فهرس الكتاب
    الصفحة 33 من 348

    ( .. ولا ريب في أن أهل النقل والأثر المتبعين آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وآثار أصحابه، هم أهل السنة، لأنهم على تلك الطريق التي لم يحدث فيها حادث: وإنما وقعت الحوادث والبدع بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه) [1] .

    إذا أهل السنة يقصد به معينان: الأول: متابعة السنن والآثار الواردة عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته - رضي الله عنهم - والعناية بها وتمييز صحيحها من سقيمها والتزام موجبها من الأقوال والأعمال في مجال العقيدة والأحكام، الثاني: أخص من المعنى الأول، وهو الذي عناه بعض المصنفين، حيث سموا كتبهم باسم السنة كابن أبي عاصم وأحمد بن حنبل وابنه والخلال وغيرهم، ويعنون بذلك الاعتقاد الصحيح الثابت بالنص والإجماع، وفي كلا المعنيين يتبين لنا أن مذهب أهل السنة امتداد لما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وصحابته الكرام رضوان الله عليهم، أما التسمية بأهل السنة فنشأت بعد الفتنة عند بداية ظهور الفرق، قال ابن سيرين - رحمه الله: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم) [2]

    وسئل الإمام مالك - رحمه الله - (من أهل السنة؟ قال: أهل السنة الذين ليس لهم لقب يعرفون به لاجهمي ولا قدري ولا رافضي) [3] ثم لما صارت للجهمية شوكة ودولة امتحنوا الناس ودعوهم إلى التجهم بالترغيب والترهيب فآذوا الناس وعذبوهم، بل وقتلوا بعض من لم يقل بقولهم، فسخر الله لأهل السنة الإمام أحمد - رحمه الله - حيث صبر على امتحانهم وابتلائهم، وناظرهم، وفند حججهم، وأعلن السنة وأظهرها ووقف في وجه أهل البدع والكلام، فصار بسبب ذلك يقلب بإمام أهل السنة والجماعة، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله: ( .. وأحمد بن حنبل، وإن كان قد اشتهر بإمام السنة والصبر في المحنة، فليس ذلك لأنه انفرد بقول أو ابتدع قولاً، بل لأن السنة التي كانت موجودة معروفة قبله علمها ودعا إليها، وصبر على من امتحنه ليفارقها، وكانت الأئمة قبله قد ماتوا قبل المحنة .. ) [4]

    نستنتج مما سبق أن مصطلح أهل السنة اشتهر عند الأئمة المتقدمين: كمصطلح مقابل (( لمصطلح أهل الأهواء والبدع ) )من الرافضة والجهمية والخوارج والمرجئة وغيرهم، فأهل السنة هم الذين بقوا على الأصل الذي كان عليه رسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه.

    (1) تلبس إبليس لابن الجوزي 16، وانظر الفصل لابن حزم 2/ 107.

    (2) رواه مسلم في مقدمة صحيحة ص 15.

    (3) الانتقاء في فضائل الثلاثة الأئمة الفقهاء لابن عبد البر 35.

    (4) منهاج السنة 2/ 601،602 وانظر نصا مشابهاً في درء التعارض 5/ 605.

    حجم الخط:
    شارك الصفحة
    فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام