الذكاء إن لم يصاحبه زكاء؛ انقلب وبالا على صاحبه؛ مثل العقل، فالعقل أداة للهداية، ونعمة من الله -عز وجل-، ولهذا يُرفع التكليف عمن زال عقله، والعقل مناط التكليف، لكن أحيانا يكون هذا العقل نقمة وسببا لضلالِ الإنسان. كيف ذلك؟! إذا استخدمه في غير ما خلق له، إذا حَمَّلَ العقل ما لا يُطيق، فهؤلاء أذكياء، أعطاهم الله -عز وجل- ذكاء لكن ما أٌعطوه زكاء، وأعطوا علوما أعطاهم الله -عز وجل- العلم، ولهذا لما تقرأ في كتب بعضهم؛ ترى العلم الكثير، لكن ما أعطاهم الله الفهم الصحيح، وما فائدة العلم بلا فهم، لا قيمة له، ولهذا ذكر الشيخ عن بعضهم أنه يذكر في المسألة الأقوال المتعددة في مسائل الاعتقاد غالبا يذكر أحيانا خمسة، ستة، سبعة، عشرة أقوال. يقول: (والقول الحق لا يَعرفه فيذكر.) يا ليته ذكره ورجح غيره عليه، ولكن لا يعرفه فالله -عز وجل- أعطاهم علما ولهذا يقرؤون القرآن ويحفظون القرآن، لكن ما أعطاهم الله -عز وجل- الفهم الصحيح.
وأعطوا سمعا وأبصارا وأفئدة، لكن هل أغنت عنهم هذه الحواس؛ ? فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ ولَا أَبْصَارُهُمْ ولَا أَفْئِدَتُهُم مِّن شَيْءٍ إِذْ كَانُوا يَجْحَدُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ?.
هذه الحواس مثل المال، هذا المال في الأصل أنه نعمة من الله إذا استخدمته في الخير، استخدمته في بناء البيت، شراء مركبة، في الزواج، في المأكل والمشرب، لكن إذا استخدمته في غير ما أُوجد له، استخدمه الإنسان في تناول مخدرات، في الغش على الناس، في أكل ما حرم الله -عز وجل- أصبح نقمة.
(ومن كان عليما بهذه الأمور؛ تبين له بذلك حذق السلف وعلمهم وخبرتهم؛ حيث حذروا عن الكلام، ونهوا عنه، وذموا أهله وعابوهم، وعلم أن من ابتغى الهدى في غير الكتاب والسنة؛ لم يزدد إلا بعدا.)