بالعبرانية، وعيسى بالسريانية، وداود باليونانية، ولا يقال إن كلام اللّه عز وجل لغات مختلفة، لأن اللغات صفات المخلوقين بل المفهوم من هذه اللغات كلام اللّه القديم الأزلي، كما أن العرب يسمونه اللّه، وغيرهم من العجم والترك خداى وأبودو شكرى ولا يقال إن هذا الاختلاف عائد إلى الرب، لأنه واحد لا خلف فيه، فكذلك كلامه أيضا، بل الاختلاف عائد إلى أفهامنا ولغاتنا. فمن قال بقدم هذه اللغات فلجهله وحمقه؛ لأن المتكلم في حال ما تكلم بالعربية والعبرانية معدومة، وكذلك السريانية واليونانية وما يوجد ويعدم لا يكون قديما.
فإن قيل: إذا قلتم إن كلام اللّه ليس بصوت ولا حرف ولا تدرك أسماعنا إلا ما هذه صفته فمن ينفي كيف يسمع وكيف يسمع يقال لهم: سماعنا لكلامه كعلمنا به.
فكما أننا لا نملك موجودا إلا جسما أو جوهرا أو عرضا ثم إن اللّه عز وجل معلوم لنا بخلاف ذلك، فكذلك أيضا سماعنا لكلامه خلاف سماعنا لكلام المخلوقين فنقيس سماعنا لكلامه على العلم به مع القدرية، وأما المشبهة فنقيس معهم سماعنا لكلامه على رؤيتنا له لأنهم يوافقوننا في الرؤية بخلاف القدرية: فيقال لهم: كما أن اللّه عز وجل يرى لنا غدا وليس يرى جسم لا محدود بخلاف جميع المرئيات التي نشاهدها اليوم فخلق الرب عز وجل لنا بصرا نبصر به، فكذلك خلق لنا سمعا نسمع به كلامه على ما هو عليه بخلاف المسموعات التي ندركها اليوم، والدليل على ما نذكره أن الرب عز وجل يخلق لنا سمعا نسمع به كلامه وبصرا نبصره به بخلاف ما نبصره اليوم ونسمعه، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم كان ينزل عليه جبريل عليه السلام، والصحابة جلوس فيراه النبي صلى اللّه عليه وسلم ويسمع منه، والصحابة لا يبصرونه ولا يسمعون منه، وبصره وبصرهم في الصورة سواء، وكذلك ملك الموت أيضا، فإن الميت يشاهده عند قبضه لروحه، وأهله حضور لا يشاهدونه، وكذلك الجن يروننا ولا نراهم فدل على أن العلة في ذلك، أن اللّه عز وجل يخلق للبصير بصرا يدرك به ما لم يدركه غيره، فكذلك يخلق له سمعا يسمع به كلامه، وفهما يفهمه به كما أفهم سليمان منطق الطير وخصه بذلك، وسمعنا وسمعه في الصورة سواء.
فإن قيل: أنتم تثبتون شيئين مختلفين قراءة ومقروءا أحدهما قديم والآخر محدث، ونحن لا نعقل إلا شيئا واحدا، وفي هذا شبهة القدرية والمشبهة، فالقدرية يقولون:
نحن لا نعقل إلا هذه القراءة وهي محدثة، والمشبهة يقولون نحن لا نعقل إلا هذه القراءة وهي محدثة القرآن ثم يثبتون قدمها؟ يقال لهم: لا يمنع أن يكون الإنسان في حال السماع فيسمع الشيئين المختلفين شيئا واحدا، ثم بالدليل يفرق بينهما، كالناظر