هذا هو خلاصة هذا العلم الشريف ، إثبات ما أثبته الله تبارك وتعالى لنفسه ، ونفي ما نفاه عن نفسه ، فمن أثبت ما نفى الله أو نفى ما أثبت الله ، وقع في الضلال والزيغ بأي مبرر كان ، وبأي مسوغ ذكر ، إذا أثبت لله شيئا نفاه الله ، أو نفى عن الله تبارك وتعالى شيئا أثبته الله ، فهذا في غاية الخطورة ، وضرره على الإنسان ضرر بالغ ، ليس في أمر الاعتقاد فحسب ، بل في أمور الدين كلها...
قال تعالى:"وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ (*) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ" [فصلت/22، 23]
تأمل في الآية لترى الخطأ الذي وقع فيه هؤلاء وما ترتب عليه:"وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ"هنا نفي لشيء أثبته الله -عز وجل- الله الذى أحاط بكل شيء علما ، وأحصى كل شيء عددا ، ولا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحاط علمه بها - سبحانه وتعالى- يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، فهؤلاء قالوا في حق الله: إنه لا يعلم كثيرا مما يعملون ، لم ينفوا الصفة من أصلها بل أثبتوها ، ولكنهم اعتقدوا أن علم الله - سبحانه وتعالى- الذي أثبتوه له ليس محيطا ولا شاملا، بل يفوته - تعالى الله عن قولهم- كثيرا مما يعمله الناس ، ولم يقولوا أيضا يفوته كل ما يعمله الناس بل قالوا كثيرا، فلم ينفوا هذه الصفة من أصلها ، ولم يجحدوها من أساسها ، وإنما نفوا علم الله -سبحانه وتعالى- بكثير مما يعمله الناس