فهرس الكتاب
الصفحة 5 من 121

وفي أوائل القرن الثالث الهجري أظهر هذه البدعة السيئة بشر المريسي، المتوفى سنة: (218 هـ) ، والكتاب الذي بين أيدينا يعطي فكرة واضحة عن هذه الفتنة.

أحمد بن أبي دؤاد ودوره في نشر الفتنة

بعد بشر المريسي أخذ الفتنة أحمد بن أبي دؤاد الذي نشأ وتضلَّع في علم الكلام، وكان فصيحاً معظماً عند المأمون، يصغي إلى كلامه ويأخذ برأيه، فهنا بدأت المرحلة الخطيرة في قضية خلق القرآن، لأن أول ما نشأت هذه الفتنة كانت فكرة مرذولة قال بها قلة، وكانت محارَبة، محدودة، مُسَيْطَر عليها، لكنها عندما وصلت إلى أحمد بن أبي دؤاد، الذي كان له حِظْوَة عند الخليفة المأمون صاحب القوة والسلطة، وكان يسمع من ابن أبي دؤاد ولا يسمع فيه، زين له القول بخلق القرآن وحسنها عنده، حتى اعتنقها المأمون وصارت عنده حقاً مبيناً، وكان ذلك في سنة: (218 هـ) وحمل الناس على ذلك وأكرههم، وبدأت المحنة بأن كتب المأمون إلى نائبه على بغداد إسحاق بن إبراهيم الخزاعي في امتحان العلماء، قال له: اجمع القضاة والمحدثين والفقهاء وامتحنهم بخلق القرآن، واسأل كل واحدٍ في المجلس العام هل القرآن مخلوق أم لا؟

قال الذهبي: وفي سنة (218 هـ) امتحن المأمون العلماء بخلق القرآن وكتب في ذلك إلى نائبه ببغداد، وبالغ في ذلك، وقام في هذه البدعة قيام معتقد بها، فأجاب أكثر العلماء على سبيل الإكراه وتوقفت طائفة، ثم أجابوا وناظروا، فلم يُلتفت إلى قولهم، وعظمت المصيبة بذلك، وهدد على ذلك بالقتل. وكان أول من امتحن في فتنة خلق القرآن الإمام عفان بن مسلم، وكان يعارض هذه الفكرة، ويأبى الرضوخ لها، يقول الذهبي: فلما دعي عفان للمحنة وحضر، وعرض عليه القول بخلق القرآن، امتنع أن يجيب، فقيل له: يُحْبَس عطاؤك، وكان يُعْطَى في كل شهر ألف درهم، فقال: [وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ] [1] . فلما رجع إلى داره بعد هذه المواجهة، عذله نساؤه ومَن في داره، وكان متكفلاً لنحو من أربعين

(1) الذاريات:22

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام