[دخول الملك على النطفة بعدما تستقر في الرحم]
44 -وعن حُذيفة بن أسيد - رضي الله عنه - يبلُغُ به النبي - قال: (( يدخُلُ الملك على النُّطفةِ بعدما تستقر في الرحم بأربعين أو خمسين وأربعين ليلة، فيقول: يا رب أشقيٌّ أو سعيدٌ؟ فيُكتبان، فيقول: يا رب أذكرٌ أو أنثى؟ فيُكتبان، ويكتب عمله واثره وأجله ورزقه، ثم تُطْوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص ) ). رواه مسلم [1] .
(1) رواه مسلم كتاب القدر (4/ 2037) رقم: (2644) ، ورواه مسلم (4/ 2038) من طريق عكرمة بن خالد وكلثوم عن أبي الطفيل عن حذيفة نحوه.
هذا الحديث تتمة في المعنى لما في الحديث السابق من أن الملك يأتي بعد زمن فيكتب هذه الأشياء، قال في آخره ثم تطوى الصحف فلا يزاد فيها ولا ينقص، هذا دليل على ما ذكرت لك من أن الكتابة هذه لا تتغير وليست مثل الكتابة التي في أيدي الملائكة الكتابة السنوية أو اليومية التي يزاد فيها وينقص فيما هو موجود في اللوح المحفوظ كما قال سبحانه: - يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ - قال ابن عباس - رضي الله عنهما- - يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ - مما في أيدي الملائكة من الصحف - وَعِندَهُ أُمُّ
الْكِتَابِ - يعني ما في اللوح المحفوظ لا يتغير ولا يتبدل، كذلك ما في صحف الملائكة في التقدير العمري للإنسان هذا أيضًا لا يتغير ولا يتبدل كما دل عليه هذا الحديث (( فلا يزاد فيها ولا ينقص ) ).
هذا الحديث فيه مسألة أخرى ليست متصلة بالقدر في قوله: (( يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ليلة ) )وحديث عبد الله بن مسعود أن البعث يكون بعد أربعين وأربعين وأربعين يعني بعد مائة وعشرين ليلة، كيف يوفق بين هذا وهذا، وأجاب أهل العلم عن هذا بأجوبة من أحسنها أن هذا مختلف باختلاف الأحوال وأن الغالب أن يتأخر وقد يتقدم ولهذا قد توجد الحركة في الجنين قبل الأربعة أشهر، وقد توجد بعد شهرين ونصف، ثلاثة توجد الحركة أو أحيانًا قبل ذلك فهذا جواب.
لهذا هنا لم يذكر في هذا الحديث أنه تنفخ فيه الروح بعد الأربعين وإنما ذكرت الكتابة وهناك في حديث ابن مسعود ذكر أن نفخ الروح يكون بعد الكتابة؛ لأنه قال ثم يبعث الله إليه ملك بأربع كلمات ثم ينفخ فيه الروح وهذا يدل على أن نفخ الروح متأخر بعد الكتابة التي هي بعد عشرين ومائة من الليالي، ونفخ الروح دليله الحركة، الحركة في جنين قد تكون قبل ذلك، لهذا قالوا هذا الحديث يدل على أن الروح قد تنفح بعد زمن وجيز لأنه بعد ما كتب يكون النفخ والله أعلم متى يكون نفخ الروح.
المقصود أن من أحسن أوجه الجمع بين هذين الحديثين أنه يحمل على الاختلاف، اختلاف ما يقدره الله -جل وعلا- فتارة تكون الكتابة مبكرة، وتارة تكون الكتابة متأخرة وهو الغالب بما دل عليه حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -.
المسألة الثانية: قوله هنا: فيقول يا رب أذكر أو أنثى؟ فيكتبه، علم ما في الأجنة الذي اختص الله -جل وعلا- به في خمسٍ لا يعلمها إلا الله أعم وأشمل من كون ما في البطن ذكر أو أنثى؛ لأن الله -جل وعلا- يقول:
-ويعلم ما في الأرحام - ما في الأرحام عام، يعني الذي في الأرحام أو كل ما في الأرحام لأن الاسم الموصول يعم فكل ما في الأرحام من الجنين ومن تغذيته، من ترقيته ومن تقلبه في أنواع الخلق وما تغيض الأرحام وما تزداد كل هذا يعمله الله، مختص الله -جل وعلا- به على وجه التفصيل فلا أحد يعلم ما في الأرحام على وجه التفصيل إلا الله -جل وعلا- من ذلك هل الجنين ذكر أم أنثى فيختص الله -جل وعلا- بهذا العلم في الخمسة التي لا يعلمها إلا الله من ضمن علمه - جل جلاله - بما في الأرحام يختص بما قبل الأربعين أو بما قبل الخمس والأربعين؛ لأن هنا قال أن الملك يعلم وإذا كان الملك يعلم فخرج عن الاختصاص في خمس لا يعلمها إلا الله فيعلم الملك بعد الوحي والأمر بالكتابة هل هو ذكر أم أنثى، فما هو بعد ذلك لا يدخل إذًا في الاختصاص لأنه خرج بالخمس والأربعين ليلة عن اختصاص الله -جل وعلا- بعلمه هل هو ذكر أم أثنى فعلم الملك، فإذاً لم يكن أمرًا غيبيًا مختصًا بالله -جل وعلا- ولهذا الذي في الجنين، أبوبكر - رضي الله عنه - صح عنه أنه نظر إلى بطن امرأته فقال فيها أنثى وذكر عن جماعة من الصالحين وأهل العلم أنهم عندهم كشف علمي بما يلهمهم الله -جل وعلا- فيعلمون ما في الرحم يعني بعد مدة فيقول فيه ذكر أو أنثى ومعلوم أن هذا بعد الاستبانة، استبانة المخلوق في البطن مثل ما هو حاصل الآن من بعض الأجهزة الطبية يصورون فيعلمون هل هو ذكر أو أنثى بالصورة بدلائل وجود علامة الذكورة في فرج الجنين وعلامة الأنوثة كذلك.
والمقصود هذا تنبيه على أشياء عامة في الأحاديث فيما يتصل بموضوع الكتاب ولا شرح هذه الأحاديث يحتاج إلى تفصيل كبير.
سؤال: هل نهاية الحديث فيها تعارض مع قوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} .
الجواب: لا {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ} هذا بما في صحف الملائكة من التقدير التفصيلي، وأما التقدير العمري فهو إجمالي مثل ما في اللوح المحفوظ لا يزاد فيه ولا ينقص، كما قال -جل وعلا-: {وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} أي أصل الكتاب الذي هو اللوح المحفوظ.