المقدمة
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله رحمة للعالمي، وأرسله ليبلغ الدين ويقيم الحجة فمن الناس من آمن به وصدق ومنهم من كفر به وجحد، وبعد.
فإن مسألة التكفير من المسائل الخطيرة التي ناقشها علماء الإسلام، وبينوا حدودها وضوابطها، لما في التمادي والغلو فيها بدون أي قيد أو ضابط من انعكاسات سلبيات مدمرة ومؤثرة على مسيرة الأمة الثقافية والعلمية والعملية، ولما في تمييعها من مضار دينية ودنيوية.
ولقد كان من أكثر الأسباب التي جعلت العلماء يهتمون ببيان قواعد وضوابط التكفير هو الرد على الفرق الغالية، والتي أصبحت تتخذ التكفير منهجاً تنطلق منه، وتبني وفقه آراءها وتوجهاتها، وأصبحت تُنَظر له في كل عمل فكري، محاولة حل أية قضية عملية أو علمية من خلال منظومة التكفير الفكرية وتطبيقها على أرض الواقع، وبالأسلوب الفج الذي لا يرتضيه النهج الإسلامي الحنيف، فرأى العلماء ضرورة كشف زيف هذا الفكر وعواره وتبيين معايبه للناس كي لا يقعوا في شره، وشر ما يقود إليه كما وقع فيه أقوام فضلوا وأضلوا.
لقد ظهر هذا الفكر بقوة عند فرقة عرفت عند العلماء بفرقة الخوارج، والتي برزت في عهد الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
لقد كانت السمة الرئيسية لهذه الفرقة هي رمي الناس بالكفر والمروق من الدين، وحشر الناس جميعاً في زاوية الإلحاد، وأخذ أصحابها يكفرون الناس لأتفه الأسباب، وأشعلوا في سبيل ذلك حروباً طاحنة مع الأمة بأسرها، استباحوا فيها الأموال والأعراض والدماء.
وبسبب التشدد الذي اتصف به هذا الفكر لم يلبث إلا قليلاً حتى اندثر، ولم يبق له إلا مناوشات طفيفة هنا وهناك.
ولم تقتصر هذه البدعة على من سبق فقط بل انتشت هذه البدعة أيضاً لدى طوائف أخرى، إذ ظهر مبتدعون آخرون كل كان يدعو إلى بدعته ويزينها للناس، ويدعي دعاوى باطلة في ثياب حق، فإذا ما أحس بالقوة أعلن التمرد وكفر الأمة وكر عليها بالسيف.
ومن أمثلة هذه البدع ظهور طائفة لم تكتف بتكفير الأمة فقط بل تعدت ذلك لتكفر خيار الأمة وهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلاميذه الذين فتحوا الدنيا، والذين أثنى عليهم