تفسير سورة النحل (20)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصِ الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون، ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذا اليوم ندرس كتاب الله عز وجل؛ رجاء أن نظفر بذلكم الموعود على لسان سيد كل مولود، إذ قال صلى الله عليه وسلم: ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده )، حقق اللهم رجاءنا، إنك ولينا ولا ولي لنا سواك. آمين.

وها نحن مع سورة النحل، ومع هذه الآيات المباركات الكريمات:

وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:94-97].

معاشر المستمعين والمستمعات من المؤمنين والمؤمنات! قول ربنا جل ذكره: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ [النحل:94] ينهانا عن ماذا؟ ينهانا عن الحلف الباطل، عن الحلف الكذب، ينهاني -وينهاك- أن أجعل اليمين بالله سبيلاً إلى تحقيق هدف من أهدافي، إلى تحقيق غرض من أغراضي، فأحلف كاذباً، فهذا الموقف ما يرضاه الله عز وجل؛ ولهذا حرمه ونهى عنه، فلا يحل لأحدنا أن يحلف بالله وهو كاذب، لا سيما إذا أراد أن يحقق هدفاً هابطاً، أو يقال مادة هابطة سافلة.

لا يحل لمؤمن ولا مؤمنة أن يحلف على شيء وهو كاذب، من أجل أن يتوصل إلى مادة هابطة من مواد الحياة الدنيا.

وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا [النحل:94] أي: دغلاً وخديعة بينكم، فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا [النحل:94] ومعنى هذا: أن من حلف كاذباً ليتحصل على مادة من المواد في هذه الدنيا فقد زلت قدمه وتمزق وهلك، فالله جل جلاله يريد من المجتمع الإسلامي الإيماني، ألّا يحلفون إذا حلفوا إلا بالله، وإذا حلفوا بالله لا يحلفون إلا صادقين.

أما أن يحلف المرء بالله كاذباً لتتحقق له فائدة دنيوية فهذا الموقف لا يرضاه الله عز وجل، والآية كافية في التنفير منه والإبعاد عنه: فَتَزِلَّ قَدَمٌ [النحل:94] أي: يسقط في إثم، فمن يغفر له؟! وَتَذُوقُوا السُّوءَ [النحل:94] أي: العذاب المر السيئ؛ وذلك بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:94].

تربية الآية الكريمة للمؤمنين على الحذر من الصد عن سبيل الله تعالى بسبب الأيمان الكاذبة

هذه الآية الكريمة ذات الأثر العظيم في تربية النفوس تشير إلى أننا إذا كنا بين الكافرين لا نخرج أبداً عن ديننا؛ لأننا حتى لا نصرف ذلك الكافر عن ديننا؛ لأننا إذا كنا نحلف ونكذب ونعاهد ونخون فالكفار ينظرون إلينا نظرة سوء، فكيف -إذاً- يقبلون على الإسلام؟ معنى هذا: أننا صددناهم وصرفناهم عن الإسلام.

أعيد القول: إذا عايشنا غير الصالحين يجب أن نتحفظ أشد التحفظ من أن تزل أقدامنا بسيئة من السيئات فنكون فتنة لأولئك الكافرين؛ فلا يدخلوا في الإسلام ولا يقبلوه.

وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النحل:94] صددنا الذين نريدهم أن يدخلوا في الإسلام، فإذا شاهدوا هبوطنا وسقوطنا -لا مروءة ولا كرامة ولا استقامة- فكيف يقبلون الإسلام؟ يرفضونه، ونكون نحن صددناهم عن سبيل الله، والآية عامة، فلا يحل لأحدنا أن يكذب أو يخون عهداً أو موعدا،ً فإن هذا الموقف يجعل الكافرين لا يرضون بديننا ولا يطلبون سلوكه، ونكون قد صددناهم وصرفناهم عن الإسلام.

وتأملوا الآية الكريمة: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النحل:94] صددنا من؟ صددنا الكافرين وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:94]

والله ما عرف مؤمن هذه الآية ثم استطاع بعد ذلك أن يكذب ويحلف بالباطل؛ لأجل مادة هابطة من دينار أو درهم بحال من الأحوال.

مرة أخيرة: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ [النحل:94] بالله عز وجل دَخَلًا [النحل:94] أي: خديعة للتوصل بها إلى مادة هابطة فاسدة فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا [النحل:94] بعدما كنت مستقيماً طاهراً نقياً تسقط في بؤرة الشر والفساد.

وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النحل:94] نبرأ إلى الله من أن نصد مؤمناً أو كافراً عن الإسلام بسلوكنا والعياذ بالله! وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:94] . هذه الآية الأولى.

هذه الآية الكريمة ذات الأثر العظيم في تربية النفوس تشير إلى أننا إذا كنا بين الكافرين لا نخرج أبداً عن ديننا؛ لأننا حتى لا نصرف ذلك الكافر عن ديننا؛ لأننا إذا كنا نحلف ونكذب ونعاهد ونخون فالكفار ينظرون إلينا نظرة سوء، فكيف -إذاً- يقبلون على الإسلام؟ معنى هذا: أننا صددناهم وصرفناهم عن الإسلام.

أعيد القول: إذا عايشنا غير الصالحين يجب أن نتحفظ أشد التحفظ من أن تزل أقدامنا بسيئة من السيئات فنكون فتنة لأولئك الكافرين؛ فلا يدخلوا في الإسلام ولا يقبلوه.

وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النحل:94] صددنا الذين نريدهم أن يدخلوا في الإسلام، فإذا شاهدوا هبوطنا وسقوطنا -لا مروءة ولا كرامة ولا استقامة- فكيف يقبلون الإسلام؟ يرفضونه، ونكون نحن صددناهم عن سبيل الله، والآية عامة، فلا يحل لأحدنا أن يكذب أو يخون عهداً أو موعدا،ً فإن هذا الموقف يجعل الكافرين لا يرضون بديننا ولا يطلبون سلوكه، ونكون قد صددناهم وصرفناهم عن الإسلام.

وتأملوا الآية الكريمة: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النحل:94] صددنا من؟ صددنا الكافرين وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:94]

والله ما عرف مؤمن هذه الآية ثم استطاع بعد ذلك أن يكذب ويحلف بالباطل؛ لأجل مادة هابطة من دينار أو درهم بحال من الأحوال.

مرة أخيرة: وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ [النحل:94] بالله عز وجل دَخَلًا [النحل:94] أي: خديعة للتوصل بها إلى مادة هابطة فاسدة فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا [النحل:94] بعدما كنت مستقيماً طاهراً نقياً تسقط في بؤرة الشر والفساد.

وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ [النحل:94] نبرأ إلى الله من أن نصد مؤمناً أو كافراً عن الإسلام بسلوكنا والعياذ بالله! وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النحل:94] . هذه الآية الأولى.

الثانية: يقول تعالى: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [النحل:95] بأن تعاهد فلانًا ثم تخونه لأنه ليس لك فيه مصلحة، ما استفدت منه شيئاً؛ فتنقض العهد وتوالي وتعاهد شخصاً آخر، فهذا لا يحل أبداً ولا يجوز؛ كما في الآيات السابقة، وآية اليوم أوضح منها: وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا [النحل:95] لأن متاع الدنيا كله قليل، مهما كان فهو والله قليل بالنسبة إلى ما أعد الله لأوليائه يوم القيامة في الدار الآخرة.

وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ [النحل:95] أنت تريد ديناراً ودرهماً، والذي عند الله خير مما تريده أنت، ومعنى هذا: ألا نخلف وعداً، ولا ننكث عهداً من أجل الدنيا كيفما كان الحال، ونذكر أن ما عند الله خير مما عندنا، ما قيمة الدنيا وما فيها بالنسبة إلى الدار الآخرة وما فيها من نعيم مقيم؟

وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [النحل:95]، من علم ما في الجنة من النعيم المقيم والسعادة الأبدية لا يلتفت إلى هذه الأوساخ الدنيوية بحال من الأحوال، يكفيه أن يسد حاجته منها فقط، فكيف يخون العهد ويحلف ويكذب باطلاً من أجل دينار أو درهم، فيبيع آخرته بدنياه، مع أن ما عند الله خير مما عندنا في هذه الدنيا؟!

وَلا تَشْتَرُوا بِعَهْدِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا إِنَّمَا عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [النحل:95]، فلا بد من العلم، والذين ما سمعوا هذه الآيات ولا قرءوها كيف يعرفون؟ لا بد من العلم.

الآية الثالثة: يقول تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96] هذا خبر عظيم: مَا عِنْدَكُمْ [النحل:96] يا بني آدم من دينار ودرهم أو ريال يَنفَدُ [النحل:96] ينتهي، وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96] لا نهاية له.

هذه الآيات تترك العبد لا يلتفت إلى أوساخ الدنيا أبداً، ولا تغره مظاهرها، ولا مصالحها، ولكن يلتفت إلى الدار الآخرة ويقبل عليها. ‏

معنى قوله تعالى: (ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)

مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:96] هذا الوعد الإلهي الصادق يقول الله فيه: وعزتنا وجلالنا! لَنَجْزِيَنَّ [النحل:96] من؟ الَّذِينَ صَبَرُوا [النحل:96] صبروا على ما ابتلاهم الله به في هذه الدنيا من مظاهر الفقر والحاجة، فيصبر أحدهم على ما أعطاه الله، ولا يمد يده أبداً ولا لسانه ليأكل غير ما أعطاه الله؛ لأنه صبر وحبس نفسه على طاعة الله، حبس نفسه على الرضا بما أعطاه الله، فلا يلتفت إلى الدنيا ولا إلى أهلها، ولا يخون عهداً ولا ينكث ميثاقاً؛ لأنه صابر حابس النفس على مراد الله وطاعته.

مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:96]، الذين صبروا نوافلهم تصبح كالفرائض في ثمنها وأجرها، وأنت كذلك إذا صبرت فإن أعمالك الإصلاحية الخيرية يعطيك الله بأفضلها، ويحاسبك على أكملها، فأنت تعمل الخيرات والصالحات، والله يعدك -إذا صبرت على ذلك- بأنه سيجزيك بأحسن أعمالك، لا بدونها أو بمستواها، بل بأفضلها.

وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا [النحل:96] على ماذا صبروا؟ على طاعة الله ورسوله، على ما قدم الله لهم من هذه العبادات الشرعية، فآمنوا بما أحل الله وبما حرم، فأحلوا الحلال وحرموا الحرام.اللهم اجعلنا منهم .. اللهم .. اجعلنا منهم .. اللهم اجعلنا منهم.

وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا َأَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:96] أحسن عبادة عبدت الله بها يعطيك أمثالها، ولله الحمد!

مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:96] هذا الوعد الإلهي الصادق يقول الله فيه: وعزتنا وجلالنا! لَنَجْزِيَنَّ [النحل:96] من؟ الَّذِينَ صَبَرُوا [النحل:96] صبروا على ما ابتلاهم الله به في هذه الدنيا من مظاهر الفقر والحاجة، فيصبر أحدهم على ما أعطاه الله، ولا يمد يده أبداً ولا لسانه ليأكل غير ما أعطاه الله؛ لأنه صبر وحبس نفسه على طاعة الله، حبس نفسه على الرضا بما أعطاه الله، فلا يلتفت إلى الدنيا ولا إلى أهلها، ولا يخون عهداً ولا ينكث ميثاقاً؛ لأنه صابر حابس النفس على مراد الله وطاعته.

مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:96]، الذين صبروا نوافلهم تصبح كالفرائض في ثمنها وأجرها، وأنت كذلك إذا صبرت فإن أعمالك الإصلاحية الخيرية يعطيك الله بأفضلها، ويحاسبك على أكملها، فأنت تعمل الخيرات والصالحات، والله يعدك -إذا صبرت على ذلك- بأنه سيجزيك بأحسن أعمالك، لا بدونها أو بمستواها، بل بأفضلها.

وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا [النحل:96] على ماذا صبروا؟ على طاعة الله ورسوله، على ما قدم الله لهم من هذه العبادات الشرعية، فآمنوا بما أحل الله وبما حرم، فأحلوا الحلال وحرموا الحرام.اللهم اجعلنا منهم .. اللهم .. اجعلنا منهم .. اللهم اجعلنا منهم.

وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا َأَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:96] أحسن عبادة عبدت الله بها يعطيك أمثالها، ولله الحمد!

الآية الرابعة: يقول تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] هذا وعد إلهي، ما هو العمل الصالح؟ هذه العبادات التي تعبدنا الله تعالى بها من كلمة: لا إله إلا الله، إلى إماطة الأذى من طريق المؤمنين، هذه الشرائع والعبادات كلها عمل صالح يزكي النفس ويطيبها، ليعدها لأن تقبل بعد الموت في الملكوت الأعلى: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10].

هذا حكم الله جل جلاله وعظم سلطانه، هذا حكم الله: قد أفلح من زكى نفسه وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:10] وخسر، وتدسية النفس تكون بالذنوب والآثام، وتزكيتها تكون بالإيمان وصالح الأعمال.

الإيمان شرط في قبول العمل الصالح

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النحل:97] والحال أنه مؤمن، فالأعمال الصالحة في الدنيا إذا قام بها أهل الكفر والشرك والفساد ما ينتفعون بها؛ لأنهم غير مؤمنين، الذين ينتفعون بالأعمال الصالحة فتزكو نفوسهم، وتطيب أرواحهم، وتعدهم لرضا الله عز وجل هم المؤمنون، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ [البقرة:277] فالإيمان سابق مقدم، آمِن وبعد ذلك اعمل، أما أن يعمل الصالحات فيكسو عريان الفقراء، ويطعمهم الطعام، ويداوي مرضاهم وهو غير مؤمن؛ فوالله ما يثاب في الآخرة على شيء؛ لأنه كافر، فلا بد من الإيمان أولاً.

والعمل الصالح هو الذي شرعه الله في كتابه، وبينه رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يوجد عمل صالح غير ما شرع الله وبين رسوله صلى الله عليه وسلم.

الصيام عمل صالح، الصلاة عمل صالح، الحج عمل صالح، الرباط في سبيل الله عمل صالح، كلمة الخير تقال للمؤمنين عمل صالح، حتى دفع الأذى عن المؤمنين من الأعمال الصالحات ومن أفضلها، لكن لا بد من الإيمان: وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النحل:97].

المراد بالحياة الطيبة

وأما الجزاء فيقول تعالى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] ما هي الحياة الطيبة؟ الحياة في الدار الآخرة لا أطيب منها، ومن أحياه الله في الدنيا حياة طيبة فمن المضمون أنه في الآخرة حياته طيبة في الجنة دار السلام، لكن الحياة الطيبة عندنا ما فيها خبث، ما فيها أكل حرام، ما فيها نجس، ما فيها محرم، طيبة وإن كانت قليلة تشد صلب صاحبها، وتقوي على عبادة الله، هذه هي الحياة الطيبة، أما الحياة التي طعامها حرام وشرابها حرام، وعملها باطل؛ فهذه الحياة خبيثة وليست بطيبة.

هذا وعد الله عز وجل، يقول تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى [النحل:97] رجل أو امرأة وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النحل:97] والحال أنه مؤمن، هذه الجملة حالية، وهو مؤمن صادق الإيمان، جزاؤه: فَلَنُحْيِيَنَّهُ [النحل:97] واللام دالة على القسم أي: وعزتنا لنحيينه حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] وقد تشاهدون -وقد عشتم وعرفتم- أن المؤمنين الطاهرين الأصدقاء الأوفياء الصابرين حياتهم طيبة، ما فيها نجس ولا وسخ ولا ربا ولا محرم، فمن وفقهم لذلك؟ الله عز وجل؛ بسبب إيمانهم وعملهم الصالح.

والذين تزعزع إيمانهم أو ضعف أو تلاشى، فطعامهم حرام، وشرابهم حرام، ولباسهم حرام، وحياتهم من أخبث الحياة.

معنى قوله تعالى: (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون)

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97] في الدنيا، وأمّا في الآخرة فلا تسأل: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97] مثلاً: صليت عشر ركعات وما كانت وافية، وصليت ركعتين أوفى من تلك فإنك تجزى بالتي هي أحسن لا بالتي هي دون وأقل، هذا وعد الله عز وجل: وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، وهذا يدخل في كل العبادات التي تعبدنا الله بها.




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
تفسير سورة النحل (25) 4589 استماع
تفسير سورة النحل (4) 4008 استماع
تفسير سورة إبراهيم (9) 3687 استماع
تفسير سورة الحجر (12) 3609 استماع
تفسير سورة النحل (13) 3542 استماع
تفسير سورة النحل (3) 3503 استماع
تفسير سورة إبراهيم (12) 3462 استماع
تفسير سورة النحل (16) 3360 استماع
تفسير سورة النحل (1) 3227 استماع
تفسير سورة الحجر (6) 3158 استماع