الصفحة 57 من 92

83 -وعن عبد الله بن ثابت بن الحارثِ الأنصاري - رضي الله عنه - قال: دخل عمر - رضي الله عنه - على النبي - بكتاب فيه مواضعُ من التوراة، فقال: هذه أصبتها مع رجل من أهل الكتاب، أعرضُها، عليك فتَغَيَّرَ وجه رسول الله -؟ تغيُّراً شديدًا لم أرَ مثله قطُّ، فقال عبد الله بن الحارث لعمر - رضي الله عنهما: أما ترى وجه رسول الله -؟ فقال عمر: رضينا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ نبيًا، فسُرِّيَ عن رسول الله - وقال: (( لو نزل موسى فاتبعتموه وتركتموني لضللتم، أنا حظُّكم من النبيين وأنتم حظِّي من الأمم ) ).

رواه عبدالرزاق وابن سعدٍ والحاكم في"الكنى" [1] .

7 -بابُ حقوقِ النبي - [2]

(1) رواه عبدالرزاق في"المصنف" (6/ 113) رقم: (10164) ومن طريقه رواه أحمد في"المسند" (3/ 470) (4/ 265) من طريق سفيان الثوري عن جابر عن الشعبي عن عبد الله بن ثابت.

(2) هذا الكتاب هو كتاب أصول الإيمان للإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- ورفع درجته مع الصديقين والشهداء والصالحين وجزاه عنا وعن المسلمين خير الجزاء بما بيّن وجاهد وعلم وترك الناس بعده على سنة محمد - في هذا الكتاب يبين أصول الإيمان

وأصول الإيمان المراد بها أركان الإيمان ويريد بها أيضًا شعب الإيمان العظام التي هي أصول بالنسبة إلى غيرها؛ لأن الأيمان بضع وستون أو بضع وسبعون أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان، شعب الإيمان لها أصول، هذه الأصول هي التي تجمع شُعباً كثيرة، كل أصل يجمع شُعباً كثيرة، فلهذا ذكر إمام الدعوة -رحمه الله- هذا الباب باب حقوق النبي - وهذا بالنظر إلى جهتين:

الجهة الأولى: أن أركان الإيمان منها الإيمان بالرسل، الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وقد ذكر قبل ذلك الإيمان بالله وذكر الصفات وما يتصل بذلك، ثم ذكر الإيمان بالملائكة والإيمان بالقرآن، ثم ذكر هنا الإيمان بالنبي - والإيمان به - هو أحد أركان الإيمان وأحد ركني الشهادة التي هي الواجب الأول والفرض الآكد في الشريعة.

الجهة الثانية: أن حق انبي - تدخل فيه شعب كثيرة أو تتفرع منه شعب كثيرة من جهة الإيمان به ومن جهة متابعته عليه الصلاة والسلام وتقديم قوله وسنته والاستدلال بها وطاعته عليه الصلاة والسلام، ونحو ذلك من شعب الإيمان.

لهذا ذكر الإمام - رحمه الله - هذا الباب حقوق النبي عليه الصلاة والسلام لتعلقه بأصول الإيمان من الجهتين.

حقوق النبي - متنوعة وكثيرة دلت الآية والأحاديث على أنواع من الحق له عليه الصلاة والسلام فأعظم حق له عليه الصلاة والسلام وأوجب حق له الإيمان بأنه رسول من عند الله جل وعلا- صادق مصدوق، ون ما جاء به حق من عند الله -جل وعلا- فالشهادة له بأنه رسول الله وأنه عبدالله ورسوله هذا من أعظم حقوقه - ولهذا أعظم الحسنات حسنة التوحيد وهي أعظمها التحقق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، كما أن أبشع السيئات سيئة الشرك لهذا أعظم حق له عليه الصلاة والسلام هو الإيمان به والشهادة بأنه رسول الله وأنه خاتم الأنبياء وخاتم المرسلين وأنه بلغ ما أمره الله -جل وعلا- ببلاغه وأنه جاهد في الله -جل وعلا- حق جهاده فحقه أن يؤمن به وأن يشهد له بالشهادة الحق.

ثم من ثمرات ذلك أن يطاع - كما قال -جل وعلا-: - وأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ - فجعل الله -جل وعلا- طاعة الله وطاعة رسوله تجب استقلالاً لما لله -جل وعلا- من حق عظيم في طاعته ولما لرسوله - من حق عظيم في طاعته إذ هو المبلغ عن الله -جل وعلا- لهذا قال العلماء كرر الله -جل وعلا- الفعل (أطيعوا) في حق الله وحق رسوله ولم يأت به في حق ولاة الأمر فقال -جل وعلا-: - أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَاوِيلاً - فأمر بطاعة الله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول كذلك كرر الفعل ولما جاء إلى ولاة الأمر قال أولي الأمر منكم ولم يقل وأطيعوا أولي الأمر منكم؛ لأن طاعة الله تجب استقلالاً فيما قاله الله -جل وعلا- في القرآن فيما أمرنا به أو نهانا عنه، كذلك طاعة رسول الله - يجب استقلالاً لأنه المبلغ عن الله وفي الأحاديث أحكام وأخبار وأوامر ونواهي وأشياء ليست في القرآن وأما ولاة الأمر فطاعتهم واجبة في غير المعصية ولكنها طاعة تبع لطاعة الله -جل وعلا- وطاعة رسوله إذ لا تجب طاعتهم استقلالاً فهم لا يستقلون فيما يأمرون به أو ينهون عنه بل لابد أن يكون ما أمروا به أو نهوا عنه أنه معروف في الشريعة ولهذا قال عليه الصلاة والسلام لما ذكر الطاعة: (( إنما الطاعة في

المعروف )) يعني في ما يعرف في الشريعة أما إذا أمروا بشيء مخالف لما أمر الله -جل وعلا- به وما أمر به رسوله - يعني في معصية فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

المقصود أن طاعة الرسول - من أعظم حقوقه - ولهذا ألف الإمام أحمد -رحمه الله- كتاباً في طاعة الرسول وهو كتاب نفيس نقل عنه ابن القيم نقولاً كثيرة في كتابه:"معالم الموقعين عن رب العالمين"أو"أعلام الموقعين عن رب العالمين"ونقل أيضاً عنه في"وبدائع الفوائد"وفي غيره.

قال الإمام أحمد: ذكر الله طاعة رسوله - في أكثر من ثلاثين موضعًا في القرآن وهذا لا شك مما يؤكد الأمر جدًا.

سؤال: ما معنى طاعة الرسول عليه الصلاة والسلام؟

الجواب: معناها أن تقدم سنته على الأهواء وعلى العقول وعلى الآراء المختلفة: - وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا - وأن يُحكم بالكتاب والسنة فالإنسان في نفسه يحكم يهما وكذلك في أقضية الناس وما يفصل بينهم وسواء في ذلك المسائل العلمية أو المسائل العملية ولهذا جاء الفلاسفة والمتكلمون من المعتزلة وأصنام المتكلمين جاءوا ولم يحكموا في الواقع السنة وإنما عارضوها بعقولهم وقد فرطوا في حق عظيم للنبي -. فإذًا حق النبي - أن يطاع وطاعته ومحبته تبعًا لطاعة وحبة الله -جل وعلا-؛ لأنه رسول الله - جل جلاله - وتقدست أسمائه.

ومن حقه عليه الصلاة والسلام الذي ذكره إمام الدعوة هنا ما جاء في قوله: (( ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ) )قوله (أحب إليه مما سواهما) مثل ما جاء أيضاً في الحديث الآخر الذي ذكر، وهو قوله: (( لا يؤمن أحدكم ) )ـ يعني الإيمان الكامل ـ (( حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ) )يعني من جهة الطاعة ومن المحبة له عليه الصلاة والسلام.

كذلك من حقوقه التي دل عليها حديث المقدام أن سنته من جهة الاتباع قرينة القرآن فالاتباع للكتاب والسنة نعم كتاب الله أعظم؛ لأنه كلامه -جل وعلا- وسنة النبي - هي أيضًا وحي من عند الله -جل وعلا- كما قال حسان بن عطية كان جبريل ينزل على رسول الله - بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن. وهذا هو معنى قوله في حديث المقدام (( ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه ... ) )مثل القرآن يعني فيما يشتمل عليه من الخبر والأمر والنهي، فالقرآن مشتمل على الأخبار والأوامر والنواهي التي يجب اتباعها وتصديق الأخبار كذلك السنة مثل القرآن أعطيها النبي - مشتملة على الأخبار التي يجب تصديقها والإيمان بها والأمر والنهي الذي يجب اتباعه. فمن رد السنة أصلاً كحال والعياذ بالله طوائف من الخوارج والمتكلمين أعني الفلاسفة والقرآنيين فهؤلاء قد فرطوا في حق النبي - ومن ترك بعض السنة فقد فرط أيضًا فيما بجب أن يقوم به من حق النبي -، فلهذا الوصية لنفسي وللجميع بأن توطن النفس على قبول ما جاء في السنة وعلى اعتقاد ما صح في السنة عنه -، وعلى طاعة نبينا - وألا نقدم الآراء والأهواء على ما جاء في سنته عليه الصلاة والسلام قد يغفل الإنسان وقد يذنب وقد يخالف، لكن لابد من هذه العقيدة أن يعتقد وجوب الاتباع وأنه لا يخالف لا يذهب إلى الهوى مخالفة وأن حقه عليه الصلاة والسلام في طاعته، طاعة سنته، وأنه أوتي مثل القرآن التي هي السنة والحكمة، وقد أحسن ابن القيم - رحمه الله - إذ قال:

فوالله ما خوفي الذنوب فإنها ... لعلى سبيل العفو والغفران

لكنما أخشى انسلاخ القلب من ... تحكيم هذا الوحي والقرآن

يعني الكتاب والسنة، هذه هي المصيبة العظيمة، فالذنب قد يكون أخف وقد يكون من الكبائر، لكن أخف بكثير من رد السنة وعدم المبالاة بها. نسأل الله -جل وعلا- لنا ولكم الثبات ولإخواننا المسلمين الهدى والرشاد اهـ.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام