خطب ومحاضرات
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 45
الحلقة مفرغة
الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
ثم أما بعد: أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا ما زلنا مع نداءات الرحمن لأهل الإيمان، اللهم اجعلنا منهم، واحشرنا في زمرتهم، وارض عنا كما رضيت عنهم. آمين.
نكمل النداء الثاني والأربعين إن شاء الله، ثم نأتي بالنداء الثالث والأربعين، ونعيد تلاوة هذا النداء الكريم؛ تبركاً وطلباً لحفظه وفهم معانيه.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105].
بيان ما يزكي النفس وما يدسيها
[ الشرح: اعلم أيها القارئ الكريم! ] الذي يضع هذا الكتاب عند رأسه، ويسمع إلى نداء ربه، ويحفظ نداءه، ويفهم ما طلبه منه، ويستعد لتقديمه، هذا هو القارئ الكريم. وأبشركم فقد قام البارحة أحد المؤمنين وقال: أضيفوا للثلاثة آلاف نسخة ألفين من عندنا، فأصبحت خمسة آلاف، وإن شاء الله أيام وهي سبعون ألفاً، حتى لا يقول قائل: ليس عندنا الكتاب، وضعوه في الفنادق، حتى إذا نزل النزيل في الفندق بدلاً من أن يشاهد التلفاز فيصاب بالهوى والشيطان يقرأ نداء، ويتلذذ به، وينام على نوره.
الأمر بتزكية كل إنسان نفسه
قال: [ إذ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ [المدثر:38] ] ومعنى رهينة: مرهونة، والشيء المرهون لا أحد يفكه إلا إذا جاء بما دفع له، فكل نفس بكسبها مرهونة تجزى به [ وَلا تَزِرُ [الأنعام:164]يوم القيامة وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164] ] والوازرة أي: نفس تحمل وزراً، فهي تحمل زنابيل أو أكياساً من الذنوب والآثام، فهذه الوازرة المثقلة بالذنوب لا تحمل ذنوب آخرين، وهي لا تستطيع؛ لأنها ممتلئة، مثل السيارة المشحونة التي فيها ألف طن لا تجد مكاناً لوضع أطنانك الزائدة، قال تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى [فاطر:18]. وقد عرفتم أن المرأة تقول لولدها: يا ولدي! لقد عرفت أني كنت لك خير الأمهات، وأنا الآن في حاجة إلى حسنة واحدة ترجح بها كفة ميزاني، فيقول العبد الولد: إي أماه! أعلم أنك كنت لي خير الأمهات، ولكن نفسي نفسي، ويأتي الأب لابنه أيضاً ويقول: يا بني! لقد علمت أني كنت خير الآباء لك، والآن أنا في حاجة إلى حسنة ترجح بها كفة ميزاني، فيقول: إي والدي! أعلم أنك كنت لي خير الآباء، ولكن نفسي نفسي [ إذ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا [النساء:123] ].
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر منجيان لصاحبهما إذا ضل غيره من العباد
بالحب والنصرة يتحقق الولاء بين المؤمنين
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من صفات المؤمنين
من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرم الهداية
وقد بلغنا اليوم أن شبيبة تجمعوا في بلاد المتدينين أخذوا يتابعون السافرات، والتي يشاهدونها سافرة يؤدبونها، فتجمع شبيبة آخرون وقالوا لهم: اسمعوا إن قتلتم سافرة سنقتل خمساً وعشرين متحجبة، فعللوا يا علماء النفس! هذه الظاهرة، ليس لها علة إلا الجهل، فهم ما عرفوا الله، ولا جلسوا في حجور الصالحين، وهم شبيبة مسلمة في بلد إيمان وإسلام، ووالله إن لم يعودوا إلى بيوت الله ليتعلموا الكتاب والحكمة ويزكوا أنفسهم تحت تربية ربانية ما خرجنا من الفتن والإحن، ولا عززنا ولا سدنا، ولا كملنا بحال من الأحوال. وقد بينا الطريق، والآن كتاب المسجد وبيت المسلم موجود، فكل طالب علم يجمع قريته أو أهل حيه عليه، وإذا كان جاداً وصادقاً يقبل أيدي أهل الحي وأرجلهم، ويقول: ائتوا بنسائكم وأبنائكم، ويأتي هو بامرأته وأولاده، وسيأتون واحداً بعد واحد، وأسبوع وإذا هم كلهم في المسجد، فيعلمهم ليلة آية وأخرى حديثاً، فيتعلمون ويطهرون وينمون، ولا تمضي السنة إلا وهم ربانيون، فلا كذب ولا خيانة، ولا زنا لا فجور، ولا أغان ولا باطل، ولا خداع لا غش، بل يصفوا صفاء كاملاً، فلنفعل هذا، فلم يقيدنا أو يكبلنا أو يمنعنا شيء، ونحن كأننا نساق سوقاً إلى الهاوية، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قال: [ ولنصغ للترمذي ] صاحب السنن [ يحدثنا بما يلي: ... عن أبي أمية الشعباني قال: ( أتيت
قال: [ وأخيراً: نصغي بآذاننا إلى أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ] وقد صلنا هذا الخبر وبيننا وبينه ألف وأربعمائة سنة، وأبو بكر ورسول الله هناك في الحجرة مدفونين من قبل ألف وأربعمائة سنة. وقد وصلنا هذا الخبر وملايين البشر ما سمعوا به ولا عرفوه [ وهو يقرر ما سبق في شرح هذا النداء، وهو أنه لا هداية تتم للعبد ما لم يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، اللهم إلا أن يوجد في بلد أو ] في [ دار لا يرى فيها معروفاً متروكاً ولا منكراً مرتكباً، لقد أبو بكر الصديق رضي الله عنه خطيباً يوماً ] ما [ فقال: ( أيها الناس! تقرءون هذه الآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة:105]. وإنكم تتأولونها على غير تأوليها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه يوشك أن يعمهم الله بعقاب ). فلنذكر هذا فإنه هاد وكاف بإذن الله ] إذاً: من كان عنده جار يغني ويرقص مع بناته يدخل إليه يسلم عليه في البيت ويقول له: من فضلك أنت مؤمن، وقد انتهى هذا اللهو، وهذه الحالة قد انتهت، ولم تبق أغان ولا مزامير في بيوت المسلمين، بل أنت مؤمن، صل بأولادك وأهلك، وخذهم إلى المسجد يصلون. وإذا شاهد منكراً في أي حال من الأحوال يأتي إلى صاحبه ويضع رأسه أو فمه في أذنه ويقول له: أنت مؤمن، وأنت عبد الله، فلا تفعل هذا، فهذا لا يليق بمثلك، وهكذا لا يبقى دش على السطوح. وهذا هو الولاء والنصرة والمحبة، كما قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]. وعلة هذا الهبوط الجهل فقط، وليس هناك علة أخرى. وكيفية الخروج من هذا الجهل أن نقبل على الكتاب والسنة، وهم يقولون: مدارسنا كلها تعلم الكتاب والسنة، ونقول: إنكم لم تبنوها من أجل أن يعبد الله، ويتعلم دينه، وإنما من أجل الوظيفة، وإذا سألت الطلاب والطالبات: هل ذهبوا إلى المدرسة ليعرفوا الله فيحبوه، ويعملوا بإرشاده وطاعته أو للوظيفة؟ لقالوا: للوظيفة.
قال: [ أما قوله تعالى في ختام النداء: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [المائدة:105] إنه يحمل الوعد والوعيد ] الوعد بالخير والوعيد بالشر، ودائماً يكونا هكذا، فالوعد بالجنة والوعيد بالنار [ وعد لمن أطاع الله ورسوله فطهر نفسه وزكاها بالطاعة، ووعيد لمن عصى الله ورسوله فخبثت نفسه وداسها، وحكم الله في ذلك واضح، وهو قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [الشمس:9-10]. اللهم زك أنفسنا، أنت خير من زكاها، وأنت وليها ومولاها. وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين ] انتهينا من النداء السابق.
هذا النداء أمرنا الله تعالى فيه بتزكية أنفسنا وتطهيرها؛ إذ قال: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ [المائدة:105]، أي: ألزموها بالطهر والتصفية؛ لأن سعادتكم متوقفة على هذا ، فمن زكى نفسه وطيبها وطهرها بالأدوات الخاصة التي وضعت لتزكيتها وتطهيرها فهذا إن شقي العالم وضل كله لا يضره ذلك إن هو زكى نفسه وطيبها وطهرها، فأصبحت محلاً لرضا الله عز وجل وجواره بعد الموت، ولا يضره من ضل على الإطلاق، وهذا هو الذي دل عليه قوله تعالى: عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ [المائدة:105] أي: الزموا تطهيرها وتطييبها، وأدوات التطهير والتزكية: الإيمان والعمل الصالح، وليس هناك والله أمور أخرى تزكي النفس، لا ماء ولا صابون ولا سحر ولا غير ذلك، فلا تزكو إلا بالإيمان الصحيح والعمل الصالح المؤدى على الكيفيات التي وضعها الله ورسوله، والذي يدسي النفس ويخبثها ويدنسها هو الشرك والمعاصي، وكل ذنب يذنبه العبد أو الأمة يقع نكتة سوداء على قلبه، فإما أن يتوب فينمحي ويزول، وإما أن يزيد فيزيد حتى يختم على ذلك القلب وينتهي أمره، واقرءوا: بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [المطففين:14]. فهذا أمر عظيم. فينبغي أن نعرف أهم الأشياء، وهي أدوات التزكية والتطهير والتطييب للنفس البشرية، ولنعلم يقينياً أنها الإيمان الصحيح والعمل الصالح، فبهما تزكو النفس البشرية، ولنعرف ما يلوثها ويخبثها حتى تعفن وتصبح أهلاً لغضب الله وسخطه، وذلكم الشرك والمعاصي، والشرك والكفر سيان بمعنى واحد، فالكفر والمعاصي إذا صُبَّا على النفس حولاها إلى أنتن من أرواح الشياطين، وقد حكم الله في هذه القضية بقوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا [ الشمس:9-10]. سواء كان شريفاً أو وضيعاً، أو غنياً أو فقيراً، أو عربياً أو عجمياً، أو في الأولين أو في الآخرين، أو في السماء أو في الأرض، فمن زكى نفسه أفلح، ومن دساها خسر وخاب، ولا يوجد حكم غير هذا، ولا أحد يعقب على حكم الله، ولا يوجد هيئة للاستئناف، فقد قال تعالى في سورة الرعد: وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ [الرعد:41]. فحكم الله في هذه القضية: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا [الشمس:9]. وسواء كان أبيض أو أسود .. قصير أو طويل .. فقير أو غني، أو ابن زنا أو ابن كافرة، أو والده كافر فهذا غير مهم، وإنما فقط الروح إن زكت وأصبحت كأرواح الملائكة فقد أصبحت أهلاً لأن تنزل دار السلام في الملكوت الأعلى، وإن خبثت وتعفنت فمصيرها أتون الجحيم. فاعرفوا هذا زادكم الله علماً ومعرفة.
[ الشرح: اعلم أيها القارئ الكريم! ] الذي يضع هذا الكتاب عند رأسه، ويسمع إلى نداء ربه، ويحفظ نداءه، ويفهم ما طلبه منه، ويستعد لتقديمه، هذا هو القارئ الكريم. وأبشركم فقد قام البارحة أحد المؤمنين وقال: أضيفوا للثلاثة آلاف نسخة ألفين من عندنا، فأصبحت خمسة آلاف، وإن شاء الله أيام وهي سبعون ألفاً، حتى لا يقول قائل: ليس عندنا الكتاب، وضعوه في الفنادق، حتى إذا نزل النزيل في الفندق بدلاً من أن يشاهد التلفاز فيصاب بالهوى والشيطان يقرأ نداء، ويتلذذ به، وينام على نوره.
استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 72 | 4030 استماع |
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 49 | 3686 استماع |
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 68 | 3673 استماع |
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 47 | 3651 استماع |
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 41 | 3503 استماع |
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 91 | 3477 استماع |
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 51 | 3471 استماع |
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 50 | 3465 استماع |
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 60 | 3422 استماع |
نداءات الرحمن لأهل الإيمان 75 | 3373 استماع |