الصفحة 3 من 106

القرآن الثناء العطر، ومدحتهم السنة، وشهد لهم التاريخ ببذلهم وتضحياتهم، ورغم هذا فلم ينجوا من أن يكونوا ضحية للمغالين في هذا الفكر المنحرف.

ثم توسع هؤلاء فحكموا بالكفر على من لم يكن معهم، وتبع هذا فتاوى وأحكام فقهية، فقد قضى علماؤهم بسقوط فرض الحج عنهم، وتعجب عندما تعلم أن السبب إنما هو لكون مرورهم (الغلاة) على بلاد المجبرة (أهل السنة) ، ولا يمكن لهم الاحتراز من رطوباتهم، وهم يرون تنجيسها بشركهم؛ فأثبتوا فيهم أحكام المشركين وبعضهم بل أكثرهم لا يستنفعون بالزعفران، ولا يأكلون طبيخاً هو فيه -لكون الزعفران من بلاد المجبرة- ولا بد من ترطيبهم له عند جناته من أشجاره!! وما ذلك إلا لتكفيرهم أهل السنة، وإجرائهم أحكام الكفار عليهم، ويحكون عن أنفسهم أنهم متفقون على الرواية عن أئمتهم! أن حكم المجبرة حكم الحربيين!!!

ولو تقدمنا في الزمن قليلاً لوجدنا فرقة المعتزلة، والتي ادعت أنها ترفع راية العقل والمنطق، فعندما تحقق لها شيء من الجاه السياسي، واعتنق بعض الخلفاء أفكارها نبذت العقل والمنطق جانبا وقامت بامتحان الناس في إيمانهم والزج بهم في السجون وتعذيبهم مريدة منهم تغيير معتقداتهم المستندة إلى القرآن وصحيح السنة، وموافقتهم على عقيدتهم، والتي لا يسندها نقل ولا عقل، ولو من وجهة النظر الأخرى على الأقل، والتي كان أبرزها في ذلك الحين مسألة خلق القرآن، وأظهر لنا التاريخ نموذجاً آخر للغلو التكفيري في هذا الفكر، وكيف أن قاضياً مغموراً جاهلاً بالدين والسنة، يفعل ما فعل لهوى في نفسه، وبدعة ملكت عليه شغاف قلبه.

لقد كان زعماء المعتزلة أناس لم يكن لهم السبق في الدين ولم يعرف عنهم كبير أثر في واقع الأمة العملي والعلمي أيضا إذ كان يغلب عليهم التأثر باتجاهات فكرية وافدة، أتت من خلف الحدود الإسلامية، إضافة إلى عدم مشاركتهم في علوم القرآن والسنة إلا من ندر منهم، وهذا لربما أفسح المجال واسعا لتنامي بدعة التكفير الغالي والتي حدت بهم إلى أن يفعلوا ما فعلوا، ولتصبح فترة ظهور المعتزلة فترة استعرت فيها المعارك بين جمهور الأمة من جهة والمعتزلة -و الذين كانوا قلة قليلة- من جهة أخرى.

ونقل بعضهم عن أحد علمائهم أنه أوجب بأن من لم يصف الباري -تعالى- بصفاته التي وصفوه بها أو تحير فيما وصفوه به بأنه مرتاب، وأن حكمه حكم الحربيين.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام