الصفحة 9 من 84

وتأمل قوله تعالى في سورة الحديد: { هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أينما كنتم } ، فقوله: { هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام } ، يتضمن إبطال قول الملاحدة القائلين بقدم العالم وإنه لم يزل وإنه لم يخلقه بقدرته ومشيئته، ومن أثبت منهم وجود الرب جعله لازماً لذاته الآن وأبداً غير مخلوق كما هو قول ابن سيناء وأتباعه من الملاحدة، وقوله تعالى: { ثم استوى على العرش } ، يتضمن إبطال قول المعطلة الذين يقولون: ليس على العرش سوى العدم وأن الله ليس مستوياً على العرش ولا ترفع إليه الأيدي، ولا تجوز الإشارة إليه بالأصابع إلى فوق كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم في أعظم مجامعه، وجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكبها إلى الناس ويقول: اللهم اشهد وسيأتي الحديث إن شاء الله .. فأخبر في هذه الآية الكريمة أنه على عرشه، وأنه يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء وما يعرج فيها، ثم قال: وهو معكم أينما كنتم، فأخبر أنه مع علوه على خلقه وارتفاعه ومباينته لهم معهم بعلمه أينما كانوا، قال الإمام مالك: الله في السماء وعلمه في كل مكان لا يخلو منه شيء، وقال نعيم بن حماد - لما سئل عن معنى هذه الآية -: وهو معكم أينما كنتم معناه أنه لا يخفى عليه خافية بعلمه. وسيأتى هذا مع ما يشابهه من كلام الإمام أحمد وأبو زرعة وغيرهما، وليس معنى قوله تعالى: وهو معكم أينما كنتم أنه مختلط بالخلق، فإن هذا لا توجبه اللغة وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة وأئمتها، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته هو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان، وهو سبحانه فوق العرش رقيب على خلقه مهيمن عليهم، مطلع عليهم إلى غير ذلك من معاني ربوبيته . وأخبر تعالى أنه ذو المعارج تعرج

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام