4 -بابُ الإيمًانِ بالقدَرِ
وقوله الله تعالى: - إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ - [الأنبياء: 101] .
وقوله تعالى: - وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً - [الأحزاب: 38] .
وقوله تعالى: - وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ - [الصافات: 96] .
وقوله تعالى: - إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ - [القمر: 49] .
[متى كان تقدير مقادير الخلق؟]
39 -وفي"صحيح مسلم"عن عبدالله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله: (( إنَّ الله قدَّرَ مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنةٍ قال: وعرشه على الماء ) ) [1] .
(1) رواه مسلم كتاب القدر (4/ 2044) رقم: (2653) من طريق وهب، أخبرني أبو هانئ الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحنبلي عن عبد الله بن عمرو به.
هذا الباب من كتاب أصول الإيمان فيه ذكر الإيمان بالقدر، والإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان التي دل عليها حديث جبريل المعروف حين سأل النبي - عن الإيمان قال: (( أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره ) )فالإيمان بالقدر واجب وفرض وركن من أركان الإيمان لا يصح إيمان أحد حتى يؤمن بالقدر وأدلة ذلك كثيرة في القرآن قال -جل وعلا-: - وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً - وقال سبحانه: - إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ - وقال -جل وعلا-: - وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً -، وقال أيضًا: - وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ -، وقال سبحانه: - إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ -، وقال تعالى: - أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ -، وقال أيضًا: - وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَن يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ -.
فهذه الأدلة تدل على أن الأشياء بقدر والإيمان بالقدر معناه اعتقاد أن الله -جل وعلا- قدر الأشياء بمقاديرها بهيئاتها وصفاتها ووقت وقوعها وتفاصيل ذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض وأنه سبحانه يخلقها إذا شاء، وأنه هو الخالق وحده وأن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وهذه الجملة يمكن أن تفصل بتعريف القدر وذكر مراتب القدر وهذه قد بيناها لكم على وجه التفصيل في شرح الواسطية وفي مواضع متنوعة فلا شك أن الاهتمام بركن الإيمان بالقدر لطالب العلم لابد منه وأنه من المهمات؛ لأنه ما تتضح لك كثير من المسائل ولا معنى كثير من الآيات إلا بمعرفة تفصيل كلام أهل السنة والجماعة في مسائل القدر قوله هنا: - إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الْحُسْنَى - يعني في القدر السابق يعني في الكتاب سبقت يعني في الكتاب قال وقوله تعالى: - وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً - يعني أمر الله الذي يقع ويأمر به ليحدث في ملكوته ويخلق ما يشاء بقوله كن فيكون كان قدرًا مقدورًا ليس أُنفًا ولا مبتدئًا من غير تقدير سابق بل الله سبحانه علم ما سيكون وما اختار أن يكون وما أراد أن يكون وكتب ذلك في اللوح المحفوظ.
قال: وقوله تعالى: - وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ - ما في هذه الآية لها تفسيران:
الأول: أن تكون ما اسم موصول بمعنى الذي، ومعنى الآية حينئذ: والله خلقكم والذي تعملونه.
الوجه الثاني: أن تكون ما مصدرية، تقدير الكلام: والله خلقكم وعملكم وهذا وجه الاستشهاد يعني عمل العامل عمل المكلف خلق الله -جل وعلا- فكما أن الله خلق المكلف فقد خلق عمله: - وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ - يعني وعملكم.
قال: وقوله تعالى: - إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ -، وقوله هنا كل شيء يعني من المخلوقات كل شيء خلقه الله -جل وعلا- جعل له قدرًا، ثم ساق حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما- الذي رواه مسلم في الصحيح، قال: قال عليه الصلاة والسلام: (( إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة. قال وعرشه على الماء ) )هذا الحديث دل على أن التقدير سبق خلق السماوات والأرض، وأن هذا التقدير بمعنى الكتابة فقدر مقادير الخلائق يعني كتب مقادير الخلائق؛ لأن المرتبة السابقة للقدر هي مرتبة العلم والكتابة هذه المرتبة السابقة، والعلم علم الله -جل وعلا- بالأشياء أول أزلي لا يقدر بقبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وإنما الذي كان قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة هذا هو الكتابة، أما العلم فسابق ولذلك نقول أن مراتب الإيمان بالقدر أربعة مرتبتان سابقة قديمة، ومرتبتان واقعة أو حالية فقراءتي هذه الآن أو كلامي هذا من جهة التقدير السابق القديم، فإن الله علم وعلمه أزلي أول بمقامي هذا وقراءتي وكتب ذلك في اللوح المحفوظ قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فلما جاء الإيقاع إيقاع المقدر وقضاء المقدر في ذلك جاءت مرتبتان متعلقة بالواقع وهي مرتبة أن الله سبحانه خالق كل شيء، ومنه عملي هذا وكلامي وقراءتي ومكثي وجلوسي إلى آخره هذا كله مخلوق نفذ به القدر وصار الإيمان به من الإيمان بالقدر؛ لأنه لم ينفذ القدر إلا بذلك فخلق الله -جل وعلا- لهذا العمل وهذه القراءة وهذا الشرح حالي حين وقعت ثم أن الله سبحانه لم يقع هذه القراءة إلا بمشيئته -سبحانه- لا بمشيئة العبد وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ومشيئتي ومشيئتة كل مكلف داخلة في مشيئة الله -جل وعلا- فإذا شاءه العبد فإنه لا يكون ما شاء العبد إلا إذا أذن الله -جل وعلا- به.
ولهذا فرق طائفة من أهل العلم بين القضاء والقدر فقالوا القدر والقضاء يختلفان في المرتبتين الحاليتين وبعضهم قالوا القدر هو القضاء؛ لأن المرتبتين مرتبة عموم الخلق والمشيئة هذه من القدر وهي القضاء وطائفة من أهل العلم قالوا، القدر والقضاء بمعنى لأن القضاء من القدر، والإيمان بالقدر بأربع مراتب ومرتبتان هما القضاء يعني من مراتب الإيمان بالقدر، وقال آخرون يفرق إذا ذكر القضاء والقدر بين القضاء والقدر بأن القضاء هو ما وقع وقضى من القدر، والقدر أعم فلا يقال القضاء والقدر أو نحو ذلك؛ لأن القدر أعم يشمل ما قضى وما لم يقضى فالقضاء هو ما قضى وانتهى من القدر وهذا أولى وهو المتجه بدلالة اللفظ وبدلالة الكتاب والسنة، قال -سبحانه- - فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ - وقال -جل وعلا-: - فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَّ دَابَّةُ الأَرْضِ - وقال: (( لا يقضى الله لعبده قضاءً إلا كان خيرًا له ) ).