتاج إلى إنسان ذكي، إنما الغبي هو الذي لا يفهم شيئاً أبداً.
أنت حصلت هذا العلم من أين؟ قل لي كيف ومن أين أتيت به بالضبط.
فقال له:
تعلقت ليلى وهي بعد صغيرةٌ ولم يبد للأتراب من ثديها حجم
صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا صغيران لم نكبر ولم تكبر البهم
هل فهمتم؟ إذالم تفهموا فهذه مشكلة كبيرة! فإن إجابته من أعذب الإجابات.
(تعلقتُ ليلى ): أي أحببتها، وأخذت علقة قلبي.. أنت تعلم حين يكون الواحد جائعاً جداً جداً، يقول: أنا عليقة قلبي ستسقط.. فهذه العليقة هي التي تحمل القلب في الصدر.
(تعلقت ليلى وهي بعد صغيرةٌ): أحببتها وهي صغيرة جداً.
(ولم يبد للأتراب من ثديها حجم): يريد أنه لم يكن لها ثدي.
(صغيرين): تعلقتها ونحن صغيران.
(نرعى البهم): البهم: صغار الماعز والضأن والوحوش والبهائم.
وفي حديث أنس يقول: (كنا نأوي -أي: نشفق- على النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد باعد ما بين منكبيه، حتى لو أن بهمة أرادت أن تمر من تحته لمرت).
إياك أن تقول: البهمة هي هنا الجاموسة الكبيرة!! فإن (البهمة) هنا هي صغار الوحوش وصغار الحيوانات، كعنزة صغيرة لو أرادت أن تمشي من تحت يده لمرت.
(صغيرين): أي كنا نأخذ راحتنا، لكن أنا أول ما بلغت وهي بلغت حجبوها عني، إذاً يا ليتنا نرجع صغيرين مرة أخرى.. هذا معنى البيتين.
ويقصد العالم -حين تمثل بهما- أنه درس العربية وهو صغيرٌ جداً، ولهذا انطلق في الجواب عن هذه الجزئية الصغيرة، وتعلق بالعربية مثلما تعلق هذا الرجل بـليلى لما كانت صغيرة.
إذاً دائماً الإنسان حين يتعلم وهو صغير يصل إلى دقائق العلم.
وأنت حين تكون غواصاً شابّاً؛ تستطيع أن تصل بقوتك وفتوتك إلى قاع البحر؛ لكن حين يريد شخص آخر -وهو عجوز- أن يصل إلى قاع البحر، فسيغرق، وسيقول: أنقذوني..! لا حول له ولا قوة ولا طول..!
إذاً: نفهم من هذا أن التعلم -سواء كان تعلم الإيمان أو تعلم العلم- إنما ينبغي أن يكون في مرحلة البداية من حياة الإنسان.
إذاً: الاستقامة على الطريق تستلزم إيماناً وعلماً، فابنك حين يفتح عينيه على الصراط المستقيم -الذي هو الإسلام- ويفهم معنى كلمة (إسلام)؛ فسيصل.