Warning: Undefined array key "Rowslist" in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

Warning: Attempt to read property "value" on null in /home/islamarchivecc/public_html/templates_c/f800c4caaf1f6345c5d1b344c3f9ad5482181c14_0.file.audio_show.tpl.php on line 73

صلاح الظاهر والباطن[1]


الحلقة مفرغة

كنا ونحن في دمشق حينما نحضر بعض المساجد، وبخاصة المسجد الكبير -مسجد بني أمية- الذي تقام فيه دروس من أنواع مختلفة، ومنها درس في الحديث، وكان يلقيه في شباب حياتي الشيخ/ بدر الدين الحسيني، الذي هو والد الشيخ/ تاج، الذي كان في بعض مراحل الحكومات السورية رئيس جمهوريتها، الشيخ/ تاج هو ابن الشيخ بدر الدين، والشيخ/ بدر الدين الحسيني كان يلقي درسه في الحديث في وسط المسجد، ويعرف هناك في دمشق تحت قبة النسر، هذه القبة أكبر قبة في وسط المسجد في أعلى المسجد، فكانت تقام هناك الحلقة والشيخ يحدث بالحديث، وكان يجري في تحديثه على الطريقة المتبعة عند علماء الحديث قديماً، وهو أن يحدث بالحديث بالسند، إما أن يكون الحديث مما تلقاه عن بعض مشايخه بالسند، وحين ذاك يكون السند أطول من المتن بكثير جداً، ثم لا يستفيد أحد من الحاضرين منه شيئاً مطلقاً، وأحياناً ينقل الحديث مع السند من بعض كتب الأمهات الست وغيرها.

والشاهد: أن الحلقة واسعة جداً، يمكن قطرها أكثر من ستة أمتار في ستة أمتار، فهل يلام هؤلاء حينما يتفرقون هذا التفرق؟ ومدرس الحديث لا يروي لهم مثل هذا الحديث وهو في صحيح مسلم : (ما لي أراكم عزين) والحديث الذي في مسند الإمام أحمد عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله تعالى عنه قال: (كنا إذا سافرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنزلنا منزلاً تفرقنا في الوديان والشعاب، فقال لنا عليه الصلاة والسلام ذات يوم: إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان)، أين يتفرقون؟ هل في المسجد؟ لا. بل في الصحراء في البرية! كل طائفة أو جماعة ينتحون ناحية يتظللون بأشجارها وبسدرها ونحو ذلك، ومع ذلك أنكر ذلك عليهم وقال: (إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان)، قال أبو ثعلبة : (فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلاً اجتمعنا حتى لو جلسنا على بساط لوسعنا) أين هذا؟ في الصحراء، فما بالكم في مجالس العلم.

ولذلك فخلاف السنة تكبير الحلقة، وإنما تصغيرها ما أمكن ذلك، ولذلك فجلوسهم هكذا صفين فقط ويبقى هناك فراغ يمكن إملاؤه هذا خلاف السنة.

فنحن نذكر في هذه المناسبة دائماً وأبداً أن مثل هذا التوجيه من النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذا الاهتمام بتجميع المسلمين في أبدانهم وفي أشخاصهم، لم يكن ذلك من باب الاهتمام بالظاهر فقط دون إصلاح الباطن، ذلك لأنه من المقرر شرعاً أن إصلاح الظاهر يساعد على إصلاح الباطن، وهذا صريح في قوله عليه الصلاة والسلام المعروف: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب).

ونحن نقول بمثل هذه المناسبة: كما أن صلاح الجسم من الناحية المادية والصحة البدنية يتعلق بصلاح القلب وصحته، فإذا كان القلب في جسد صاحبه سليماً، فلا يمكن أن يكون الجسد إلا سليماً، والعكس بالعكس؛ إذا فسد القلب مرض الجسد، هكذا يقول نبينا صلوات الله وسلامه عليه، مذكراً لنا بوجوب الاهتمام في إصلاح الظاهر؛ لأن هذا الإصلاح يكون -أولاً- دليلاً على صلاح الباطن، ثم يكون هناك تعاون بين الظاهر والباطن، وكما أقول دائماً وأبداً: هذا الحديث يعطينا عن خاطرة أو فكرة سبقت في أذهان بعض الفلاسفة قديماً، ولم يستطيعوا حتى اليوم أن يحققوها فعلاً، وهي ما يسمونها بالحركة الدائمة، مثلاً: مجرد أن تضغط زر التيار يستمر مرور التيار إلى ما شاء الله بدون أن ينقطع إلا إذا أحببت، أو سيارة -مثلاً- إذا حركتها تستمر بدون أي قوة! حركة دائمة منها من ذاتها، هذا خيال! لكنه حقيقة فيما يتعلق بصلاح الباطن والظاهر، فصلاح الباطن يؤثر في صلاح الظاهر، وصلاح الظاهر يؤثر في صلاح الباطن، والدليل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الاجتماع في حلقات الذكر -كما قلنا آنفاً- في قوله عليه السلام: (ما لي أراكم عزين) وفي قوله الآخر: (إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان) وأكثر من ذلك قوله عليه السلام حينما كانت تقام الصلاة فلا يكبر حتى يأمر بتسوية الصفوف، ويقول لهم: (لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم) إذاً: الاختلاف في الصفوف يؤدي إلى الاختلاف في القلوب، والاستواء في الصفوف يؤدي إلى استواء القلوب وتحببها وتجمعها ونحو ذلك، لهذا كان عليه الصلاة والسلام يهتم بإصلاح الظاهر وإصلاح البدن، وقديماً قالوا: صلاح الأبدان كصلاح الأديان، فكل منهما مرتبط مع الآخر.

أنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر المسلم الذي أصابه مرض ما أن يتداوى، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (تداووا عباد الله، فإن الله لم ينزل داءً إلا وأنزل له دواء) زاد في حديث آخر: (علمه من علمه وجهله من جهله) فإذاً: يجب العناية بالأمرين معاً، وليس كما يزعم بعض الجهلة: يا أخي! العبرة بما في القلوب، إذا قيل له: لماذا لا تصلي؟ لماذا لا تقوم بواجبك الشرعي؟ يقول لك: العبرة بما في القلوب، أنا والحمد لله لا أضر أحداً، ولا أغش أحداً، ولا، ولا .. إلخ، وهذا كذاب، الشيطان دلس عليه، هو يقول: لا يغش أحداً، وأول من غش هو نفسه؛ لأنه عصى ربه، فكيف يمكن أن يكون سليم القلب وهو لا يطيع الله عز وجل على الأقل فيما فرضه الله عليه.

هذه كلمة بين يدي التضام في حلقات العلم، لابد منها أن تكون على بال منكم، حتى تأتمروا أولاً بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى تتذكروا هذه الحقيقة: أن صلاح الباطن لا يغني عن صلاح الظاهر، صلاح الأبدان لا يغني عن صلاح الأديان، وصلاح الأديان -إذا صح الجمع- لا يغني عن صلاح الأبدان.

السؤال: هل ورد شيء في مسألة الجلوس في وسط الجلسة، الرجل يجلس وسط الجلسة؟

الجواب: نعم، هناك حديث يقول: (ملعون من جلس وسط الجلسة) ولكن والحمد لله هو حديث لا يصح.. هذا أولاً.

ثانياً: لو كان يصح لكان المقصود منه الجلوس وسط الجلسة لقصد لفت أنظار الناس، كأن يقول بلسان الحال: أنا هنا، أما والحديث لم يصح فالحمد لله، وهو من حصة كتابي سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيء في الأمة.

هذه أسئلة ذكرها الإخوة وجمعوها متعلقة ببعض الجماعات وشيء من أحوالهم.

السؤال الأول: ما هو رأي شيخنا حفظه الله تعالى في كتاب حياة الصحابة؟ وبماذا تنصحون قراء هذا الكتاب والمعتنين به والمشتغلين بتداوله؟

مخالفة بعض الجماعات لمبدأ الاجتماع وعدم الفرقة

الجواب: لا إله إلا الله! هذا السؤال يلتقي مع سهرة قريبة جداً قضيناها في مأدبة، لابد أنكم تعرفونها، واستمرت السهرة إلى بعد نصف الليل، وكان فيها من كل الجماعات أو الأحزاب، فمن حزب التحرير، ومن حزب -وإن كانوا هم لا يريدون أن يقولوا: حزب، فلنقل ما يحبون- ومن جماعة الإخوان المسلمين، ومن جماعة التبليغ، كل أولئك كانوا حاضرين في الجلسة، واضطررنا إلى التحدث عن هذه الجماعات وعن بعض هذه الأحزاب، وقلنا كلمة الحق لا نداهن فيها أحداً إن شاء الله: إن هذه الأحزاب أولاً: تخالف مبدءاً إسلامياً مصرحاً به تصريحاً ما بعده تصريح في كتاب الله، ووضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث واحد، وحسبنا الآن أن نذكر بقوله تعالى: وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:31-32] .

مخالفة بعض الجماعات للسنة النبوية

ومضينا في هذا الموضوع وقلنا: إن هذه الجماعات الموجودة الآن بعض أفرادها ينطلقون في تكتلهم، وفي تحزبهم، ليس على علم مطلقاً، على أننا لا نحبذ العلم المطلق، وإنما نحض على العلم المقيد بكتاب الله وبسنة رسول الله، وعلى منهج السلف الصالح، كما جاء في كثير من الآيات والأحاديث، ولا أريد أن أعيد الجلسة التي كانت هناك، فلا بد أن أخانا أبا أحمد عنده شريط في ذلك.

ولكن قدمت يومئذ مثالاً من واقع حياة هذه الجماعة جماعة التبليغ، وكان بجانبي أحدهم من الذين يدل سمتهم وهيئتهم على التمسك بالسنة، فهو تقدم بعد صلاة المغرب بالكلمة التقليدية التي تسمعونها دائماً وأبداً من المقدم لمن سيلقي الدرس بعد الصلاة، يقول: إنما فلاحنا ونجاحنا باتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. أو ما يشبه هذا الكلام، فأنا قلت: ما الذي جعل هؤلاء الإخوان الطيبين التبليغيين يحرصون على هذه الكلمة وهي من إنشاء أحدهم، ويعرضون عن السنة؟ وهنا الشاهد، قلت لهم: فتحنا لكم هذه الجلسة بخطبة الحاجة.. (إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. وكان عليه الصلاة والسلام يزيد عليها في كثير من الأحيان: أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) لماذا أعرض جماعة التبليغ عن افتتاح جلساتهم العلمية بمثل هذه السنة المحمدية؟

ذلك لأنهم لا يدرسون السنة، هم جماعة طيبون يرغبون في التقرب إلى الله، ولذلك يخرجون ذلك الخروج المعهود منهم غير المعهود من -سلفنا الصالح- يخرجون، في ظنهم أنهم يحسنون صنعاً، فقلت للشيخ الذي كان بجانبي: لماذا لا تحيون هذه السنة (ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عملها إلى يوم القيامة، دون أن ينقص من أجورهم شيء)، أنا لا أخص جماعة التبليغ بمخالفتهم هذه للسنة، بل هي مخالفة عامة، فكل الأحزاب وكل الجماعات تخالف هذه السنة، لماذا؟ سبق الجواب: لأنهم لا يدندنون حول دراسة السنة أولاً؛ لأن هذه الدراسة تعلم الناس وتوقظهم من سباتهم ونومهم العميق، ولذلك فكيف يحيون السنة وهم يجهلونها!

ومن فضائل هذا الخطبة كما شرحت هناك، وأوجز هنا ما استطعت إلى ذلك سبيلاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم هذه الخطبة التي تعرف عند العلماء جميعاً بخطبة الحاجة، كان يقدمها بين يدي كل كلمة، محاضرة، أو درس، أو موعظة، أو ما شابه ذلك، وكان يذكر فيها: (خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) ما هو السر في إعراض الجماعات الإسلامية كلها عن هذه الخطبة؟

أسباب مخالفتهم للسنة النبوية

أنا أقول: الأمر يعود لشيئين:

الشيء الأول: أنه يصدق عليهم قوله تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187]، لكن لا أستطيع أن أقول: إنه ما طرق سمع أحدهم مطلقاً، ولا قرأ هذا الحديث في كتاب ما، وهو في صحيح مسلم أصح كتاب بعد كتاب الله، وصحيح البخاري موجود هذا الحديث فيه، فلا أتصور أن أحداً مطلقاً من هؤلاء لا علم عنده بهذا الحديث، إذاً: ما الذي يصرفهم أو يصدهم عن التمسك بهذه السنة؟

أقول: لأنها تخالف منهجهم.. كيف؟

هذا الحديث يؤسس قاعدة لا يتبناها إلا الذين ينتسبون إلى السلف الصالح من أمثالنا، ما هي هذه القاعدة؟ كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فلا تجد الإخوان المسلمين، ولا حزب التحرير، ولا جماعة التبليغ، وإن كان هناك جماعات أخرى في بلاد أخرى، لا تجد منهم أحداً يدندن حول هذه القاعدة: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ولو أنهم اعتادوا إحياء هذه السنة لاستيقظ جماهيرهم من سباتهم، ولقالوا لهم: كيف تواضبون على هذه الخطبة: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ونحن نسمعكم دائماً تقولون: هناك بدعة حسنة، والرسول يرسخ في أذهان أصحابه هذه القاعدة العظيمة الجليلة، وأمرها كما يقول ابن تيمية رحمه في كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، رداً على بعض الناس الذين يقولون: إن هذا العموم غير مقصود: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، يزعم بعض المتأخرين أن هذا العموم المصرح به في هذا الحديث هو من العام المخصوص، ثم يأتون ببعض الأشياء من الروايات منها ما يصح ومنها ما لا يصح، يزعمون أن هذه روايات مخصصة لهذا العموم، ومعنى كلامهم: أن قوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) لا. أي: ليس كل بدعة ضلالة.

يقول ابن تيمية، وهذا الشاهد، وأنا أقرب ذلك بمثل: لا يمكن أن يكون هذا النص من رسول الله من العام المخصوص وهو يكرره دائماً وأبداً على مسامع أصحابه في كل مناسبة يريد أن يتكلم فيها بين أصحابه يقول: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) يستحيل أن يكون هذا من العام المخصوص؛ لأن المفروض على النبي صلى الله عليه وسلم الذي خوطب بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ [المائدة:67]، ربك يعصمك من الناس الذين قد يقصدون القضاء عليك فيحولون -لو وصلوا إلى هدفهم- بينك وبين تبليغ الرسالة وتوضيحها وبيانها.. يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ [المائدة:67] .

ولابد لي من التذكير بأن تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في هذه الآية: بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67].

الذي أمر به يكون على وجهين: تبليغ اللفظ، وتبليغ المعنى.

تبليغ اللفظ يعني: اللفظ القرآني كما أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، فهو مأمور بتبليغه، هذا هو النوع الأول.

الأمر الثاني الذي أمر بتبليغه، معنى هذه الألفاظ لهذه الآيات الكريمات، وهذا هو المقصود من قوله تبارك وتعالى في الآية الأخرى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، هذه الآية غير الآية السابقة، الآية السابقة تعني تبليغ اللفظ وتبليغ المعنى؛ أما هذه الآية الأخرى فإنما تعني: تبليغ المعنى بدليل: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ [النحل:44] أي: القرآن، لماذا؟ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ [النحل:44] أي: بيانه عليه الصلاة والسلام، وهذا لا يحتاج الآن إلى تفصيل كل الأقسام: قوله وفعله وتقريره.

فإذاً: ابن تيمية رحمه الله يقول: استمرار الرسول عليه الصلاة والسلام في تكرار هذه القاعدة: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) على مسامع أصحابه، يستحيل أن يكون من العام المخصوص؛ لأن المفروض عليه ولو مرة واحدة أن يبين -بحكم ما ذكرنا من الآيات- أن هذا النص العام ليس على عمومه وشموله، ولم يفعل ذلك إطلاقاً، بل هو عليه الصلاة والسلام من تمام تبليغه لما أمره الله به كان يؤكد هذه القاعدة العامة فيقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، إلى آخر ما هنالك من أحاديث أخرى، ولسنا أيضاً في صددها.

أما المثال: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)مثاله: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)، لا يمكن أن نقول: ليس كل مسكر خمراً وليس كل خمر حراماً، هذا لا يقوله مسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرر هذه الكلية على مسامع أصحابه، تحذيراً لهم من أن يشربوا مسكراً، أي مسكر كان، سواء سمي خمراً، أو سمي نبيذاً، أو سمي وسكاً، أو (شمبانيا) أو .. أو .. إلخ، كل هذه الأسماء تدل على مسمىً واحد وهو الخمر في اللغة العربية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)، كيف يمكن أن نقول: ليس كل مسكر خمراً؟ وبالتالي كيف يمكن أن نقول: ليس كل بدعة ضلالة، وهو يقول في كل منهما: (كل مسكر خمر) (كل بدعة ضلالة

هذا هو المثال تأكيداً لما سمعتم آنفاً مما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن هذه الكلية التي كان النبي يذكرها دائماً في خطبة الحاجة لا يمكن أن تكون مخصصة.

الآن آتيكم بمثال عكسي، أي: لكلية خصصها الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حتى تعرفوا أن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام جمع فأوعى.. سمعتم: (كل مسكر خمر) (كل بدعة ضلالة) اسمعوا الآن التقييد كيف يكون.. قال: (كلكم يدخل الجنة إلا من أبى)، دخل استثناء هنا، كان يمكنه أن يقول: كل بدعة ضلالة إلا ما كان موافقاً للعبادة أو للحسنة، أو ما شابه ذلك مما تسمعونه من المؤولين إن لم نقل من المعطلين، فقال عليه الصلاة والسلام: (كلكم يدخل الجنة إلا من أبى)، هل يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: كلكم يدخل الجنة ويسكت وهو في نفسه استثناء؟ لا يمكن هذا، فإذاً: كيف يتصور هؤلاء الذين يقولون: كل بدعة ضلالة، هذا ليس على عمومه، معنى ذلك أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما كان في باله إطلاقاً، ولو كان ذلك في باله لكان من الواجب عليه ديانة أن يسارع ولو مرة واحدة إلى التصريح بالاستثناء، كما قال في هذه الكلية الأخيرة: (كلكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟) معقول أن شخصاً يأبى دخول الجنة؟! معقول وليس معقولاً، وتأملوا معي الحديث، فهو كما يقال في لغة العصر الحاضر: يضع النقاط على الحروف.. (قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).

فإذاً: كل كلية تأتي في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن الآيات القرآنية، ولم يأت ما يخصصها، فيجب إبقاؤها على إطلاقها، وبخاصة إذا كانت مثل كلية: (كل بدعة ضلالة) التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكررها على مسامع أصحابه في كل مناسبة.

نعود.. لماذا لا يحافظ جمهور الدعاة الإسلاميين اليوم على هذه الخطبة المباركة التي سماها العلماء بخطبة الحاجة؟ أي: من أراد أن تقضى حاجته العلمية فليقدم بين يدي العلم خطبة الحاجة النبوية، لماذا يعرضون عنها؟ لأنها تخالف منهجهم، فليس من منهجهم ما نهجه الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الخطبة، خطبة الحاجة، وهي ذم عموم البدعة وذلك في الدين والعبادة.

فلذلك قلنا في تلك الجلسة هناك -كما ذكرنا لكم آنفاً- في مأدبة: لا يكفي أن تتحمس كل جماعة وكل حزب لجماعتها، وتنطلق بدون علم وبدون وعي، فننصح هؤلاء الذين يخرجون، وأولئك الذين لا يخرجون ولكنهم يتكتلون، وأولئك الذين يشتغلون دهرهم بالسياسية، وكثير منهم لا يعرفون أن يحجوا وأن يصلوا وأن يصوموا على السنة، نأمرهم جميعاً بأمر الله ورسوله، أن يتعلموا: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] كلا! لا يستوون.

نقد كتاب حياة الصحابة

فعلى هذا نقول: بالنسبة لهذا السؤال: كتاب حياة الصحابة هو دليل لما نقول نحن، فالذي ألف هذا الكتاب ليس فرداً من أفراد جماعة التبليغ، بل إن لم يكن من رءوسهم فهو رأس الرءوس، ألف هذا الكتاب، والجماعة ينطلقون على هداه، ولكن هذا الكتاب جمع ما هب ودب، أي: أولاً: لم يخصص هذا الكتاب لأنْ يذكر فيه ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ككلام غيره من الناس، ولو كانوا أولياء وصالحين.

ثانياً: ذكر روايات كثيرة عن الصحابة رضي الله عنهم، فإذا كانت الأحاديث التي نسبها إلى الرسول فيها أشياء لا تصح نسبتها إلى الرسول عند أهل العلم بطريق معرفة الحديث، ومعرفة الأسانيد، وتراجم رجال الأسانيد ونحو ذلك، فمن باب أولى أن يذكر في هذا الكتاب روايات كثيرة وكثيرة جداً عن الصحابة من أقوالهم، ومن أفعالهم، ومن منهجهم، ومن سلوكهم، وكثيرٌ منها لا يصح.

ويعجبني في هذه المناسبة قول لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذا من نفيس كلامه ودقيق منهجه العلمي، حيث قال ما معناه: إن على كل باحث أن يتثبت فيما يرويه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما يتثبت فيما يرويه عن الله ورسوله. هذه كلمة جماهير العلماء قديماً وليس حديثاً فقط، قديماً وحديثاً قد أخلوا بها، فما تعود إلى كتاب إلا ما ندر جداً، مثل كتاب نيل الأوطار للشوكاني، هذا من الكتب التي نحن نحض طلاب العلم على الاعتناء بدراسته والاستفادة منه، مع ذلك تجده يحشد فيه أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم بمناسبة الكلام مع الآية أو الحديث، لكنه لا يسلك هذا السبيل وهو سبيل التثبت مما ينسب إلى الصحابة، كما يجب التثبت مما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قلَّ من يفعل هذا! ومن هنا يصيب المجتمع الإسلامي شيء من الانحراف، لماذا؟ وهذه نقطة في الحقيقة مهمة جداً.

نحن قلنا دائماً وأبداً: إن منهجنا كتاب الله وسنة رسول الله، وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح، لا يكفي اليوم أبداً أن ندعو الناس إلى الكتاب والسنة فقط؛ لأنك لن تجد في كل هذه الجماعات المختلفة حديثاً وقديماً، لن تجد جماعة منهم ولو كانوا من المرجئة أو كانوا من المعتزلة يقولون: نحن لسنا على الكتاب والسنة، كلهم يقولون هكذا، إذاً: ما الفارق بين هذه الجماعات التي كلها تقول، وهي صادقة فيما تقول، لا نستطيع أن نتهمها فيما تقول، تقول: نحن على الكتاب والسنة، لكنها غير صادقة في تطبيقهما على ما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم.

من هنا نقول: لابد من معرفة ما كان عليه السلف لنستعين به على فهم الكتاب والسنة، فإذا جاءتنا رواية عن بعض الصحابة وهي غير صحيحة، وأخذنا بها على أساس أنها بيان للكتاب والسنة، انحرفنا كما لو أخذنا بحديث ضعيف أو موضوع، لهذا ابن تيمية يقول: يجب التثبت فيما نرويه عن الصحابة كما نتثبت فيما نرويه عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

هذا الكتاب كتاب حياة الصحابة خالف هذا النهج العلمي، فهو جمع ما هب ودب، وأنا أضرب لكم مثلاً مجملاً: هو ينقل مثلاً حديثاً عن كتاب مجمع الزوائد، يقول: رواه أحمد والطبراني، وقال في مجمع الزوائد : رجاله ثقات.

الذين يتداولون هذا الكتاب عندما يقرءون: قال في مجمع الزوائد : رجاله ثقات، ما الذي يفهمون منه؟ كما يقولون عندنا في بعض الأعراف في سوريا : (خش حديث) ما دام رجاله ثقات صار حديثاً ثابتاً، لا. عند أهل العلم أي حديث يقول فيه أحد المحدثين: رجاله ثقات، فلا يعني هذا المحدث أنه حديث صحيح، بل أي حديث يقول فيه مؤلف الكتاب: رجاله رجال الصحيح فلا يعني أنه صحيح؛ وهذا أشد إيهاماً لصحة الحديث من قوله الأول، فإذا قال: رجاله ثقات، قد يتوهم بعض الناس أنه صحيح، لكن الإيهام بالتعبير الثاني: رجاله رجال الصحيح، أكثر، مع ذلك لا هذا ولا هذا في علم الحديث يعني صحة الحديث.

إذاً: كان ينبغي على مؤلف هذا الكتاب أن يختار، لا نقول: أن يصحح كل هذه الروايات ويدقق القول فيها؛ لأنه في الحقيقة -أنا أعتقد- لو أراد رجل عالم متثبت أن يصحح وأن يضعف وأن يؤلف كتاباً مثل كتاب الصحابة لأخذ منه سنين عديدة؛ لأن الحديث الواحد التحقيق فيه قد يأخذ منه ساعات، بل قد يأخذ منه يوماً وأياماً، وهذا نحن نعرفه بالتجربة، فإذاً: لو أراد أن يؤلف مثل هذا الكتاب وعلى هذه الطريقة فسيأخذ منه عمره أو بعض عمره على الأقل، لكن كنا نرجو منه أن يختار ما صح عنده بأقرب طريق، بدون أن يخصص الكلام في كل حديث من هذه الأحاديث.

إذاً: هذا هو الجواب عن كتاب حياة الصحابة، أنه لا ينبغي الاعتماد عليه إلا بشيء من التحفظ كأكثر الكتب.

وأنا أضع الآن بين أيديكم قاعدة لكي لا تحرموا الاستفادة من مثل هذا الكتاب، فأقول: كلما رأيتم حديثاً معزواً -أولاً- لأحد الصحيحين في هذا الكتاب أو في غيره يقول: رواه البخاري ومسلم، رواه البخاري، رواه مسلم، فعضوا عليه بالنواجذ.. هذا أولاً.

ثانياً: إذا رأيتموه نقل عن أحد المحدثين أنه قال: هذا حديث إسناده صحيح، أو قال: إسناده حسن، أيضاً تمسكوا به، وما سوى ذلك فعرجوا عنه ولا تعرجوا عليه.

السائل: هل القاعدة على هذا الكتاب أو على العموم؟

الشيخ: كل الكتب.

الجواب: لا إله إلا الله! هذا السؤال يلتقي مع سهرة قريبة جداً قضيناها في مأدبة، لابد أنكم تعرفونها، واستمرت السهرة إلى بعد نصف الليل، وكان فيها من كل الجماعات أو الأحزاب، فمن حزب التحرير، ومن حزب -وإن كانوا هم لا يريدون أن يقولوا: حزب، فلنقل ما يحبون- ومن جماعة الإخوان المسلمين، ومن جماعة التبليغ، كل أولئك كانوا حاضرين في الجلسة، واضطررنا إلى التحدث عن هذه الجماعات وعن بعض هذه الأحزاب، وقلنا كلمة الحق لا نداهن فيها أحداً إن شاء الله: إن هذه الأحزاب أولاً: تخالف مبدءاً إسلامياً مصرحاً به تصريحاً ما بعده تصريح في كتاب الله، ووضح ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من حديث واحد، وحسبنا الآن أن نذكر بقوله تعالى: وَلا تَكُونُوا مِنْ الْمُشْرِكِينَ * مِنْ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم:31-32] .

ومضينا في هذا الموضوع وقلنا: إن هذه الجماعات الموجودة الآن بعض أفرادها ينطلقون في تكتلهم، وفي تحزبهم، ليس على علم مطلقاً، على أننا لا نحبذ العلم المطلق، وإنما نحض على العلم المقيد بكتاب الله وبسنة رسول الله، وعلى منهج السلف الصالح، كما جاء في كثير من الآيات والأحاديث، ولا أريد أن أعيد الجلسة التي كانت هناك، فلا بد أن أخانا أبا أحمد عنده شريط في ذلك.

ولكن قدمت يومئذ مثالاً من واقع حياة هذه الجماعة جماعة التبليغ، وكان بجانبي أحدهم من الذين يدل سمتهم وهيئتهم على التمسك بالسنة، فهو تقدم بعد صلاة المغرب بالكلمة التقليدية التي تسمعونها دائماً وأبداً من المقدم لمن سيلقي الدرس بعد الصلاة، يقول: إنما فلاحنا ونجاحنا باتباع سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.. أو ما يشبه هذا الكلام، فأنا قلت: ما الذي جعل هؤلاء الإخوان الطيبين التبليغيين يحرصون على هذه الكلمة وهي من إنشاء أحدهم، ويعرضون عن السنة؟ وهنا الشاهد، قلت لهم: فتحنا لكم هذه الجلسة بخطبة الحاجة.. (إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. وكان عليه الصلاة والسلام يزيد عليها في كثير من الأحيان: أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) لماذا أعرض جماعة التبليغ عن افتتاح جلساتهم العلمية بمثل هذه السنة المحمدية؟

ذلك لأنهم لا يدرسون السنة، هم جماعة طيبون يرغبون في التقرب إلى الله، ولذلك يخرجون ذلك الخروج المعهود منهم غير المعهود من -سلفنا الصالح- يخرجون، في ظنهم أنهم يحسنون صنعاً، فقلت للشيخ الذي كان بجانبي: لماذا لا تحيون هذه السنة (ومن سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عملها إلى يوم القيامة، دون أن ينقص من أجورهم شيء)، أنا لا أخص جماعة التبليغ بمخالفتهم هذه للسنة، بل هي مخالفة عامة، فكل الأحزاب وكل الجماعات تخالف هذه السنة، لماذا؟ سبق الجواب: لأنهم لا يدندنون حول دراسة السنة أولاً؛ لأن هذه الدراسة تعلم الناس وتوقظهم من سباتهم ونومهم العميق، ولذلك فكيف يحيون السنة وهم يجهلونها!

ومن فضائل هذا الخطبة كما شرحت هناك، وأوجز هنا ما استطعت إلى ذلك سبيلاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم هذه الخطبة التي تعرف عند العلماء جميعاً بخطبة الحاجة، كان يقدمها بين يدي كل كلمة، محاضرة، أو درس، أو موعظة، أو ما شابه ذلك، وكان يذكر فيها: (خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) ما هو السر في إعراض الجماعات الإسلامية كلها عن هذه الخطبة؟

أنا أقول: الأمر يعود لشيئين:

الشيء الأول: أنه يصدق عليهم قوله تعالى: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [الأعراف:187]، لكن لا أستطيع أن أقول: إنه ما طرق سمع أحدهم مطلقاً، ولا قرأ هذا الحديث في كتاب ما، وهو في صحيح مسلم أصح كتاب بعد كتاب الله، وصحيح البخاري موجود هذا الحديث فيه، فلا أتصور أن أحداً مطلقاً من هؤلاء لا علم عنده بهذا الحديث، إذاً: ما الذي يصرفهم أو يصدهم عن التمسك بهذه السنة؟

أقول: لأنها تخالف منهجهم.. كيف؟

هذا الحديث يؤسس قاعدة لا يتبناها إلا الذين ينتسبون إلى السلف الصالح من أمثالنا، ما هي هذه القاعدة؟ كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. فلا تجد الإخوان المسلمين، ولا حزب التحرير، ولا جماعة التبليغ، وإن كان هناك جماعات أخرى في بلاد أخرى، لا تجد منهم أحداً يدندن حول هذه القاعدة: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ولو أنهم اعتادوا إحياء هذه السنة لاستيقظ جماهيرهم من سباتهم، ولقالوا لهم: كيف تواضبون على هذه الخطبة: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ونحن نسمعكم دائماً تقولون: هناك بدعة حسنة، والرسول يرسخ في أذهان أصحابه هذه القاعدة العظيمة الجليلة، وأمرها كما يقول ابن تيمية رحمه في كتابه: اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم، رداً على بعض الناس الذين يقولون: إن هذا العموم غير مقصود: كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، يزعم بعض المتأخرين أن هذا العموم المصرح به في هذا الحديث هو من العام المخصوص، ثم يأتون ببعض الأشياء من الروايات منها ما يصح ومنها ما لا يصح، يزعمون أن هذه روايات مخصصة لهذا العموم، ومعنى كلامهم: أن قوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة) لا. أي: ليس كل بدعة ضلالة.

يقول ابن تيمية، وهذا الشاهد، وأنا أقرب ذلك بمثل: لا يمكن أن يكون هذا النص من رسول الله من العام المخصوص وهو يكرره دائماً وأبداً على مسامع أصحابه في كل مناسبة يريد أن يتكلم فيها بين أصحابه يقول: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) يستحيل أن يكون هذا من العام المخصوص؛ لأن المفروض على النبي صلى الله عليه وسلم الذي خوطب بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ [المائدة:67]، ربك يعصمك من الناس الذين قد يقصدون القضاء عليك فيحولون -لو وصلوا إلى هدفهم- بينك وبين تبليغ الرسالة وتوضيحها وبيانها.. يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ [المائدة:67] .

ولابد لي من التذكير بأن تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم المذكور في هذه الآية: بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ [المائدة:67].

الذي أمر به يكون على وجهين: تبليغ اللفظ، وتبليغ المعنى.

تبليغ اللفظ يعني: اللفظ القرآني كما أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، فهو مأمور بتبليغه، هذا هو النوع الأول.

الأمر الثاني الذي أمر بتبليغه، معنى هذه الألفاظ لهذه الآيات الكريمات، وهذا هو المقصود من قوله تبارك وتعالى في الآية الأخرى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، هذه الآية غير الآية السابقة، الآية السابقة تعني تبليغ اللفظ وتبليغ المعنى؛ أما هذه الآية الأخرى فإنما تعني: تبليغ المعنى بدليل: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ [النحل:44] أي: القرآن، لماذا؟ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ [النحل:44] أي: بيانه عليه الصلاة والسلام، وهذا لا يحتاج الآن إلى تفصيل كل الأقسام: قوله وفعله وتقريره.

فإذاً: ابن تيمية رحمه الله يقول: استمرار الرسول عليه الصلاة والسلام في تكرار هذه القاعدة: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) على مسامع أصحابه، يستحيل أن يكون من العام المخصوص؛ لأن المفروض عليه ولو مرة واحدة أن يبين -بحكم ما ذكرنا من الآيات- أن هذا النص العام ليس على عمومه وشموله، ولم يفعل ذلك إطلاقاً، بل هو عليه الصلاة والسلام من تمام تبليغه لما أمره الله به كان يؤكد هذه القاعدة العامة فيقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، إلى آخر ما هنالك من أحاديث أخرى، ولسنا أيضاً في صددها.

أما المثال: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)مثاله: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)، لا يمكن أن نقول: ليس كل مسكر خمراً وليس كل خمر حراماً، هذا لا يقوله مسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكرر هذه الكلية على مسامع أصحابه، تحذيراً لهم من أن يشربوا مسكراً، أي مسكر كان، سواء سمي خمراً، أو سمي نبيذاً، أو سمي وسكاً، أو (شمبانيا) أو .. أو .. إلخ، كل هذه الأسماء تدل على مسمىً واحد وهو الخمر في اللغة العربية، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)، كيف يمكن أن نقول: ليس كل مسكر خمراً؟ وبالتالي كيف يمكن أن نقول: ليس كل بدعة ضلالة، وهو يقول في كل منهما: (كل مسكر خمر) (كل بدعة ضلالة

هذا هو المثال تأكيداً لما سمعتم آنفاً مما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، أن هذه الكلية التي كان النبي يذكرها دائماً في خطبة الحاجة لا يمكن أن تكون مخصصة.

الآن آتيكم بمثال عكسي، أي: لكلية خصصها الرسول عليه الصلاة والسلام؛ حتى تعرفوا أن كلام الرسول عليه الصلاة والسلام جمع فأوعى.. سمعتم: (كل مسكر خمر) (كل بدعة ضلالة) اسمعوا الآن التقييد كيف يكون.. قال: (كلكم يدخل الجنة إلا من أبى)، دخل استثناء هنا، كان يمكنه أن يقول: كل بدعة ضلالة إلا ما كان موافقاً للعبادة أو للحسنة، أو ما شابه ذلك مما تسمعونه من المؤولين إن لم نقل من المعطلين، فقال عليه الصلاة والسلام: (كلكم يدخل الجنة إلا من أبى)، هل يجوز لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول: كلكم يدخل الجنة ويسكت وهو في نفسه استثناء؟ لا يمكن هذا، فإذاً: كيف يتصور هؤلاء الذين يقولون: كل بدعة ضلالة، هذا ليس على عمومه، معنى ذلك أنهم ينسبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً ما كان في باله إطلاقاً، ولو كان ذلك في باله لكان من الواجب عليه ديانة أن يسارع ولو مرة واحدة إلى التصريح بالاستثناء، كما قال في هذه الكلية الأخيرة: (كلكم يدخل الجنة إلا من أبى، قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟) معقول أن شخصاً يأبى دخول الجنة؟! معقول وليس معقولاً، وتأملوا معي الحديث، فهو كما يقال في لغة العصر الحاضر: يضع النقاط على الحروف.. (قالوا: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى).

فإذاً: كل كلية تأتي في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، فضلاً عن الآيات القرآنية، ولم يأت ما يخصصها، فيجب إبقاؤها على إطلاقها، وبخاصة إذا كانت مثل كلية: (كل بدعة ضلالة) التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يكررها على مسامع أصحابه في كل مناسبة.

نعود.. لماذا لا يحافظ جمهور الدعاة الإسلاميين اليوم على هذه الخطبة المباركة التي سماها العلماء بخطبة الحاجة؟ أي: من أراد أن تقضى حاجته العلمية فليقدم بين يدي العلم خطبة الحاجة النبوية، لماذا يعرضون عنها؟ لأنها تخالف منهجهم، فليس من منهجهم ما نهجه الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه الخطبة، خطبة الحاجة، وهي ذم عموم البدعة وذلك في الدين والعبادة.

فلذلك قلنا في تلك الجلسة هناك -كما ذكرنا لكم آنفاً- في مأدبة: لا يكفي أن تتحمس كل جماعة وكل حزب لجماعتها، وتنطلق بدون علم وبدون وعي، فننصح هؤلاء الذين يخرجون، وأولئك الذين لا يخرجون ولكنهم يتكتلون، وأولئك الذين يشتغلون دهرهم بالسياسية، وكثير منهم لا يعرفون أن يحجوا وأن يصلوا وأن يصوموا على السنة، نأمرهم جميعاً بأمر الله ورسوله، أن يتعلموا: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ [الزمر:9] كلا! لا يستوون.

فعلى هذا نقول: بالنسبة لهذا السؤال: كتاب حياة الصحابة هو دليل لما نقول نحن، فالذي ألف هذا الكتاب ليس فرداً من أفراد جماعة التبليغ، بل إن لم يكن من رءوسهم فهو رأس الرءوس، ألف هذا الكتاب، والجماعة ينطلقون على هداه، ولكن هذا الكتاب جمع ما هب ودب، أي: أولاً: لم يخصص هذا الكتاب لأنْ يذكر فيه ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ككلام غيره من الناس، ولو كانوا أولياء وصالحين.

ثانياً: ذكر روايات كثيرة عن الصحابة رضي الله عنهم، فإذا كانت الأحاديث التي نسبها إلى الرسول فيها أشياء لا تصح نسبتها إلى الرسول عند أهل العلم بطريق معرفة الحديث، ومعرفة الأسانيد، وتراجم رجال الأسانيد ونحو ذلك، فمن باب أولى أن يذكر في هذا الكتاب روايات كثيرة وكثيرة جداً عن الصحابة من أقوالهم، ومن أفعالهم، ومن منهجهم، ومن سلوكهم، وكثيرٌ منها لا يصح.

ويعجبني في هذه المناسبة قول لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، وهذا من نفيس كلامه ودقيق منهجه العلمي، حيث قال ما معناه: إن على كل باحث أن يتثبت فيما يرويه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، كما يتثبت فيما يرويه عن الله ورسوله. هذه كلمة جماهير العلماء قديماً وليس حديثاً فقط، قديماً وحديثاً قد أخلوا بها، فما تعود إلى كتاب إلا ما ندر جداً، مثل كتاب نيل الأوطار للشوكاني، هذا من الكتب التي نحن نحض طلاب العلم على الاعتناء بدراسته والاستفادة منه، مع ذلك تجده يحشد فيه أقوال الصحابة والتابعين وغيرهم بمناسبة الكلام مع الآية أو الحديث، لكنه لا يسلك هذا السبيل وهو سبيل التثبت مما ينسب إلى الصحابة، كما يجب التثبت مما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قلَّ من يفعل هذا! ومن هنا يصيب المجتمع الإسلامي شيء من الانحراف، لماذا؟ وهذه نقطة في الحقيقة مهمة جداً.

نحن قلنا دائماً وأبداً: إن منهجنا كتاب الله وسنة رسول الله، وعلى ما كان عليه سلفنا الصالح، لا يكفي اليوم أبداً أن ندعو الناس إلى الكتاب والسنة فقط؛ لأنك لن تجد في كل هذه الجماعات المختلفة حديثاً وقديماً، لن تجد جماعة منهم ولو كانوا من المرجئة أو كانوا من المعتزلة يقولون: نحن لسنا على الكتاب والسنة، كلهم يقولون هكذا، إذاً: ما الفارق بين هذه الجماعات التي كلها تقول، وهي صادقة فيما تقول، لا نستطيع أن نتهمها فيما تقول، تقول: نحن على الكتاب والسنة، لكنها غير صادقة في تطبيقهما على ما كان عليه سلفنا الصالح رضي الله تعالى عنهم.

من هنا نقول: لابد من معرفة ما كان عليه السلف لنستعين به على فهم الكتاب والسنة، فإذا جاءتنا رواية عن بعض الصحابة وهي غير صحيحة، وأخذنا بها على أساس أنها بيان للكتاب والسنة، انحرفنا كما لو أخذنا بحديث ضعيف أو موضوع، لهذا ابن تيمية يقول: يجب التثبت فيما نرويه عن الصحابة كما نتثبت فيما نرويه عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

هذا الكتاب كتاب حياة الصحابة خالف هذا النهج العلمي، فهو جمع ما هب ودب، وأنا أضرب لكم مثلاً مجملاً: هو ينقل مثلاً حديثاً عن كتاب مجمع الزوائد، يقول: رواه أحمد والطبراني، وقال في مجمع الزوائد : رجاله ثقات.

الذين يتداولون هذا الكتاب عندما يقرءون: قال في مجمع الزوائد : رجاله ثقات، ما الذي يفهمون منه؟ كما يقولون عندنا في بعض الأعراف في سوريا : (خش حديث) ما دام رجاله ثقات صار حديثاً ثابتاً، لا. عند أهل العلم أي حديث يقول فيه أحد المحدثين: رجاله ثقات، فلا يعني هذا المحدث أنه حديث صحيح، بل أي حديث يقول فيه مؤلف الكتاب: رجاله رجال الصحيح فلا يعني أنه صحيح؛ وهذا أشد إيهاماً لصحة الحديث من قوله الأول، فإذا قال: رجاله ثقات، قد يتوهم بعض الناس أنه صحيح، لكن الإيهام بالتعبير الثاني: رجاله رجال الصحيح، أكثر، مع ذلك لا هذا ولا هذا في علم الحديث يعني صحة الحديث.

إذاً: كان ينبغي على مؤلف هذا الكتاب أن يختار، لا نقول: أن يصحح كل هذه الروايات ويدقق القول فيها؛ لأنه في الحقيقة -أنا أعتقد- لو أراد رجل عالم متثبت أن يصحح وأن يضعف وأن يؤلف كتاباً مثل كتاب الصحابة لأخذ منه سنين عديدة؛ لأن الحديث الواحد التحقيق فيه قد يأخذ منه ساعات، بل قد يأخذ منه يوماً وأياماً، وهذا نحن نعرفه بالتجربة، فإذاً: لو أراد أن يؤلف مثل هذا الكتاب وعلى هذه الطريقة فسيأخذ منه عمره أو بعض عمره على الأقل، لكن كنا نرجو منه أن يختار ما صح عنده بأقرب طريق، بدون أن يخصص الكلام في كل حديث من هذه الأحاديث.

إذاً: هذا هو الجواب عن كتاب حياة الصحابة، أنه لا ينبغي الاعتماد عليه إلا بشيء من التحفظ كأكثر الكتب.

وأنا أضع الآن بين أيديكم قاعدة لكي لا تحرموا الاستفادة من مثل هذا الكتاب، فأقول: كلما رأيتم حديثاً معزواً -أولاً- لأحد الصحيحين في هذا الكتاب أو في غيره يقول: رواه البخاري ومسلم، رواه البخاري، رواه مسلم، فعضوا عليه بالنواجذ.. هذا أولاً.

ثانياً: إذا رأيتموه نقل عن أحد المحدثين أنه قال: هذا حديث إسناده صحيح، أو قال: إسناده حسن، أيضاً تمسكوا به، وما سوى ذلك فعرجوا عنه ولا تعرجوا عليه.

السائل: هل القاعدة على هذا الكتاب أو على العموم؟

الشيخ: كل الكتب.

السؤال: الذي سألناه في الأول كان متعلقاً بمسألة واحدة، فجزاكم الله خيراً، فقد أوعبتم القول في كثير من المسائل المتعلقة بـجماعة التبليغ، ولكن هنا بعض مسائل أخرى قد تتعلق بجوانب أخرى نريد الإجابة عنها ولو بشكل مختصر بعد ذلك التفصيل بارك الله فيكم:

يقول السائل: ما رأيكم بأصل من أصول جماعة التبليغ، وهو أنهم يقولون: لا نتكلم في أربعة أشياء أثناء الخروج، لما يترتب على الكلام في هذه الأشياء من المفاسد، وهي: السياسات، والفقهيات، والخلافيات، والجماعات؟

عدم اهتمامهم بالسياسات

الجواب: نسأل الله لنا ولهم الهداية! السياسات نحن نوافقهم على هذا الشيء الأول، ولكن ليس على الإطلاق، نحن نرى كما حكيت هذا أكثر من مرة، لقد امتحنا هناك في سوريا، واستنطقنا هناك من المخابرات، كما يفعلون -مع الأسف- في كل بلاد إسلامية: أنت تشكل تجمعاً وتكتلاً .. ونحو ذلك، وأنا أقول: أنا تكتلي هذا للإصلاح وليس للسياسة، وبعد مناقشة طويلة جداً ربما تجاوزت ساعة، ولما لم يجد المستنطق هذا البعثي مجالاً لأن يأخذ علي شيئاً من الناحية القانونية، قال: إذاً اذهب وابق على دروسك، ولكن لا تتكلم في السياسة، مع أني قلت له بتفصيل: نحن دعوتنا دعوة إصلاحية، الرجوع إلى الكتاب والسنة كما تسمعون دائماً وأبداً، وأنا ذكرت لك آنفاً شيئاً من التفصيل، لكن رجوعك الآن للقول: لكن لا تشتغل بالسياسة، يدفعني أن أبين لك شيئاً، نحن صحيح لا نشتغل بالسياسة؛ لأن الاشتغال بالسياسة ليس من الإسلام، لا. فالسياسة من الإسلام، وبعض علماء الإسلام ألفوا في السياسة الشرعية قديماً وحديثاً، وعلى رأسهم شيخ الإسلام ابن تيمية، فالدولة الإسلامية لا تستغني عن السياسة، وما معنى السياسة؟ أي: سياسة الناس وتثبيت أمورهم على ما يوافق مصالحهم في الدنيا والأخرى، فنحن لا ننكر وجوب الاشتغال بالسياسة، لكننا رأينا -وهنا الشاهد- أن من السياسة ترك السياسة، رأينا في هذا الزمان أن من السياسة ترك السياسة، والغرض الآن أننا نوافق الجماعة على عدم الاشتغال بالسياسة وقتياً، لكن لا يمكن الاستغناء عنها، وإلا كيف يمكن إقامة الدولة المسلمة إلا بمثل هذه السياسة، ولكن الذين ينبغي أن يشتغلوا بالسياسة يجب أن يكونوا علماء، أن يكونوا علماء بالمعنى الصحيح بالكتاب والسنة وبفهم السلف الصالح .. إلخ، ولذلك نحن نوافقهم على هذا الشرط الأول، نوافقهم إجمالاً، ولا نوافقهم تفصيلاً، فنقول الآن: من السياسة ترك السياسة.

عدم اهتمامهم بالفقهيات

أما الفقرة الثانية فلا نوافقهم عليها، وهي الفقهيات، كيف هذا؟ كيف يتصور في جماعة يسمون أنفسهم بـجماعة التبليغ، ماذا يريدون أن يبلغوا الناس؟ إما أن يبلغوا العقيدة وهم مع الأسف لا يفعلون، ولا أدري هذا لماذا لا يذكرونه؛ ولعلهم يعنون بالفقهيات ما هو أعم وأشمل.

إلى ماذا يدعون هم إذاً؟ أنا لا أريد أن أقول: إنهم يدعون إلى ما يمكن أن تدعو إليه كل طائفة متدينة على وجه الأرض، مهما كان نوع دينها، إلا اليهود، فأنتم تعلمون -مثلاً- أن جماعة التبشير من النصارى هم يدعون إلى الوصايا العشر: لا تسرق، لا تزن، لا تكذب.. إلخ، أيضاً هذه الأشياء يدعو إليها الإسلام، فإذا كان الجماعة لا يريدون أن يبحثوا في السياسة قلنا لهم: لا بأس مؤقتاً، لكن في الفقهيات يقول رسول الله: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين).

أنا أعتقد جازماً أن هذه الفقرة سبب وضعها وتركها، هو نفس السبب الذي يحملهم على ترك خطبة الحاجة، ولعلكم لم تنسوا بعد ما هو السبب؟ هل لأنهم لا يؤمنون بقوله عليه الصلاة والسلام : (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)؟ هذه القاعدة التي أسسها عليه الصلاة والسلام كما ذكرنا لكم آنفاً، ولذلك فإنهم لا يعرجون على هذه السنة المتروكة ولا يحيونها، كذلك لماذا أعرضوا عن الفقهيات؟ لأنهم لا فقه عندهم؛ لأن الفقه كما قال ابن القيم رحمه الله:

العلم قال الله قال رسوله     قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة     بين الرسول وبين رأي فقيه

كلا ولا جحد الصفات ونفيها     حذراً من التعطيل والتشويه

فهم لا يبحثون في الفقهيات بزعم أنه يثير الخلاف، وهذا زعم يتسترون خلفه، والحقيقة أنهم لا يحسنون الفقه، كل واحد كما يقولون عندنا في الشام : جماعة التبليغ مثل الإخوان المسلمين، مثل حزب التحرير، لا فرق بينهم في نقطة واحدة، وهي: جماعة الإخوان المسلمين يجمعون بين السلفي والصوفي.. بين الحنفي والشافعي، والمالكي والحنبلي، وفي بعض الظروف بين السني وبين الشيعي، هكذا السياسة تقتضي.

حزب التحرير كذلك لا يهمهم، حتى لقد صرحوا أن من منهجهم أنهم لا يتبنون رأياً في العقيدة، هذا من حسناتهم، لكنها في نفسها سيئة، أما جماعة التبليغ فلم يصرحوا بهذا، لكن واقعهم أنهم لا يتبنون رأياً في العقيدة، كما أنهم من باب أولى لا يتبنون رأياً في الفقه، لماذا؟

لأن الفقه أُلف هناك من جماعة الأزهر الشريف كتاب اسمه: الفقه على المذاهب الأربعة، إذا أردت أن تضيع في غمرة الخلاف بين المذاهب الأربعة فاقرأ هذا الكتاب، حينئذ لا تخرج منه إلا وأنت مدوخ، لا تعرف إلى أي قول تذهب إليه وتتمسك به، كذلك دكاترة الجامعات اليوم يدرسون الفقه الذي يسمونه بالفقه المقارن على طريقة الفقه على المذاهب الأربعة، يقول لك: أبو حنيفة قال كذا وحجته كذا، والشافعي قال كذا، وحجته كذا.. إلخ، وبعد ذلك أين الحق الذي قال الله عز وجل فيه: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ [يونس:32]؟ ما المسئول عنها بأعلم من السائل!

فإذاً: الذين لا يشتغلون بالفقهيات ليس السبب أنه يوقع الخلاف؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم الذي هو سيد البشر قاطبة، وأرجو أن تفهموا هذا وتحفظوه، من أسمائه: الفارق أو المفرق، كالقرآن، فإن القرآن من أسمائه الفرقان، لماذا رسول الله مفرق؟ لأنه فرق بدعوته بين المؤمن والكافر، وكان من نتائج ذلك أن فرَّق بين الوالد وولده، هذا كافر مشرك وهذا مؤمن مسلم، إذاً لماذا نحن نخاف أن نفرق؟ نخاف أن نفرق بالباطل، ولا ينبغي أن نخاف أن نفرق بالحق؛ لأن ربنا يقول: فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ [يونس:32] لكن الحقيقة أنهم لا يعرفون الحق من الباطل، لا يعرفون الصواب من الخطأ، ولذلك تمثلوا بالمثل العامي: (الهريبـي نصف الشجاعة) المقصود فهم عرفوا أنهم كما يقال أيضاً: (ليسوا حشو الكبدة) يأتون ويقولون مثلاً: قال أبو حنيفة : خروج الدم مهما قل فهو ناقض للوضوء، والإمام الشافعي يقول: مهما كثر فهو غير ناقض للوضوء، والإمام أحمد يقول، ومالك أيضاً معه من قبل: إن كان كثيراً نقض وإلا فلا ينقض، ماذا يريدون من هذه الدوشة؟ هذا الأمر يحتاج إلى اطلاع على أدلة المذاهب أولاً، ثم إجراء معادلة ومراجحة بين هذه الأدلة ثانياً، وهذا يتطلب -إضافة على وجوب معرفة أقوال العلماء- أن يعرف علم الحديث في مصطلحه، وعلم الجرح والتعديل في توثيقه وتجريحه، وهذا أكثر الدكاترة، ليس العامة من جماعة التبليغ وأمثالهم الذين يخرجون للدعوة وأمثالهم، هؤلاء لا يستطيعون، لكني كنت أستحسن منهم أن يقولوا كما يقولون، بالأمس القريب -كما ذكرنا لكم- كنا في مأدبة، وتكلمنا حول جماعات منها جماعة التبليغ فقال لي أحدهم ممن نحسن الظن به -لأنني حضضتهم على العلم- قال: لذلك مشايخنا يقولون لنا: اذهبوا إلى العلماء، فقلت لهم: نحن نريد أن تكونوا أنتم العلماء، أنتم الذين تهتمون بدعوة الأمة، ليس أنتم تذهبون إلى العلماء ثم تخرجون ولستم علماء.

عدم اهتمامهم بالدعوة إلى التوحيد

إذاً: تركهم الفقهيات لأنها تفرق، أنا أقولها صراحة وأرجو عدم المؤاخذة؛ لأن الحق أحق أن يقال: هذا عذر أقبح من ذنب، لماذا؟

لأنه أولاً: لا يعبر عن السبب الحقيقي، وثانياً: لابد من التفريق بين الحق والباطل، بين الصواب والخطأ، وبخاصة ما كان من ذلك متعلقاً بالعقيدة، وهم كما تسمعون -كما في الفقرة الثانية- يعدونها خلافيات.. هل هناك خلاف في التوحيد؟ كثير من الدكاترة يقولون: لا يوجد خلاف يا أخي، كل المسلمين يقولون: أشهد أن لا إله إلا الله، هذا صحيح، ولكن القول شيء والفهم والإيمان شيء آخر، الكافر حينما تقوم قائمة الدولة المسلمة إذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، خلص رأسه من خطفه عن بدنه، لكن هل نجا بذلك من الخلود في النار؟

الجواب: الشرط الأول: أن فهم المعنى الصحيح لهذه الكلمة أولاً، ثم آمن بهذا الفهم الصحيح ثانياً؛ نجا من الخلود في النار يوم القيامة.

فهل المسلمون اليوم كل المسلمين الذين يبلغون ألف مليون أو يزيدون، هل الألف مليون يقولون: أشهد أن لا إله إلا الله؟ يمكن يكون منهم الدروز، هل هؤلاء اتفقوا على فهم هذه الكلمة فهماً صحيحاً ينجيهم من الخلود في النار يوم القيامة؟

الجواب: مع الأسف الشديد لم يتفقوا، ولذلك هم لما قالوا هذه الكلمة يعنون ما يقولون؛ لأننا إذا دخلنا في موضوع: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] فرقنا الصفوف، ونحن جماعة جمع، ولسنا جماعة تفريق، هذا لسان حالهم ومقالهم.

أما نحن معشر السلف فنقولها صراحة، ولكن قبل أن نقولها ندعم مذهبنا بما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنحن مفرقون نفرق بين الحق والباطل، بين المحقين وبين المبطلين، ولا نساوي بين المحقين والمبطلين كما يفعل غيرنا من الآخرين.

لما كنت في دمشق كان هناك رسالة ألفها أحد شيوخ الطريقة الشاذلية، وأصله مغربي، عنوان الرسالة: لا إله إلا الله، ليس هناك أجمل من هذا، وتدخل في الداخل: لا إله إلا الله، أي: لا رب إلا الله، هكذا فسر الآية الكريمة، ولو أن كافراً قال: لا إله إلا الله بهذا المعنى الذي شرحه هذا الشاذلي ما أفاده شيئاً لا في الدنيا ولا في الأخرى، لماذا؟

لأن المشركين كانوا يقولون: لا رب إلا الله، لكنهم إذا قيل لهم: لا إله إلا الله يستكبرون، إذاً: هم بعروبتهم الأصيلة كانوا يعرفون معنى كلمة التوحيد على الوجه الصحيح، ولكن معرفتهم هذه لم تغنهم شيئاً؛ لأنهم كفروا بهذا المعنى الصحيح، وعلى العكس من ذلك؛ فبعض المسلمين حينما يقولون: لا إله إلا الله، المشركون لا يقولون: لا إله إلا الله؛ لأنهم إذا قالوا: لا إله إلا الله، نافقوا وهم يريدون أن يعلنوا، فهم يعلمون معنى (لا إله إلا الله) لذلك لا يقولون.

المسلمون لا يعلمون معنى: (لا إله إلا الله) إلا القليل منهم، ولذلك هم يقولون كلهم: لا إله إلا الله، ولكن إذا أردت أن تبين لهم أن ما يفعلونه من الإتيان إلى الأولياء والصالحين، والذبح عندهم، والنذر لهم، والحلف بهم، والصلاة عند مقابرهم.. إلخ، فهذا كافر بلا إله إلا الله؛ لأن معنى (لا إله إلا الله) ليس المعنى الذي ذكرناه عن الشاذلي: لا رب إلا الله، وإنما معناه: لا معبود بحق في الوجود إلا الله تبارك وتعالى، وحينما يفهم المسلم كلمة الشهادة هذه الكلمة الطيبة (لا إله إلا الله) فهماً صحيحاً؛ فيجب أن يطبقه تطبيقاً صحيحاً كما فهمه فهماً صحيحاً، ومن هنا يظهر الفرق بين الذين يؤمنون بلا إله إلا الله بالمفهوم الصحيح، وبين الذين يؤمنون بلا إله إلا الله بالمفهوم غير الصحيح، تختلف تصرفاتهم في هذه الحياة.

لن تجد مؤمناً بهذه الكلمة الطيبة على المعنى الصحيح يذبح لغير الله، وينذر لغير الله، ويحلف بغير الله، ويصلي لغير الله عند قبور الأولياء والصالحين، لن تجد عند هؤلاء شيئاً من ذلك، بينما الآخرون الله أكبر!! يذهبون عند من يسمى بسيدي شعيب، وانظروا إلى النذور هناك! ومن نذر لغير الله فهو ملعون، كما قال عليه السلام: (من ذبح لغير الله فهو ملعون) كيف ملعون وهو يقول: لا إله إلا الله؟! لم يفهم لا إله إلا الله. ولذلك فالدعوة إلى الإسلام بصورة غير مفهومة للأنام، هذه ليست دعوة الإسلام، وإنما هي دعوة إلى جانب من جوانب الإسلام.

نصائح لجماعة التبليغ

وخير لهؤلاء الإخوان الطيبين من جماعة التبليغ شيئان اثنان:

الأول: ننصحهم دائماً أن يتفرغوا لطلب العلم ولا يتفرغوا للدعوة؛ لأن للدعوة رجالاً، وقد قلت لهم هناك وفي كل مكان: هل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل بالعشرات والعشرينات من الدعاة إلى المشركين، أو أرسل أفراداً من نخبة الصحابة كـعلي بن أبي طالب، ومعاذ بن جبل، وأبي موسى الأشعري، ودحية الكلبي، هؤلاء الدعاة هم الذي كان الرسول عليه السلام يرسلهم، ومرة واحدة وقعت أن أرسل سبعين من قراء الصحابة، وبهذه المناسبة يجب أن تعلموا أن معنى قراء الصحابة هم علماؤهم؛ لأننا لا نتصور يومئذ قارئاً كقرائنا اليوم يحسنون القراءة والتجويد والترتيل، لكن لا يفقهون ما يقرءون من القرآن شيئاً، الصحابة لم يكونوا هكذا.

فذهبوا إلى قبيلة مشركة، وطلبوا منهم أن ينزلوا ليدعوا إلى الله عز وجل، فأعطوهم الأمان ثم غدروا بهم فقتلوهم، قتلوا سبعين من قراء أصحاب الرسول عليه السلام، ولما بلغه خبر قتلهم قال أنس بن مالك : (فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد على ناس كما وجد على هؤلاء القراء! فكان يدعو عليهم ويقول في صلاة الفجر وغيرها: اللهم اللعن رعلاً وذكوان) وقبائل أخرى سماها عليه السلام؛ لأنهم قتلوا هؤلاء الصحابة من القراء الكبار.

هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرسل علماء، فما بال هؤلاء المسئولين من جماعة التبليغ ورئيسهم هناك في باكستان أو في الهند يرسل دعاة لا علم عندهم؛ لأنه لو كان عندهم علم لعلموا أنه يجب أن يقتدوا بالرسول عليه السلام، وماذا فعل الرسول؟ إلى ماذا دعا الرسول حينما أنزل عليه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ [المدثر:1-3]؟ دعا كما دعت الرسل من قبل إلى أن يعبدوا الله ويجتنبوا الطاغوت، فما لهؤلاء الناس لا يدعون إلى ما دعا إليه الرسول عليه الصلاة والسلام، وإلى ما دعا إليه الصحابة الكرام بتعليم الرسول عليه الصلاة والسلام؟

جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسل معاذاً إلى اليمن قال له: (ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله) فهؤلاء جميعاً من كل الجماعات التي ذكرناها آنفاً، من الإخوان المسلمين، من حزب التحرير، من جماعة التبليغ، لا يكون أول ما يدعون إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وهذا له سبب سبق أن ذكرته وأجمله الآن:

أسباب إهمالهم الدعوة إلى التوحيد

أولاً: لظنهم أن المسلمين ليسوا بحاجة؛ لأن كل مسلم يقول: لا إله إلا الله، إذاً ندعوهم إلى ماذا؟! هذا اسمه: تحصيل حاصل، لكن الواقع أن المقصود: ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله أول ما تدعوهم؛ لأنهم كانوا عرباً، ولذلك -كما شرحت آنفاً- كانوا إذا قيل: (لا إله إلا الله) يستكبرون؛ لأنهم يفهمون أن معنى: لا إله إلا الله، أي: لا معبود بحق إلا الله، أما الرب فما كانوا ينكرونه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [لقمان:25] اليوم المسلمون لا يفهمون شهادة التوحيد كما فهمها العرب، لكن هم يؤمنون بلفظها ويكفرون بمعناها، فلماذا لا تشتغل هذه الجماعات بدعوة المسلمين للتوحيد الصحيح؟

السبب أنهم لا يعلمون واقع المسلمين اليوم أنهم منحرفون عن التوحيد الصحيح.

السبب الثاني وهو أهم بالنسبة إليهم: هم أنفسهم لا يعلمون حقيقة معنى (لا إله إلا الله) ولذلك لا يدعون الناس إلى معنى: (لا إله إلا الله) كما أنهم لا يدعون الناس إلى أن يشهدوا أن محمداً رسول الله، لماذا؟ لنفس السببين:

السبب الأول: أنهم يشهدون أن محمداً رسول الله، وأنا أعتقد أنهم كذلك، لكن يخالفون هذه الشهادة؛ لأنه يلزم من التصديق بأن محمداً رسول الله ألا يتقدم المسلمون بين يدي رسول الله برأي أو باجتهاد أو بنظام.. إلخ، وهذا مع الأسف موجود وواقع، وأوضح مثال قضية الاستحسان، الاستحسان في بعض المذاهب قيل بأنه دليل شرعي، وفي المجتمع الإسلامي هو قائم على قدم؛ لأنهم يقولون: هذه بدعة حسنة، وماذا فيها يا أخي! إلخ.

أيضاً: يجب على الدعاة الإسلاميين أن يبدءوا بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله بياناً وشرحاً وليس لفظاً فقط.

إذاً: لا يجوز أن نقول: ندع الفقهيات وندع الخلافيات؛ لأن معنى ذلك: أن ندع الدعوة إلى شهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

أيضاً: لا ينقدون الجماعات الإسلامية.. أنا سلفي وأنت خلفي، لا تنتقدني لماذا؟ لأني على حق أم على باطل؟ قالوا: لا. هذا يفرق.. ما الفائدة إذاً من دعوتك إذا تركتني في ضلالي؟ وما الفائدة من دعوتي إذا تركتك في ضلالك؟ وهكذا.. يجب أن نقول كلمة الحق، ولهذا لم يقرءوا في كتاب حياة الصحابة أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا ذر بعدة وصايا ومنها: (ألا تأخذه في الله لومة لائم) هذه فقرة ووصية من وصايا الرسول عليه السلام لـأبي ذر، فيجب إذاً أن نتعلم وأن نعمل بما نعلم، والإعراض عن التمسك بهذه الفقرات الأربع معناها: إعراض عن التمسك بالإسلام الذي جاء به عليه الصلاة والسلام.