وقال تعالى: (وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) [الكهف: 27] قال ابن جرير: يقول: إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك فإنه لا ملجأ لك من الله.
وهو صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه: لا ملجأ منك إلا إليك فكيف يكون هو ملجأ خلق الله كلهم؟
وذكر صلاة تقال عند زيارة النبي صلى الله عليه وسلم، للحبيب علي بن محمد الحبشي.
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد أول متلق لفيضك الأول .. هذا اعتقاد الفلاسفة يقرر هذا الطاغوت حيث إنهم يعتقدون أن النبوة فيض فاض على روح النبي صلى الله عليه وسلم يوضحه قوله بعد ذلك: صلاة نشهدك بها من مرآته، ونصل بها إلى حضرتك من حضرة ذاته قائمين لك وله بالأدب الوافر. مغمورين منك ومنه بالمدد الباطن والظاهر ..
فالفلاسفة يعتقدون أن الزائر إذا ذار قبر من يعظمه يوجه همته إلى المزور لينعكس على روحه من فيضه ونوره، وهذه هي الزيارة الشركية والشيطان يريد من بني آدم هذا التعلق والتوجه بالهمة والقصد، لعلمه أن العبد ينقطع بذلك عن ربه؛ لأن هذا لا يصلح إلا له. أما المدد الباطن الذي هو هداية القلوب وصلاحها فقد نفاه الله عز وجل عن نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) [القصص: 56] ومن علم مناسبة نزول هذه الآية الكريمة تبين له الأمر على جليته خلاف ما يعتقده هؤلاء الدجاجلة، فمناسبة نزولها حرص النبي صلى الله عليه وسلم الشديد على هداية عمه أبي طالب وذلك عند موته والقصة مشهورة، والشاهد فيها أنه لم يقدر على هداية عمه فكيف يطلب منه المدد الباطن ولا يعارض هذا قوله تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى: 52] ، فهذه الهداية المثبتة له هي هداية البيان والدلالة والإرشاد وهي أيضاً لأتباعه. أما التأثير في القلوب فلله وحده سواء في الهداية والإضلال وغير ذلك، والمدد الظاهر أيضاً يطلب ممن (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَانٍ) [الرحمن: 29] .
والنبي صلى الله عليه وسلم ما دلنا على نفسه لا بالمدد الظاهر ولا الباطن، بل نهانا أن نلتفت إلى غير خالقنا، فقال:"وإذا استعنت فاستعن بالله".
ويوضح ما ذكرته أيضاً من أنه يقرر معتقد الفلاسفة قوله في هذه الزيارة السابقة:
اللهم اكشف عني حجب الأغيار. اللهم أفض على روحي ما أفضته على روح الكامل من هذه الأمة. وهب لي زهداً كزهد الكامل، وورعاً كورعه، وعلماً كعلمه، ونوراَ كنوره، وفهماً كفهمه، وإقبالاً كإقباله.