-رضي الله عنه - قال: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظِةُ بليغة، ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب، فقال قائلٌ: يا رسول الله كأن هذه موعظةُ موَدِّع فما تعهدُهُ إلينا؟ فقال:
(( أوصيكم بتقوى الله [1]
(1) قال (( أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًا. هذا تخصيص بعد التعميم؛ لأن الوصية بتقوى الله تشمل الخوف من مخالفة السنة والتي منها التباين والبعد عن السمع والطاعة. قال: والسمع والطاعة وإن كان عبدًا حبشيًا؛ قوله:"وإن كان عبدًا حبشياً"لأن الأصل السمع والطاعة يكون لولاية الاختيار وولاية الاختيار تكون في قريش كما قال - صلى الله عليه وسلم - الأئمة من قريش ما بقي في الناس اثنان. يعني إذا كان الأمر أمر اختيار أما لو كان الأمر أمر تغلب فالولاية أيضًا شرعية يعني قام قائم فغلب الناس بسيفه أو لم يوجد من هو الأصلح من قريش فإن الأمير يطاع والإمام يطاع سواء كان من قريش أو ليس من قريش فالولاية ولايتان في عقيدة أهل السنة والجماعة ولايتان:
ولاية اختيار: وهي التي يجتمع بها أهل الحل والعقد فيختارون من فيه صفات الإمام الكاملة من كونه قرشيًا عالمًا قادرًا على أعباء الولاية من الجهاد ونصرة الدين ونحو ذلك سليمًا من الآفات أو النقائص مثل عدم السمع أو الرؤية بالبصر ونحو ذلك هذه تسمى ولاية اختياركما فعلوا لما ولي أبو بكر - رضي الله عنه - عمر الولاية بعده وكما فعل النفر الستة من الصحابة لما ولوا عثمان بعد عمر- رضي الله عنه -.
أما ولاية التغلب: فهي التي لا تجتمع فيها الشروط لكنها تغلب فتجب طاعته والسمع له، وله حقوق الإمام من قريش تامة لكن الولاية اختلفت لهذا قال هنا: أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة يعني وأوصيكم بالسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً، يعني حتى لو وصل الأمر إلى أن يكون الذي تولى ليس من العرب، وليس من قبائلها وليس من أشراف الناس بل كان عبدًا حبشيًا فاسمع وأطع؛ لأن المقصود من الاجتماع والسمع والطاعة هو تحصيل الاجتماع في الدين فثم تلازم عظيم بين الاجتماع في الدين والاجتماع على الولاية فلا يحصل اجتماع في الدين إلا بالاجتماع على الولاية فإذا صار تفرق في الدين تفرق الناس في الولاية وكذلك إذا تفرق الناس عن الولاية لم يحصل ما أمر الله تعالى به من الاجتماع في الدين، فهذا يؤول إلى هذا وذاك يؤول إلى ذاك وعلل ذلك - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (( فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا ) )يعني اختلاف كثير يعني في أمر الدين وفي أمر الولاية، وفي أمر الحقوق سيرى اختلافًا كثيرًا، اختلاف كثير عن ما يعلمه من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: (( فعليكم بسنتي ) )إذا رأيتم الاختلاف (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ) )وسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنة الخلفاء تأمر بالاجتماع وتنهي عن الفرقة، وتأمر بالسنة وتنهى عن البدع وتأمر بالعلم النافع والعمل الصالح.
ش5 وجه أ 18/ 6، 2/ 7/1419 هـ
والمقصود بذلك يعني بالمحدثات المحدثات في الدين وأما المحدثات في أمر الدنيا وهي التي تدخل في أحوال الناس أو تكون من باب المصالح المرسلة فليست من البدع المذمومة؛ لأن المحدثات قسمان:
1 -محدثات في الدين: وهذه هي المرادة في هذا الحديث (( وإياكم ومحدثات الأمور ) )يعني في الدين والمقصود بقوله (( فإن كل محدثة بدعة ) )يعني: في الدين.
2 -محدثات في أمور الدنيا: مثل الأبنية ومثل طريقة الأكل وتنوع المآكل ونوعية الأكل ومثل تأليف الكتب والدواوين وتنظيم أمور الدولة ونحو ذلك مما حصل بداياته في عهد عمر ثم تتطور، تتطور إلى ما بعد ذلك فهذا ليس من المحدثات في الدين.
فإذاً لا يدخل في المحدثة ما كان في الدنيا والثاني ما كان من قبيل المصالح المرسلة لا تدخل في البدع، فالمحدثات قسمان كما قال الشافعي منها ما هو في الدين وهذا هو المذموم ومنها ما هو في الدنيا وهذا ليس بمذموم فقوله (( فإن كل محدثة ) )يعني هذا مقيد، كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة هذا على عمومه بأن البدع مذمومة كلها وكلها ضلال.
الرواية الثاني (( لقد تركتم على البيضاء ليلها كنهارها ... ) )عدد من الوعاظ أو من ما هو شائع يأتون بزيادة تركتم على المحجة البيضاء وأنا ما وقفت عليها في حديث لفظ المحجة:"تركتكم على المحجة البيضاء"وإنما الذي جاء في هذه الرواية وحديث آخر أيضاً في المسند (( تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ) )فلفظ المحجة يحتاج إلى مزيد بحث اهـ.