وحكم الله عز وجل فيمن شتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأي كلمة لا تليق بمقامه الكريم، حكمه عند المسلمين كافة معروف، لا يخالف فيه عالمٌ أو جاهل، بل لا يخفى على أجهل العوام؛ أنه مرتد خارج من ملة الإسلام تجري عليه أحكام المرتدين المعروفة.
إلا أن شاتم الرسول صلوات الله عليه وسلامه عليه حكمٌ آخر سوى حكم الردة وآثارها، وهو أنه يجب شرعاً قتله على سبيل الحد والعقوبة - مسلماً كان أو غير مسلم - فشاتم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يجب شرعاً قتله لجريمتين؛ جريمة الردة وجريمة الشتم لذاتها، فإن ارتفعت جريمة الردة بالتوبة، لم ترتفع عقوبة الشتم، وهي القتل.
ولا يملك أحد من الناس كائناً من كان العفو عنها إلا رسول الله وحده صلى الله عليه وآله وسلم، وقد انتقل إلى الرفيق الأعلى ولا يعيش معنا في هذه الحياة الدنيا، ولا ينوب عنه أحد في ذلك قط, ذلك أن الحق له صلى الله عليه وآله وسلم؛ فله أن يستوفي وله أن يتركه، وليس لأمته ترك استيفاء حقه من بعده.
فسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشتمه بكل كلام قبيح يوجب الإهانة والنقص والاستخفاف، وكذا كل فعل يدل على السخرية والاستهزاء والتحقير، كل ذلك ردة عن دين الإسلام ناقض من نواقض الإيمان، موجبٌ لكفر مرتكبه ظاهراً وباطناً -سواءً استحل ذلك أو لم يستحله - فهو كافر مشرك مرتد، كاليهود والنصارى، حلال الدم و المال بلا خلافٍ من أحد من المسلمين.
قال القاضي عياض في كتابه"الشفا بتعريف حقوق المصطفى": (اعلم - وفقنا الله وإياك - أن جميع من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله، أو عرض به أو شبهه بشيء على طريق السب له، أو الازدراء عليه أو التصغير من شأنه أو الغض منه أو العيب له، فهو ساب له، والحكم فيه حكم الساب، وكذلك من لعنه أو دعا عليه أو تمنى مضرةً له، أو نسب إليه ما لا يليق على طريق الذم، أو عبث في جهته العزيزة بسخف من الكلام وهجرٍ، ومنكر من القول وزورٍ، أو غيره بشيء مما جرى من البلاء والمحنة عليه، أو غمضه ببعض العوارض البشرية الجائزة والمعهودة لديه، وهذا كله إجماع من الصحابة وأئمة الفتوى، من لدن الصحابة رضوان الله عليهم إلى هلم جرا) .
إلى أن قال: (ولا نعلم خلافاً في استباحة دمه - يعني ساب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - بين علماء الأمصار وسلف الأمة، وقد ذكر غير واحد الإجماع على قتله وتكفيره) .
وهذا الحكم الفصل في الساخر بنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم؛ قد دل عليه كتاب ربنا وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وفعل الصحابة رضوان الله عليهم وإجماع المسلمين كافة.