الصفحة 15 من 44

وذلك نقص، والرب عز وجل موصوف بصفات الكمال لا بصفات النقص «1» ؛ قال اللّه عز وجل: واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (الحجرات: من الآية 16) ، وقال تعالى: أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ (النساء: من الآية 166) .

ثم يعتقدون أن اللّه عز وجل قادر بقدرة واحدة قديمة أزلية تتعلق بجميع المقدورات، فلا يخرج مقدور عن مقدوراته، لأن ضد القدرة العجز فلو لم يكن في الأزل موصوفا بالقدرة لكان موصوفا بضدها وهو العجز، ثم يكون العجز صفة له قديمة، والقديم يستحيل عدمه كما ذكرنا في العلم فلا يكون أبدا قادرا، وذلك آفة، والرب عز وجل منزه عن الآفات. قال اللّه عز وجل: واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (آل عمران: من الآية 29) . والكلام في إثبات جميع صفاته الذاتية كالكلام فيما ذكرناه من إثبات العلم والقدرة.

ثم يعتقدون أن اللّه عز وجل مريد بإرادة قديمة أزلية، فجميع ما يجري في العالم من خير أو شر أو نفع أو ضر أو سقم أو صحة أو طاعة أو معصية فبإرادته وقضائه، لاستحالة أن يجري في ملكه ما لم يرده؛ لأن ذلك يؤدي إلى نقصه وعجزه. قال اللّه تعالى فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (البروج: 16) وقال تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ ومَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً (الأنعام: من الآية 125) .

والكلام في هذه المسألة مع القدرية يطول لأنهم لا يثبتونها على أصلهم، وهو أن العقل عندهم يوجب ويحسن ويقبح، وعند أهل الحق العقل لا يوجب ولا يحسن ولا يقبح، بل الحسن ما حسنته الشريعة والقبيح ما قبحته الشريعة «2» . قال اللّه عز وجل وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (الإسراء: من الآية 15) . فأخبرنا تعالى أنهم آمنوا من العذاب قبل بعث الرسول إليهم، فالواجب فعله ما لا يؤمن أمن في تركه عذاب، فعلم بهذه الآية أن اللّه تعالى لم يوجب على العقلاء شيئا من جهة العقل، بل أوجب ذلك عند مجيء الرسل من قبل اللّه تعالى، ولأن العقل صفة للعاقل وهو محدث

(1) فالعلم هو: صفة أزلية متعلقة بجميع الواجبات والجائزات والمستحيلات على وجه الإحاطة على ما هي به، من غير سبق خفاء. انظر/ شرح البيجوري على الجوهرة (ص/ 68) .

(2) انظر/ إحكام الأحكام لسيف الدين الآمدي (1/ 113) ، نهاية السئول للأسنوي (1/ 258) .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام