فهرس الكتاب
الصفحة 75 من 700

كما قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} 1.

الثانية: أنه كان {قَانِتاً لِلَّهِ} ، أي: خاشعًا مطيعًا، دائمًا على عبادته وطاعته كما قال شيخ الإسلام: القنوت في اللغة: دوام الطاعة. والمصلي إذا طال قيامه أو ركوعه أو سجوده، فهو قانت في ذلك كله. قال تعالى: {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} 2 فجعله قانتًا في حال السجود والقيام. انتهى.

فوصفه في هاتين الصفتين بتحقيق العبودية في نفسه أولاً علمًا وعملاً. وثانيا: دعوة وتعليمًا واقتداء به، وما كان يقتدى به إلا لعمله به في نفسه، ووصفه في الثانية بالاستقامة على ذلك كما قال تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} 3. فتضمنت العلم والعمل والاستقامة والدعوة.

الدعوة الثالثة: أنه كان حنيفًا، والحنف الميل، أي: مائلاً منحرفًا قصدًا عن الشرك كما قال تعالى حكاية عنه: {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 4 وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} 5.

الرابعة: أنه ما كان من المشركين. أي: هو موحد خالص من شوائب الشرك مطلقًا، فنفى عنه الشرك ـ على أبلغ وجوه النفي، بحيث لا ينسب إليه شرك وإن قل ـ، تكذيبًا لكفار قريش في زعمهم أنهم على ملة إبراهيم عليه السلام.

وقال المصنف في الكلام على هذه الآية: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} 6، لئلا يستوحش سالك الطريق من قلة السالكين. {قَانِتاً لِلَّهِ} 7، لا للملوك ولا للتجار المترفين {حَنِيفاً} لا يميل يمينًا ولا شمالا كفعل العلماء المفتونين {وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 8 خلافا لمن كثر سوادهم وزعم أنه من المسلمين. قلت: وهو من

1 سورة السجدة آية: 24.

2 سورة الزمر آية: 9.

3 سورة فصلت آية: 33.

4 سورة الأنعام آية: 79.

5 سورة الروم آية: 30.

6 سورة النحل آية: 120.

7 سورة النحل آية: 120.

8 سورة النحل آية: 120.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام