وفيمن لم تبلغه الدعوة قول آخر: أنه يعاقب ، اختاره ابن حامد ، واحتج بقوله { أيحسب الإنسان أن يترك سدى} [ القيامة: 36 ] والله أعلم ، فمن بلغته رسالة محمد ' ، وبلغه القرآن ، فقد قامت عليه الحجة ، فلا يعذر في عدم الإيمان بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، واليوم الآخر، فلا عذر له بعد ذلك بالجهل .
وقد أخبر الله سبحانه: بجهل كثير من الكفار ، مع تصريحه بكفرهم ، ووصف النصارى بالجهل ، مع أنه لا يشك مسلم في كفرهم ، ونقطع: أن أكثر اليهود والنصارى اليوم جهال مقلدون ، فنعتقد كفرهم ، وكفر من شك في كفرهم .
وقد دل القرآن على أن الشك في أصول الدين كفر ، والشك هو التردد بين شيئين ، كالذي لا يجزم بصدق الرسول ' ولا كذبه ، ولا يجزم بوقوع البعث ولا عدم وقوعه ، ونحو ذلك ، كالذي لا يعتقد وجوب الصلاة ولا عدم وجوبها ، أو لا يعتقد تحريم الزنا ولاعدم تحريمه ، وهذا كفر بإجماع العلماء ، ولا عذر لمن كان حاله هكذا ، بكونه لم يفهم حجج الله وبيناته ، لأنه لا عذر له بعد بلوغها ، وإن لم يفهمها .
وقد أخبر الله تعالى عن الكفار: أنهم لم يفهموا ، فقال: { وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقراً } [الأنعام: 25] وقال: { إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون } [ الأعراف: 30 ] فبين الله سبحانه: أنهم لم يفقهوا ، فلم يعذرهم لكونهم لم يفهموا، بل صرح القرآن بكفر هذا الجنس من الكفار ، كما في قوله تعالى: { قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً ، الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً } الآية [ الكهف: 103-105] .